مؤشرات اختلاف بين الأمم المتحدة وسلطنة عمان على طريقة الوساطة لحل الصراع في اليمن (تحليل خاص)

[ الوفد العماني اختتم يوم الأحد زيارة إلى صنعاء هي الثانية خلال أقل من شهر ]

 بمعزل عن الحكومة الشرعية، تٌجري المملكة العربية السعودية محادثات ثنائية مع مليشيات الحوثي المدعومة من إيران بشأن حل الأزمة وإنهاء الحرب في اليمن، بوساطة سلطنة عمان، وذلك في مسار مواز لجهود الأمم المتحدة منذ إنتهاء الهدنة في 2 أكتوبر/ تشرين أول 2022، بعد ستة أشهر من استمرارها.
 
واختتم وفد عماني يوم الأحد الماضي زيارة استغرقت خمسة أيام إلى صنعاء هي الثانية خلال أقل من شهر، بعد زيارة مماثلة في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي تضمنت مباحثات وصفتها مليشيات الحوثي آنذاك بأنها مثمرة.
 
هذه المحادثات سبقها سلسلة لقاءات بدأت مطلع العام الماضي في العاصمة العمانية مسقط بين مسؤولين سعوديين على رأسهم نائب وزير الدفاع والمسؤول عن الملف اليمني الأمير خالد بن سلمان، وبين مسؤولين عمانيين وأخرين حوثيين، وفق مصادر مطلعة.
 

فحوى المحادثات
 
تواصل وسائل إعلام الحوثي الحديث عن تقدم في المفاوضات الجارية بين المليشيا والسعودية عبر سلطنة عمان. وقالت وكالة سبأ الحوثية إن رئيس ما يسمى المجلس السياسي مهدي المشاط عقد اجتماعا بحضور جميع أعضاء المجلس، وقيادات عدة في المليشيا وحكومتها (غير المعترف بها) لاطلاعهم بنتيجة المفاوضات التي تقودها مسقط، ومنها جهود الوفد الذي زار صنعاء مؤخرا.
 
وذكرت، أن المشاورات مع الوفد العماني "حملت أفكاراً إيجابية تتعلق بالملف الإنساني وفي مقدمتها صرف المرتبات لكافة موظفي الدولة من عائدات النفط والغاز والفتح الكامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة وفتح الطرقات وتبادل الأسرى".
 
وفيما لم يصدر أي موقف رسمي من الجانب السعودي بشأن هذه المفاوضات؛ قالت وكالة أسوشيتد برس الأميركية إن السعودية والحوثي المدعوم من إيران، أحيوا محادثات القنوات الخلفية، على أمل تعزيز وقف إطلاق النار غير الرسمي والتخطيط لطريق انهاء تفاوضي للحرب الأهلية الطويلة.
 
ونقلت الوكالة عن مسؤول في الأمم المتحدة قوله: "إنها فرصة لإنهاء الحرب، إذا تفاوضوا بحسن نية وضمت المحادثات ممثلين يمنيين آخرين". مثل غيره من المسؤولين، تحدث مسؤول الأمم المتحدة شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب هشاشة المحادثات.
 
وقال دبلوماسي سعودي للوكالة، إن بلاده طلبت من الصين وروسيا الضغط على إيران والحوثيين لتجنب التصعيد، مضيفا، إن "إيران، التي أطلعها الحوثيون والعمانيون بانتظام على المحادثات، أيدت حتى الآن الهدنة غير المعلنة".


 
ويطالب الحوثيون التحالف بدفع رواتب جميع موظفي الدولة - بما في ذلك العسكريين - من عائدات النفط والغاز، وكذلك فتح جميع المطارات والموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وقال مسؤول حوثي مشارك في المداولات إن السعوديين وعدوا بدفع الرواتب.

لكن الدبلوماسي السعودي قال إن دفع رواتب العسكريين مشروط بقبول الحوثيين ضمانات أمنية، بما في ذلك منطقة عازلة مع مناطق يسيطر عليها الحوثيون على طول الحدود اليمنية السعودية، وقال إن على الحوثيين أيضًا رفع حصارهم عن تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن.
 
وقال الدبلوماسي إن السعوديين يريدون أيضا من الحوثيين الالتزام بالانضمام إلى المحادثات الرسمية مع أصحاب المصلحة اليمنيين الآخرين.
 

موقف الأمم المتحدة
 
بعد يوم من اختتام الوفد العماني زيارته إلى صنعاء، وصل مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن الأممي هانس غروندبرغ، إلى صنعاء وأجرى مباحثات وصفها بـ"البناءة والمثمرة" مع قيادات حوثية.

وجاءت هذه الزيارة، بعد أيام من زيارة مماثلة للمبعوث الأممي إلى مسقط، قال إنه بحث خلالها مع وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي وكبار المسؤولين العُمانيين، آخر التطورات في اليمن والجهود الإقليمية والدولية لتجديد الهدنة والعمل نحو تسوية سياسية.

وقال غروندبرغ في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي أمس الإثنين، إن بنود الهدنة الرئيسية مازالت تعمل رغم عدم تمديد الهدنة منذ الثاني من أكتوبر الماضي.
 
وأوضح أن الأوضاع العسكرية لم تتغير، غير أن هناك نشاطات عسكرية محدودة على خطوط الجبهات وتحديداً في محافظات مأرب وتعز والضالع والحديدة ولحج وكذلك على طول منطقة الحدود السعودية اليمنية.
 
لكنه حذر من أن النشاط العسكري المقرون بلهجة الخطابات السلبية والتدابير السياسية والاقتصادية التصعيدية تخلق وضعا يمكن من خلاله ان يؤدي مجرد سوء من التقدير لإعادة إشعال حلقة من العنف يصعب تداركها.
 
وفي إشارة إلى المفاوضات السعودية العمانية الحوثية؛ قال غروندبيرغ "هناك نشاط دبلوماسي مكثفا على الصعيد الإقليمي، وقد يقود إلى خطوة محتملة نحو تغيير مشهد الصراع في اليمن لأول مرة منذ 8 سنوات.
 
ووصف المبعوث الأممي، تلك الجهود "بالفرصة التي لا يجب إهدارها وتتطلب إجراءات مسؤولة". الإجراءات المسؤولة التي يطلب بها غروندبرغ هي ألا تقتصر المفاوضات بين السعودية والحوثي وسلطنة عمان بعيدا عن الأمم المتحدة، ولا عن المجلس الرئاسي والقيادة اليمنية للشرعية.
 
حيث ذكر ذلك بالفقرة التالية من كلمته بالقول: "في حين أن الدعم الإقليمي والدولي أمر حاسم في كل من مرحلتي التفاوض والتنفيذ لأي اتفاق، أود أيضاً التأكيد على أهمية تولي اليمنيين زمام العملية".


 
وبطريقة غير مباشرة، واصل المبعوث الأممي نقده لسير المفاوضات السعودية العمانية الحوثية، وقال إنه "لا يمكن معالجة العديد من القضايا المطروحة على الطاولة بشكل فعّال، خاصةً القضايا المتعلقة بمسائل السيادة، إلا من خلال حوار شامل بين اليمنيين".
 
وأضاف: "لا يمكن عرض بعض القضايا على طاولة المفاوضات بمعزل عن غيرها. هناك مخاوف بشأن الضمانات من قبل جميع الأطراف، بالإضافة إلى العمل نحو رؤية مشتركة لإنهاء النزاع، وإلا ستنشأ تحديات تسبب تأخير في مرحلة التنفيذ".
 
وشدد المبعوث الأممي على أنه "يجب اتخاذ الخطوات لتسهيل عملية شاملة بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة لحل النزاع بشكل مستدام".. واختتم إحاطته بالقول، "يحتاج اليمنيون لاتفاق يتضمن رؤية مشتركة للمضي قدمًا".
 

مواقف الدول الكبرى
 
قالت بريطانيا التي تمسك بالملف اليمني في مجلس الأمن إن "المفاوضات بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة هي السبيل الوحيد لمعالجة الحالة الإنسانية في اليمن".
 
وبالمثل، أكدت الولايات المتحدة، أن على الحوثيين الجلوس مع الحكومة اليمنية والاتفاق معها فقط، حول مزاعمهم بدفع مرتبات القطاع العام، وتسخير موارد اليمن لصالح الشعب.
 
وقال نائب الممثل الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز خلال جلسة مجلس الأمن، إن "المحادثات اليمنية -اليمنية فقط، يمكنها الوصول إلى اتفاق سياسي، يشمل معالجة الأزمة الإنسانية، وكيفية توزيع موارد اليمن، وأن يكون ذلك الاتفاق برعاية الأمم المتحدة".
 
في مقابل ذلك شنت روسيا هجوما حادا على ما وصفتها بالدول الغربية، وقال مندوبها لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا إن الدول الغربية لا تريد سلاما في اليمن، وإنما تقتصر جهودها على ضمان تصدير النفط والغاز اليمنيين، مشيرا إلى أن روسيا ترحب بالجهود المبذولة عبر أي قناة للوصول إلى الاستقرار في اليمن، لافتا إلى أن موسكو تواصل علاقاتها مع الحوثي.
 

تناقض مواقف السعودية
 
بينما تواصل السعودية مفاوضات ثنائية مع الحوثي في مسقط؛ دعا مندوبها في الأمم المتحدة السفير عبدالله الواصل -في كلمته خلال جلسة مجلس الأمن- المجتمع الدولي لتصنيف الحوثي جماعة إرهابية، واتهمها بعدم الجدية في السعي نحو السلام.
 
وأدان الواصل، هجمات مليشيات الحوثي على منشآت النفط والغاز اليمنية في حضرموت وشبوة، وتوعد برد قوي وحازم على أي تهديدات قد تمثلها أو هجمات قد تشنها المليشيا الإرهابية على دول الخليج أو مصالحها.
 
ولم يتطرق المندوب السعودي في كلمته إلى المفاوضات السعودية العمانية، لكنه قال إن المملكة تثمن وتدعم وتؤيد جهود مبعوث الأمم المتحدة، مؤكدا أن "الرياض دعمت جهود المبعوث مع المجلس الرئاسي اليمني، والإمارات وسلطنة عمان.

كما أكد دعم الرياض لجهود الأمم المتحدة حتى الوصول إلى حل سلمي للصراع في اليمن". غير أنه أشار مرتين على الأقل أن الرياض تريد حلا سلميا وفق المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن، و"المبادرات الإقليمية" وقد تكون إشارة ما إلى جهود سلطنة عمان.
 
من ناحيتها طالبت الإمارات مجلس الأمن الدولي، بتكثيف عمله لمواجهة عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثي، والضغط عليه حتى يستجيب للمبادرات الدولية والإقليمية.
 

ثقة الحوثيين بالوساطة العمانية
 
تكثف مليشيات الحوثي الحديث عن تقدم وتفاؤل كبير بالمفاوضات التي يجرونها بعيدا عن الأمم المتحدة. وقال عضو الوفد المفاوض للحوثيين المقيم في سلطنة عمان عبدالملك العجري، أمس الاثنين إن جماعته ترجو أن يكون العام الجديد نهاية للحرب في اليمن وأن يكون هناك سلام (وفق ما تراه الجماعة).
 
من جانبه، قال محمد عبدالسلام رئيس الوفد الحوثي المقيم في مسقط إن الوفد العماني غادر اليمن بأفكار إيجابية حول الترتيبات الإنسانية التي تحقق الاستقرار وتمهد للسلام.


 
ولم تعلق سلطنة عمان بعد على طبيعة التفاهمات أو الأفكار الإيجابية التي ناقشتها مع الحوثي في صنعاء ولا في مسقط.
 
وشن معلقون حوثيون ووسائل إعلام تابعة للمليشيا هجوما شديدا على كلمات المبعوث الأممي ومندوبي بريطانيا والولايات المتحدة، وقالوا إنهم يعرقلون التوصل إلى سلام برعاية سلطنة عمان.
 
وقالت قناة المسيرة التابعة للحوثيين -في تعليق سياسي على احاطة المبعوث الأممي- انه "ليس مقبولاً للأممِ المتحدةِ أن تتخذَ العاصمةَ صنعاءَ منصةً لتقديم الشكر لمن لا يستحقّ"، في اشارة الى السعودية التي تقود تحالفا عسكريا اقليما ضد الجماعة منذ نحو ثماني سنوات.

وأضافت، "كان يمكن للمبعوث الأمميِّ أن يكونَ أكثر عقلانيّةً ومقاربةً للواقع دونَ الغرق في رسائل الشكر"، مشيرة إلى أن " السعوديةُ ليست طرفًا محايدًا، بل هي الطرف المتزعِّم للعدوان"، حسب وصفها.
 
كما اعتبرت الفضائية الحوثية، أن أيُّ ثناء على السعودية "إنما يُعدُّ من المغالطات الكبيرة لا بل من الوقاحات الأمميةِ المكرَّرة"، وزعمت أيضا بان المبعوث الأممي لن يستطيع "أن يقدمَ أيَّ مقاربة طالما بقيَ لديه عمى ألوان، فيرى المعتديَ طرفًا فاعلاً بشكلٍ إيجابي"، على حد قولها.
 
 
ماذا عن محمد علي الحوثي؟
 
لا يبدو أن الأمم المتحدة والدول الكبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة لا تؤيدها كليا فحسب، ولكن يلاحظ على نحو خاص في صنعاء أن محمد علي الحوثي تغيب عن اجتماع المجلس السياسي الأعلى الذي عقده المشاط أمس الاثنين في صنعاء لاطلاعهم على مستجدات الوساطة العمانية.
 
كما تغيب أيضا ثلاثة أعضاء آخرين في المجلس عن الاجتماع من بينهم سلطان السامعي الذي يرى بعض المتابعين أنه مدعوم من محمد علي الحوثي، كونه دخل هو الآخر في مواجهة ضد أحمد حامد. ولم يشر محمد علي في تحركاته وكلماته الأخيرة في عدة محافظات إلى الجهود العمانية.
 
ووجه عدد من ناشطي الحوثي انتقادات حادة للمفاوضات والمشاورات السعودية العمانية الحوثية مثل القيادي عبده بشر وأحمد سيف حاشد، وغيرهم، وانتقدوا موقف جماعة الحوثي التي لم تبد أي رد فعل تجاه وصف المبعوث الأممي للسعودية كوسيط في كلمته أمام مجلس الأمن، وقالوا إن الجماعة تلهث خلف اتفاق مع السعودية بأي صيغة كانت.
 

موقف الشرعية
 
تبدو الحكومة اليمنية في وضع أسوأ من غيرها تجاه المفاوضات السعودية العمانية الحوثية. وسيؤدي هذا العزل إلى رفض حكومي بشكل أو بآخر لنتائج أي مفاوضات تستبعدها، وبدلا من ذلك ستدعم التسوية التي تقودها الأمم المتحدة، لكنها تفتقر وفق الواقع الحالي إلى أوراق قوة تمكنها من التأثير على سير المفاوضات السعودية العمانية الحوثية.


 
وفيما لم يصدر موقف رسمي من قبل الشرعية بشأن التحركات السعودية؛ رحب رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد  العليمي "بالمساعي الحميدة للأشقاء والأصدقاء في دعم جهود الأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية في اليمن على اساس مرجعيات الحل الشامل المتفق عليها محلياً واقليمياً ودولياً، وعلى وجه الخصوص القرار 2216."
 
وأكد العليمي -خلال لقائه اليوم الثلاثاء، سفير الاتحاد الأوروبي جبرائيل فيناليس وفق الوكالة الرسمية "سبأ"-، التزام المجلس والحكومة بنهج السلام العادل والشامل الذي يضمن شراكة جميع اليمنيين في السلطة والثروة، والانعتاق من خرافات الماضي الامامي المتخلف.
 
لكن الرئيس عاد ونبه الوسطاء الاقليميين والدوليين، إلى "خطورة الرضوخ لابتزاز المليشيات الحوثية، وتجاهل انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان، وأفكارها العقائدية المتطرفة وارتباطاتها المدمرة بالمشروع الإيراني التخريبي العابر للحدود".
 
في مرحلة لاحقة لاتفاق سعودي عماني حوثي، قد تكون الحكومة في موقف أقوى، إذ يمكن أن تكون متحررة جزئيا من الضغوط السعودية، ولها أوراق ميدانية عسكرية واقتصادية على وجه الخصوص يمكنها من رفض مخرجات أي اتفاق سعودي عماني حوثي متوقع في المستقبل.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر