لا شيء يقلق المتابعين للشأن اليمني، أكثر من أسلوب التفكيك هذا الذي يعتمده المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، تحت مظلة مجلس الأمن الدولي، مستثمراً المناخ الدولي الذي يبدو أنه يعكس بدوره ضعفاً غير مسبوق للإجماع الذي كان قد تحقق طيلة الفترة الماضية حول اليمن، على قاعدة إنهاء الحرب واحتواء الأزمة الإنسانية، مع بقاء المظلة الدولية لحرب التحالف السعودي الإماراتي في البلاد.
 
لم تكن موسكو التي زارها غريفيث أحد المحطات الرئيسية للمبعوثين الأمميين، على الرغم من محاولات أطراف الصراع نفسها، وبالأخص الانقلابيين جر روسيا إلى تبني موقف مؤثر على الساحة اليمنية؛ يشبه إلى حد ما موقفها في روسيا.
 
قد تجنبت روسيا على ما يبدو التورط المباشر في الساحة اليمنية، بالنظر إلى التعقيدات القانونية والدستورية ومتطلبات المشروعية التي يحتاجها، تدخل كهذا وهو أمر توفر لروسيا في سوريا، في حين لا تزال موسكو تمنح تأييدها للسلطة الشرعية التي تفقد تأثيرها شيئاً فشيئاً على الساحة اليمنية.

أثارني رد السيد غريفيث على سؤال طرحه عليه مذيع قناة روسيا اليوم، بشأن ما إذا كان الهجوم الذي تبناه الحوثيون على قاعدة العند الواقعة في محافظة لحج بجنوب اليمن الخميس الماضي؛ سوف يؤثر على وقف إطلاق النار وعلى جهود إحلال السلام، حيث شدد في رده على أن وقف إطلاق النار يسري فقط على محافظة الحديدة.
 
رد كهذا يشير إلى أن اليمن ما يزال ساحة قتال مفتوحة، إلى حد لا يبدو أن اتفاقات استكهولم تستطيع معه أن تغير من مجريات الحرب في معظم الجبهات اليمنية.
 
فها هي بريطانيا توزع مشروع قرار جديد؛ من المقرر أن يصدر عن مجلس الأمن الأسبوع المقبل، ويقضي باعتماد طلب تقدم به الأربعاء الماضي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لنشر 75 مراقباً دولياً جديداً في الحديدة وموانئها الثلاثة، بقيادة الجنرال الهولندي باتريك كاميرت.
 
وبحسب مسودة المشروع، فإن القرار يدعو إلى إنشاء بعثة سياسية مستقلة تشرف على اتفاق استكهولم، وتتأكد من تنفيذ القرار 2451؛ والقرار الآخر المرتقب أن يصدر عن مجلس الأمن بشأن نشر بعثة المراقبين.
 
ليس ثمة دليل أوضح من هذا على أن مستقبل الصراع في اليمن ينزع إلى مستويات خطيرة من التفكيك؛ الذي يمكن أن يفتح الباب لنماذج جديدة من الاحتواء، قد تشرعن لتقسيم اليمن، تأسيساً على المشاريع السياسية المتصارعة التي تحمل بذور الانقسام السياسي والجغرافي، والذي يشكل جزءا من أجندات المتدخلين الإقليميين في الشأن اليمني.
 
 
لقد قبل تحالف الرياض- أبو ظبي على ما يبدو بمساومة المجتمع الدولي في الحديدة؛ التي لم يكن يهدف سوى إلى تحييدها عسكرياً، أكثر من حرصه على قضم المزيد من الجغرافيا ذات القيمة الاستراتيجية من الحوثيين في الجزء الشمالي الغربي من البلاد.
 
فهذا التحالف يمكن أن يضمن انشغال المجتمع الدولي بترتيبات وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الحديدة، وإبقائها محلاً للنقاش الذي يصرف الأذهان عن مهمته الأساسية والمتمثلة في تكريس نفوذه في المحافظات الجنوبية، ومواصلة ضرب مقومات الدولة اليمنية والوحدة، والمضي قدماً في تخليق أجواء التنازع الاجتماعي والسياسي والجهوي بين المكونات اليمنية، وتكريس حالة عدم الاستقرار، خصوصاً في المناطق التي يقال إنها محررة.
 
لا تنشغل الإمارات في اليمن أكثر من انشغالها ببقاء عدن بلا هوية واضحة حتى الآن، وبالتسريع في تذويب سقطرى ضمن الهوية الإماراتية، عبر سلسلة من الخطوات المثابرة التي تحاول أن تخالف منطق التاريخ وحقائق الجغرافيا والديموغرافيا، وتبرهن على أن أرخبيل سقطرى، والذي تصل مساحته إلى أكثر من 3600 كيلومتراً مربعاً، جزء من الإمارات.
 
يأتي ذلك فيما تمضي السعودية من جهتها في تثبيت احتلالها الغاشم لمحافظة المهرة، والعمل الدؤوب لشيطنة سكانها المسالمين الذين هبّوا بقوة لمواجهة التطورات الخطيرة التي استحدثتها السعودية في محافظتهم، ودشنت بها مرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار، والتي لم تعهدهما المحافظة في تاريخها، إذ لم تكن حتى جزء من دورة العنف التي تضرب اليمن حالياً.
 
وفيما تتعهد الإمارات الجزء الجنوبي من محافظة حضرموت الشاسعة، تتولى السعودية تعهد الجزء الشمالي المتاخم لحدودها الجنوبية، وتعمل على إحباط مخطط إماراتي يسعى إلى إيصال نفوذ النخبة الحضرمية التابعة لها إلى وادي حضرموت، على نحو يعكس صراعاً خفيا بين الدولتين؛ يكشف في جانب منه النوايا السيئة لهما ولوجودهما العسكري في اليمن.

*عربي21
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر