ما وراء التحركات السعودية شرق اليمن.. وعلاقتها بالخلافات المحتدمة مع الإمارات؟ (تقرير خاص)

[ وفد عسكري سعودي يلتقي قيادات الأجهزة العسكرية والأمنية في شبوة / واس ]

 مع الحراك الدولي والإقليمي باتجاه إنهاء الحرب في اليمن؛ كثفت السعودية تحركاتها جنوب وشرق البلاد عبر إرسال وفود عسكرية لا سيما إلى المناطق الخاضعة لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي لدولة الإمارات.
 
في الأول من مارس/ آذار الجاري، أفادت وكالة الأنباء السعودية "واس"، بأن وفدا عسكريا من تحالف دعم الشرعية التقى بعدد من القادة العسكريين في محافظة شبوة، حيث جرى مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
 
وذكرت الوكالة أن الوفد العسكري أكد "على أهمية إقامة يمن يستوعب المكونات اليمنية كافة، في سبيل إنهاء الأزمة ورفع المعاناة عن الشعب اليمني"، دون تفاصيل إضافية.
 
والقادة العسكريون هم قيادات ألوية الجيش اليمني والوحدات الأمنية التي انسحبت من مدينة عتق ومناطق أخرى في شبوة، عقب المعركة التي خاضتها مع تشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا في أغسطس/ أب الماضي.
 
بالتزامن، زار وفدا عسكريا سعوديا آخر، برئاسة قائد قوات الدعم والإسناد في التحالف اللواء سلطان البقمي، العاصمة المؤقتة عدن والتقى بوزير الدفاع اليمني الفريق محسن الداعري. ثم زار الوفد محافظة أبين، قبل أن يتوجه إلى مدينة المخا الساحلية غرب محافظة تعز ويلتقي بعضو مجلس القيادة الرئاسي قائد المقاومة الوطنية العميد طارق صالح.
 
وفي الثالث من مارس، التقى محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي بقائد غرفة التحالف في مدينة سيئون المقدم علي المطيري بحضور قائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء صالح طيمس، ووكيل المحافظة لشؤون الوادي والصحراء عامر العامري.
 
وبحسب إعلام السلطة المحلية بحضرموت فإن اللقاء "ناقش الأوضاع الأمنية والعسكرية في المحافظة، وأبرز الاحتياجات التي من شأنها رفع كفاءة الوحدات العسكرية والأمنية والأفراد".
 
وفي الثامن من الشهر الجاري، أفادت مصادر مطلعة، بأن رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، التقى قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية بمحافظة شبوة بينهم قائد القوات الخاصة السابق العميد عبدربه لعكب، بالعاصمة السعودية الرياض، في أول لقاء من نوعه منذ المواجهات المسلحة التي شهدتها محافظة شبوة.


 
تحركات السعودية الأخيرة، جاءت في ظل تدهور العلاقات بين الرياض وأبوظبي بسبب خلافات شديدة بشأن ملف الحرب في اليمن، وبالتزامن مع مفاوضات تجريها مع مليشيات الحوثي، بالإضافة إلى مفاوضاتها مع إيران التي توجت باتفاق إعادة العلاقات بينهما برعاية صينية قبل يومين.
 
تعارض المصالح
 
ولذلك؛ يرى المحلل العسكري والاستراتيجي اليمني الدكتور علي الذهب، أن اللقاءات التي عقدتها السعودية، مع القيادات العسكرية والأمنية في حضرموت وشبوة، "ناشئة عن احتدام وتعارض المصالح السعودية الإماراتية".
 
وقال الذهب في حديث لـ"يمن شباب نت"، إن "هذا التعارض استدعى اللجوء إلى القوى الصلبة، في الوقت الذي استطاعت الإمارات أن تُنشأ لها وكلاء مسلحين ممثلين بتشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي المسلحة وألوية العمالقة التي أحيان يعني قد تقف عن الحياد، ولكنها في كل الأحوال تحت المظلة الإماراتية".
 
وأضاف، أن "الدليل على الصراع (السعودي الإماراتي)، غياب أعضاء المجلس الرئاسي عبدالرحمن المحرمي، وعيدروس الزبيدي وطارق صالح -الذين يمثلون الجناح الإماراتي- عن الاجتماع الأخير لمجلس القيادة (مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان)".
 
وتابع: "نتيجة هذا التصادم وجدت السعودية نفسها دون قوى تستعين بها فلجأت إلى إنشاء قوات درع الوطن وإعادة إحياء الوحدات التي انكسرت أو كُسرت في أحداث أغسطس 2021 في شبوة ولملمت القادة الذين تركوا وحداتهم ومواقعهم لإعادة بعثهم من جديد ودفعهم في حال نشوب أي صراع بين وكلاء السعودية من جهة ووكلاء الإمارات من الجهة الأخرى".
 
كما يرى الدكتور الذهب أن "السعودية تتحاشى أن تكون إرادتها في المستقبل مقيدة تحت هيمنة الإمارات أو وكلائها ولذلك حاولت استبعاد المجلس الانتقالي بالقوة من هذه المناطق عن طريق وقف عملية الاستهداف للمنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت".
 
واستدرك:" ولضمان هذه المنطقة أنشأت (السعودية) وحدات عسكرية جديدة وتحاول لملمت وإحياء الوحدات المندثرة في شبوة ليكون الفضل في عودتها لها بحيث أنها أيضاً تتحكم فيها".
 
خطوات نحو التسوية
 
تكثيف الحضور السعودي في شرق اليمن، ليس تعارضا للمصالح مع الإمارات فقط، بل يأتي ضمن خطوات للتسوية التي تجريها الرياض مع إيران والحوثيين على حدٍ سواء، وفق الدكتور علي الذهب.
 
وقال: "يبدو أن السعودية أعطت وعوداً للحوثيين ببقائهم في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، وذهبت لإعادة رسم خريطة المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة بحيث تستحوذ على ثلاث محافظات حضرموت والمهرة وجزيرة سقطرى".
 
وأوضح الذهب، أن هذه المحافظات الثلاث لها ارتباط جيوسياسي بالحدود السعودية الهامة والاستراتيجية مع اليمن وسلطنة عمان، كما لها قيمة جيوسياسية أخرى، حيث تتطلع السعودية لأن يكون لها منفذ لتصدير النفط أو مشروع مد انابيب أو شركة انابيب لتصدير النفط إلى بحر العرب".


 
ويتفق محسن الحاج مستشار محافظ شبوة، مع المحلل العسكري الدكتور الذهب، حول ارتباط التحركات السعودية شرق اليمن، بالمفاوضات مع مليشيات الحوثي بشأن التوصل إلى حل سياسي في البلاد.
 
وقال الحاج لـ"يمن شباب نت"، إن "السعودية تعمل على جمع كل القوى المناوئة للحوثي بما فيها المجلس الانتقالي وغيرهم المُمَثلين في المجلس الرئاسي، ثم ستأتي بالمجلس الرئاسي للتوقيع على الاتفاق الذي يجري إعداده، وكأنه اتفاقا يمنيا يمنيا وهو في الحقيقة اتفاق سعودي حوثي".
 
وعن غضب الانتقالي من السعودية؛ قال الحاج، إن "الانتقالي أراد أن يطرح ملف الانفصال ضمن القضايا المطروحة للنقاش مع الحوثيين، إلا أن الرياض ترفض أن يُطرح هذا الملف في هذه اللحظة...".
 
وأوضح "هذا الملف الذي يريد أن يطرحه الانتقالي أثار غضب السعوديين وأدى إلى تراشق إعلامي بين الجانبين، الأمر الذي دفع الرياض إلى استدعاء القوى المناوئة للانتقالي من أجل الضغط عليه للرضوخ لما تريده ".
 
وتابع:" الانتقالي المدعوم من الإمارات يريد أن يفرض أجندته بالقوة العسكرية في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى توحيد الأطراف (...) لذلك بدأت السعودية بالتحرك لإعادة الانتقالي الى الحظيرة التي تريدها"، على حد تعبيره.
 
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، قد حاول خلال الأشهر القليلة الماضية حشد قواته نحو حضرموت للسيطرة عليها بعد حسم ملف شبوة، غير أن السعودية أوقفته لأهمية هذه المنطقة التي تربطها بحدود برية تقدر بـ700 كم، وفق الحاج.
 
وقال إن "السعودية تعتبر محافظات حضرموت وشبوة والمهرة خطا أحمرا ولن تسمح للانتقالي فيها.. سمحت للانتقالي في شبوة لكن يبدو أنها ستعيد النظر في الموضوع.. إذا سيطر الانتقالي المدعوم من الإمارات على هذه المناطق سيؤذي السعودية.. السعودية لها تجربة قديمة مع الاشتراكي الذي هو الانتقالي اليوم".
 
 
ترتيب الأوراق
 
حاليا تسعى السعودية لتعزيز حضورها على المستوى السياسي والمستوى العسكري أيضا بشكل أقوى وإن كان عبر حلفائها في المناطق الشرقية لليمن كي تُأمن حدودها وأمنها القومي"، وفقا للباحث والكاتب اليمني عادل دشيلة.
 
وقال دشيلة، في حديث لـ "يمن شباب نت"، إن "التحركات السعودية تأتي في إطار الضغط على المجلس الانتقالي حتى يعود إلى تنفيذ اتفاق نقل السلطة 7 أبريل 2022، بالإضافة إلى توحيد هذه القوى المتصارعة أقصد بذلك القوى التي في إطار المجلس الرئاسي (...)".
 
وأضاف، أنه "لا يمكن إقامة تسوية بين جماعة الحوثي ومجلس القيادة الرئاسي، والجماعات الانفصالية ما تزال مسيطرة بشكل عسكري على هذه المناطق دون أن تقدم تنازلات".
 
وتابع دشيلة: "لا يبدو أن السعودية بمقدورها أن تُقنع المجلس الانتقالي أن يقبل بهذه التسوية أو أن يكون في إطار عملية سياسة تشاركية للجميع".
 
ويرى أن "السعودية تريد ترتيب أوراقها في حال انسحبت من المشهد العسكري في اليمن من خلال إعادة النظر جذرياً في علاقاتها مع القوى القبلية والاجتماعية في المناطق الشرقية.. يبدو أنها نجحت جزئياًّ في حضرموت من خلال عدم السماح للمجلس الانتقالي بالانتقال أو بالتصعيد العسكري باتجاه وادي حضرموت".
 
وحسب دشيلة، فإن "هناك الآن نوعا من التفاهمات بين مجلس القيادة الرئاسي وبين السعودية على أنه يجب توحيد هذه الجهود في حال أرادت المملكة العربية السعودية أن يكون هناك اتفاقاً سياسياً بين جميع الأطراف اليمنية".
 
علاقة تحركات الرياض بالاتفاق مع إيران
 
التحركات السعودية التي جاءت بهدف إعادة ترتيب وضعها العسكري، جاءت قبل أيام قليلة من إعلان اتفاقها مع إيران، في 10 مارس الجاري، الذي يتضمن إعادة العلاقات الدبلوماسية وتفعيل الاتفاقية الأمنية.
 
وقال المحلل العسكري الدكتور علي الذهب، إنه "يبدو أن هنالك ترتيبات مشتركة تقوم بها السعودية بمفردها مع الحوثيين أو بالتعاون مع سلطنة عمان وهناك إطار عملية السلام كاملة تجريها السعودية مع حلفائها ومع أطراف معينة في التحالف العربي".
 
وفيما يتعلق بالاتفاق الإيراني السعودي، يقول الذهب، إن "ما حدث من اتفاق هو تكملة لما اتخذته الرياض من خطوات تفاوضية مع الحوثيين كان من بينها في حقيقة الأمر وإن كانت الحكومة اليمنية تقول أنها هي صاحبة الشرعية لأن الرئيس (عبدربه منصور هادي) هو الذي أنقُلب عليه مرة أخرى وأزيح من المشهد".
 
واستدرك: "فضمن هذه الترتيبات جاءت الاتفاقية بين إيران والسعودية ولكن هي اتفاقية أشمل وأعمق ولكن يدخل الحوثيون فيها بوصفهم أحد وكلاء إيران أو الأدوات العنيفة التي تُثير بهم الشواغل الأمنية في المنطقة العربية".



ويعتقد الدكتور الذهب، أن الترتيبات الحاصلة الآن ستمنح السعودية حق التفاوض بشكل أكبر مقابل بعض المكاسب التي ستحققها إيران من السعودية التي تواجه في نفس الوقت عقوبات الحقت فيها الكثير من الخسائر وحدت من انفتاحها على الاقتصاد العالمي او على الدول الاستثمارية.
 
وأشار إلى أن السعودية هي أيضاً تبحث عن مكاسب لأنها عقدت اتفاقية ماهرة وتريد بيئة آمنة لاستثمارها وأيضاً هي تحاول أن تحرر الخليج من القبضة الغربية.
 
من جانبه، يرى الباحث دشيلة، أن السعودية في الوقت الراهن بعد التحولات التي حصلت خلال اليومين الماضيين من خلال التقارب والاتفاق مع إيران برعاية الصين لا تريد تصعيد عسكري.
 
لكنها – أي السعودية وفق دشيلة- تريد أن تكون على الأقل في هذه المناطق (شرق اليمن) حتى تتمكن من الضغط على المجلس الرئاسي في حال تم التوصل إلى هدنة أو إلى نوع من التسوية مع جماعة الحوثي.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر