لماذا لم تؤثر الوديعة السعودية على أسعار صرف العملة اليمنية؟ (تقرير خاص)

 تلاشت آمال المواطنين اليمنيين باستقرار العملة الوطنية وتحسن أسعار المواد الغذائية بعد إعلان الوديعة السعودية التي لم يلمس السكان أثرها حتى الآن.
 
استبشر المواطن حامد ناجي خيرا بإعلان الوديعة ومدى انعكاسها ايجابًا على الوضع المعيشي والاقتصادي لكن "سعر الريال والمواد الاستهلاكية على ما هي عليه" كما يقول، لافتًا إلى أن "الأسعار سترتفع بشكل مضاعف خصوصًا مع حلول شهر رمضان المبارك".
 
والثلاثاء 21 فبراير/ شباط الماضي أعلنت السعودية عن اتفاقية وديعة مع البنك المركزي اليمني بمبلغ مليار دولار أمريكي، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي في البلد الذي يعاني حربا منذ نحو 8 سنوات، مؤكدة إيداع المبلغ بالكامل لدى حساب البنك في العاصمة المؤقتة عدن.
 
تأتي الوديعة لـ"تعزيز القدرات في مجال تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي للجمهورية اليمنية مع صندوق النقد العربي كجهة فنية... بالإضافة إلى تعزيز جهود بناء احتياطيات لدى البنك المركزي اليمني لتمكينه من تعزيز الاستقرار الاقتصادي"، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
 
انعكس الإعلان عن الوديعة على أسعار العملة المحلية التي شهدت تحسنًا لافتًا حينها، إذ هبط سعر الدولار الواحد من 1274 ريالًا إلى 1164 ريالًا يمنيًا، وبلغ سعر الريال السعودي 280 ريالًا بعد أن كان يُباع بـ337 ريالًا.
 
لم يدم هذا التحسن في سعر الصرف سوى ساعات حتى عاودت العملة المحلية تدهورها وسط خيبة أمل لدى شريحة كبيرة من المواطنين الذين يقطنون المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية. ويُصرف حاليًا الدولار الواحد بـ 1243 ريالًا والريال السعودي بـ325 ريالًا.
 
جاءت هذه الوديعة، في وقت يشهد اليمن فيه أزمة اقتصادية غير مسبوقة إثر استمرار توقف تصدير النفط، نتيجة هجمات مليشيات الحوثي الإرهابية على منشآت وموانئ النفط في محافظتي حضرموت وشبوة أواخر العام الماضي.
 
وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعهدتا في أبريل/ نيسان 2022 عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، بوديعة مالية قيمتها 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد اليمني.
 
ومنذ ذلك الحين تسلمت الحكومة اليمنية من الإمارات مليار ومائة مليون درهم كجزء من الوديعة التي تكفلت بها مع السعودية. كما وقعت الحكومة في نوفمبر 2022مع صندوق النقد العربي اتفاقا لدعم "برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي الشامل لليمن" بقيمة مليار دولار، بدعم من السعودية والإمارات.
 
مُتنفس لإصلاحات اقتصادية
 
وبالنسبة لمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي فإنّ الوديعة السعودية تعتبر "متنفسُا للبنك المركزي والحكومة لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاعتماد على الموارد وحسن تحصيلها وتنمية فوائدها وتوظيفها بعد أن باتت كل الخيارات الأخرى غير متاحة".
 
وفقدت الحكومة 70 بالمائة من مصادر موازنتها جراء إيقاف تصدير النفط وحرم تحول مسار السفن التجارية والنفطية إلى ميناء الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، البنك المركزي موارد ضريبية تقدر بـ350 مليار ريال منذ العام الماضي، بحسب تصريحات المعبقي لقناة اليمن الفضائية الرسمية.
 
ومنذ مطلع العام الحالي كثفت الحكومة الشرعية مساعيها لتصحيح مسار الوضع الاقتصادي في البلد من خلال عدة إجراءات اتخذتها بهدف تنويع مصادر الإيرادات، وتمثلت الإجراءات في ترشيد الإنفاق ورفع قيمة صرف الدولار الجمركي.
 
لا تأثير حتى الآن
 
حتى الآن؛ لم تُحدث الوديعة السعودية أي تأثيرات إيجابية في سوق النقد بالبلاد ما يعني أن "وضعها لن يختلف عن الوديعة السابقة، خصوصًا أن الظروف وطريقة التعامل معها هي ذاتها لا تزال قائمة"، وفقًا للباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي.
 
وقال العوبلي في تصريح لـ"يمن شباب نت" إن "الوديعة السابقة لم تتمكن من تحسين أسعار الصرف هي فقط خففت حدة الانهيار. عندما تم استلامها في 2018 كان سعر صرف الدولار الواحد بأقل من 600 ريال لكن ما انتهت إلا والريال تجاوز 1200 ريال ".
 
وفي يناير 2018، قدمت السعودية وديعة بملياري دولار للبنك المركزي اليمني في عدن لمساعدة الحكومة الشرعية في الحد من انهيار الاقتصاد وتدهور سعر صرف العملة المحلية والحد من معاناة الشعب اليمني.
 
ويرى العوبلي أن "هذه الوديعة ممكن أن تؤدي إلى انخفاض بسيط في أسعار الصرف لكنها ستعاود الانهيار مجددا"، لافتًا إلى أنّ "مشكلة المتاجرين في العملة إذ لا يزالوا موجودين فيما لا يوجد أي سلطة من الحكومة عليهم أو البنك المركزي".
 
وقال إن "أسعار السلع الاساسية والمواد التي من أجلها جاءت الوديعة لن تتأثر مثلما حصل مع الوديعة السابقة التي جاءت للحفاظ على أسعار السلع والمواد الأساسية وهذا لم يحصل نهائيا حيث ظلت أسعار القمح والأرز وحليب الاطفال في تصاعد مستمر طوال فترة استخدام الوديعة السابقة".
 
وأشار إلى أن الهدف الذي جاءت من أجله الوديعة لن يتحقق خصوصًا وأن حاجة اليمن للعملة الصعبة تفوق أضعاف مبلغ المليار دولار التي اودعتها السعودية.  المستفيد الوحيد من هذه الوديعة سيكون المنتفعين والمسؤولين في الحكومة الشرعية والتجار.
 
ويرى الباحث الاقتصادي، أن "استمرار الفساد والفشل وانعدام تام للحوكمة في الحكومة الشرعية والبنك المركزي والمؤسسات الايراداية والخدمية كان سببا في عدم التحكم بأي عملة صعبة تصل البنك والقدرة على الاستفادة منها".
ويطرح العوبلي عدة أسباب يرى بأنها ستؤثر على مستوى الاستفادة من الوديعة تتمثل أبرزها في "التسيب الحاصل في الحكومة وسيطرة مليشيات الحوثي على السياسة النقدية في البلد والانقسام الحاصل بين العملتين".
 
إجراءات مقترحة
 
في السياق، يرى الكاتب والباحث الاقتصادي وحيد الفودعي أن "الوديعة السعودية ليس المؤمل منها إنقاص أسعار الصرف بل تساعد في استقراره لأنها جاءت في وقت يشهد الوضع الاقتصادي تردٍ كبير وعجز الموازنة العامة للدولة وتوقف صادرات النفط".
 
وتكبد اقتصاد البلد حوالي 800 مليون إلى مليار دولار جراء هجمات الحوثيين على موانئ نفطية في جنوب وشرق البلاد، بحسب تصريحات رئيس الحكومة الدكتور معين عبدالملك.
 
وتشكل عائدات الموارد النفطية نحو 75% من الموازنة العامة للدولة في اليمن، يصرف منها مرتبات للموظفين وتسديد اعتمادات الواردات من السلع الغذائية ونفقات تشغيلية لتيسير أعمال السلطات المحلية بالمحافظات التي تديرها الحكومة.
 
واليمن منتج صغير للنفط، وتراجع إنتاجه حاليا إلى 60 ألف برميل يوميا بعد أن كان قبل الحرب يتراوح ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا، في حين كان يزيد الإنتاج على 450 ألف برميل يوميا في عام 2007، بحسب البيانات الرسمية.
 
ويقول الفودعي لـ"يمن شباب نت" إن الوديعة "لن تغطي حتى ما كان يغطيه النفط في الموازنة العامة للدولة أو في دعم البنك المركزي في المزادات لذلك المؤمل منها هو المحافظة على استقرار سعر الصرف على الأقل عند سعره الحالي".
 
وحول الإجراءات التي ينبغي على الحكومة القيام بها لضمان الاستقرار الاقتصادي، يقترح الفودعي "السعي وراء إعادة تصدير النفط بأي طريقة كانت سواء بشكل سياسي أو عسكري بالإضافة إلى القيام بإصلاحات شاملة في البنك المركزي اليمني وإعادة هيكلته ورفد الهرم المصرفي بالمتخصصين".
 
وأدت الحرب الدائرة في اليمن منذ ثمانية أعوام إلى تدمير اقتصاد البلاد واضطرار 80% من السكان إلى الاعتماد على المساعدات، وتسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفقا للأمم المتحدة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر