الوباء يستوطن المدينة ومرافق صحية هشة.. "حمى الضنك" تفتك بسكان تعز في اليمن (تقرير خاص)

[ تم تسجيل 2730 حالة إصابة بوباء حمى الضنك في تعز خلال أكتوبر 2022 (يمن شباب نت) ]

يرقد الشاب عمر قائد في عيادة خاصة وسط مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن) يعتمد على التغذية الوريدية ليستعيد عافيته بعد أن استبدت به "حمى الضنك" الآخذة في الانتشار.
 
وفي مثل هذا التوقيت من كل عام لا سيما مع موسم هطول الأمطار تشهد تعز انتشارا لافتًا لوباء حمى الضنك، إذ يتوجب على السكان الاستعداد لخوض معركة مع هذا الوباء الفتَّاك، خصوصًا في ظل تدهور الخدمات الصحية التي تعانيه البلد جراء الحرب المستمرة منذ ثمانية أعوام.
 
كان قائد يشعر بحمى وصداع عندما باغته المرض لكنه في البداية لم يهتم وقام باستخدام مهدئات أملًا في أن يتعافى؛ بيد أن الأمر تضاعف لاحقًا.
 
"كنت أظن بأنها عبارة عن انفلونزا يمكن معالجتها بالمهدئات لكن عندما اشتد الألم في العضلات والمفاصل قمت بإجراء فحوصات لتظهر النتجية إصابتي بالضنك"، يقول قائد الذي لم يُصب من قبل بهذا النوع من المرض.
 
ولم يلجأ قائد إلى المستشفيات الحكومية لتلقي الرعاية نظرًا لازدحامها بالمرضى و"غياب الرعاية الصحية الكافية"، حسب تعبيره.
 
تواجه المرافق الصحية في اليمن صعوبات في التعامل مع العدوى، خصوصًا بعد أن فقدت العديد من الخدمات الضرورية جراء الحرب.
 
منذ مطلع العام الحالي بلغ إجمالي الوفيات بالوباء في مدينة تعز ثمان حالات و8500 إصابة، حسبما أفاد نائب مدير الإعلام والتثقيف الصحي بمكتب الصحة بتعز، تيسير السامعي. وقال ليمن شباب نت، إنه خلال أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ارتفعت حالات الإصابة بحمى الضنك بشكل كبير، نظرًا لتكاثر البعوض الناقل للوباء بسبب هطول الأمطار.
 
وجميع هذه الإصابات سُجلت في مديريات القاهرة وصالة والمظفر، التي تشكل مركز مدينة تعز الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية.
 
وخلال الأعوام الأخيرة، باتت مدينة تعز، من أخطر المناطق المستوطنة لحمى الضنك، بسبب تراكم النفايات، وتخزين المياه في أواني تتسبب في تكاثر البعوض الناقل للوباء.
 


ويعود أول ظهور لوباء حمى الضنك في تعز إلى العام 1994 وسُجل حينها إصابة ‏واحدة مؤكدة، ثم عاد خلال الأعوام 2007 - 2009 قبل أن يعود بشراسة مع اندلاع الحرب في البلد عام 2015، وفق تقارير حكومية.
 
 
أعراض ومخاطر

تعد حمى الضنك، أسرع الأمراض التي ينقلها البعوض انتشاراً في العالم. وتتسبب في أعراض شبيهة بالإنفلونزا ويمكن أن تؤدي الحالات الشديدة منها إلى نزيف داخلي، بحسب منظمة الصحة العالمية.
 
ويتنقل الفيروس إلى الإنسان عبر لسعات أناث البعوض المصابة. وبعد فترة حضانة للفيروس تتراوح بين 4-10 أيام تغدو البعوضة المصابة قادرة على نقل الفيروس طوال الفترة المتبقية من حياتها. وتتمثل الأعراض بالصداع الحاد، وألم خلف العيون، وآلام العضلات والمفاصل، والغثيان، والقيء، وانتفاخ الغدد، والطفح.
 
ولا يصاحب هذا الوباء "سعال أو زمام أو اسهالات" كما يقول الدكتور خالد الورافي مدير مركز الوحدة للأمومة والطفولة (حكومي) بحي الضبوعة بمديرية القاهرة، وسط تعز، مضيفًا ليمن شباب نت، أن هناك أربعة أنواع لحمى الضنك أخطرها يُطلق عليها حمى الضنك النزيفية.
 
ويوضح الورافي وهو ماجستير في مكافحة العدوى، في سياق حديثه، أن علامات حمى الضنك تتمثل بنقص كريات الدم البيضاء والصفائح ونتيجة لنقص الصفائح تظهر علامات النزيف وهي علامات خطيرة تظهر على شكل كدمات سوداء أو رعاف خفيف من الأنف.
 
وينصح الورافي بتجنب استعمال جميع أنواع المهدئات مثل الفولتارين أو إيبوبروفين والتي تسبب أعراض جانبية إذ تقوم بخفض كريات الدم البيضاء والصفائح مما يؤدي إلى استفحال النزيف لذا من الأفضل الابتعاد عنها قدر المستطاع. مشيرًا إلى أن الباراسيتامول بكافة أنواعه آمن ويعد أفضل الخيارات المتاحة لعلاج تلك الأعراض.
 
ومع زيادة أسعار الأدوية وعدم قدرة البعض على شرائها قد يلجأ المريض لاستخدام الأعشاب الطبية آملا في التخفيف من أعراض المرض، وبشأن هذا الجانب يقول الورافي "لا نقلل من أهمية الأعشاب الطبية لكن المشكلة أن الاعشاب المتواجدة في السوق عشوائية لم تجرى عليها دراسات". لافتًا إلى أن "الأعشاب قد تصيب أحيانا وقد تُخطئ وقد تؤدي الى كوارث لذا من الأفضل في مثل هذه الحالات الذهاب إلى الطبيب.
 


إجراءات "غير كافية"

وفي أول تحرك رسمي لمواجهة حمى الضنك، قام مكتب الصحة بحملة رش ضبابي لمكافحة البعوض والتوعية والتثقيف للوقاية من المرض، وفقًا للسامعي الذي اعتبر في الوقت ذاته هذه الإجراءات ليست كافية "لأن الكارثة كبيرة والوباء مستوطن في المدينة ويُصعب السيطرة عليه بسبب أزمة المياه التي تعاني منها المدينة منذ سنوات"، حد قوله.
 
وأضاف أن "تعز بحاجة ماسة إلى مركز متخصص بالحُميات وحمَّى الضَّنك، لأن الكثير من الوفيات تحدث بسبب المعالجات الخاطئة". لافتًا إلى أن وجود هذا المركز سيحد من عدد الوفيات، وسيُقدّم خدمة علاجية سليمة للمصابين.
 
بدوره؛ أعلن محافظ تعز نبيل شمسان خلال لقاء عقده الإثنين (17 أكتوبر الجاري) مع مكتب الصحة بالمحافظة، أن السلطة المحلية ستدعم بشكل طارئ توفير مادة الديزل وستدعم احتياجات المختبر المركزي لتوفير الدم للمصابين.
 
وقال شمسان إنه "سيخاطب وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية للتدخل بناء على خطة شاملة للمواجهة بعيدًا عن العمل العشوائي"، متوعدًا باتخاذ الإجراءات القانونية ازاء أي تقصير لمكتب الصحة أو مدراء المستشفيات.
 
 
الوقاية

وتبقى الوقاية هي العلاج الأنجع لحمى الضنك وتشمل "ردم البؤر الاستيطانية للقضاء على اليرقات والرش الضبابي للتخلص من البعوض؛ بالإضافة إلى تغطية خزانات المياه ومعالجتها بالكلور" بحسب الورافي.
 
ويوضح أن عملية الرش الضبابي "تتم خلال فترتي الصباح والمساء عند الساعة الخامسة حتى السادسة، لأنه في هذه الأوقات يخرج البعوض ويبدأ بالانتشار وتعد هذه الفترتين أيضًا من أكثر الأوقات لنقل حمي الضنك".
 
أما بالنسبة لتدابير الحماية الشخصية من لسعات البعوض، فهي تتمثل بـ"استخدام سواتر ذات مسامات صغير للنوافذ بحيث تمنع دخول البعوض إلى المنزل واستخدام الناموسيات أثناء النوم وبعض الدهانات أو المرطبات الطاردة للحشرات".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر