- برنامج الأغذية العالمي يؤكد حاجته لتمويل بقيمة 16.9 مليار دولار برشلونة يتعثر أمام سيلتا فيغو وأتليتيكو مدريد ينجو من فخ ألافيس غزة.. استشهاد 120 فلسطينيا خلال 48 ساعة والاحتلال يجبر سكان حي الشجاعية على النزوح اليمن.. الأرصاد يتوقّع هطول أمطار متفاوتة الشدّة خلال الساعات القادمة الأمم المتحدة: فرص الحد من الإصابة بالكوليرا في اليمن لا تزال مقيّدة توتنهام يكتسح مانشستر سيتي برباعية نظيفة وآرسنال يعود للانتصار من بوابة فورست مأرب.. الوحدة التنفيذية للمخيمات تستنكر تصريحات مضللة لمسؤول حكومي بهدف الإضرار بالنازحين
صلاح الأصبحي
ضعف الخطاب الوطني!
كتابنا| 2 نوفمبر, 2024 - 3:59 م
يعد الخطاب الوطني سمة بارزة للعمل السياسي للدولة وللمجتمع، ودليلاً حياً على إثبات هوية البلدان وارتباطها بالقضايا الجوهرية التي تحكم مصائرها وترسم ملامح وجودها، والكاشف عن مدى إخلاصها وولائها لحاضرها ومستقبلها.
منذ سقوط صنعاء بيد الانقلاب الحوثي وحشد ذلك الانقلاب لخطاب سياسي طائفي متعدد المصادر ومتنوع المنابع لدرجة تغلغله في وعي العامة والخاصة، وتحديد لغته وأهدافه داخلياً وخارجياً، وفي المقابل كان الخطاب الوطني للشرعية والمقاومة والأحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية التي وقفت في وجه الانقلاب ضعيفاً وباهتاً، ولا ينفصل عن الموقف والرؤيا للواقع والمشهد السياسي ككل.
لا يقتصر الخطاب الوطني على لغة الإعلام وبرامج التلفزة ومنابر المساجد؛ بل في الحقيقة يمثل الفعل السياسي والرؤية الوطنية وصلة هذا الخطاب بهموم الواقع وتحديات اللحظة الراهنة للدولة والمجتمع ومهددات بقائهما معاً.
إن تشتت الخطاب الوطني يثبت دون شك تشتت حامليه وتباين مواقفهم تجاه الوطن ومصالحه الأساسية، وتغلب مصالح الأفراد والمكونات السياسية على مصالح الدولة، والاحتفاظ بإرث الماضي وصراعاته وبقائه متحكماً في معطيات اليوم.
لماذا فشلنا طيلة عشر سنوات في توحيد خطاب وطني منبثق من عمق ولائنا الوطني وعزيمتنا الجمهورية وإرادتنا الثورية ومبادئنا الدستورية ووعينا السياسي وطموحاتنا الديمقراطية، وحاجتنا الملحة لاستعادة الدولة وتحريرها من قبضة الانقلاب والتحكم بحاضر اليمن ومستقبله من قبل قوى وطنية قادرة على حماية مصالحه وتحقيق طموحاته بالاستقرار والسلام.
ونحن في قلب المعركة المصيرية بين الإمامة والجمهورية إبان الانقلاب تفاوتت الرؤى التي خلطت بين الاختلافات السياسية البينية وبين تمييع الثوابت الوطنية وتقزيم حجم الكارثة التي حلت على اليمن حوثياً، والتي ساهمت في إنجاح مشروعه بطريقة غير مباشرة، ومن ثم كان استشعار الخطر.
فالتقليل من أهمية الخطاب الوطني ودوره في انجاح مشروع الدولة بمثابة غياب للوعي السياسي وسطحية فكره وخيانة للمبادئ، لأن ذلك يسهم في صنع الهزيمة ويؤجل الانتصار ويقلل فرص الخروج من دائرة التأزم.
فالخطاب الوطني الحقيقي لا تحكمه الإيديولوجيات الدينية ولا الحزبية ولا الولاءات الشخصية ولا الارتهان لمشاريع الكيانات الصغيرة الطامحة، وإنما هو أفق جامع وطموح واسع يستوعب كل الأحلام ويجمع تحت سقفه كافة المكونات والقوى والطبقات والتشكيلات ويضمن الحرية والعدالة للجميع في حدود الإمكانيات المتاحة والتوافقات اللازمة، والعمل من أجل حماية الوطن الكلي وإتباع سياسة الحفاظ على مؤسسات الدولة وأعمدة بقائها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
فلو قمنا بالمقارنة بين هذه المفاهيم وبين حضورها واقعياً في المشهد اليمني لوجدنا حالة مزرية من الضعف وبعداً كبيراً عن الوجود للدرجة التي تشعرنا بخطورة وضعنا السياسي وغياب الخطاب الوطني فيه.
فلو أسقطنا مثل هذا التصور على حالة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً ومجلس القيادة الرئاسي الذي يضم بين دفتيه سبعة قيادات وطنية تمثل مختلف القوى الموجودة على الساحة اليمنية المحررة، وينبغي أن تقف جنباً إلى جنب في خندق جمهوري واحد وتسعى إلى ردم هوة الاختلاف والتباين وطبيعة الماهية لكل منهما، والانطلاق من محور ارتكاز أساسي يضمن لهذا المجلس تحقيق نتائج ملموسة في المشهد اليمني سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وخلق خطاب وطني موحد يؤكد عمق الترابط والمشاركة في إرساء دعائم المشروع السياسي الجامع الذي سيحقق مصالحة وطنية من جانب وانتصار على العدو من جانب آخر، والخروج من بوتقة الظل والطموحات الفردية الضيقة المنزلقة عن مسار تشكيل هذا الكيان الشرعي الشامل.
عندما نستقرأ المشهد اليمني سياسياً واقتصادياً وتهاوي الواقع وانزلاقه إلى الهاوية يتبين لنا أن الخطاب الوطني متشظ في واقع سياسي متناطح، ويفتح الباب للكشف عن حجم الاختلالات والثغرات التي تنخر جسد الشرعية اليمنية وتفشل تحقيقها أي إنجاز أو معالجة أية قضية.
لا يمكن التغاضي عن مثل هذا الإخفاق وتجاهله تحت مبرر شق الصف الوطني وانتقاد في غير أوانه، لكن المخاطر تفرض علينا أن ندرك نقاط الضعف التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة المترهلة وتكدس الإخفاقات وتراكم المعاناة بين أوساط المجتمع وبلوغ مرحلة الفشل التام في إدارة الدولة وتقديم خدمات للعامة.
إن إعادة تشكيل الخطاب الوطني للشرعية اليمنية وفقاً للتحديات والمخاطر سيصحح من مسار العملية السياسية ككل، ويعمل على تجاوز حالة الانقسام والتشتت والشروع ببدء مرحلة جديدة جدية توحد الجهود وتلم الشمل وترسم طريقاً واحداً للفعل السياسي والقيادة السياسية، والعمل بمسؤولية وطنية من أجل تغيير الواقع إلى الأفضل وتحسين الخدمات وتفعيل حركة التنمية والاستعداد لخوض مصير واحد ضد العدو الحوثي سلماً أو حرباً.
الخطاب الوطني القوي يؤكد حجم الإصرار في مواصلة مشوار النضال والكفاح من أجل بلوغ الهدف الأسمى والغاية الجوهرية لاستكمال مشروع استعادة الدولة بعيداً عن أية دوافع تجرفنا خارج دائرة الحقيقة الوطنية التي تهم كل يمني حر يطمح بالحياة والسلام.