لماذا لا يجنح الحوثيون للسلام.. ما الدوافع والأهداف من استمرار حربهم على اليمنيين؟ (تحليل خاص)

[ عناصر من مليشيات الحوثي المدعومة من إيران / AP ]

 منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014م المشؤوم واحتلال العاصمة صنعاء والحوثيون يعيشون في حرب مفتوحة مع الشعب اليمني سواء مع من هم تحت احتلالهم من خلال حرب من نوع خاص ممثلاً بقتل "ناعم" -إن صح التعبير- أو بقتل خشن.
 
ويتمثل ذلك بكثرة المضايقات الأمنية والمعيشية المباشرة وغير المباشرة، والقيام بِمُصادرة معظم الحقوق المادية النقدية والعينية وفرض "جبايات" تحت مسميات مختلفة وغير ذلك من أوجه الاستيلاء على الأموال العامة أو ما تبقى منها والخاصة بما فيها ما يخص خصومهم وإن بات كل الشعب اليمني هم خصوم لهم.
 
ثم -وهو الأهم- مراقبة كل شاردة وواردة تخص كل رجل وامرأة من خلال تجنيد نصف سكان العاصمة صنعاء تحت اسم مشرفين وعقال حارات وغيرها من المسميات ليكونوا مُراقِبين للنصف الآخر من السكان، وتحت هذه "الذريعة" تُنتَهك الأعراض وتستباح المنازل وتصادر الأموال...الخ.
 
وما يقال على العاصمة صنعاء ينطبق على كل مدينة ومنطقة لا تزال تحت احتلالهم. وحينما يُشَاع لدى البعض عن وجود الأمن بصنعاء وما في حكمها حسب الظاهر، فإن ذلك يرجع إن صح إلى كون نصف السكان يراقبون النصف الآخر؟!..
 
بينما اليمنيون في المحافظات والمدن المحررة، يقوم الحوثيون بالحرب ضدهم علناً وعبر الطيران المُسير "الإيراني الصنع"، والقذائف والقنص والحصار الخانق، كما هو حال مدينة (تعز) والألغام التي قاموا بزرعها بمختف الطرق والمزارع وآبار المياه وَغيرها.
 
إضافة إلى زرع الفتن وبث الفرقة من خلال بعض ضعاف النفوس من المتواجدين ببعض المدن والمناطق المحررة وبث جواسيسهم خاصة ممن يأتون من بعض مدن ومناطق إقليم "آزال" إلى بعض المدن المحررة لهدف قطع جوازات أو إنهاء معاملات بمناطق "الشرعية" أو للسفر أو لغير ذلك.
 
إذن الحوثيون ظلوا منذ انقلابهم ولا يزالون يعيشون بحربٍ مفتوحة مع كل شرائح المجتمع اليمني دون استثناء وبكل الوسائل الظاهرة والمستترة. كان لا بد من سرد موجز لما قمتُ بذكره آنفاً.. رغم أني لم آتِ به بجديد فذلك بات معروفا لدى الخاص والعام محلياً وخارجياً، ورغم ذلك رأيتُ ذكره ربما لوجود علاقة مباشرة ببعض هذه "الدردشة".
 
لماذا لا يجنح الحوثيون للسلام؟
 
رغم كثرة تنازلات "الشرعية" والضغوط الإقليمية والعربية والدولية عليها.. وبحكم مسؤوليتها الدينية والوطنية والأخلاقية على كل الشعب اليمني دون استثناء، ورغم المناشدات العربية والدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية للحوثيين بوقف الحرب والدخول في مشاورات لإحلال السلام – وهذا حسب الظاهر المُعلن -  بل رغم وجود إغراءات لهم غير مُعلنة؟
 
رغم ذلك وغيره؛ إلا أن الحوثيين يصرون على استمرار قتل الشعب اليمني وبتحدي سافر للجميع حتى في فترات "الهُدن" ظل تطبيقها من جانب واحد هي "الشرعية"، ورغم أن ذلك يُعَد ضُعفاً وهواناً من قبل "الشرعية" وليس العكس خاصة مع استمرار خرق "الحوثيين" للهُدن واحدة بَعد أُخرى..
وأياً كان حجم الضغوط الإقليمية والدولية عليها فإن "الشرعية" مسؤولة أمام كل أفراد الشعب اليمني على استمرار صبرها وتراخيها وهو ما يفسره الحوثيون ضعفاً وهَوَاناً ؟.
 
إذن.. ثمة أسباب ودوافع و أهداف جوهرية تجعل الحوثيين يتمسكون باستمرار الحرب ضد الشعب اليمني، أهمها:
 
أولا: التراخي الإقليمي والدولي تجاه التجاوزات الحوثية المستمرة، وعدم التلويح مجرد التلويح بفرض عقاب صارم ضدهم إن لم يجنحوا للسلام، مع استمرار تواجد الهيئات والمنظمات الإغاثية الدولية بالعاصمة المحتلة صنعاء بالذات والتي تحولت إلى تغذية لماكينة الحرب الحوثية ضد اليمنيين من خلال نهبهم لها بصورة أو بأُخرى وهو ما أكدته هيئات ودول ومنظمات دولية.
 
ثانيا: عدم وضوح مواقف بعض دول التحالف من الحوثيين ومن الصراع القائم في اليمن بوجه عام، وافتعال أزمات وتوليد ميليشيات تم فرضها على "الشرعية" والتي كان لها دور كبير في إشغالها عن مهامها ووظائفها الأساسية، ودفعها إلى بعض الاستكانة والتراخي.
 
إضافة إلى تعدد القرارات والولاءات السياسية والحزبية والإقليمية خاصة داخل الجيش الوطني والمقاومة الوطنية ولدى صناع القرار في إطار "الشرعية" وتسهيل بعض الدول الإقليمية في تهريب الأسلحة وغيرها إلى الحوثيين سواء من التي تصلهم من إيران الفارسية وهي الأكثر أو من غيرها.
 
فاستغل الحوثيون هذه الجوانب -التي هي مجرد غيض من فيض- في الرغبة باستمرار الحرب تطلعاً إلى خلق المزيد من المكاسب على الأرض بما فيها إظهار أنفسهم بكونهم البديل للشرعية بسبب ما قُمت بذكره آنفاً، حتى أنهم جندوا البعض ممن سئموا من بعض دول التحالف ومن "الشرعية" وليس حباً ولا ولاءً للحوثيين.
 
ثالثا: خوف الحوثيين أو ما يسمون بـ: (أنصار أنفسهم) من "الثأر الشخصي" فحتى لو حصل بعد إعادة السلام ما يسمى بـ (جبر الضرر) فإن من الصعب بل من المستحيل سكوت معظم المتضررين من الحوثة، ذلك أن الحوثيين لم يتركوا منزلاً ولا أُسرة تقريباً في طول اليمن وعرضها إلا وفيها مقتول أو مسجون أو معاق.
 
بعض اليمنيين قتلوا أمام أُسرهم وبعضهم فقدوا أكثر من واحد من أسرهم وبعضهم فقدوا معظمهم، وهناك من تم سحله ببعض شوارع مدن إقليم آزال ومنهم مَن كان له دور في مساعدتهم عند بداية الانقلاب، وهؤلاء غير الذين أُجبروا أو أُجبر ذووهم على القتال معهم فتم أخذهم عبر القوة أو عبر الحيل والخداع وبعض هؤلاء أطفال، وهناك من فقد منزله إما نهباً أو تفجيراً ومن نهب متجره أو مؤسسته...الخ.
 
فإذا كنت شخصياً قد سجنتُ مع اثنين من أبنائي بسجن واحد وبوقت واحد ومن حسن الحظ بزنزانة واحدة، وتم الإفراج عنا –والحمدلله- مع المآثر الجسدية والنفسية التي لا تزال والتي لم ولن تنسى، فما بالكم بمن سجن مع بعض أفراد أسرته أو ظل مسجوناً دون معرفة أُسرته عنه شيئاً، او من قُتل بسجنه أو من تم الإفراج عنه مشلولاً أو معاقاً...الخ.
 
هذه الجوانب وغيرها من الجوانب المماثلة وَلَّدت ثارات عميقة في النفوس والعقول، ومعظم هؤلاء ينتظرون توقف الحرب وعودة السلام ثم الفُرص المواتية للانتقام من الحوثة والذي قد يطال بعض المتحوثين ومن شاركهم وأعانهم.. فاليمني يمكنه تحمل الجوع وغيره لكن يصعب عليه نسيان مَن قتل بعض أقاربه خاصة أمام عينيه أو أهان سُمعته ومكانه ومكانته وكرامته.
 
لذلك فإن الحوثيين يفضلون استمرار الحرب ونشر الخوف من الثأر بين أتباعهم من المجندين وحتى تستمر الجبهات مملؤة بالمقاتلين ولتستمر الحرب إلى أجل غير مُسمى كون الحرب أيضاً باتت من أهم بقائهم وتحكمهم بمن هم متحكمون بهم حالياً.
 
رابعا: السبب الرابع الذي يدفع بالحوثيين إلى عدم الجنوح للسلام يتمثل في أن معظم- إن لم يكن كل القيادات الحوثية -كانوا مُعدمين لا يملكون قوت يومهم إلا في النادر خاصة ممن كانوا عائشين بصعدة وبعد انقلابهم المشؤوم واحتلالهم للعاصمة صنعاء بدأوا بالقيام بمصادرة بعض أهم الشركات والمؤسسات المالية الرسمية والخاصة.
 
وكذا الاستيلاء على بعض القصور والفلل والأراضي خاصة التي تخص خصومهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة تحت ما يسمى بـ (الحارس القضائي)، سواء بالعاصمة صنعاء بوجه خاص وفي بقية المحافظات والمدن التي لا تزال تحت احتلالهم بوجه عام.
 
إضافة إلى المتاجرة بالمشتقات النفطية ومصادرة إيرادات الدولة من ضرائب وزكاة وما يسمى بـ (الخُمس) والاستيلاء على رواتب موظفي الدولة وعلى بعض أموال المساعدات الدولية النقدية والعينية، وهو ما استمر منذ انقلابهم حتى اليوم، لتظهر عمارات وأسواق تجارية حديثة وغير ذلك من شتى أنواع كسب المال، والذي يأتي على حساب قوت ومعيشة الناس الذين يعيشون تحت سلطتهم، وليصبح معظم قيادات "أنصار أنفسهم" يعيشون بحياة ناعمة ومخملية وحياة جديدة غير مألوفة لهم.
 
وقف الحرب وعودة السلام إنما يعني إعادة الحقوق إلى أصحابها بما في ذلك عودة المنازل والأراضي والمؤسسات المالية الخاصة التي استولوا عليها دون وَجه حق أو تعويضهم، وقد يصل الأمر إلى محاكمتهم محلياً ودولياً، خاصة مصادرة بعض ما قاموا بالاستيلاء عليه من الأموال النقدية وتهريبها إلى الخارج.
 
لذلك يصعب عليهم العودة إلى حياة الفقر وضنك العيش السابق أو الخوف من المحاكمات القادمة، ولذا فإنهم يفضلون استمرار الحرب ولو إلى أجل غير مُسَمى أو تطلعاً إلى تحقيق النصر (المستحيل)!
 
خامسا: السبب الخامس هو أن 95 % من قتلى ومقاتلي الحوثيين بمختلف الجبهات هم من أبناء القبائل 80 % منهم من أبناء القبائل السبع المحيطة بالعاصمة صنعاء ومن أبناء محافظات إقليم آزال بوجه عام، ولأسباب عديدة تحتاج لسرد خاص بها، و15 % من بقية المحافظات اليمنية وأكثرهم من المحافظات التي لا تزال تحت احتلالهم ولأسباب ليس بينها الإيمان بعقيدة وتوجهات الحوثيين.
 
بينما 5 % وربما أقل هم من "الهاشميين" وما في حكمهم أو ما بات يطلق عليهم بـ"القناديل". لذا طالما والأمر كذلك أو كما يقول المثل الشعبي اليمني الدارج: (الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي) فلا مانع لدى القيادات الحوثية من استمرار الحرب حتى آخر قبيلي.
 
سادسا: الحوثيون مُكلفون بنشر ثقافة التشيع وذلك من خلال تغيير بعض المناهج الدراسية وطمس الهوية اليمنية وتغيير بعض أهم معالم المباني والأسواق والمدارس وغيرها. كما أنهم مكلفون إيرانياً باستمرار العبث بعقيدة اليمن وبعلاقة الشعب اليمني بمختلف توجهاته بالرسول – صلى الله عليه وسلم – وبصحابته الأخيار مقابل نشر الضلال والبدع والخرافات وبناء الأضرحة.
 
إضافة إلى استمرار نهب المال العام والخاص وتحويل أكبر قدر ممكن من السيولة النقدية إلى خارج اليمن، ثم وهو الأهم إنهاء جوهر وتوجهات وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر الخالدتين، وتعميق الانفصال الجغرافي والنفسي خاصة بين الشمال والجنوب وغير ذلك، وهذه المهام لم تكتمل بعد، ولا تزال بحاجة إلى وقت، ووقف الحرب وتحقيق السلام سيقفان حائلان أمام تحقيق ذلك، فكان لابد من استمرار الحرب.
 
سابعا: الحوثيون يخشون من السلام لأنه لا بد أن يرافقه حكومة "مؤقتة" والشروع في قيام انتخابات رئاسية وبرلمانية، ولا بد أن تكون بمراقبة إقليمية ودولية نظراً للظروف التي تمر بها اليمن، وهذه المهام هي ضد أهدافهم السلالية والفكرية والمذهبية فهم من جهة لا يمكنهم القبول بقيادات غيرهم تحت أي ظرف كان إذ يستحيل عليهم القبول بالقسمة على اثنين، والانتخابات التي لا بد أن تكون نزيهة وحُرة.
 
كما يستحيل عليهم الحصول من خلالها على أكثر من 10 – 15 % من الأصوات في أحسن الأحوال لذا لا غرابة أن يوعزوا إلى عبيدهم ممن ارتضوا بالذل والخنوع بالتشكيك في جدوى الانتخابات والتي وصفها حسين حازب بـ "الشر المستطير" بحجة أن العرب فشلوا في الديمقراطية، وحازب هذا إنما يريد القول بضرورة تسليم الحكم لسيده طفل مران دوان سواه.
 
ثامنا: السبب الثامن وربما يكون الأهم بعد السبب السابع، لا يمكن أن يجنح الحوثيون إلى السلام ووقف الحرب بدون موافقة أُمهم الرؤوم "إيران" الفارسية والتي جعلت ولا تزال من دماء اليمنيين من خلال عبيدها الحوثة إحدى أهم وسائلها في تحقيق بعض مكاسبها الإقليمية والمادية والتوسع الفكري كماً وكيفاً.
 
ومتى ما وَجدت ضغوطاً قوية من كل الجهات واقتنعت بجدوى وقف الحرب في اليمن مقابل ضمانات لتحقيق المزيد من طموحاتها، حينها فقط ستوجه من خلال أحد موظفي مرشدها أو عبر "حسن نصر اللات" إلى طفل مران بالقبول بوقف الحرب ولو من باب "التُقية".
 
الخلاصة:
 
هذه الأسباب الثمانية التي سردتها هي وراء عدم جنوح الحوثيين للسلام حسب فهمي الخاص مع أنه لو وافق الحوثيون بالدخول في السلام بسبب ضغوط إقليمية ودولية قوية وصارمة، فإن ذلك سيكون بمثابة "استراحة" المحارب، كونهم بقرارة أنفسهم مصرون على تحقيق أهدافهم الفكرية والعقائدية ولو على حساب انتهاء معظم أبناء الشعب اليمني، ولأن نكوثهم بالاتفاقات والعهود الموقعين عليها معروف لدى الخاص والعام.
 
ولذا.. فإن الحل الوحيد لتحقيق السلام هو توحيد الجيش اليمني والمقاومة الوطنية وتسليحهما كما وكيفاً، بجانب أهمية توحيد الخطاب الإعلامي وتوجهات "الشرعية" العامة، من أجل العمل صفاً واحداً لإنهاء هيمنة وسيطرة هذا المرض السرطاني الخبيث وقبل أن ينتشر أكثر فأكثر.


ملاحظة: 
كلما أردتُ بهذا الشهر الفضيل الانصراف إلى الجوانب الروحية لأهميتها ولو لم أحرم نفسي من أداء بعضها، وكتابة الأهم للتاريخ وللأجيال؛ كلما اندفعتُ للكتابة والتي منها مثل هذه "الدردشة" بسبب استمرار "حرب الحوثيين" ضد اليمنيين ودون أي تقدير لهذا الشهر الكريم على الأقل!. وكفى بالحوثيين جهلاً عداؤهم لأنفسهم قبل غيرهم: "ما يبلغ الأعداءُ من جَاهلٍ  ما يبلغ الجاهل من نفسه"!.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر