قفز المخلوع صالح إلى الواجهة مجدداً على خلفية دعوات تحريضية أطلقها أمام العشرات من أنصاره الذين تجمعوا في قبو سري تابع للمخلوع بالعاصمة صنعاء، ودعا فيها صراحة إلى "تصفية" مدينة صنعاء والمديريات القبلية المحيطة بهذه المدينة من أعضاء الإصلاح ثاني أكبر حزب في البلاد، والذي لعب دوراً مهماً في الإطاحة بنظام صالح في شباط/ فبراير 2011.

 

القاعة التي يعقد فيها صالح اجتماعاته الجماهيرية بمدينة صنعاء، هي طابق تحت أرضي في أحد قصوره المدمرة إن لم تكن تحت الجامع الذي شيده في الطرف الشرقي لميدان "شهداء السبعين يوماً"، بوسط المدينة المكلومة بفقدان أفضل مزاياها وهي أنها كانت حتى أيلول/ سبتمبر 2014ساحة عيش مشترك يجمع كل اليمنيين.

 

وسيواصل المخلوع عقد اجتماعاته في هذه القاعة التي توحي للبسطاء بأنه لا يزال يُحكم السيطرة على مقاليد الأمور، وأنه وحده الآمر الناهي في "دولة القبو العفاشية"(نسبة إلى لقبه العائلي القديم "عفاش")  التي أسسها تحت أنقاض أوهامه السلطوية، فيما هو يفقد سيطرته شيئاً فشيئا، ويفقد معها أعصابه وانضباطه، وقدرته على التعايش حتى مع حلفائه السابقين(الإصلاح) الذين تخادم معهم نحو ثلاثة عقود وكانوا وراء حالة الرضا المجتمعية التي حصل عليها، وهي حالة لم تكن بالطبع تعكس عدالة سلطته وكفاءته، بقدر ما غطت على الفشل الذريع لهذا الدكتاتور في بناء دولة المواطنة والمؤسسات، وفي بناء اقتصاد مزدهر يستوعب متطلبات وتطلعات أكثر دول الجزيرة العربية والخليج سكاناً.

 

لم يدرك المخلوع صالح أن في ثنايا خطاباته المتشنجة تكمن أكثر الحقائق مرارة عن الحال التي وصل إليها هذا السياسي المخادع مؤخراً. فبعض الكلمات تنبئ عن ضعفه وعن بقاء نهج الارتزاق سلوكاً مميزا لأنصاره القبليين الذين يتجمعون حوله كلما دعاهم للقيام باجتماعات استعراضية.

 

 إحدى هذه الكلمات أو العبارات "عنقود العنب الحامض" التي تلخص شروط وطلبات أبناء القبائل المحيطة بصنعاء، مقابل اشتراكهم في المعركة الدائرة حالياً، وهنا يكشف صالح دون أن يدري عن المرارة التي يشعر بها في سياق مهمته لإبقاء قبائل طوق صنعاء جزء من معركته.

 

الذين تجمعوا في "قبو الدولة العفاشية" هم قادة حزبه الميدانيين الأكثر تمسكا بأمل بقائه زعيما مسموع الكلمة ونافذ الرأي، والأهم من ذلك أن المخلوع صالح لا يزال يتواصل معهم في السياق التنظيمي والعسكري والأمني، ومعظمهم يحصل على المكافآت المحدودة التي يوفرها لهم من الأموال العامة المنهوبة.

 

معظمهم بالطبع وصلوا إلى تلك القاعة من قراهم عبر مسارات يسيطر عليها الحوثيون ويفرضون هيمنتهم عليها، وخارج تلك القاعة ثمة دولة أخرى يؤسسها الحوثيون بأحقاد قرون من الزمن، ويحرصون باستمرار على تهميش أنصار صالح شريكهم في الانقلاب على السلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي.

 

وفي الوقت الذين كان المخلوع يحرض فيه أنصاره على القتال في الجبهات، كان أيضاً يكشف عن خيبة أمله في الاستعراضات التي اعتاد أبناء القبائل القيام بها لبضع ساعات، أمام الكاميرات، لكنها في الحقيقة لم تكن تعني شيئاً بالنسبة للمعركة، لذا طالبهم بالتوجه مباشرة إلى الجبهات عوضاً عن الاستعراضات.

 

المخلوع صالح ورغم أنه ظهر كمن كان يكشف عن السلاح الاستراتيجي المخزون، والمتمثل في وجود 400 ألف ضابط وصف ضابط وجندي من المدربين على القتال متأهبين للدخول في المعركة، فإنه كشف عن أن هؤلاء انتهى بهم المطاف إلى بيوتهم وليس هناك سبباً مقنعا يدفعهم للذهاب إلى جبهات القتال في ظل هذه الحالة من عدم الوضوح وفي ظل غياب التغطية الجوية التي تسببت في حصد المئات من زملائهم في معركة لا أهداف وطنية لها.

 

المخلوع عزا بُعد هؤلاء عن المعركة إلى عملية إعادة الهيكلة التي طالت وحداتهم القتالية، وهي عملية كانت تستهدف إعادة تكييف المؤسسة العسكرية لتصبح مؤسسة وطنية وتخضع للتراتبية العسكرية، وتؤدي دورها بمهنية وقبل ذلك كانت هذه الهيكلة تريد أن تقوض هيمنة المخلوع وأبنائه على الوحدات العسكرية التي أنشئت من أجل حماية سلطة العائلة.

 

اختتم المخلوع صالح خطابه الذي ألقاه الخميس الماضي، أمام تجمع من أنصاره ينتمون إلى محيط صنعاء، بالتحريض على حلفائه السابقين، وكان يقصد بالطبع كل من ينتمي للإصلاح من الرجال والنساء المسالمين في منازلهم في قرى النطاق القبلي المحيط بصنعاء، وفي مدينة صنعاء نفسها.

 

دعوة عبرت عن يأس لا سابق له، وفقدان أمل بإمكانية إعادة ترميم تحالفاته السابقة، وهو الخيار الذي أبقاه رهن الاستخدام في الوقت المناسب.

 

 ويعزى هذا التصعيد تجاه حزب سياسي كبير في اليمن والذي رفض من معظم العقلاء المنتمين لحزبه، إلى فشل مخطط قيل إن الإمارات تقف وراءه ويهدف إلى إعادة استيعاب صالح ضمن تسوية سياسية قادمة، مقابل فض هذا الأخير شراكته مع الحوثيين، وكان وراء هذا الفشل بحسب المعلومات المسربة، الرئيس هادي والتجمع اليمني للإصلاح.

 

كل ما أستطيع أن أقوله إن الدعوة إلى استهداف كل ما هو "إصلاحي"، بما تنطوي عليه من دعوة صريحة للحرب الأهلية ولتفكيك عرى المجتمع، تعني أن صالح يستخدم القوة الاحتياطية المتبقية لديه وهي الحقد والغدر وسوء الخلق.

 

 

*عربي21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر