(1)

 
سبع سنين عجاف يعيشها اليمن في حروبٍ متناثرةٍ على امتداد الساحة اليمنية، الحوثيون في الشمال جماعة خارجة عن السلطة الشرعية، ومنشقّة عن نتائج الحوار الوطني بين مكونات الشعب اليمني، الذي انتهت جلساته في 25 يناير/ كانون الثاني 2014 بإعلانه الوثيقة الختامية التي اتُّفِق عليها.
 
عام 2015، انشقت جماعة الحوثيين الذين كانوا شركاء في الحوار الوطني، وبقوة السلاح، وتحت ذرائع واهية استولوا على العاصمة صنعاء بكامل مؤسساتها وقياداتها، إلا من تمكّن من الهرب والاستغاثة بدول الجوار. ثم في جنوب اليمن، شُنّت حرب أخرى، بمقاصد وطنية لردع الحوثيين المنشقين، واستعادة السلطة الشرعية والعاصمة من أيدي الباغين عليها (الحوثيون)، ولكن تلك الحرب انحرفت نحو التبعية للغير، وتبني مبدأ الانفصال.
 

(2)

 
بطلب من الحكومة اليمنية الشرعية، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، تدخلت السعودية ضمن ما عُرف بالتحالف العربي، الذي تكوّن، في بادئ الأمر، من جميع دول الخليج العربية إلا عُمان التي آثرت البقاء على الحياد، وانضمت إليه دول عربية وإسلامية أخرى، وانتهي الأمر به إلى ابتعاد الكل، وبقيت السعودية والإمارات وحيدتين فيه.
 
 
وبكل أسف وحزن، انحرف هذا التحالف عملياً عن أهدافه المعلنة، استعادة العاصمة صنعاء وعودة الحكومة الشرعية إليها، وذهب بعضهم إلى تقسيم الغنائم، ولكل حصته. أخذ الحوثيون في التوسع والتمدّد في كل أرجاء شمال اليمن، من صعدة شمالاً، مروراً بعمران وصنعاء وحجّة والحديدة وذمار والبيضاء والجوف، يحتلون أكبر مدنه، والحصار يشتد على مأرب الخالدة الصامدة، وفي تعز مقاومة باسلة، على الرغم من قلة المدد بكل أنواعه. وقد تحققت، في الأسبوع الماضي، بعض الانتصارات، وفُكَّ الحصار جزئياً عن المدينة. وأطلب من الله أن تنال هذه المقاومة الوطنية دعم السعودية بكل متطلباته، وأهمها المال والسلاح.
 

(3)

 
ظهور الناطق باسم قوات التحالف في الرياض، العميد تركي المالكي، على ضفاف سد مأرب واجتماعه بالمحافظ سلطان العرادة، ذلك الرجل الشريف الشجاع، وقادة الجيش اليمني، أمر يبشر بالخير، لكن ذلك الظهور الواضح لا بد أن تتبعه أعمال تنفيذية، ومن أهمها صرف مستحقات الجنود المرابطين في الجبهة، ويدهم على الزناد، تزويد الجيش اليمني بأسلحة قتالية متطورة وذات فاعلية عسكرية، تزويده في كل جبهات القتال بكاسحات ألغام، لأن الحوثيين زرعوا الأرض بألغام ضد الأفراد والعربات، وبثوا كميات ضخمة من "شراك خداعية" تنفجر بمجرّد اللمس، الأمر الذي يتعذّر على قوات المشاة أو المدرّعات التقدّم وتحرير الأرض من قبضة العدو.
 

والضربات الجوية لا تحسم معركة، بل تمهّد الأرض لتقدّم قوات المشاة لتحرير الأرض. وانتصار الجيش اليمني في مأرب والجوف وشبوة، في حدّ ذاته، خط الدفاع الأول عن السعودية. وخطير ذلك القول إن السعودية لا تستطيع أن تزود الجيش اليمني بالسلاح، لأن الولايات المتحدة تقيد مستوردي السلاح الأميركي بعدم استخدامه عبر الحدود، أو إعطائه لدول حليفة. وهو قول مردود عليه، ففي وسع السعودية (أو غيرها) السماح للجيش اليمني الذي استنصر بالسعودية أن يتزود بالسلاح من السوق العالمية بدعم مالي من زعيمة التحالف، ما يعفيها من المساءلة. سلّحت الإمارات أنصارها ومليشياتها في جنوب اليمن بأسلحة خفيفة وثقيلة، من غير مصدر أميركي، كذلك فإنها تسلح مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، وتمد الاثنين بالمال من دون مواربة، ولم تخضع لمساءلة دولية أو أميركية.

 
ترتكب دول التحالف العربي ظلماً تاريخياً لليمنيين بعدم تقديم الدعم لمهمة الدولة اليمنية، ولتسهيل حصولها على حاجتها من السلاح والذخائر. عدم تمكين السلطة الشرعية اليمنية من الحصول على السلاح من مصادر غير دول التحالف، على غير حال القوى الانقلابية شمالاً وجنوباً على السلطة الشرعية، أمر يبعث بالشك والريبة في نيّات قيادة قوات التحالف في اليمن.

(4)

 
تقدّم إيران دعماً غير محدود للحوثيين الذين يناصبون السعودية العداء في كل المجالات، إعلامياً ومالياً وعسكرياً، وتقدّم مستشارين كباراً، وخصوصاً في مجال التسلح الصاروخي والطائرات المفخّخة بدون طيار، التي تستهدف السعودية، ووصل عدوانها إلى أقصى الحدود الشرقية للمملكة إلى الظهران وراس تنورة، ومن قبلها الرياض وجدة والطائف، إلى جانب أبها وخميس مشيط وجيزان. لم يُجدِ الحصار المفروض على الحوثيين من التحالف نفعاً.
 

وكان العميد تركي المالكي قد قال إن السعودية أسقطت أكثر من 350 صاروخاً بالستياً، وأكثر من 550 طائرة مفخّخة بدون طيار، وقد طاول التصعيد، في شهر مارس/ آذار الحالي، أماكن بعيدة عن دائرة الحرب. ولا يعني شيئاً القول إن الصواريخ التي استهدفت الظهران وراس تنورة، في الأسبوع الماضي، انطلقت من البحر وليس من اليمن، فإنها انطلقت من أعداء السعودية. وعلى ذلك، لا بد من تقديم كل الدعم لجيش السلطة اليمنية، وبالكيفية التي تقدمها إيران والمليشيات التابعة لها في العراق للنَّيل من السيادة السعودية.

(5)


ستكون الحرب الدائرة على صعيد مأرب بين الحق والباطل فاتحة النصر أو الانكسار لأيٍّ من الطرفين المتقاتلين على تلك الأرض. فإن رجحت كفّة الحكومة الشرعية في الميدان على خصومها الحوثيين، ومن يناصرهم من خارج حدود اليمن أو داخلها، فإن الطريق يكون مفتوحاً لتحرير بقية المحافظات من ربقة أيتام الإمامة المنقرضة في الطريق إلى تحرير صنعاء، وضمان أمن الأراضي السعودية وسلامتها من أيّ عدوانٍ يأتيها من اليمن.
 
 وإذا أرادت الدولة السعودية تحقيق أمنها في جنوب المملكة، فعليها نصرة جيش الدولة اليمنية بكل الوسائل. وفي حالة رجحان الكفّة لأيتام "الإمامة المنقرضة" واحتلال مأرب، فلن تهنأ السعودية بالأمن والاستقرار، وستُحكَم قبضة الحوثيين على الجوف، ومن ثم التمدّد نحو حضرموت، وتكون لهم الهيمنة على امتداد الحدود السعودية اليمنية جنوباً.
 
آخر القول: نصر من الله وفتح قريب.
 
 

*نقلا عن صحيفة "العربي الجديد"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر