دخلت الحرب في اليمن، في 27 مارس/ آذار الجاري، عامها التاسع، في ظل هدنة إنسانية لم تُجدَّد، رسميًّا، منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وترقُّبٍ حذرٍ لما ستُسفِر عنه فترة السِّتين يومًا المحدَّدة لنفاد اتفاقية المصالحة بين السعودية وإيران، التي وقَّعتاها في العاشر من الشهر الجاري، بوصفهما طرفي الدعم الخارجي للحكومة المعترف بها دوليًّا، ولجماعة الحوثي، على الترتيب.
 
النمط الجديد للعمليات العسكرية، الداخلية، لجماعة الحوثي، أنها تمضي على طريقة الوثب المتقطع، هنا وهناك، ومن دون أي استجابات حكومية رادعة، الأمر الذي أغراها بِشنِّ مزيد منها، وكان جديدها أخيرا الاستهداف المدفعي وبالطائرات غير المأهولة، لموكب ضمَّ وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة، ومحافظ محافظة تعز، ومسؤولي السُّلطة المحلية، الذين كانوا، جميعًا، في طريقهم إلى تعز، قادمين من المخاء، المدينة الساحلية المشاطئة للبحر الأحمر. فخلال مارس/ آذار الحالي، كانت هنالك محاولة لاختراق مواقع عسكرية تابعة للحكومة في منطقة حَرِيب، جنوبي مارب، ومحاولة توغُّل ناجحة في عُمق مديرية مَرْخة العُليا، بمحافظة شَبْوة، والقيام بتنفيذ تمرين تكتيكي، في أطراف محافظة الجوف، بالقرب من الحدود مع السعودية، وشاركت فيه أنواع مختلفة من الأسلحة الثقيلة، بما فيها الطيران التقليدي (مروحية واحدة)، والطائرات غير المأهولة، والمدفعيتان المتوسطة والثقيلة.
 
وقد مثّل هذا التمرين تذكيرا مقصودا، ومزعجا في الوقت نفسه، للسعودية، بتمرينٍ سابق، أجرته الجماعة، في منطقة البُقع، بصعدة، في مارس/ آذار 2015، بعد بضعة أشهر من اجتياحها العاصمة صنعاء، والذي أثار حفيظتها، حينذاك، ودفعها إلى قيادة التحالف العربي الذي تحاول الخروج منه، بعد ثماني سنوات من الحرب المثقلة بالأعباء، وشحيحة المكاسب.
 
جاءت عودة النشاط العسكري المتقطع لجماعة الحوثي، في سياق تحوَّل إقليمي وثيق الصِّلة بها، وهو اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية، الذي سبقت الإشارة إليه، وحدوث مستجدّات مشجّعة لها، في جانب الحكومة، والنشاط العسكري الميداني، ما دون العنف، الذي تقوم به قيادة وزارة الدفاع التابعة لهذه الحكومة، وبجانبها قيادة التحالف العربي. حيث أجرى وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة، ومعهما قائد قوات الدعم والإسناد التابعة للتحالف، زياراتٍ متواصلةً لمواقع عسكرية لم يَسبِق زيارتها خلال السنوات الماضية من الحرب، نتيجةً لهيمنة وكلاء الإمارات على بعض منها، خصوصًا في عدن، وأرخبيل سقطرى وعبد الكوري، وجزيرة ميُون الواقعة في باب المندب.
 
خلال ذلك، نشبت خلافاتٌ حادّة بين الإمارات والسعودية، بشأن تقاسُم حصص النفوذ، والمكاسب المبكِّرة للحرب، في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن، ما انعكس على مواقف وكلائهما، من القوى الصلبة، سيَّما القوات المدعومة إماراتيًّا، والمتمثِّلة في قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي)، وألوية العمالقة ذات الغالبية السَّلَفية، وعلى مواقف ممثليهما في مجلس القيادة الرئاسي، حيث يمثَّل الأولى عيدروس الزُّبيدي، ويمثل الثانية عبد الرحمن المُحرَّمي.
 
استغلَّت جماعة الحوثي هذه الخلافات في تنفيذ عملياتها السابقة، مُحدثةً الارتياب والشكوك في صفوف خصومها، من أنَّها تعمل في سياق تخادُمي معها، نكاية بأيٍّ منها. لذلك جاءت التفسيرات بشأن تقدّم قواتها في شبوة ومأرب، لتقول إنها محصّلة لعملية تخادُم تَدفع ثمنها القواتُ الحكومية التي تميلُ إلى السعودية. وهكذا بالنسبة إلى الهجوم الذي طاول موكب وزير الدفاع ورفاقه، حيث كانت تهمة التخادُم موجّهة نحو الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي، وبينهما جماعة الحوثي.
 
وأيًّا كانت حقيقة هذا التخادم من عدمه، تعلم جماعة الحوثي أين تضع قدميها، كلما سنحت الفرص لها، فهي تمضي في اتجاهاتٍ كلها يجب أن تحقِّق لها مصالحها، سواءَ في اتجاه السلام الذي تُدفع إليه، أو في اتجاه الحرب الذي تحاول العودة إليه، وفي إطار المعركة الداخلية التي تَستثمِر فيها الهُدنة الإنسانية، وتشظِّي خصومها، وتعارُض أجندات الأطراف الخارجية الداعمة لهؤلاء الخصوم، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات.
 

*نقلاً عن العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر