ما دوافع تصعيد الانتقالي ضد "العليمي".. وهل يتحول الخلاف إلى صراع مسلح في عدن؟ (تقرير خاص)

 بشكل دراماتيكي؛ تتصاعد الخلافات بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا برئاسة عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، على خلفية تصريح للأول بشأن "القضية الجنوبية".
 
في 23 فبراير/ شباط الماضي، قال الرئيس العليمي في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية والتابعة للسعودية - إن "الحديث عن القضية الجنوبية أو مناقشتها في هذا الوقت قد يكون غير مناسب".
 
هذا التصريح أثار حفيظة المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث قال المتحدث باسمه علي الكثيري في بيان، إن "تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي غير دقيقة وتشير إلى عدم الجدية في الشراكة والتوافقات المنبثقة عن مشاورات الرياض".
 
تصعيد إعلامي
 
لم يكتف المجلس الانتقالي الجنوبي ببيانه بل صعد ضد الرئيس رشاد العليمي وشن حملات إعلامية تحريضية عبر وسائله المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، والتلويح بمنعه من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن.
 
كما هدد المجلس الانتقالي خلال اجتماع للأمانة العامة لرئاسة المجلس في أواخر فبراير الماضي، بتشكيل فريق مفاوضات (أحادي منفصل عن الشرعية) "يمثّل قضية شعب الجنوب".
 
وأرجع الانتقالي هذه الخطوة إلى ما وصفه بـ"استمرار المماطلة والتهرّب من استحقاق تشكيل فريق تفاوضي مشترك وفقا لما نصّت عليه مخرجات اتفاق، ومشاورات الرياض".
 
وقال بيان الانتقالي، إن "محاولة تأجيل حل القضية الجنوبية يعدُّ تنصلا عن مخرجات مشاورات الرياض وضرب مبدأ التوافق، وهو أمر مرفوض، وسيؤدي إلى تأزيم الوضع في مرحلة تستدعي الاصطفاف لمواجهة التحديات الراهنة".
 
عقب ذلك أفادت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية عن مصدر مسؤول في مكتب رئيس المجلس الرئاسي، قوله، إن "تصريحات الرئيس العليمي لجريدة الشرق الأوسط فُسرت بعض مضامينها في سياق لا يعبر عن حقيقة موقفه من القضية الجنوبية".
 
وأعاد المصدر التأكيد أن "حل القضايا العالقة بما فيها القضية الجنوبية مرهون بتماسك الشراكة الوطنية بما يضمن استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية الإرهابية، وخطر المشروع الإيراني في اليمن".
 
وعلى الأرجح أن حملات المجلس الانتقالي الجنوبي التي استهدفت شخص رئيس مجلس القيادة الرئاسي الغرض منها إجباره على الاعتذار عن تصريحاته بما يمنح الانتقالي نصراً معنوياً يسهم في ترميم تصدعاته أولا، وشرعنة مشروعه الانفصالي ثانيا.
 
ابتزاز سياسي
 
لكن يبدو أن المسألة لا تقف عند تبادل التصريحات، فهناك خلافات عميقة تدور خلف الستار يحاول من خلالها المجلس الانتقالي التحريض ضد رئيس المجلس الرئاسي بغية فرض مطالبه على جميع المكونات في ظل مساعيه لتصوير نفسه كممثل وحيد للقضية الجنوبية.
 
ولعل أٌقل ما يتوقعه المجلس الانتقالي أن يظفر به مقابل إيقاف حملاته التحريضية دفع رواتب تشكيلته العسكرية المتوقفة منذ نحو عام، إلى جانب ضمان تمثيله بنسبة أكبر في أي حوارات قادمة.
 
كما يبدو أن هذا الخلاف الذي نشب عقب تصريحات الرئيس العليمي بشان القضية الجنوبية وآفاق حلها، جاء كردة فعل غير محسوبة وغير مرتبطة بالنهج الذي يسير عليه الانتقالي عند الشروع في أي تصعيد، وفق الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عبدالكريم غانم.
 
وقال غانم لـ"يمن شباب نت"، إنه "لا يستبعد أن تدفع الإمارات في اتجاه تعطيل مناخ العملية السياسية في اليمن عن طريق وكيلها المتمثل بالمجلس الانتقالي والذي غالبا ما ينتظر تلقي التوجيهات منها، خصوصاً في ظل ظهور الخلاف السعودي الإماراتي على السطح".
 
وأوضح أن المجلس الانتقالي يسعى من خلال تحريضه على الرئيس العليمي، إلى "انتزاع ما أمكن من تنازلات تصب في اتجاه منح قياداته المزيد من المناصب الهامة في الحكومة".
 
وأضاف أن هذا التمكين سيتيح لأبوظبي إبرام بعض العقود والاتفاقيات التي تخوُّل لها شرعنة مطامحها في بسط النفوذ والسيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية في الجزر والموانئ اليمنية.
 
في المقابل، فإن اِتّباع السعودية لسياسة الجَزرة التي تنتظرها قيادات الانتقالي، قد تغريها لرفع سقف مطالبها أسوة بما يفعله الحوثيون في مشاورات مسقط، واحتواء نزق الانتقالي من خلال فتح قنوات تواصل مباشرة مع قياداته سعيا لتحييد دور أبوظبي قدر الإمكان.
 
ويعتقد الباحث غانم أن "قيادات الانتقالي حريصة على الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع السعودية، وعدم الذهاب في التصعيد إلى أقصى مدى، في ظل ما تقوم به الرياض من دور في إعادة توزيع القوة في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن".
 
وأشار إلى أن دخول المجلس الانتقالي في صراع مع قوى جنوبية أخرى ينذر بعودة لاعبين قدماء أكثر عِداءً لأبوظبي والانتقالي إلا أن المملكة العربية السعودية حريصة على توحيد صفوف القوى المناهضة لميليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا.
 
وتابع: "يبدو أن هناك اجماع على هذا الأمر باستثناء المجلس الانتقالي الذي يبدو غير مستشعر لخطر مليشيا الحوثي على اليمن والمنطقة بأكملها".
 
هل يتحول الخلاف إلى قتال؟
 
يستبعد الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عبدالكريم غانم، تحول الخلاف بين الرئيس العليمي والمجلس الانتقالي إلى نزاع مسلح في الفترة الراهنة، وعدم الدخول في نزاع مسلح يعيق مسار تقدم العملية السياسية التي تنوي القيادة السعودية تفعيلها في اليمن.
 
وقال غانم في إطار حديثه لـ"يمن شباب نت"، إن "خلاف الانتقالي مع رئيس المجلس الرئاسي والقيادة السعودية قابل للاحتواء، لما تتمتع به قيادة المجلس الرئاسي من مرونة في المواقف وترجيح للدبلوماسية على الخيارات العسكرية".
 
وأضاف، "بالطبع هذا يجسد نوايا الجانب السعودي في تغيير الميزان العسكري للقوى المناهضة لميليشيات الحوثي، بهدف تحسين موقف الرياض في مشاوراتها مع الحوثيين واجباراهم على تقديم التنازلات".
 
وفي الوقت ذاته، أشار إلى أنه "وفي ظل موجة التصعيد الإعلامي الراهنة من الصعب أن تنجح الضغوط السعودية على المجلس الانتقالي في تأمين سلامة رئيس المجلس الرئاسي ورئيس وأعضاء الحكومة في عدن دون تقديم تنازلات".
 
لكن رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية عبدالكريم السعدي، حذر من أن عدن على موعد مع فعل طائش جديد، وقال في منشور على صفحته بالفيسبوك، إن "عدن وما حولها تدفع الثمن كل مرة تقدم فيها تلك الميليشيات على فعل طائش جعلها تعيش حالة انتظار لجراح جديدة".
 
وبالفعل كانت قوات عسكرية تابعة للمجلس الانتقالي قد انتشرت في الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي في منطقة معاشيق بعدن، فيما ظهر قائد ما يسمى المقاومة الجنوبية أبو همام عبدالناصر اليافعي رفقة عشرات المسلحين أمام بوابة القصر الرئاسي وهو يتوعد بمنع عودة الرئيس العليمي إلى عدن.
 
وأضاف السعدي، أن "التحالف العربي بقيادة السعودية هو من حوّل مدينة عدن إلى ممر لكل قاطع طريق يريد أن يحجز مكانه في واجهة مشهد الصراع المليشاوي. تحدثنا مرارا وحذرنا أطراف التحالف من خطورة تحويل الساحة إلى مجموعة من المليشيات الخارجة عن مؤسسات الدولة".

وتابع، "نبهنا من خطورة بناء هذه المليشيات على غير عقيدة الولاء للوطن وتحويلها إلى شركات أمنية تؤدي مهامها بمقابل"، مشدداً على أن ذلك سيجعل منها جماعات إرهابية لا تختلف عن الجماعات السابقة وسيفقد صانعوها من السيطرة عليها.
 
استغلال القضية الجنوبية
 
لم يكن حديث الرئيس العليمي بشأن القضية الجنوبية مفاجئا للمجلس الانتقالي، حيث أن ما قاله هو تأكيد لما جاء في نتائج مشاورات الرياض التي عقدت في أبريل/ نيسان 2022م، والتي نتج عنها تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.
 
لكن المجلس الانتقالي يخشى من مساع سعودية لتحجيم حضوره في المحافظات الجنوبية، وعودة بعض القيادات والمكونات الجنوبية -التي أقصيت وهمشت بالقوة- إلى المشهد مجددا، فضلا عن مخاوفه من تفكيك قواته وتشكيلاته العسكرية خاصة بعد أيقاف الدعم والرواتب المخصصة من التحالف.
 
وفي يناير الماضي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي تشكيل قوات عسكرية جديدة تحت مسمى "قوات درع الوطن" تخضع لقيادته المباشرة. وهذه القوات تتألف من جنود وقيادات سلفية من أبناء المحافظات الجنوبية وبدأ تشكيلها قبل أكثر من عام بتمويل وتسليح من السعودية.
 
بالتزامن مع ذلك، تخوض السعودية مفاوضات مع مليشيات الحوثي عبر سلطنة عمان بشأن التهدئة والذهاب نحو إنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في اليمن في ظل أنباء عن خلافات بين الرياض وأبوظبي بشأن الملف اليمني.
 
والسبت الماضي، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال «WSJ»، عن تدهور العلاقات بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث اختلف الطرفان حول عدة ملفات أبرزها وأكثرها خلافاً حرب اليمن.
 
وأفادت الصحيفة عن مصادر خليجية قولها إن "الخلاف يتضح أكثر حدة حول اليمن"، موضحين أنّ الإمارات وقّعت اتفاقية أمنية مع الحكومة اليمنية تتيح لقواتها التدخل في حالة وجود "تهديد وشيك".
 
كما تشمل الاتفاقية تدريب "قوات يمنية" في الإمارات، وتعميق التعاون الأمني، وكذلك بناء قاعدة عسكرية ومدرج في جزيرة قرب باب المندب، عند الحافة الجنوبية للبحر الأحمر.
 
وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ المسؤولين السعوديين اعترضوا سرًّا على الاتفاق الأمني والخطط الخاصة ببناء قاعدة عسكرية، واعتبروا أن الإمارات بذلك تعمل ضد أهداف السعودية في اليمن، المتمثّلة أساسًا في تأمين حدودها ووقف الهجمات الحوثية بالطائرات المسيّرة والصواريخ.
 
وبالتالي، يبدو أن الإمارات تدفع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى انتزاع اعتراف به كممثل ووحيد للقضية الجنوبية في أي مفاوضات قادمة لتضمن مصالحها ونفوذها جنوب اليمن، لكن ذلك قد يدفع الانتقالي للاصطدام مع السعودية والمكونات الجنوبية الأخرى.
 
وبحسب عبدالكريم السعدي فإن تسريب بعض حقائق اتفاقات الرياض غير المعلنة على لسان الرئيس العليمي، أدت إلى ازدياد الوضع سوءاً في عدن وما حولها، مؤكدا أن "القضية الجنوبية هي الخاسر الأكبر من الأحداث الدائرة في عدن".
 
وقال السعدي إن "كل سلبيات الأحداث تصب في خانة الإساءة لهذه القضية العادلة"، لافتا إلى أن من يحصد إيجابيات القضية الجنوبية هي "مكونات هلامية تم تصنيعها خارج حدود الجنوب ودعمها لتبني خطاب توظيف هذه القضية لغرض الإساءة إليها وتدمير إنجازات رجالها".
 
ويرى رئيس تجمع القوى المدنية، أن تصرفات بعض قيادات المجلس الانتقالي لا تعكس حضوراً للعقل، بما في ذلك فتح مواجهة مع المملكة العربية السعودية وتحميلها وزر فشلهم السياسي والعسكري.
 
ودعا السعدي قيادات الانتقالي إلى التوجه نحو دراسة ومعالجة أسباب اخفاقاتهم المتلاحقة، معتبراً أن ذلك هو الطريق الأسلم للحفاظ على ما حققه الانتقالي من تواجد شكلي على حساب القضية الجنوبية.

وشدد أن "على المملكة السعودية هي أيضا أن لا تأخذ شعب الجنوب وقضيته بجريرة أفعال تلك المليشيات خصوصا أنها تدرك حقيقة تلك المليشيات وكيف جاءت ومن الذي أتى بها ولصالح أي طرف إقليمي يعود ريع أفعال تلك المليشيات"؟.

كما دعا السعدي الرياض إلى إعادة النظر في التعاطي الايجابي مع قوى وشخصيات الجنوب الوطنية والاجتماعية التي تعرضت ومازالت لعمليات إبعاد ومحاربة وتهميش ممنهجة لصالح المليشيات على مدار السنوات الماضية.
 


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر