فبراير..من المسافة صفر!!!


د. عايش زيد أبو صريمة

لم نصب بزهايمر سياسي، ولم تكن ذاكرتنا مثقوبة، حتى يتم سوق المنطق لنا، والحقائق مقلوبة عن ثورة فبراير، وجعلها شماعة لتعليق الاحداث التي تلتها عليها؛ فالقراءة المنصفة يجب أن تقف عند العوامل التي ساقت الاحداث الى لحظة الانفجار يوم الحادي عشر من فبراير ..

حذر العقلاء من أبناء الوطن في وقت مبكر، أن الوطن دخل نفق مظلم من خلال ممارسات صالح والكتلة الملتفة حوله، ومن خلال الفساد والمحسوبية في كل مرافق الدولة، والوظيفة العامة، ومن خلال سلوك الفردية الحاكمة، وتجيير الوطن ليصبح دكانا في ملكية الحاكم آنذاك..

كان الكتاب المنصفون يحذرون من المجهول ومن المستقبل الكارثي اذا ما استمرت سياسة الحاكم في تجذير الفردية، واقصاء المجموع، وتغليب المصلحة الأسرية على المصلحة الوطنية، كانت القصور الفارهة تنتشر أفقيا ورأسيا في الاحياء الراقية في حدة وغيرها لملاك بعدد اصابع اليد، في حين يعيش المجموع الغالب كسكان صفيح في حالة اقل من الكفاف..

منحنى الانحدار، وانسداد الافق، بين القوى السياسية كان يؤدي الى نتيجة أما تنازل القوى الوطنية عن دورها وممالأة الحاكم في سياسته، أو مواجهته، والحد من اتساع رقعة الاستبداد المنتشرة في كينونته، وفي كلا الحالتين النتيجة واحدة هي كارثية الوضع القادم.

كان خيار المواجهة هو خيار شريف مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك ، فكان فبراير هو ميلاد بالمعنى التاريخي، ومن خلال قراءة منطقية وفلسفية لا من خلال تقييم الوضع في فلك لقمة العيش، ومباشرة التحاليل الغبية أو الحاقدة على الشاشات، والتي هي قراءات موجهة تخدم سياسات وجهات مشبوهة..

لا اعتقد أن الجيل الناضج من شباب فبراير سيمر بتأنيب ضمير لاحداث ترتبت على ثورتهم، ففي شريعتنا أن الربا حرام، وهو اشتراط الربح دائما؛ بل علينا ان نتقبل النتائج التي اعقبت الانطلاقة، واذا كان هناك من مراجعات فهي في اسباب الاخفاق المرحلي، والسلبيات التي رافقت المرحلة التالية للثورة، ان هي الا جولة ستعقبها جولات، حتى ترسو سفينة الأحلام على شواطئ الأمل والنجاح..

لم تكن فرنسا لتصل الى جمهورية خامسة ناجحة؛ الا بعد اربع جمهوريات متعثرة، ولم تنعم تركيا بحكم العدالة والتنمية الا بعد انقلابات واسقاط لحكم العثمانيين الجدد من قبل العسكر..

حركة المجتمع وتفاعله نحو تحقيق أهدافه ليست رحلة مخاض لامرأة في غرفة الولادة؛ بل هي رحلة شاقة وطويلة تؤتي أكلها بعد استكمال أسباب الوصول، ولذلك لم يحدث أن تم اسقاط مستبد، واستتب الأمر من بعده، بل تبدأ الجولة الثورية الاشرس مع تجار الحروب، وفاقدي مصالحهم، ولوبيات الفساد؛ لكي تستكمل السنن دورتها، وتلتهم كل هؤلاء، ويدفع المجتمع في نفس الوقت ثمن الحرية؛ اذ لايعقل ان يتنفس مجتمع حرية نقية، بعد ان عاش مخنوق ردحا من الزمن في اقبية وكهوف الاستبداد..

الاحتفال بفبراير فرض وطني تستوجبه الدماء الطاهرة التي سفكت من اجل كرامتنا جميعا، والنكوص أو التردد من أي كان من مكونات الشرعية هو خيانة وطنية، وتنكر للشرعية نفسها التي انبثقت من رحم فبراير، وارتكزت على مخرجات من وحي الثورة الشبابية..

الذكرى اكبر من مجرد لحظة عابرة، او محطة مناكفات بين اطراف سياسية؛ بل هي ذكرى عظيمة يجب أن نتجاوز فيها الاختلاف على تسميتها، او على كارثيتها، بل الوقوف عند احداثها وتقييمها لكي نتجاوز الخلاف ونرتب الاوراق، بما يحقق لنا حرق مراحل اصابها الرتابة والملل؛ نتيجة الخلافات السخيفة بين القوى السياسية؛ لخدمة جهات طائفية، ستأكلنا مكونا مكونا حتى يبكي آخرنا عندما يرى نتيجة الغباء، فيصيح اكلت يوم اكل الثور الابيض..

نحن اليوم بحاجة لتجميد مصالحنا الآنية، والتحول نحو رص الصف الوطني؛ لمواجهة فصيل، أوهى من بيت العنكبوت، يستمد قوته من خلافاتنا، ومن التوازنات الاقليمية والدولية، ولو اتحدت رؤانا، وحسمنا خياراتنا، فليس امامنا سوى عصابات اصبحت مشغولة بنهب المال العام، والسطو على ارزاق الناس واقواتهم، ونهب الاراضي، وعصابة هذا سلوكها قد سقطت منذ زمن، وبقاءها اليوم ليس في قوة كامنة فيها، ولكن كما ذكرنا فهو بقاء يرتكي على خلافاتنا السخيفة....

مشاركة الصفحة:

اقراء أيضاً

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر