تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية كدولة منتصرة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي مع مسائلة الوحدة اليمنية، وكذا استقلال اريتريا في الضفة الافريقية المقابلة كإرث سوفياتي خالص ينبغي تبديده وبعثرته واعادة صياغته وهيكلته بما ينسجم مع المعادلة الأمنية الجديدة التي نشأت عقب انهيار الإتحاد السوفياتي، وبما يتلائم مع استراتيجيات الاسواق المفتوحة؛ كأهم متطلبات النظام الدولي الجديد احادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.
 
ففي اليمن عملت الولايات المتحدة الامريكية وهي القطب الوارث لتركة الاتحاد السوفياتي مع اليمنيين في الشطرين في إنجاح التسوية الوحدوية على النحو الذي يؤدي الى بعثرة وتعويم الارث السوفياتي، واذابة التقاليد الاشتراكية في دولة الوحدة، وكذا تبديد المنظومة التسليحية السوفياتية لدولة الجنوب السابقة في معمعة حرب صيف 1994م.
 
وبالنسبة للضفة الافريقية المقابلة وفي سبيل تحقيق الهدف ذاته دعمت الولايات المتحدة استقلال اريتريا،  ولقد كان من الواضح في حينها ان الادارة الأمريكية كانت اكثر حماسا على استقلال ارتيريا من الرئيس اسياس افورقي الذي كان يقود الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا ضمن تحالف جبهات الشعوب الاثيوبية الثورية لإسقاط نظام منجستو، والهدف الامريكي كما قلنا هو تفتيت تركة الإمبراطورية السوفياتية في القرن الافريقي، وطالما وان اثيوبيا كانت موحدة مع اريتريا في ظل هيمنة المعسكر السوفياتي فالمفترض من المنظور الامريكي تغيير هذا الوضع في ظل هيمنة القطب الواحد.
 
وبالتالي حتمية انفصال اريتريا عن اثيوبيا لدواعي امريكية خالصة ذات صلة ببعثرة التركة السوفياتية وقوامها الاستراتيجي واعادة ترتيب المنطقة في اطار نظام القطب الواحد، لاسيما وان الجبهة الشعبية لتحرير التجراي بقيادة زيناوي وهي حليفة الامريكان في الحرب الباردة والمفوضة بتسلم الحكم في اثيوبيا كانت تفتقد  لمهارات حكم الدولة، في حين ان المهارات التي حكمت اثيوبيا من ايام سلاسي ومنجستو هي مهارات ارتيرية خالصة وهذا ما جعل امريكا اكثر حماسا في بعثرة كادر الحكومة الموحدة كونها مهارات ذات صيغ اشتراكية لا تتناسب مع سياسة الاسواق المفتوحة ؛ فضلا عن الحرص الامريكي في تبديد الترسانة العسكرية السوفياتية في حروب ثنائية بين الدولتين.
 
الان من الملاحظ ان منطقة ضفتي البحر الاحمر تشهد تفاعلات امنية، ففي الضفة الاسيوية يحتشد المجلس الانتقالي من اجل الانفصال، وفي الضفة الافريقية هناك تفاعلات وحروب امنية وايضا دعوات قومية كوشية لاستعادة امبراطورية كوش الموحدة، ولكن ورغم كل هذه التفاعلات في الضفتين لازالت مخرجات النظام العالمي القطبي الواحد حتى اللحظة كماهي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، إذا لم تشهد هذه الخارطة القطبية اي تحريك.
 
ومع استمرار الحرب الاوكرانية والتورط الروسي فيها واستعادة الامريكان لزمام المبادرة فان المؤشرات تبدو واضحة بان تلك الخارطة ستظل ثابتة ولو نسبيا وبالتالي لا نتوقع ان يقبل النظام القطبي الامريكي  الواحد اي تغيير في ثوابته، او تبديل في خارطته المرسومة، او السماح باي خروج عن سياقات وتنظيم حلقات المنظومة الامنية للقطب الواحد، وها هي جمهورية ارض الصومال لازالت تفتقد الى الاعتراف الدولي رغم انها دولة مستقرة وراسخة واجرت خمس دورات انتخابية ولكنها لا زالت حتى الان في انتظار تحريك مربعات الخارطة الدولية التي ارساها النظام الدولي احادي القطبية منذ سقوط معسكر السوفياتي.
 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر