الجبايات تغتال اليمنيين


زكريا الكمالي

يختلف تجار الحروب وأمراء الجماعات والفصائل المسلحة اليمنية في كل شيء، ابتداء من العقيدة، وطريقة التفكير، وإدارة المعارك، وصولاً إلى الملامح الشخصية، لكنهم يتفقون على نقطة واحدة، هي نهب المواطن، وكيفية استثماره في تنمية الأرصدة المالية.
 
لم يتشرذم اليمن في كافة المجالات. لا تزال هناك قواسم مشتركة، والدليل أن الجماعات الحاكمة تحاكي بعضها، وربما تعقد اتفاقيات توأمة سرية من أجل تبادل الخبرات حول "مهارات ابتلاع مؤسسات الدولة وتوسيع الجبايات".
 
وخلال الأيام الماضية، اتفقت السلطات العسكرية والمحلية الموالية للحكومة المعترف بها دولياً في مدينة تعز على نهب موارد الدولة، من خلال فرض رسوم غير قانونية لمواجهة ما وصفوها بـ"التزامات ذات صلة" بالمؤسسة العسكرية، وتوريد الموارد إلى حساب بنكي خاص بقيادة محور تعز العسكري.
 
الاتفاق الذي وقعه قادة السلطة، المحلية والعسكرية، نص على استحداث منفذ جمركي جديد، ومضاعفة رسوم كل شيء داخل المدينة، من أجور نقل ورسوم خدمات، إلى الضعف، بحيث يتم توريد نصفها لمحور تعز العسكري، تحت مبرر "معركة التحرير"، التي تبدو كسراب.
 
ليس لدى السلطات الحاكمة في تعز أي إحساس بالمسؤولية حيال المواطن الذي يموت ببطء بعد انهيار العملة، وتجاوزها 1000 ريال أمام الدولار الواحد. يدفع سكان تعز ثمن السلع بشكل مضاعف عن كل المحافظات، جراء ارتفاع أجور النقل بسبب حصار الحوثيين منذ 6 سنوات، ووجود عشرات النقاط الأمنية للقوات الشرعية التي تأخذ جبايات غير قانونية على البضائع، وهو أمر يعكسه التجار مباشرة على المستهلك.
 
معركة الجبايات والنهب غير المشروع هي الوحيدة التي تحقق أهدافها بدقة، وتتجاوز الجغرافيا والمنطق. والدليل أن سلطات تعز، التي يُفترض أنها "شرعية"، بدأت في محاكاة تجربة "المجلس الانتقالي الجنوبي" في الاستحواذ على موارد ومؤسسات الدولة بمدينة عدن ونهب التجار وقوافل البضائع، فيما كان "الانتقالي" قد استفاد من تجربة الحوثيين في صنعاء ومحافظات الشمال التي تنهب الموارد وتفرض زكاة الخُمس على المواطنين.
 
عقارب ساعة الفاسدين فقط هي التي تعود إلى الوراء، وتستفيد من تجارب الخصوم. وبما أن صنعاء باتت خارج الحسابات، حيث استسلم الناس فيها للسلطة الاستبدادية، فإنه لم يعد أمام الحكومة الشرعية من وظيفة تشغل بها وقت فراغها القاتل في الرياض سوى إلغاء القرارات التي يتخذها "المجلس الانتقالي" في عدن ومحور تعز العسكري، رغم أنها السبب، فـ"المال السايب يعلم السرقة".
 
والسبت الماضي، وجّه رئيس الوزراء معين عبد الملك بإلغاء قرار محافظ عدن أحمد لملس، الموالي للانفصاليين، بتعيين مدير لشركة النفط، تجاوز فيه صلاحياته. وفي اليوم ذاته وجه بـ"إلغاء اتفاق السلطات في تعز، وإيقاف أي ممارسات تتضمن فرض رسوم خارج القانون، ومحاسبة كل من يمارسها". في عدن من المؤكد أن "الانتقالي" لن يتراجع عن قراراته، لكن في تعز، لا يجب أن ينتظر الناس صحوة حكومية لإنقاذهم من الفساد.
 
على الشارع أن يرفض ما يجري من محاولات تجويع ممنهج، ونهب لمصادر دخلهم بشكل غير قانوني، وعلى الأحزاب أن تحدد موقفها بشكل صريح مما يجري من فساد. إن الاتفاق الذي يشرعن النهب تم توقيعه من قبل وكيل محافظة موالٍ لحزب "المؤتمر" هو الشيخ عارف جامل، وقادة عسكريين منتمين أو محسوبين على حزب "التجمع اليمني للإصلاح". صمتهم يعني أنهم شركاء في جريمة اغتيال المواطن، والتي ستكون هذه المرة بنيران صديقة، وليس بقذائف الحوثيين.
 
 
*نقلاً عن العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر