في الحرب والحصار.. تعز بلا أطباء (تقرير خاص)

[ هيئة مستشفى الثورة بمدينة تعز / يمن شباب نت ]

 تعاني مستشفيات تعز (جنوب غربي اليمن) عجزا كبيرا في الكادر الطبي المتخصص، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة معاناة سكان المحافظة المحاصرة من قبل مليشيات الحوثي المدعومة من إيران منذ ثمان سنوات، بشكل كارثي.
 
ويعود العجز بالدرجة الأساسية إلى هجرة ونزوح الأطباء المتخصصون إلى خارج البلاد أو إلى المحافظات الأخرى، حيث لم يتبق في المحافظة التي يقطنها أكثر من 4 ملايين نسمة سوى ٢٠ طبيبا من أصل ١١٦ طبيبا مختصا في مختلف الأقسام الطبية.
 
هجرة ونزوح الأطباء أدت إلى إغلاق عدد من الأقسام الرئيسية في هيئة مستشفى الثورة العام، بالإضافة إلى تزايد حالات الوفاة نتيجة الأخطاء الطبية، وفق مدير مكتب الصحة بالمحافظة الدكتور عبدالرحمن الصبري.
 
شحة الأطباء
 
لم تقتصر ظاهرة هجرة ونزوح الاطباء على هيئة مستشفى الثورة الذي يعد الأكبر بالمحافظة، بل اتسعت لتشمل جميع المرافق الطبية الحكومية، حيث بلغت نسبة العجز في الكادر الطبي بالمستشفى الجمهوري ٨٠ بالمئة بحسب مديره الدكتور فؤاد الحداد.
 
وقال الحداد لـ"يمن شباب نت" إن المستشفى التعليمي الوحيد في تعز يعاني من شحة الكادر الطبي، مؤكدا أن غياب الكفاءات الطبية أثر بشكل كبير على جودة الخدمات الطبية وارهق كاهل المشفى في الانفاق على الاستشارات الطبية الشحيحة والنادرة.
 
وأكد مدير مكتب الصحة بتعز لـ"يمن شباب نت"، أن نسبة العجز في الكادر الطبي بالمحافظة بلغت ٨٠ بالمئة، مشددا على ضرورة عودة الأطباء لانتشال الوضع الصحي وانقاذ أرواح السكان المحاصرين من قبل مليشيا الحوثي الإيرانية.
 
تبعات مأساوية
 
كان لهجرة الأطباء التي بدأت مطلع عام 2015م، نتائج كارثية ومأساوية على المواطنين في المدينة التي تعاني أصلا من الحرب والحصار الحوثي، حيث أدى ذلك إلى وفاة العديد من المرضى بسبب غياب الكفاءات الطبية وما يترتب عليها من التشخيص الخاطئ وصرف الأدوية غير الملائمة وعدم التمكن في التدخلات الجراحية.

وأقر مدير مكتب الصحة بتعز الدكتور عبدالرحمن الصبري خلال حديثة لـ"يمن شباب نت"، "بزيادة حالات الوفاة نتيجة قصور في الأداء الطبي وغياب التخصصات النوعية بسبب هجرة ونزوح الأطباء".
 
ومؤخرا لجأت بعض الأسر التي فقدت أقاربها إلى القضاء برفع دعاوى ضد الأطباء بتهمة ارتكاب أخطاء طبية تسببت بوفاة أقربائهم، وبحسب مصادر قضائية لـ"يمن شباب نت"، فقد صدر حكما قضائيا بتغريم إحدى المستشفيات وطبيب يعمل فيه أكثر من 21 مليون ريال، نتيجة خطأ طبي.
 
بعد شهرين من تنقله بين خمسة مستشفيات في مدينة تعز؛ قرر "ماهر عثمان" السفر إلى جمهورية مصر للعلاج بعدما تضاعفت معاناته وفقدنا الأمل بالتعافي من الشد العضلي الذي أصاب قدمه اليمنى منتصف العام الماضي.
 
وقال عثمان لـ"يمن شباب نت"، إنه "عرض حالته على عدد من الأطباء غير أنه لم يصل نتيجة فكل التشخيصات والأدوية لم تشعره باي تحسن بل على العكس تماما فقد ضاعفت آلامه وتورم قدمه وبدأ يجد صعوبة بالحركة".
 
وأضاف، أنه "حدث تمزق في عصب الركبة نتيجة استخدام العنف الزائد أثناء لي القدم اليمنى من قبل أحد أطباء المخ والأعصاب بتعز، ما سبب تقيح في عضلة الفخذ الأيمن، وما زلت أعاني منه حتى اليوم ".
 
كما يروي الشاب ماهر قصة وصفها بـ"المؤلمة" عاشها أثناء مشواره العلاجي في تعز، يقول: "بعد أن تسبب تضارب التشخيص بانهيار نفسي قررت زيارة أحد أشهر أطباء العظام في مدينه تعز إلى عيادته الخاصة لاستشارته في حالتي".
 
وأضاف،" بعد وقت من الانتظار دخلت إليه وعرضت عليه الفحوصات والأشعة لكنه تعامل معي بسخرية واستعلاء فلم يكلف نفسه حتى القيام من مكتبه لإجراء الفحص السريري لمريض طرق بابه مستنجدا اياه، بل قال بصوته الجاف علاجك الوحيد هو المشرط (البتر)".
 
وتابع،" واصل الطبيب تخويفي، قائلا خلال أسبوعين فقط قدمك سوف تنتهي وربما ستضطر لبترها وأنا لست مستعدا لاستكمال معركة خاسرة بدأها غيري فالأدوية التي تستخدمها هي فقط مهدئات مؤقتة".
 
يؤكد ماهر أنه بعد سماعه لهذا الحديث من الطبيب طلب منه النظر الى الأشعة التي وضعها أمامه عله يجد ما ينفي ما انتهى إليه تقرير أشعة الرنين لكن الطبيب رد عليه بصوت مخيف "انا اعتمد على التقرير المكتوب على الورقة ولا اعتمد على الأشعة".
 
بعد وصوله إلى طريق مسدود، قرر السفر إلى مصر، حيث ظل الأطباء الاخصائيون في القاهرة يعالجون الأخطاء التي ارتكبها الأطباء في اليمن، ليصل إلى قناعة بأن مهنة الطب في اليمن ليست سوى مصدرا للإثراء كل المستشفيات هدفها مادي وليس إنساني" على حد تعبيره.
 
كما يشكو السكان في تعز من استغلال المستشفيات الحكومية والخاصة لمعاناتهم وحاجتهم للعلاج في جني الأموال، في وقت يعاني فيه المواطنون من ظروف معيشية قاسية جراء الحرب وارتفاع الأسعار.
 
يقول المواطن ماجد احمد لـ"يمن شباب نت"، إنه أسعف أحد أقربائه إلى إحدى المستشفيات فوجدها خالية من الأطباء إلا من بعض الممرضين، فطلب منه دفع ٥٠ ألف ريال كرسوم إضافية تحت بند استدعاء الطبيب، مشيرا إلى أن رسوم الخدمات الطبية أثقلت كاهله.
 
مناشدة عاجلة
 
وفي ظل هذه الأوضاع الكارثية التي يعانيها القطاع الصحي بتعز؛ أطلقت نقابة الأطباء بالمحافظة مناشدة عاجلة عبر "يمن شباب نت"، إلى الأطباء في المهجر تطالبهم بالعودة للمحافظة لإنقاذ أهلهم كواجب تحتمه الظروف وتوجبه المهنة.
 
وأوضح رئيس النقابة الدكتور عبدالله الاهدل في تصريح خاص، أن "معظم الأطباء اتخذوا الحرب مبررا للهجرة والأرجح أن يكون هذا الوضع سببا في عودتهم كواجب إنساني".
 
 كما أعرب الدكتور الأهدل عن أسفه من عدم عودة المبتعثين الذين انهوا دراستهم بنجاح إلى أرض الوطن، مؤكدا أن عودتهم باتت ضرورة لأن الوطن بحاجة لهم.
 
لم تقتصر أثار هجرة الأطباء على الجانب الصحي وحسب بل امتدت إلى الجانب التعليمي حيث أصبح مستقبل التخصصات الطبية في خطر، وفق مدير المستشفى الجمهوري فؤاد الحداد والذي قال إن "الاشراف المباشر من الاستشاريين في أقسام المستشفى الجمهوري على طلبة الكليات الطبية غاب منذ ثمان سنوات".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر