الإصلاح والانتقال الاستراتيجي 


عبده سالم

مما يحسب للإصلاح انه أحسن منذ تأسيسه اعتماد خطة فاعلة للانتقال الإستراتيجي من وضع الى وضع، ومن مرحلة الى اخرى، ولو بقدر من الإيجابية والإنجاز على المستويين العملي والنظري. 
 

في  13سبتمر١٩٩٠م وعلى قاعدة الانتقال الإستراتيجي من شرعية العمل السري الى شرعية العمل الحزبي المعلن ولد التجمع اليمني للإصلاح كحزب سياسي عملاق تجاوز كل ظروف التأسيس، ليدخل بعد اقل من سنتين من ميلاده وقائع العملية الانتخابية للبرلمان اليمني حاصدا ربع مقاعد البرلمان وهو لايزال بمشروعية ظروف التأسيس. 
 

وبعد هذا التاريخ وفي أقل من سبع سنوات تمكن الإصلاح من الانتقال الاستراتيجي من الشرعية الحزبية الى الشرعية السياسية والعمل السياسي الجبهوى في اطار تكتل احزاب اللقاء المشترك، ليعطي بذلك المعادلة السياسية اهميتها وتنوعها ، وليعيد القيمة للمعارضة السياسية ومركزيتها كركن فاعل في النظام السياسي التعددي "السلطة + المعارضة" بعد ان كان النظام التعددي على وشك ان يفقد احد ركنية عقب حرب ٩٤م. 
 

فضلا عن تمكنه من تجسيد مبدأ الشراكة السياسية، واعتماد النضال السلمي وسيلة لاستعادة الحقوق والحريات، والذي بموجبه حصلت المعارضة على سلطة حقيقية وهي سلطة "الاعتراض" في مقابل سلطة "الحكم"، وبه تمكن الاصلاح مع شركائه ولأول مرة من خوص انتخابات رئاسية تنافسية قوية هزت من مركزية النظام الحاكم واوجدت فيه اختلالا كبيرا افضى به الى التهاوى والسقوط مع تشكل ظاهرة الربيع العربي. 
 

كل ذلك حدث في إطار القواعد الديموقراطية والعمل المدني والنضال السلمي، بعيدا عن كل اشكال العنف والعنف المضاد وبشراكة متناغمة ومعقولة الى حد بعيد بين شركاء الحياة السياسية، بصرف النظر عن التعثرات التي حدثت بفعل الأخطاء والتجاوزات من مجمل أطراف الشراكة، فضلا عن الظروف الموضوعية المؤثرة، وفي المحصلة تمكن الاصلاح من تجاوز تعثرات العمل السياسي المشترك، والاستفادة من ايجابياته. 
 

ومن ثم الانتقال بمهارة وسلاسة الى الشرعية الوطنية العامة المرتكزة على المفهوم الوطني بعمقيه الجغرافي الجهوي، والشعبي الشرائحي، حيث شهد التجمع على المستوى الجغرافي عملية انتشار منظمة كبيرة وواسعة على مساحات الوطن في كل محافظاته، في إطار تعزيز مبدأ "لامركزية التنظيم" حيث اعطى الإصلاح للتنظيمات المحلية الاستقلالية الكاملة. 
 

وعلى المستوى الشعبي اسند الاصلاح عملية  التوسع الشرائحي في مختلف مكونات وشرائح المجتمع اليمني بنسب متفاوتة، وشجع انتشار الكيانات النقابية والمنظماتية والجمعيات الحرفية والخيرية، والاتحادات الطلابية والشبابية والنسوية كل ذلك في اطار مبدأ الانتقال الاستراتيجي الى المشروعية الوطنية العليا، ومع انبلاج ظاهرة الربيع العربي وفي طار الانتقال الإستراتيجي الى الشرعية الوطنية تخندق  الاصلاح بخندق مطالب الشعب ، جنبا الى حنب مع مطالب الشباب المطالبة بإسقاط السلطة بالسلمية، مع ابداء قدر كبير من الحفاظ على مفهوم الدولة والحفاظ على السيادة والجمهورية والوحدة والعلاقات الإقليمية. 
 

وفي ظل حلقة نضالية متشابكة وبالغة التعقيد افقدت الاصلاح بعض من القدرة على التحكم بكل مخرجاتها، الا انها افضت في النهاية الى تسوية تاريخية جسدتها المبادرة الخليجية للحفاظ على الدولة من الانهيار، وتخليصها من عملية سطو ايراني باتت مؤشراتها واضحة، وهي التسوية التي تم الانقلاب عليها بأدوات النظام القديم وبعض من تربيطاته الإقليمية. 
 

من اعماق القلب نبارك للإصلاح ذكراه التأسيسية الثانية والثلاثين مع التأكيد على ما يلي: 

اولا: الاصلاح حزب عظيم ويمتلك معظم مفاتيح القضية اليمنية بحكم تمدده المجتمعي الشرائحي، وكذا الجغرافي الجهوي، وبحكم ارتكازه على منطلقات الجمهورية والوحدة والديموقراطية والسيادة والحفاظ على المصالح العليا للوطن، وبحكم مايمتلكة من اجندات واسعة في الحياة المدنية، الا ان لا الاصلاح ورغم كل هذه الامتيازات قد لا يمتلك كل المهارات القيادية الملهمة التي تستطيع التعبير عمليا او حتى تنظيريا عن مكامن هذه العظمة في الحزب، فضلا عن مهارة الإمساك بكل مفاتيح القضية الوطنية التي هي من مخرجات هذا الحزب العظيم. 
 

ثانيا: ان مهارة الانتقال الاستراتيجي من شرعية كفاحية الى شرعية كفاحية اخرى اوسع واشمل،  تحتاج الى شروط ومواصفات الحزب القائد اكثر من حاجتها الى  شروط ومواصفات الحزب الفاعل، بالنظر الى ان الفاعلية النضالية في غياب القيادة النابهة تتحول في الغالب الى اعباء على الكيان المناضل. 
 

ثالثا: اثبتت الوقائع ان تخندق الإصلاح في خنادق المشروعية الوطنية ومرتكزات الجمهورية والوحدة والديموقراطية والسيادة والحفاظ على المصالح الوطنية العليا، بقدر ما حمت الاصلاح من الهجمات ووفرت له شروط الاستعصاء كحزب يتمتع بمشروعية وطنية، الا انها ارهقت المشروعية الوطنية بكل ركائزها، حيث اصبحت سهام خصوم الاصلاح تستهدف هذه المرتكزات الوطنية قبل ان تصل الى الاصلاح نفسه. 
 

ومثل هذا الوضع يحتم على الاصلاح انطلاقا من مسئوليته الوطنية ضرورة وضع التدابير واتخاذ السياسات وتعزيز الشراكات الوطنية لحماية هذه المرتكزات من هذه السهام القاتلة التي تستهدف المرتكزات الوطنية قبل الاصلاح، وفي المقابل من ذلك فإن مسئولية الأمن الجماعي الوطني تحتم على جميع الشركاء إطلاق شارات التحذير للغير بان الجمهورية والوحدة والسيادة والديموقراطية ومصالح الوطن العليا ليست هي الاصلاح. 
 

رابعا: من المهم ان يعلم الاصلاحيون بان أخطر مراحل الكيانات السياسية المنظمة هي التي يصبح فيها الكيان أكبر من الحزب واقل من الدولة. 

 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر