المناطقية.. حصان المجلس الانتقالي الجامح الذي يهدد تماسكه الداخلي ومشروعه السياسي (تقرير خاص)

 باتت النزعة المناطقية تؤرق بعض قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لطالما حاول تصدير نفسه كممثل لجنوب اليمن تحت شعار استعادة ما يسميه بـ"دولة الجنوب العربي"، بحدود ما قبل قيام الوحدة اليمنية عام 1990م.
 
في فترة تأسيس المجلس الانفصالي عام 2017 عملت قيادة الانتقالي على أن يكون التوزيع شاملاً كل مناطق الجنوب، خاصة في هيئة الرئاسة والجمعية الوطنية، غير أن ظهور الكتل الجغرافية فيما بعد كشف عن تفوق بعض الكتل الجغرافية، وفي مقدمتها يافع والضالع.
 
وتتقاسم الكتلتان السيطرة على المجلس ومكوناته والتشكيلات العسكرية والأمنية الموالية له، مع وجود استثناءات قليلة، كما أن الأحداث التي وقعت في الفترة الماضية وسعت الاختلالات وكشفت عن حجم وعمق الاختلافات والصراعات المناطقية بين قياداته، وباتت تهدد مشروعه الانفصالي.
 
قلق داخل الانتقالي
 
في 19 فبراير/ شباط الجاري، نظمت الأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، ندوة بعنوان " النزعات المناطقية وأثرها على القضية الجنوبية" بحضور عدد من قيادات المجلس، بينهم عضو هيئة رئاسة المجلس فضل الجعدي.
 
خلال الندوة شدد الجعدي على "أهمية التوعية وتعزيز قدرات الثقة بالنفس والثبات على المبادئ والدفاع عنها، وعلى ضرورة وحدة الصف الجنوبي وتوحيد الجهود الرامية لتحقيق الغاية الوطنية للقضية الجنوبية".
 
كان الجعدي، قد غرد على حسابه في "توتير" قبل الندوة بيوم، قائلاً: "مرضان قاتلان يفتكان بنا وقضيتنا الجنوبية هما: المناطقية والتخوين.. فهل نتعظ؟!"، وذلك تعبيرا عن قلقه من تنامي النزعة المناطقية داخل المجلس الانتقالي وتجاه المناطق والمكونات الجنوبية الأخرى.
 
وتعليقا على ذلك، قال الصحفي شفيع العبد في تغريدة على "تويتر": "‏حذرنا مبكرًا من المناطقية الجنوبية، لقناعتنا الراسخة بأن الجنوب مشروع سياسي، لكنهم أبوا إلا أن تكون الجغرافيا رافعته الوحيدة وقضيته الأم".
 
وأضاف العبد - وهو من أبناء محافظة شبوة-: "ها هم (المجلس الانتقالي) اليوم يكتوون بشيء من تلك المناطقية المنطلقة في جوهرها من صراع على سلطة وتضارب مصالح أنتجتها الحرب".
 
وأكد مصدر سياسي جنوبي، أن "القضية ليست وليدة اللحظة والانتقالي أقر قادته أنفسهم بأنهم يعانون من المناطقية داخل هيئات وهياكل المجلس، كما جاء على لسان أمينه المساعد فضل الجعدي في ندوة مؤخرا بعدن".
 
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ "يمن شباب نت"، أن "المشكلة الكبرى أن الانتقالي لا يقوى على حشد أنصاره إلا من خلال خطاب إعلامي مشحون بالمناطقية، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد".
 
وتابع: "للأسف شبح عودة الصراع القديم لايزال يسكن عقليات الجميع ويحكم سلوك جميع الأطراف"، مشيرا إلى أن المناطقية هي عقدة الانتقالي الأزلية التي لا يستطيع الفكاك منها مهما تظاهر بالعكس".
 
أبين وشبوة في مرمى الانتقالي
 
في سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن عملية عسكرية أطلق عليها اسم "سهام الشرق"، بمزاعم "محاربة الإرهاب" في محافظة أبين، وذلك بعد أيام من سيطرة قواته على محافظة شبوة بعد مواجهات مع القوات الحكومية.
 
وحذر مراقبون حينها، من أن مزاعم "محاربة الإرهاب"، مجرد غطاء لحملة عسكرية تستهدف محافظة أبين ومكوناتها القبلية والاجتماعية، بدوافع مناطقية وانتقامية، معتبرين أن ذلك خطوة خطيرة ستعمل على إحياء النزاعات والثارات المناطقية والجهوية جنوب اليمن.
 
منذ دخولها إلى محافظة أبين، شرعت قوات المجلس الانتقالي بمهاجمة بعض القبائل. ففي يناير الماضي، داهمت تلك القوات قرية امبقيرة في مديرية مودية، ما دفع بمسلحي قبيلة آل فطحان، إلى الرد واندلعت مواجهات بين الطرفين ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى وتسببت بموجة نزوح جماعية.
 
وفي 18 فبراير/ شباط الجاري، اختطفت قوات الانتقالي، رئيس لجنة التخطيط بالمجلس المحلي في أبين "علي أحمد مشدق"، مع أربعة من أفراد أسرته، عقب مداهمة منزله في قرية "آل وليد" شرقي مديرية مودية.
 
وقال مصدر محلي إن "الانتقالي يمارس عنصرية ومناطقية ضد أبناء محافظة أبين دون أي مبرر"، مشيرا إلى أن "جنود الانتقالي المنتشرين في مديرية مودية لا يسمحون لأبناء المنطقة بدخول بعض المناطق التي يسيطرون عليها".
 
وأضاف المصدر في حديث لـ "يمن شباب نت"، أن "غالبية أفراد قوات الانتقالي في مديرية مودية من أبناء محافظتي لحج والضالع، فيما لم يتم استيعاب أفراد من أبناء المديرية أو أبين بشكل عام إلا القليل".
 
ولفت إلى أن "جنود الانتقالي يشنون هجمات مسلحة ضد مواطنين من أبناء القرى القريبة من تواجدهم (مثل قرية امبقيرة في مديرية مودية)، بتهمة زراعة العبوات الناسفة، أو بتهمة التواطؤ مع عناصر تنظيم القاعدة".
 
وقال سياسي جنوبي لـ"يمن شباب نت"، إن "المناطقية التي يتعرض لها أبناء أبين وشبوة من قبل المجلس الانتقالي ربما تأتي كونهم أبرز المناوئين لمشروعه وأكثرهم جدارة على إفشاله فضلا عن ثأر قديم".
 
كما يمارس المجلس الانتقالي المناطقية ضد أبناء حضرموت، المناوئين لمشروعه السياسي، الأمر الذي دفع مكونات شعبية وقبلية حضرمية للمطالبة بـ"استقلال حضرموت" وإعلان "دولة حضرموت"، وذلك في الوقت الذي يسعى الانتقالي لإخضاع المحافظة بالقوة وضمها إلى مشروعه الانفصالي.
 
وأضاف المصدر: "من الخطأ حصر نتائج المناطقية بين الزمرة والطغمة كما اصطلح عليها سياسيا، لكنها أيضا موجودة داخل معسكر المثلث بين مناطق الضالع ويافع والصبيحة وردفان".
 
وأشار إلى الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة ردفان احتجاجا على انتهاكات الانتقالي بحق أبناءها، والصراع الذي تشهده لحج بين قبائل يافع والصبيحة والقائمة تطول.
 
ولفت المصدر، إلى أن "شخصيات في المجلس الانتقالي مثل وزير الدولة محافظ عدن أحمد لملس ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي يتعرضون لحملة تحريض وتخوين مستمرة لا لشيء سوى أنهم من أبناء شبوة".
 
وأردف: "حتى الإقصاء والتهميش الذي يتعرض له أبناء عدن وحرمانهم من تقلد المناصب الهامة داخل الانتقالي وقواته العسكرية، هي نتاج العقلية المناطقية التي تدير المجلس الانتقالي".
 
 
عقلية انتقامية
 
وحذر سياسيون من عودة الثارات القبلية والمناطقية التاريخية، التي بلغت ذروتها في 13 يناير 1986، بين ما يسمى بالزمرة والطغمة، على الرغم من إقامة مؤتمرات وندوات للتصالح والتسامح خلال السنوات الماضية في محاولة لدفن الماضي الأسود.
 
وقال رئيس ملتقى شبوة التوافقي ربيع بن مقلم الخليفي، "في الواقع لم تأت مناطقية الانتقالي وعنصريته لكونه الانتقالي، وانما نتيجة لسلوك قياداته والفكر المشين الذي ورثوه عن أسلافهم من الآباء والأجداد. واعتقد تجارب اسلافهم وصراعاتهم خلال حكمهم للجنوب كافية ان نستخلص ذلك".
 
وأضاف الخليفي، لـ"يمن شباب نت"، "الانتقالي بكل بجاحة أخذ على عاتقه حكاية الانتقام من أطراف الصراع في يناير 86، وكما صرح أحدهم بشكل خاص وقال دم 'آبائنا لن ننساه ولابد من أخذ ثأرنا'..".
 
وتابع، "بشكل عام سيظل الانتقالي بقيادة عيدروس الزبيدي الضالعي يسعون إلى استعادة حكمهم الذي فقدوه قبل وبعد 1986 بعد توقيع الوحدة عام 90".
 
وأضاف متحدثا عن قيادات الانتقالي بالقول: "سيظل نصب أعينهم الانتقام وإبعاد أبين وعدن وشبوة من أي وجود وبالتالي الانتقام من أبنائها كما هو واضح للأعيان من خلال تشكيلاتهم السياسية والأمنية والعسكرية والمخابراتية".
 
وأشار الخليفي، إلى أن "الصراع بين الضالع وأبين وشبوة قائم منذ 2018، وسيظل قائم، وهذا يؤكد ما حصل من طرد ابن شبوة صالح الجبواني (وزير النقل السابق) وابن أبين أحمد الميسري (وزير الداخلية السابق) من عدن".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر