بعد عقود من الزمن، استطاعت المرأة العربية أن تصل إلى منصة الانفتاح والتحرر من بعض القيود المجتمعية والأسرية، وانطلقت في مسيرة الحياة الحضارية، والذي يُمكنّها من التطور والارتقاء بها نحو مدارج الثقافة والعمل في شتى المجالات، وكذا المشاركة في وضع لبنات المستقبل، ولكنها لم تنجح في تحقيق التوازن بين الانفتاح والانسلاخ المجتمعي بممارساتها الخاطئة، الذي قد يعيق مسار المرأة العربية في المستقبل. 

عكست المرأة العربية المنفتحة، نظرة خاطئة للمجتمع العربي عن الانفتاح، حين سلطت الضوء على جانب مُعين من الانفتاح، كالجانب الشكلي، وإهمال الجانب الأخر منه، كالجانب الفكري والمعرفي الذي تحتاجه المرأة في عصرنا الحالي، كون النظرة الغربية بالانفتاح تسلبُ المرأة كرامتها وتُجردها من وجودها الجوهري، وتنظرُ اليها على أنها جسدُ فقط، وتتجاهل أهم متطلباتها، وهو الإنفتاح الفكري والسياسي، وحقها في صناعة القرار.

يرى الكثير أن المرأة العربية المنفتحة حد الإنسلاخ، تنقل صورة سيئة للمرأة العربية بشكل خاص، وللمجتمع العربي بشكل عام، وهذ السبب في تردي واقعنا الراهن، وبالأخص واقع المرأة. فالتطرف في الانفتاح اليوم يولد ردات فعل عكسية، تجعل المجتمع عدو للمرأة التي تنشد الإنفتاح، وهذا قد يفرض مزيداً من القيود على المرأة العربية في المستقبل.

يعتبر إنفتاح المرأة العربية الآن انسلاخاً، فهو لا يطرح سوى الصورة السلبية من الإنفتاح المقرون ببعض أشكال ما يعرف بـ"العلمانية"، من رفض الحجاب والإختلاط الخارج عن الحدود، وهذا يجعل من المرأة نُسخة مكررة للمرأة الغربية، من ثقافة ومبادىء وغيرها، فينظر المجتمع على أن المرأة المنفتحة قد إنسلخت من الجسد العربي دينياً وأُسرياً وأخلاقياً، فهي لا تمارس الإنفتاح المصحوب بالعقلانية والأخلاق التي تُمكنها من تمييز الصواب من الخطأ..

تحتاج المرأة العربية إلى نظرة واضحة ومتوازنة عن الانفتاح بكل الامور المتعلقة فيها، وتناول جوانبها بالطُرق الوسطية التي نظمن بها نظرة المجتمع العادلة للمرأة المنفتحة، والذي من خلاله تستطيع أن تُجابه الظُلم، وتستطيع أن تقرأ وتمارس حقوقها بكل إيجابية، وتتمكن من ممارسة حقوقها والواجبات المُلقاة عليها بكل حرية، وهذا ما يجعلها إمرأة مُثقفة، ويكون لها دوراً إيجابياً فعَّالاً في المجتمع العربي.

تقع المرأة العربية الآن أمام إنهيار أُسسي وأخلاقي؛ لأنها بدأت تستقطب ثقافات غربية تحت مسمى الانفتاح، ولم تأبه للثوابت والأُسس التي تنتمي إليها، والمشكلة تكمن في عدم معرفتها بمفهوم الإنفتاح بالصورة الصحيحة؛ لأنها تعاني من الفهم الخاطىء، وتمارس السلوك الخطأ، فإذا عرفت المرأة المعنى الصحيح للإنفتاح، ستعرف الهدف من وجودها، وتؤمن بأنها بحاجة للتحرر الفكري، لا إلى التحرر من النقاب والملابس الفضفاضة.

بطبيعة الحال؛ ليس بإمكاننا إنكار وجود وضع صعب تعاني منه المرأة العربية؛ بسبب المحيط الأسري والمجتمعي المحافظ، ولا يمكننا التشكيك في القضايا التي تناضل من أجلها؛ لتشجيع الانفتاح والانخراط في صناعة المستقبل، لكن دورها السلبي عكس مفهوم الانفتاح لدى المجتمع العربي، من خلال تقديم صورة مغلوطة عن المرأة العربية التي تطالب بالتحرر من القيود المجتمعية عليها، وإتاحة الفرصة لها للمشاركة فى الإنتاج وصناعة المستقبل. 

إن إنسلاخ المرأة عن الجسد العربي والإسلامي عموما، يجعل منها كائنا سلبيا، مُتخلف فكرياً وثقافياً، ولهذا فإننا نحتاج إلى توضيح معالم الإنفتاح؛ لتحاشي الوقوع في الإنسلاخ، فكل سلوك تمارسه المرأة يعكس مدى أهمية القضايا التي تناضل من أجلها لسنوات طويلة، وعليها أن تطلق العنان لتفكيرها الإيجابي حتى تبدع وتعمل وتُقدم حتى توازن بين الإنفتاح والمؤثرات التي تحيط بها مع مراعاة القيم الأخلاقية والمجتمعية.

وسائل الإعلام قدمت أفكارا مغلوطة عن إنفتاح المرأة العربية، وحاولت تشويه أمة بأكملها، ولا بد من نبذ هذه الصورة المغلوطة التي ترسخت في أذهان المجتمع العربي عن الإنفتاح، وتقديم نماذج للمرأة العربية المنفتحة الواعية من دون الإخلال بالعادات والتقاليد المحافظة على الهوية العربية والإسلامية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر