"جبل صبر" في تعز.. المتنفس الأول لسكان المدينة المحاصرة رغم شحة الخدمات (تقرير خاص)

على صدر الحالمة تعز (جنوب غرب اليمن) يرزح الجبل الأشم "صبر" ـ ثاني أكبر جبال الجزيرة العربية ـ يؤدي دوره كحارس أمين لمحافظة لطالما كانت وماتزال مطمعا للغزاة من الاماميين منذ قرون، ومتنفسا مفتوحا لا يكل ولا يمل من استقبال الزوار طوال أيام العام.
 
يشد السكان الرحال إليه، في حج يومي لمنعرجاته ومدرجاته، يتنفسون نسيما عليلا، ويناظرون مدينتهم من علوه والتي تبدو كسجاد أبدع الحائك تطريزه ... لكن برغم أهمية هذا المكان إلا أنه يفتقر للكثير من الخدمات.
 
قبل الحرب التي تسببت بها مليشيا الحوثي، في 2015، كان أمام سكان مدينة تعز، خيارات متعددة لقضاء إجازة ما أو أخذ استراحة، داخل أو خارج المحافظة، كالحدائق أو المناطق الريفية والاستراحات العامة.
 
لكن بعد اجتياح المليشيا للمحافظة ثم حصارها بعد طردها منها، باتت الخيارات محدودة أمام السكان، حيث لا يتواجد في المدينة سوى حديقتين صغيرتين بإمكانيات بسيطة، وبعض الاستراحات التي غالبا ما تكون للرجال.
 
وبرغم ذلك، ثمة مكان لا تخطئه الأعين - سواء قبل الحرب او خلالها - يتميز بكل المواصفات التي لطالما تمناها السكان لتجديد نشاط الروح والجسد،.. الحديث هنا عن جبل صبر.
 


حصن منيع
 
قبل الخوض في تفاصيل الجانب السياحي، ثمة تفاصيل أخرى مهمة عن جبل صَبِر، خصوصا تلك المتعلقة بجغرافيا الجبل وتاريخه ومميزاته كجبل استراتيجي من نواح عدة.
 
جغرافيا، يعد جبل صبر ثاني أعلى جبال اليمن والجزيرة العربية، بعد جبل النبي شعيب في صنعاء، حيث يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر حوالي 3200 مترا، بفارق 400 متر عن الأخير، ويبلغ ارتفاعه من مدينة تعز إلى قمته في حصن العروس، قرابة 1500 متر.
 
ذكر لسان اليمن الهمداني جبل صبر بأنه حصن منيع، فيما وصفه ابن المجاور بأنه جبل مدور كثير الخيرات والفواكه والأخشاب وفيه العديد من القرى والحصون، كما أن له أهمية إستراتيجية عبر التاريخ.
 
إداريا، يضم الجبل ثلاث مديريات، هي صبر الموادم، ومشرعة وحدنان، والمسراخ. وبات الجبل، وتحديدا، الجزء الذي يضم "صبر الموادم" مقصداً سياحياً لكل زائر، نظرا لتوفر الطريق الاسفلتي وموقعه المتميز المطل على مدينة تعز.
 
ويحتوي الجبل، مدرجات في منحدرات الجبل تحيط بها بساتين وفيرة الخيرات، ومن حولها عيون الماء والينابيع، بالإضافة إلى تنوع الفواكه التي تزرع. وتزين الجبل، المنازل ذات الطابع المعماري اليمني، حتى أنها تبدو للناظرين إليها من المدينة كأنها وميض نجوم.
 
كما يحتوي على بعض المعالم التاريخية والمزارات الدينية كموقع أهل الكهف والمسجد الأثري بذات المكان والذي يحمل ذات الإسم، والكائن في قرية المعقاب، إلى جانب مسجد الشعرة في قرية العارضة أسفل قلعة جبل العروس.
 
إلى جانب ذلك، هناك المقابر الصخرية في قرية المحراق، والمياه المعدنية في الحمام الطبيعي في قرية المرازح.
 


عشق المكان
 
محمد عبدالرحمن ـ رب أسرة تقطن في مديرية القاهرة بمدينة  تعز-، يقول لـ"يمن شباب نت" إنه عاشق للجبل الأشم، فهو يزوره مع زوجته وأطفاله الثلاثة، عند كل إجازة أسبوعية.
 
بحسب عبدالرحمن، فإنه يعشق "صبر" كما هو الحال لدى أسرته لأسباب عديدة أهمها هدوء المكان وجمال الطبيعة، وتميز الموقع الذي يرى فيه الناظر المدينة الحالمة كما يرى راحة يده، يتأمل شوارعها، معالمها، وتاريخها الصامد في المدينة القديمة، حيث أطلال الدولة الرسولية.
 
مشاعر عبدالرحمن وأسرته عن صبر، هي ذاتها لدى سامي حُميد، لكن الأخير يعجز عن الوصف ويختزل مشاعره بالقول "أجد فيها نفسي". ويضيف لـ"يمن شباب نت": "ابحث عن الهدوء والهواء النقي والابتعاد عن زحمة المشاكل اليومية، وكل هذا لا أجده  إلا هنا".
 
حميد يصطحب أسرته معه إلى "صبر" كلما سنحت له الفرصة، أما بالنسبة له فهو يهرع إلى الجبل كلما ضاقت نفسه، ويحدث ذلك مرة أو مرتين كل أسبوع.
 
مواطنون أخرون، تحدثنا إليهم وكان لدى الجميع ذات الشغف والعشق لهذا المكان، لكن ثمة أمور تنغص أنفس الزوار وتمنعهم من المكوث لساعات طويلة، منها شحة الخدمات والمرافق العامة.
 
 شحة الخدمات
 
رغم الجمال الآسر للمكان، بطبيعته الخلابة واطلالته الجميلة على المدينة، إلا أن الزوار يعانون من غياب الكثير من الخدمات.
 
يقول بعض الزوار، إنهم يخططون للرحلة إلى الجبل، من جميع الاتجاهات ـ قبل التحرك من أماكن سكنهم، فيحملون معهم كل ما يحتاجونه كأثاث خفيفة وماء ومشروبات غازية على سبيل المثال، فهناك لا توجد سوى بعض البقالات وهي غالبا ما تكون بعيدة عن الأماكن التي يختارونها للمقيل فيها.
 
لكن إدارة مديرية صبر الموادم ترى أن الخدمات متوفرة للزوار، ويقول مدير المديرية محمد الكدهي، "ليس هناك أي غياب يذكر عن الخدمات المقدمة لزوار المديرية، بل العكس السلطة المحلية بالمديرية عملت على توفير كافة الجهود لتقديم مختلف الخدمات".
 
وأضاف الكدهي لـ"يمن شباب نت"، إنه "رغم شحة الإمكانيات المتاحة للمديرية إلا أننا نبذل قصارى جهدنا لتلبية الاحتياجات والمتطلبات اللازمة."
 
خلال السنوات الاخيرة، أنشأ سكان محليون عددا من الاستراحات، كمشاريع استثمارية، لكن برغم ذلك، يبقى عددها القليل غير كاف، لاستقبال ولو نسبة بسيطة من الزوار. لكن قلة الاستراحات وما يقابلها من كثافة للزوار، جعل أسعار المقيل باهض جدا، لا يقوى على تحمل تكاليفها معظم الزائرين.
 
وبحسب عمال في بعض الاستراحات، فإن سعر الغرفة الواحدة، خلال الأيام العادية - أيام الدوام - ما بين 6 الى 12 الف ريال، أما في أيام الإجازات حيث يكون الإقبال كبيرا، يصل السعر إلى ما بين 10-15 الف ريال.
 
فندق جبل صبر
 
فندق جبل صبر، -أو ما كان يعرف سابقا، منتزه الشيخ زايد بن سلطان-، بضخامة مبناه وتصميمه الهندسي المتميز، كان قبل الحرب مقصد رئيسا للزوار، لكن مع العام الأول من الحرب، ظل الفندق خارج الخدمة لسنوات عديدة، قبل أن يقدم أحد المواطنين مقترحا لاستئجار الجانب الآمن منه لتشغيله كاستراحة، برسوم مخففة للمواطنين.
 
في مايو/أيار 2015، تعرض الفندق لقصف مدفعي بدبابة لمليشيا الحوثي، من موقع تمركزها في مبنى إذاعة تعز، وفي وقت لاحق من العام ذاته، تعرض لقصف الطيران الحربي التابع للتحالف العربي ما أدى الى تدمير الجزء الأمامي منه كليا وتضرر جزئي لبقية المبنى.

بدأ بناء الفندق، منتصف ثمانينيات القرن الماضي على نفقة رئيس دولة الامارات الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. يتميز الفندق بموقع فريد في قمة تطل على مدينة تعز. كان الفندق يتكون من مبنى مكون من 3 طوابق، يضم أجنحة وغرف وصالونات وكافتيريا ومطابخ ومخازن.
 
وقال مدير مديرية صبر الموادم محمد الكدهي لـ"يمن شباب نت"، إن "الفندق سيمثل موردا كبيراً لميزانية المديرية، لو أعيد تأهيله"، مؤكدا تعرض الفندق لدمار واسع، ويصعب على المديرية إعادة تأهيله.

وأشار الكدهي إلى أن عملية إعادة تأهيله تحتاج إلى ميزانية ضخمة، وهو ما لا تقدر عليه السلطة المحلية بالمديرية ، على الأقل في الوقت الحالي.
 
مخاطر
 
نظرا لقلة الاستراحات من جهة وسعرها الباهض من جهة اخرى، يتخذ معظم الزوار جنبات الطريق الاسفلتي ومدرجات الجدران الساندة له، كأماكن للمقيل، لكن تلك الاماكن، بحسب مختصين، قد تشكل خطرا كبيرا على حياتهم، كون أعاليها جبال هشة قد تتساقط الحجارة عليهم خصوصا في فترة الصيف.
 
الى جانب ذلك، يعد موسم الأمطار، رغم ما يجلبه من أجواء مميزة، إلا أنه يعكر صفو الرحلة، حيث يضطر الزوار إلى الهروب من المطر إلى سياراتهم او لإنهاء الرحلة والعودة إلى المنزل.
 


خطط استثمارية
 
يؤكد مدير مديرية صبر الموادم، الكدهي، أن السلطة المحلية بالمديرية لديها خطة استثمارية تجعل من جبل صبر نموذجاً رائعاً، وامتيازات خاصة، موضحا أن الخطة الاستثمارية تتضمن لإنشاء مرافق ومنتجعات سياحية، لكن تبقى تلك الخطط بحاجة إلى دعم لتنفيذها على الواقع.
 
تؤكد سلطات صبر الموادم أن المديرية تعتبر نموذجاً يحتذى بها من بين كافة مديريات تعز، كونها تشهد أجواء مستتبه وانعدام شبه تام للجريمة، وأن لدى شرطة أمن المديرية خطة أمنية أسبوعية وسنوية وخاصة في المناسبات العيدية .
 
وعن الحركة المرورية، حيث يشهد طريق الجبل ازدحاما شديدا اثناء توافد أو مغادرة الزوار خلال فترة الاجازات، قال الكدهي إن السلطة المحلية بالمديرية نسقت مع شرطة المرور بالمحافظة وتم نقل العديد من رجال المرور إلى أماكن الازدحام وتنظيم حركة السير، بحيث لاقت هذه الأعمال والجهود استحسان الجميع من الزائرين إلى المديرية، مؤكدا أن الأمور تسير بشكل طبيعي.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر