خريف جمهوريات الموز


عبدالرحمن الهرش

 الأمم المتحدة منظمة دولية أعضاءها هم الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة ووفق اللوائح المنظمة لأعمالها تكون الأمم المتحدة حريصة على أمن وسلامة الدول الأعضاء فيها، وفي حال تعرض أي دولة عضو الأمم المتحدة يقوم مجلس الأمن كإدارة خاصة في هيئة الأمم المتحدة لعقد جلسة واتخاذ اللازم.
 
بعد انعقاد مجلس الأمن الدولي في صنعاء بعام واحد كان ممثل الأمم المتحدة في جولات وزيارات متلاحقة لميليشيا الحوثي في صعدة.
 
هذا الأمر برمته أدى إلى خرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة، إذ لا يصح إطلاقا التفاوض أمميا مع جماعة مسلحة لان ذلك يجعلها طرفا موازيا لكيان الدولة.
 
وهذا يؤدي إلى تقويض الدول الأعضاء إذ أن أي جماعة مسلحة لا تستطيع الوصول إلى الحكم ديمقراطيا تقوم بشن عدة هجمات على الدولة بقوة السلاح ويتم التفاوض معها عبر الأمم المتحدة لتصبح ندا للدولة الأم.
 
عندما وجهت الانتقادات لممثل الأمم المتحدة في اليمن؛ قال حرفيا أنا ميسر اتفاقات ولست معنيا بتنفيذ القانون الدولي.
 
ما كان لمندوب الأمم المتحدة أن يتجاسر لفعل عمل كهذا بدون تنسيق دولي للمشروع القادم في المنطقة.من حيث المبدأ مستقبلا ستصبح وحدة وسلامة الدول ايا كانت مهددة بالجماعات المسلحة وفق ما يجري في اليمن.
 
وعندما بدأت نذر الحرب الإقليمية في اليمن تشعل نارها بالتدخل العسكري عربيا في اليمن تعاقب مندوب اثر الآخر ووفق مبدأ المندوب الأول يهرع المندوب إلى الجماعة المسلحة ثم يعود للتفاوض مع رئيس الجمهورية.
 
قد يقول أي كان هذا تحصيل حاصل أقول له اليوم هنا وغدا هناك أو حتى لو سلمنا أن جماعة الحوثي أصبحت جماعة حاكمة ومعترف بها لا يمنع ذلك من قيام حركة مسلحة أخرى تتفاوض معها للأمم المتحدة ثم تصبح نقيضا للدولة .وهذا ينطبق على الانتقالي أو أي حركة أخرى.
 
لان الخيار الديمقراطي هو الخيار الأمن لتداول السلطة مما يؤدي لتدعيم الأمن والسلم الدوليين بشكل عام .
 
من الغباء الاعتقاد أن قادة الدول في العالم الثالث أو المتقدم لا يدركون خطورة هذا الوضع الجديد.
 
يبدو أننا على أعتاب مرحلة جديدة من الاستعمار وإعادة تفكيك الدول التي نشأت عقب الحرب العالمية الثانية بفضل توازن السياسة الدولية في ظل نظام القطبين، والآن أصبح العالم في ظل نظام الأقطاب المتعددة في دورة سباق عالمي جديد على الموارد والأسواق.
ولما كانت الدول العربية الواقعة على خطوط الملاحة الدولية مناطق متنازع عليها في نطاق الأراضي المحيطة بالمنطقة المركزية حسب سبيكمان فإن اليمن ليست أول ولا آخر دولة يتم تقويضها على هذا النحو.
 
لو أن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ليست في حالة صراع خفي لكان بإمكانها تفويض إحدى هذه الدول كما حدث في سيراليون عام ????م.
 
أن التفاوض مع الجماعات المسلحة دوليا أصبح الآن عرفا سائدا فقبل أشهر تم التفاوض مع حركة طالبان الأفغانية والتفاوض مع حفتر مثلما التفاوض مع حركات أخرى قادمة.
 
يبدو أن خريف جمهوريات الموز وإمارات النفط قد بدأ في الوصول بحيث يعاد تموضع الدول العظمى كما كان في القرون الماضية مع اختلاف التسميات وسوف يسمح الهامش الجديد لبعض الدول الصاعدة مثل الهند، وربما إيران وإسرائيل والبرازيل بالظهور كدول قوية في نطاق الدول القارية أو الفائقة بما يخدم سياسات المعسكر الغربي بتطويق روسيا والصين التي ستقوم بدورها في أعمال مماثلة هنا وهناك لا تزال معظم دول آسيا الوسطى وشرق أوروبا في نطاق التأثير الروسي لكن ليس بما يكفي لتحرك واسع النطاق كما كان الأمر من قبل.
 
تحتاج الصين لمزيد من الذرائع والأسباب الكافية للمضي قدما باتجاه سلسلة الجزر ?وسلسلة الجزر ? لاستعادة بحر الصين أولا.ثم أنها تحتاج مزيد من الحرائق غربا في آسيا وأفريقيا وهذه الحرائق يشعلها ورثة الدول الاستعمارية القديمة في هذا النطاق.
 
بقاء فرنسا وبريطانيا في حالة المتأهب في هذه المعمعة والفوضى التي تحدثها الدول الصاعدة بالتحالف مع واشنطن صاحبة مشروع الفوضى والتي تتحرك الآن في الشرق الأوسط منفردة بوكالة حلفائها القدامى ظنا منهم أنهم سينجون من عملية الهدم والتسوية. أهم المؤشرات الآن تعطي دلالة واضحة في إعطاء مهلة كافية لدولة صاعدة في الشرق الأوسط بالمضي قدما نحو التشكل بأبعادها الكاملة وهي إيران لتكون دولة قوية بما يكفي في تحالفات قادمة لمواجهة أي تمدد صيني أو روسي واحتمال أن تفلت الهند من عقالها كونها دولة قارية تقع وسط خط الملاحة الدولية بين الشرق والغرب وهي مهيأة منطقيا إذا ما طورت قدراتها البحرية والجوية، لكنها ليست في هذا المستوى حتى الآن. الهند لم تستطع تجميع أطرافها المبتورة منها في الشمال ولديها مشاكل سكانية جمة.
 
الصين هي القدرة المتسارعة الآن لمواكبة الحدث بينما علاقاتها الخارجية تقتصر على التجارة والصناعة، لكنها الآن تمضي قدما باتجاه وسط آسيا عبر باكستان وإيران التي كانت أهداف قديمة للاتحاد السوفيتي قديما، وهذا يجعل من سياسة إيران المتارجحة بين موسكو وبروكسل عاصمة أوروبا الجديدة والتي لن تظل عاصمة دائمة عند تحرك القوى العسكرية على الأرض سواء باتجاه آسيا الوسطى أو الجزيرة العربية وأفريقيا.
 
إن اليمن بوضعها الحالي ومنذ عصور يضعها جيوسياسيا نافذة متعددة الأوجه باتجاه المحيط الهندي وبحر العرب، ومن جهة أخرى نافذة مطلة على الداخل الأفريقي بقربها الشديد، وبحكم التأثير المتبادل بين اليمن ودول القرن الأفريقي. كما أنها حاليا كدولة ضعيفة مجرد ممر دولي، لكنها في وضع آخر تصبح شرطي العالم في الملاحة الدولية، وهو حلم كبير لإيران والهند ونسبيا إسرائيل.
ظاهريا تتحرك الإمارات على الشواطئ اليمنية لتوحي للناظرين أنها قوة دولية وواقعيا لا تعدو -الإمارات- أن تكون مجرد صورة ظل للقوات البحرية الأمريكية التي تخشى من خصومها وحلفائها في حال أقدمت على السيطرة العسكرية المباشرة مثلما فعلت في مضيق بنما.
 
صحيح أن حلفائها في الشرق الأوسط أكثر عددا وإخلاصا من حلفائها في البحر الكاريبي، وأمريكا الجنوبية لكن ما يزال شعورهم أنهم أمريكيين يجعلهم يطمحون للندية مع أقرانهم في الشمال لذلك تظل هناك فصول غامضة في السياسة الأمريكية.
 
تقوم إسرائيل بالتحرك عمليا منذ عقود غرب البحر الأحمر حتى أوغندا، لكنها ليست قوية بما يكفي عند نشوب حرب واسعة النطاق، وتحرص إسرائيل على الإبقاء على سياستها المحايدة والمنكفئة على ذاتها خشية جيرانها ناهيك عن الدخول في معترك دولي واسع النطاق؛ لأنها الآن في وضع وسيط بين أوروبا وآسيا وقرب المضيق الدولي بشكل أو بأخر. إنها قلقة فعلا من التوسع الإيراني لكنها لا تستطيع كبح جماح السياسة الأمريكية التي تريد إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط كما تريده أن يكون وإيران مهمة في هذا الوضع الجديد على الأقل كقوة عازلة مع الكبار شمالا وشرقا.
 
فرنسا كدولة عظمى متوغلة جدا في غرب ووسط أفريقيا تظل حذرة ومتوجسة، لكنها ضامنة لبقاء مصالحها في ظل الوضع الحالي أو الجديد لاقلق لديها لان الاتفاقيات البحرية وتحالفها القائم يضمن ذلك بشدة.
 
إيران ظاهريا تتمسك أمام الشعوب العربية والوسطى بسياسة معادية لأمريكا مجرد غطاء يعطيها المزيد من الوقت والاستفادة من التعاون الروسي الحالي الذي يرى في إيران مطرقة ضخمة تفتت الدول المارقة لها أثناء الصراع في أفغانستان وهي الجمهوريات والممالك العربية التي وقفت مع أمريكا يومها. فهي – أي إيران- لم تعد تبالي بردود الأفعال الشعبية لأنها خسرت هذا الرهان في الماضي، وخسرت أيضا الدعم المادي والعسكري للجمهوريات العربية والإفريقية وتمضي قدما في عقاب الشعوب ابتداء من العراق وانتهاء باليمن.
 
الجماعة الإسلامية أيضا هدف رئيسي للطرفين فموسكو عانت الأمرين من تحالفها مع الغرب في النصف الثاني من القرن الماضي، إضافة لحربها لجانب أمريكا ضد الروس في أفغانستان والتي حظيت بدعم العواصم النفطية عربيا لأسباب أيدلوجية مناهضة للمد القومي والاشتراكي.
 
بينما تعتبرها دول غرب أوروبا وأمريكا خطرا متفاقم يهدد مصالحها لتجذرها في الأوساط الشعبية وفي المؤسسات الحكومية لهذه الدول. ولما كان المال عصب الحياة في التحرك للأمام فإن الجماعات الإسلامية عملت على تضخيم مواردها المالية ونشأ عن ذلك ما يسمى بالبنوك الإسلامية عربيا وآسيويا.
 
مهما حاولت الأحزاب السياسية العربية اليمينية أن تتماثل مع اليمين السياسي الأوروبي، فإنها تعد خطرا على السياسيات الغربية والشرقية على حد سواء لذلك عليها تلقي الضربات من هذا أو ذاك حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
 
الأحزاب القومية واليسارية من الضعف السياسي والاقتصادي يجعلها بعيدة فعليا بما يكفي عن التأثير في الأحداث لذلك تظل متارجحة الآن بين أن تكون مع هم الشعوب أو بالرضا عن استهداف اليمين السياسي عربيا سواء من ذا أو ذاك، لكنها عمليا غير مرغوبة من أمراء النفط وغير مرغوبة من جنرالات موسكو وبكين ومازالت الدول الغربية تتعامل معها كقوى معادية فقط .
 
تدور الأحداث تباعا ويسقط الأعداء والخصوم لكن عمليا إيران في طريقها للسيطرة على مضيق هرمز وتتهيأ مستقبلا للتحرك في مياه بحر العرب لتصل إلى البحر الأحمر والشواطئ الشرقية لأفريقيا، وتعزز قدراتها النووية لحماية تحركها حيثما تريد.
 
 العرب الآن بين خيارين إما فتح علاقات جديدة مع إسرائيل وتكوين دولة أوسطية فائقة تكون ندا لإيران فيما تبقى من الدول العربية المناهضة لها وتكفل إسرائيل ضم عدد من الشعوب الإفريقية الصديقة لها إلى هذا التحالف (العربي) وهذا هو مشروع إسرائيل فعلا رغم هشاشته أو الانخراط في اتحاد إسلامي جديد عماده العرب وإيران رغم التناقض السطحي بين عالمين شيعي وسني، وإذا ما حدث ذلك فإن قوة جديدة ستتشكل من إسلام آباد إلى صنعاء والقاهرة حتى الخرطوم.
 
لكن طبيعة الصراع الذي لا يرحم لن يسمح بأي تحالف أوسطي يحافظ على العرب من التمزق سوءا مع تل أبيب أو طهران.
 
طهران ترى أن الخليج العربي شواطئ فارسية وهي عازمة على الوصول إليها مثلما يرى الصيني أن اليابان والكوريين وبقية شعوب الجزر الواقعة جنوب الصين. إنها الأمة الصينية التي جزأها الغرب منه فإن الإيراني يتطلع للخليج ولكل ما يقع في نطاق مرو وخراسان حتى الحيرة وكل ما وصل إليه قديما.
 
عمليا السيطرة العسكرية على السواحل اليمنية تتعلل بالدفاع عن الشرعية والأمن القومي العربي المخترق بقوة في العراق والشام وفي الخليج ذاته.
 
حاليا تتحرك أبو ظبي وأتباعها هنا وهناك على الشواطئ، لكن هذا لا يضمن هجمات الكتل البشرية المتربصة في المرتفعات والأدغال وهو ما يخشاه الراعي الرسمي للسياسة الخليجية عموما فلو كانت لديه خطط ناجحة لهكذا وضع. انهزم في الصومال وأفغانستان وقبلها في فيتنام ولن يدوم الوضع على ما هو عليه فاتهام فيتنام والأفغان بالإرهاب ومثلهم الصومال لم يمكن أمريكا من البقاء على تلك الأراضي مثلما لن تصمد طويلا القوات المنشأة على عجل بحماية الحوامات العمودية ومقاتلات إف ?? لان هذه المقاتلات سبق أن سقطت وفشلت وعجزت حماية أصحابها. كما ذكرت في فيتنام مقديشو وكابول وبغداد صحيح أن عالما إيرانيا جديدا يتوسع للأمام لكن ذلك بفضل غباء الدول العربية نفسها ابتداء من بغداد وانتهاء بصنعاء فليس هناك دولة حليفة تتهم حليفتها بالإرهاب لكي تبرر أطماعها بالتوسع سوى دول عربية، وما حدث في اليمن خير شاهد.
 
 كما أن الدول العربية التي شاركت في الحرب لاستعادة الشرعية في اليمن انسحبت من هذا التحالف لتلقي باليمن في طريق المجهول ستندم كثيرا على ضياع اليمن حين لا ينفعها ندم .
 
الضربات الجوية التي حدثت لقوات حكومية يمنية تتبع الرئيس الشرعي لليمن تجعلني أفكر طويلا في أساس قدوم هذا التحالف وأتمنى لو كان من انقلبوا أعلنوا انتخابات مبكرة تضمن فوزهم حتى ولا هذا الوضع الذي نحن فيه.
أي رئيس هذا الذي يدعمه العرب وهو ممنوع من العودة إلى بلاده ثم تم تدريب قوات تهاجم مقر حكومته التي نصبه فيها العرب أنفسهم اقصد عدن.
 
شخصيا مستعد الآن للقتال مع الغرب أو الشرق لكن لست مستعدا للقتال مع العرب تحت أي مسمى لان العرب لديهم من الحماقة مخزونا هائلا يكفي لدفنهم في رمال الصحاري العربية. فلقد قاتل العرب مرات مع أعدائهم الذين لم يرحلوا إلا بعد الذهاب بعيدا إلى موسكو لطردهم.
 
ليس هناك من اتحاد سوفيتي جديد سينقذكم أيها الحمقى كل من يحيط بنا يرى في بلادنا أراض شبه خالية من السكان يجب أن يسكنها هو.
 
هكذا يرانا الآخرون شعوب بربرية تقع سهوب واسعة لا يستحقونها اعتذر للشعوب العربية التي لم تدخل في إطار التحالف العربي الذي لم يعيد الشرعية ولم يحافظ على اليمن.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر