ساعتان


وليد علوان

هاي!
نعم!
أريد خمسة دولارات وبشكل عاجل، رجل أبيض مفتول العضلات، يعصب قميصه المتسخ على وسطه، ويقف على ناصية الشارع، يوجه طلبه بشكل حازم ومن عينيه يتطاير الشرر.
 
لم يمكنني تجاهله والمضي في سبيلي، لأنه كان فعليًا يقف كأنه يسد الطريق. تأملت للحظة في وجهه الغضوب، ثم تحسست جيبي بنطالي لأعتذر له عن توفر المبلغ، لكنه يتجه إلي ويشهر أصبعه في وجهي قائلًا: قلت لك خمسة دولارات، الآن، وإلا!
 
حسنًا حسنًا، نحن قريبون من ماكينة الصراف الآلي، هناك يمكنني إعطاءك المبلغ. تأمل الرجل في ملامحي للحظة وهو يرتعد، ثم أفسح الطريق، ومشيت أنا بخطىً عجولة فقد كنت قريبًا من البيت، وهناك يمكنني الهروب من هذه المفاجأة غير السعيدة وغير المتوقعة.
 
يبدو الرجل مختلًا، مختل العقل بالطبع، أما جسده فكان كما لو أنه لاعب مصارعة حرة، أو ثورًا هائجًا، قلت في نفسي: لو كنت التزمت بحضور القسط التدريبي لاشتراكي منذ خمس سنوات في الأندية الرياضية، لما احتجت للذهب إلى الصراف الآلي رفقة مجنون مبالغ فيه، لكنه توقف عن المشي موجهًا حديثه إلي: هاي، أعرف أنك لن تذهب إلى الصراف الآلي، أنا لست غبيًا يا رجل! هيا توقف وأعطني الخمسة الدولارت، لكنني واصلت المشي وتبعني هو مواصلًا متابعًا حديثه: هاي هاي، توقف.
 
أقول لك توقف وأعطني الخمسة الدولارات ودعني أذهب، وواصلت سيري غير آبه لتحذيره، حينها توقف عن السير قائلًا: يمكنني الآن أن أوسعك ضربًا، لكن ذلك غير قانوني، ثم قفل راجعًا.
فضحكت بشدة ثم ناديته: ارجع يا رجل، قال: لا، أنت غير جاد وليس لدي الاستعداد لأن أقترف جريمة في هذا المساء اللعين، أضحكني أكثر وتبعته، تمهل يا رجل ودعنا نتحدث، فتوقف ثم دعوته للجلوس على الرصيف للحديث، فاستجاب وسألته: ما الذي يدفع رجلًا قويًا وصحيحًا مثلك لهكذا تصرف؟! لا أريد الحديث، أجاب.
 
ألححت عليه، قال: أنا مدرب قوى ناجح ومشهور، لكن حياتي تدمرت بعد إدماني على المخدرات، وصرت كما ترى، ولا أحب نظرات الشفقة من الناس، أريدهم أن يقفوا بجواري كرجل قوي لا كرجل بائس، لكن هذا لا يحدث كثيرًا، أصدقك القول، الناس لا يساعدون إلا الضعفاء.
 
 قلت له: لا عليك يا صديقي، ستكون بخير وستعود كما كنت وأفضل فيما لو توقفت عن تناول هذه السموم. سأقدم لك نصيحة، قال، اسمعها جيدًا: لا تفعل الأشياء غير الجيدة لترضي صديقتك! كنت شابًا تتسابق علي الفتيات، وأغرتني صديقتي بتجريب المخدرات، ولما أدمنت وانكسرت ذهبت عني، إنني حتى لا أعرف أين ذهبت.
 
 ربت على كتفه وبدت كفي العريضة على كتفه كقلم معلق في جيب قميص، قلت له: الذي أعجبني فيك يا صديقي أنك تملك القوة وتحترم القانون، وفي بلدنا فتى مخدر بوهم الولاية، لكنه خرق القانون وأسقط الدولة، قتل الأطفال وشرد السكان، واقترف ما لا يخطر ببالك من الجرائم، فتمعر وجه الرجل وقال: تبًا له هذا ابن العـ (...)، دعني أذهب معك لـ (.......)، ولكن ما هذا المخدر الذي اسمه الولاية؟ هل هو أخطر من الهيروين مثلًا؟! أجبته: بكثير، إنه يجعلك ترى نفسك أفضل من الناس بفعل جيناتك، وأن عليهم أن ينصبوك حاكمًا، فإذا لم يستجيبوا رحت تقتلهم.

 صرخ: يا إلهي، ما هذا الهراء، فليأت وليلعق (.....) ضحكت مجددًا، وأخرجت له ورقة من فئة عشرين دولارًا، فامتنع عن أخذها ثم ألححت عليه قائلًا: هذه ليست مساعدة مني، إنها مقابل الدرس الثمين الذي تعلمته منك هذا المساء، تعجب قائلًا: أي درس تقصد؟! أجبته: أن القوة الحقيقية هي توقفك عن إيذاء الآخر، مهما كنت قادرًا على ذلك. فاحمر وجهه واغرورقت عيناه ثم اندفع لعناقي قائلًا: شكرًا لك يا صديقي، ثم أمسك بكتفي منبهًا: أكرر، لا تجرب شيئًا سيئًا من أجل صديقتك، ابتسمت في وجهه وقلت له: أعدك من الآن أن أحسن اختيار الأصدقاء.
 
 
*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر