المنظمات الأممية في اليمن


عبد الواحد العوبلي

اطلعنا اليوم على نتائج مؤتمر المانحين لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية العاجلة في اليمن لعام 2019م، وتم الإعلان رسمياً أن المانحين خصصوا مبالغ وصلت إلى 2.6 مليار دولار أمريكي لتمويل هذه الخطة التي تستفيد الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها من نصيب الأسد من هذه الأموال. ويتزامن ذلك مع إعلان الحكومة اليمنية عجزا ً في الموازنة يصل إلى مليار ونصف دولار.
 
الأمر الذي يشكل فرصة للحكومة اليمنية لإعادة حساباتها والتنسيق مع المنظمات الأممية لتوريد هذه المبالغ إلى البنك المركزي وضخ جرعة جيدة من العملة الصعبة إلى السوق اليمني لدعم وضع الريال اليمني المتهالك. وتخصيص حتى ولو جزء من هذا الدعم لتمويل برامج بالتعاون مع الحكومة لتخفيف الضغط على المواطن وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بدل من ضياعها كما حدث سابقاً، أو بتوجيه جزء لدفع رواتب الموظفين المقطوعة منذ ما يقارب العامين ونصف.
 
فمع اندلاع الحرب في اليمن سواء التي بدأها انقلاب الحوثي أو تلك المتعلقة بعمليات التحالف في اليمن بقيادة السعودية والامارات، أصبح الوضع الإنساني في اليمن في غاية السوء. هذا الأمر فتح الباب على مصراعيه وأوجد الذرائع لمنظمات الأمم المتحدة للتسول باسم اليمن والحصول على مليارات الدولار بحجة مساعدة اليمنيين. تارة تحت مسمى خطة الاستجابة ومرة لتمويل سلال غذائية وأحيانا لدفع رواتب موظفين هنا وهناك.
 
 ولكن بالنظر إلى نتائج أداء هذه المنظمات وبالاطلاع على التقارير وتصريحات المسؤولين في الدول المانحة نجد هناك فجوة عملاقة بين ما يتم الإعلان عنه من مبالغ رصدت لليمن وبين ما وصل للمستحقين على الأرض، وبين حتى نوعية المشاريع التي يتم تنفيذها والتي لا تتناسب مع الوضع في البلد. وهذا يدل على فشل ذريع وتماهي فاضح بين المنظمات الأممية وميليشيا الانقلاب بالإضافة إلى الفساد المستوفي الأركان الذي تمارسه هذه المنظمات دون أي رقابة لا من حكومة ولا من حتى من مانحين.
 
سبق أن صرح السفير السعودي أن منظمات الأمم المتحدة عجزت عن استيعاب الأموال المقدمة لليمن ولم تستطع إنفاق إلا ما لا يتجاوز 40% من إجمالي ما قدمه المانحون. ومن يعملون في المجال الإنساني يعرفون خطورة وحساسية هكذا رقم لان هذا يعني ببساطة تخفيض ما سيتم تقديمه لليمن مستقبلاً بسبب عجزنا عن استيعاب ما وصلنا سابقاً.
 
وبتحليل بسيط نجد أن المنظمات الأممية أنفقت الـ 40% على رواتب منتسبيها وخبرائها الذي تصل ميزانية الواحد منهم ما بين 600 إلى 750 ألف دولار سنوياً. رغم أن هذه الأرقام لا يتقاضها رؤساء حكومات في بلدانهم. بخلاف طبعا نفقات السكن في مجمعات تم استئجارها بملايين الدولارات والطائرات الخاصة التي تشغل رحلاتها بشكل يومي من وإلى مطار صنعاء.
 
ناهيك عن السفن والناقلات البحرية التي تستأجرها الأمم المتحدة لعقد مشاوراتهم الوهمية ولإيواء موظفيها في فنادق عائمة في البحر تنفق من المبالغ المخصصة أساسا ً لسد جوع المواطن اليمني. ولا داعي لحساب تكاليف المؤتمرات والسفريات إلى كل اصقاع الأرض بحجة المشاورات أو العمل على مساعدة اليمنيين بينما اليمنيون منهم براء.
 
بعد أربع سنوات ضاعت فيها مليارات الدولارات كان المواطن اليمن أحق بها بدلا ً من جعل لصوص الأمم المتحدة أثرياء، صار من الضروري إعادة النظر في من يقوم بتنفيذ مشاريع وعمليات الإغاثة وإيصال المساعدات إلى المستفيدين. فيجب أن يوكل هذا الأمر إلى جهات أخرى غير منظمات الأمم المتحدة بحكم أن النفقات التشغيلية لهذه المنظمات عالية جدا بطبيعتها ولا تناسب الظرف الذي تمر به البلاد وعليه من المفترض أن يكون الاعتماد على منظمات محلية من ذوي الخبرة والكفاءة والقدرة على تنفيذ المشاريع الإنسانية سواء تلك ذات الطابع الإغاثي أو حتى ما تصنف كمشاريع تنموية لإعادة وتحسين سبل المعيشة. ولدينا من الكوادر والكفاءات من بإمكانهم إدارة هذه الملفات باقتدار. وفي حال عدم الثقة بالكادر المحلي، يمكن الاستفادة من خبرات وتعاون منظمات أجنبية ولكن ليس من عينه منظمات الأمم المتحدة التي فاق فسادها أضعاف ما يمكن أن تقدمه.
 
اليابانيون عبر منظمة الجايكا مثلا نموذج جيد ومستوى أدائهم محترم وهم يتواجدون في اليمن منذ عقود ويقومون على الاشراف وتنفيذ مشاريعهم بأنفسهم عبر إجراءات صارمة ضد الفساد. بينما نجد أن الفساد هو جزء أصيل من سياسة وطريقة عمل منظمات مثل البنك الدولي والأمم المتحدة.
 
يمكن كذلك الاستفادة من توسيع العمل مع المنظمات الماليزية التي تعمل حاليا ً في اليمن والتنسيق مع الحكومة الماليزية في هذا الجانب. ولو كان الأمر بيدي لتركت هذا الموضوع برمته لمنظمات من دولة الكويت الشقيقة، ولنا في العون المباشر النموذج المشرف.
 
والكويتيون عموماً يحظون بسمعة طيبة لدورهم البارز في تعزيز العمل الخيري في كل أنحاء العالم ويقدمون مشاريع على مستوى عالي من الاحترافية ويستطيعون العمل في كل مناطق اليمن مع شركائهم المحليين بسلاسة كبيرة. ومع هذا وذاك فإن حتى خيار الاعتماد على شركات متخصصة بتنفيذ هذه المشاريع يتم ترسية عطاءات عليهم وفقا لأفضل عروض ومميزات سيكون أفضل بكثير وأقل كلفة من استمرار التعامل مع منظمات الأمم المتحدة.
 
عموماً، أياً كانت جنسية أو طبيعة المؤسسات التي ستقوم بهذا العمل، يجب أن تخضع كل المشاريع والأنشطة الخاصة بهذه المنظمات لرقابة الدولة والمتابعة والمراجعة والتدقيق الفني والمالي وتفحص السجلات والنتائج في أرض الواقع من قبل الجهات الحكومية المختصة. والتأكد من تنفيذ الأنشطة والمشاريع وفقا ً للسياسات المرسومة والاهداف المحددة وخطط التنفيذ.
 
وعلى الجهات الرقابية كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العامة لمكافحة الفساد الاضطلاع بدورها والتأكد من أن كل إجراءات هذه المنظمات تسير وفقا للقانون والنظام والتثبت من عدم تورط مسؤوليها في أي أنشطة فساد أو تعارض مصالح أو حتى استغلال النفوذ.
 
 
*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر