ليس هناك من وصفة أكثر كفاءة لإنهاء العنف في اليمن؛ من تصعيد وتيرة الحرب من جانب السلطة الشرعية، والمضي باتجاه الحسم السريع والنظيف لهذه لمعركة الاستنزاف المفتوحة هذه، في إطار من الالتزام الكامل وغير المنقوص من جانب التحالف بدعم هذه السلطة إلى نهاية المطاف، دون شروط مسبقة، والتخلي عن الأجندات الجانبية التي تضخمت مؤخراً وحولت العملية العسكرية للتحالف إلى عمل عدائي مكتمل الأركان.
 
الحسم بهذه المواصفات يقتضي توسيع نطاق المواجهة عبر الجبهات الرئيسية وفتح جبهات جديدة إن لزم الأمر، بهدف مواصلة استعادة الأراضي التي سيطر عليها الحوثيون، وتقليص مساحة نفوذهم الجغرافي الذي يمنحهم الفرصة لمواصلة الحرب بنفس طويل والقدرة على تحقيق توازن الرعب، وهي معادلة خطيرة جداً بالحسابات الإقليمية والدولية للمعركة الدائرة في اليمن.
 
في خضم الحرب، عادة ما تبرز الدعوات إلى التهدئة والحوار وتغليب منطق العقل، وهي دعوات موفقة في ظروف بعينها، ولكنني هنا لا أرى العقل إلا في الحسم العسكري، بالنظر إلى خطورة بقاء الحوثيين نداً سياسياً وعسكرياً يمكن له أن يستفيد من التسوية التي تواصل الأمم المتحدة تسويقها لإنهاء الحرب في اليمن.
 
لم يعد في الطرف الانقلابي شريك سياسي يمكن الوصول معه إلى تسوية تكرس منطق الشراكة الوطنية على قاعدة الدولة الاتحادية الديمقراطية التعددية، بعد انهيار المؤتمر الشعبي العام الذي قامر زعيمه علي عبد الله صالح، ومعه هذا التحالف وقادهما الحقد الأعمى ذات مرة إلى استجلاب الحوثيين إلى المشهد السياسي كقوة محاربة؛ بقصد هدم العملية السياسية وتأسيس واقع جديد يعيد إنتاج السلطة التي تهاوت على وقع ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، في مشهد يشبه إلى حد ما ذلك الذي رأيناه في مصر.
 
لقي صالح مصرعه في معركة سهلة جداً بصنعاء، وشكل مصرعه مؤشراً سيئاً على أن المعركة تمضي باتجاه تثبيت مكاسب العصابة المسلحة التي اُستدعيت لإنجاز مهمة محددة، ولكنها استطاعت أن تخدع الجميع وتملأ المشهد السياسي والعسكري بالإمكانيات التي وضعت بين يديها من مقدرات اليمنيين ودولتهم المغدورة، وأن تأخذ اليمن إلى حرب تنطبق عليها كل مواصفات الحرب بالوكالة.
 
ومع احتدام الجدل حول من هو الطرف الذي يقف خلف مجزرة الحديدة التي نجمت عن هجومين بقذائف صاروخية على سوق السمك ومستشفى الثورة العام في المدينة الخميس الماضي، وراح ضحيتهما 55 قتيلاً و170 جريحاً، ثمة خطر حقيقي من أن تتحول جرائم الحرب هذه إلى فاعل مجهول. وتستمر هذه السرديات العبثية المتناقضة، فيما نحن نشاهد بأعيننا توظيف هذه الجرائم لغايات سياسية؛ حتى لو كان ثمنها العشرات من القتلى المدنيين الأبرياء.
 
تستمر سيطرة مليشيا الحوثي على مدينة الحديدة كبرى مدن اليمن على الساحل الغربي، وعلى ميناء الحديدة الذي تمر منه معظم وارادات البلاد من السلع الأساسية والتجارية، لا لأنه الأكبر، بل لأن الإمارات التي تسيطر على عدن قررت دون أسباب واضحة تعطيل ميناء عدن وتقييد حرية التجارة عبره؛ إلى حد تولدت معه حركة تذمر واسعة من قبل التجار الذين يتفاجأون كل يوم بقائمة ممنوعات جديدة من قبل السلطات العسكرية الإماراتية المتحكمة بالميناء.
 
ولا يزال أكثر من مئتي كيلومتر على ساحل البحر الأحمر، وهي المسافة الممتدة من جنوب مدينة الحديدة وحتى ميدي شمالاً، تحت سيطرة الحوثيين، وهي مساحة جغرافية تكفي لإبقاء قدرة الحوثيين على المناورة وتلقي الأسلحة ومكونات الصواريخ والدعم الاستخباراتي من إيران لرفع كفاءة الاستهداف الممنهج لسفن التحالف العسكرية والتجارية.
 
لا يمكن لأحد أن يجادل بشأن الخطر الكبير الذي يشكله الحوثيون على مستقبل اليمن، لكن سلوك التحالف يبرهن على أنه يستخدم مسطرته الخاصة لقياس حجم هذا الخطر ومداه.
 
ووفقاً لهذه المسطرة، فإن أولويات المواجهة التي يخوضها اليمنيون ضد هذه الميلشيا، وهي دحر الانقلاب واستعادة الدولة المتفق عليها، غير ذات قيمة.
 
لهذا لا يتوقف هذا التحالف عن استهداف السلطة الشرعية وإضعافها، والتنكيل بمن يفترض أنهم شركاء مخلصون للتحالف وأعداء حقيقيون للمشروع السياسي الخطير الذي تمثله مليشيا الحوثي؛ على البنية الاجتماعية والثقافية وعلى المكاسب السياسية المهمة للجمهورية اليمنية.
 
فأي حرب هذه التي يخوضها التحالف في بلدنا المنهك، وتكاد تتحول إلى مواجهة ثنائية بين السعودية واليمن، لا بين السلطة الشرعية ومليشيا متمردة؟ والسبب أن الأهداف تختلط في هذه الحرب وتتناقض إلى حد لا يمكن احتماله. وتتجلى نزعة الاستعلاء والرغبة الجامعة في فرض النفوذ الجيوسياسي على اليمن من جانب هذا التحالف؛ على نحو ما نرى في سقطرى والمهرة وعدن.
 

*عربي21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر