في حضرة مولانا


نبيل البكيري

خرجت تائها من غير وجهة ولا طريق في أزقة اسطنبول التي لا يمل السائر فيها ليلا أو نهارا، تتهادى أمامك ملامح مدينة ساحرة، لا تتقادم بتقادم الزمان ومضي الايام، مدينة يعشقها العابرون من أول نظرة إليها، اسطنبول ساحرة الشرق وفاتنة الغرب، وبينما أنا مجد في السير، فإذا بي فجأة أجدني واقفا في حضرة مولانا، فاعترتني دهشة عجيبة سلبتني قدرتي على الكلام والافصاح.
 
فإذا بمولانا يفاجئني مرحبا بعربية فصحى لا عجمة فيها، قائلا إلى أين الطريق يا ولدي، تلعثمت قليلا من هول الموقف، قائلا ربما إني أضعت الطريق يا مولاي، وربما لم أهتدي إليها بعد، ولكني حتما سأجدها.
 
هز رأسه قليلا قائلا، مثلك يا ولدي لا يظل الطريق مادام طريقه مستقيما وهدفه واضحا، رددت عليه متلعثما، صحيح يا مولاي لكن كما ترى كثرت السبل وتفرق الركب وكل غدى له طريق خاصة به.
 
رفع بصره نحو السماء قائلا، من تكون طريقه نحوه فلا يظل طريقا ولا ينسى، فالطريق اليه بعدد أنفاس الخلائق، فعليك به وهو من يوصلك لقلوب خلقه ومريديه.
 
تثاقلت عيناي خجلا في النظر إليه، وهو يومئ إليا، هلا اقتربت مني قليلا يا ولدي، فطريقك طويل وشاق، ولكن لا تنسى زاد الطريق، فهلم إلينا وإلى حضرتنا، لترشف قليلا من ماء الطريق وقهوتها.
 
متسائلا في ذات الوقت، لكن لم تقل لي يا ولدي، من أين قدمت إلينا بهذه الهيئة التي تشير الى طول سفرك وقلق مقامك هنا ومتاهة سيرك أيضا.
 
آه يا مولانا لو تعلم من أين أتيت لا عفيتني من الإجابة، وهمس قائلا، ولماذا سأعفيك من الإجابة؟
 
قلت له إني قدمت من بلاد اليمن، حيث قهوة العشاق وقوت الصالحين، البلد الذي كان موطن السالكين والعارفين الكبار واصحاب الطريق، بلاد ابن علوان والبرعي وكذلك وأويس القرني وابي أيوب الانصاري، سادة هذه المدينة الكبار.
 
فرد على مندهشة وعيناه تشعان بالإعجاب والرضى، أ أنت يمني يا فتى؟
 
نعم أنا يمني لكني بلا يمن اليوم، وأحن إليها كمعشوقة تتناوشها كل الأمراض والعلل.
 
تنهد قليلا، قائلا هون عليك يا بني، دوام الحال من المحال.
 
لعل بلدك حبيبة الى مولاها وأهلها كذلك، فأحب الله ابتلاء أحبابه بما يكرهون، أيصبرون أم يتبرمون.
 
صمت قليلا وبادرته الكلام قائلا لكن يا مولاي، طال أمد الانتظار وطالت إقامات المنافي، وشوق العودة لا يتوقف، ولا الى الصبر من سبيل.
 
هون عليك يا ولدي وهلم الى حضرتنا وتزود فالطريق شاق وطويل وعليك بخاصة قلبك فإذا ما روضته وطوعته مضى بك في أصعب الطرق وأحلكها راحة وسلاما.
 
تلفت فجأة فإذا بي وحيدا بالقرب من تمثال لمولانا جلال الدين حيث لم أتمالك ذاتي بالانضمام الى حضرته منغمسا في وجدان الشوق والحضرة المولوية، حضرة العارفين به والمنطلقين منه إليه.
 
*من صفحة الكاتب في الفيسبوك
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نبيل البكيري‏‏، و‏‏‏‏وقوف‏، و‏‏شجرة‏، و‏سماء‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر