الأمير


أحمد الرافعي

?على تبة مرتفعه من جهة الشرق في مدينة إب يجثم  جهاز الأمن السياسي  على صدر المدينه

و منذ  اكثر من ثلاثين عاماً لم يتزحزح من مكانه ..يفعلها المستبد في كل بقاع الارض  يبني لشياطينه بيوتهم  في الأماكن المرتفعه  لتصطدم بها الأبصارالتي تنظر إلى الأعلى  فيشدَّها الخوف نحو الأرض  ..هذا الجهاز الذي حوله الحوثيون إلى واحده من محاكم التفتيش التي تحاصر المدينه من جهاتها الأربع.

وعلى   كل حال لم يمنع هذا السلوك المُتبَجِّح  الشمسَ يوماً من ان تشرق من جهة الشرق  أو استطاع الطاغيه  أن يضع في وجه السماء النقاب.

 

في إب المدينه التي تنام على فوهات براكين القهر والأسى  وتغلي حمم الإمتهان والشعور بالمذلَّه  في جوف أبنائها . إب   (مدينة الكل شي)........ إلا السلام يحلوا للحوثيين  تسمية (مدن  السلام )على كل المناطق  التي تحت سيطرتهم ويستميتون في الدفاع عن وتسويق  هذا الخداع ويشبهون في منطقهم هذا من يريدك أن  تطلق على  مقلب القمامه وصف  الفندق ذو الأنجم الخمسه!

إلتقيت  الاسبوع الماضي  في مدينة جده مع أحد شبابها الذي قضى قرابة الشهر في سجن الأمن السياسي

أو في سجن (أبوحمزه )كما يحلوا له ان يطلق عليه .

دار الحديث  بيننا لساعات معظمها كان عن أحد المختطفين الذين مازال حتى اللحظه يسكن الزنزانه ...وإسمه (أمير الهندي)..

في حديث صاحبي عن هذا (الأمير)ما يُلقي بظلال الإكبار والإجلال على روحك .وتتدفق لسان سارد القصه  بالثناء على أمير.. وتعرف أنت ياقارئي  طلاقة اللسان حين تغترف كلماتها من معين الروح المليئة بالإعجاب ، ولم تجد أذني غير خيار الإنصات الخاشع .

أمير أحد شباب الإصلاح الذي أخذه الحوثيون من أحد النقاط مع كل ممتلكاته .ومنها سيارته التي تحولت الى يد أحد المشرفين  يزينها بالبنادق المُشرعه من النوافذ ويكتب بالأخضر  على زجاجها المُغتَصَب  (لبيك يارسول الله )!

أوليس (كلُّ المسلم على المُشرف حلال. دمه ُ وماله ُ وعرضه )!

حدثني صاحبي أنه إلتقى بأمير في احد الزنازين بعد ليلة تعذيب مُرهقه وكان  أمير (كالملاك ) الذي  تجود به  السماء في الأوقات العصيبه  يمرر يديه بلطف ويمسح عن جبينه العرق ويَضخُّ في أذنيه كلمات التشجيع والتفاؤل ..وعرف مُحدِّثي في ايامه القادمه أن  هذا الإحسان ليس  نزوه طارئه  بل سلوك إعتاد عليه كل رفاقه في زنازين السجن الإنفراديه او الجماعيه.

في قلب الخوف والليالي الحالكة: يسري صوت أمير الخاشع تاليا لآيات القرآن   وينساب في أرجاء السجن  لا توقفه صلادة الجدران أو سماكة القضبان و يمر صوته على  أفئدة رفاقه يهدهدها ويربت عليها بدفء المؤمن الخاشع الذي إتصلت روحه بالسماء .

أفواج من شباب إب مروا على امير وتم الإفراج عنهم  .وأمير عمودُ الضوء الثابت في مكانه مثل ماء السبيل الذي يفجره الله من نبع الأرض  يسقي المسافرين المهدودين من الماء المعين .أو كالنجم يهتدي به السائر في الدُّلجه الموحشه . ويقسم صديقي أن كل من إحتوته مع أمير زنزانه  خرج حاملاً لأمير ذكرى مضيئه تعيد ترميم الروح  التي  ملأها السجان بالشروخ .

اختطف  الحوثيون أمير في يوم العاشر لوفاة  عمته وإصابة والده بحادث سير طرحه في الفراش عدة أشهر  .

مرت الأيام وتزوج اخوه الاحب الأصغر ( ادم ).وحين خرج احد رفاق امير من السجن أبلغ آدم  تهانيه وأوصاه بألا يجعل من سجنه منغصاً يفسد فرحته . يروي صاحبي  أيضاً: أن الحوثيين ساوموا أمير أن يترك الإصلاح مقابل الإفراج.  أخبر أمير رفاقه   بذلك بعد عودته من الإستدعاء في عصر أحد الأيام ! غير أن أمير سخر من هذا الطلب .وببساطته ووضوحه الصلب اخبرهم أنه حتى لو كان (يهودي )لن يتخلى عن خياراته في الحياه تحت إكراه  السيف المصلت!

لوالد  أمير شعرٌ أبيض كقلبه .وتحدثك شقوق يديه عن سيرة مليئة بالكدح في الأرض والكسب الحلال .. يقوم من على فراش المرض كلَّ ثلاثاء باكرا وصفائح الحديد التي تسكن أقدامه يلذعها البرد ويشتد ألم هذا الأب المسن الذي يحرمه الحوثيون إحتضان ولده منذ عام ونصف !!! يصل مبكراً الى سجن الامن السياسي ويضل منتظراً حتى يلفح رأسه الكهل  هجيرُ الشمس و لمزات  السيئين عن ولده الانقى !وان حالفه الحظ  التقى بولده من وراء حجاب القضبان  وعيون المحققين والعسكر  تحاصر اللقاء .  قال بعد تعب عامٍ من الذهاب والرواح وملاحقة الوعود الكاذبه لمسئول الأمن السياسي :احتفظوا به عندكم .(جيزه من  جيز الزبيري) .

توقف صديقي عن السرد وبإبطاء المتأثر تحدث:

خلف القضبان دنيا  مليئه بالفرسان والنبلاء الذين  اجتازوا امتحانات الصدق في حب الاوطان بنجاح. ووراء قضبان الزنازين يكتب الشباب اليمني  أجمل روايات الكفاح والرجوله.

أوصد الحوثيون على النبلاء أبواباً سبعه وأطلقوا  اللصوص وفتحوا  لهم ألف  باب لدوس كرامة اليمني وابتزازه .

إلى  اليوم وامير يقضي (ستمائه وأربعة عشر يوم )ويقسم صاحبي أن جِلدَه لم يُصافح الشمس ولو لمرة واحده ! وأنه ليس في روح أمير منطقه لا يشع منها الدفء!

ويسأل الواحد منا :كيف يهزم المُختَطَفُ  كلَّ هذا الأذى  وهوأعزل  في محبسه ؟! تلك كلمة السر  التي كشفها ابطالنا المختطفين : سرَّ العزائم اليمنيه الصلبه  المتحديه والمستخفة بالمشاريع الهشَّه  .

يرسف أنبل الشباب اليمني تحت الأغلال  السلاليه والطائفيه  لكن السجان  أعجز من أن يضرب قيداً على القلب المُسوّر  بالإيمان واليقين ؟!

ستدول الأيام بلاشك ويتحرك التاريخ  ويخرج هولاء الشباب الذين خلقوا للمجد رافعي الرؤوس  من التباب الوضيعه  .

نقلا عن موقع يمن مونيتور

مشاركة الصفحة:

اقراء أيضاً

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر