معلمون بلا رواتب وتجريف للمناهج.. كيف يخوض الحوثيون حرباً ضد التعليم في اليمن؟ (تقرير خاص)

[ طلاب في تعز يحضرون درساً في مدرسة تعرضت للدمار خلال الحرب في اليمن (فرانس برس) ]

اضطر التربوي عبد الله حاتم (52 عاما) إلى ترك عمله في التدريس ومغادرة محافظة إب (وسط اليمن) الخاضعة لميليشيات الحوثي المدعومة من إيران بحثا عن مصدر دخل لإعالة أسرته بعد أن تسببت الميلشيات بتوقف صرف رواتب الموظفين الحكوميين خلال السنوات الماضية.
 
ويعيش مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة للحوثيين في ظروف إنسانية قاسية نتيجة انقطاع الرواتب الحكومية منذ نحو سنوات، فضلا عن الانتهاكات التي تمارسها المليشيا بحق العاملين في القطاع التربوي
 
في مقابل ذلك تجني المليشيا أموال طائلة من الإيرادات الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما في ذلك نهب عشرات المليارات من عائدات سفن المشتقات النفطية الواصلة إلى ميناء الحديدة، وتوظفها لصالح مجهودها الحربي وإثراء قياداتها.
 
وتجاوزت ميلشيات الحوثي انتهاكاتها بشكل أكبر، وصولاً إلى تغيير مناهج التعليم بما يخدم أفكارها الطائفية ويحرض الشباب والنشء على العنف والالتحاق بجهات القتال، في عملية تدمير واسعة لما تبقى من الرمزية والمنهج الوطني في التعليم الأساسي في مناطق سيطرتها.
 

هروب المعلمين
 
وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) منتصف أكتوبر/ تشرين أول الجاري، بأن التعليم المنتظم في اليمن يواجه عوائق إضافية، حيث لم يحصل 172 ألف مدرس على أجور منتظمة منذ عام 2016".
 
وقال التربوي حاتم -الذي يقيم حاليا في مدينة تعز الخاضعة للحكومة اليمنية-،"تركنا التدريس أنا وكثير من زملائي المعلمين واتجهنا إلى المحافظات الأخرى للبحث عن سبل العيش في مجالات أخرى لا علاقة لها بمجالنا التربوي".
 
وأضاف لـ"يمن شباب نت"، "الرواتب مصدر دخل رئيسي ووحيد لنا وأجبرنا على القيام بواجبنا التعليمي بدون مقابل لإعالة أسرنا في ظل الأوضاع المزرية والغلاء المعيشي، واضطرينا للانقطاع عن مواصلة التدريس".
 


وقال: إن "المدراس في محافظة إب تعاني الآن من نقص في الكادر التعليمي جراء انصراف كثير من المعلمين للبحث عن لقمة العيش بوسائل أخرى وما تبقى منهم يأخذون من كل طالب ألف ريال مقابل كل مادة شهريا".
 
وأشار حاتم إلى أنه التحق بالمعاهد التدريبية لتعلم مهارات جديدة مثل الحاسوب والإنجليزي ليتمكن من الحصول على فرص عمل أفضل تعمل على تحسين وضعه المعيشي الصعب.
 
وتفيد تقارير نقابة المعلمين اليمنيين بأن عدد المعلمين الذين تركوا منازلهم ومدارسهم في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية ونزحوا منها إلى المناطق المحررة أو إلى خارج اليمن بلغ 20.142 معلماً.
 
إلا أن غالبية المعلمين يواصلون مزاولة مهنتهم، رغم انقطاع الرواتب والتحديات والظروف الأخرى، على أمل أن يتم تسديد هذه الرواتب لاحقاً، وخوفاً من فقدان وظائفهم. وفي مطلع أغسطس (آب) الماضي، أقدمت الميلشيات الحوثية على فصل أكثر من 20 ألف معلم، وأحلَّت مكانهم عناصر تابعة لها.
 

160 ألف معلم بلا رواتب
 
يعيش مدرسو المدراس الحكومية وضعاً صعبا لا يليق بمكانتهم التربوية حيث أضطر بعضهم تحمل قساوة الغربة بعيدا عن أهلهم رغم وجود وظائفهم الحكومية التي كانت تعد من أهم محددات المكانة الاجتماعية والمادية وأصبحت الآن اسم يذكر لا أكثر.
 
وقال أمين عام نقابة المعلمين اليمنيين حسين الخولاني، إن "أكثر من 160,000معلم ومعلمة موظفون في مدراس تحت سيطرة الحوثي، لا يستلمون رواتبهم منذ أكثر من أربع سنوات".
 
وأضاف الخولاني لـ"يمن شباب نت"، أن الأوضاع التي يعيشها المعلمون مأساوية حيث أجبروا على تأدية واجبهم التعليمي والتربوي في وقت لا يلتزم فيه المسؤولين بحقوق المعلمين المادية والمعنوية.
 
ولم تكتف المليشيا بنهب الرواتب، -وفق الخولاني- بل أن هناك مستحقات من قبل المنظمات الدولية لم تصل إلى المعلم والتي يفترض أن تكون 100دولار شهريا لكل موظف إلا أنها صرفت مرة واحدة أقل من 50 دولار وإلى الآن ما زالت قائمة هذه المساعدات ولا تصل إلى المعلمين أبدا.
 


وشكلت الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي بارقة أمل للموظفين في المناطق الخاضعة للحوثي، حيث أنها تتضمن دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في المناطق غير المحررة من عائدات المشتقات النفطية الواصلة عبر ميناء الحديدة.
 
وبحسب الحكومة اليمنية فأن ميناء الحديدة استقبل منذ بداية سريان الهدنة الأممية مطلع أبريل/ نيسان الماضي " 1660703طن متري من المشتقات النفطية، تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار، وأن عائداتها الضريبية والجمركية تكفي لدفع مرتبات موظفي الدولة والمتعاقدين في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي.
 
لكن المليشيات الحوثية تتهرب من الالتزام بدفع رواتب الموظفين، وأفشلت الجهود الأممية والدولية لتمديد وتوسيع الهدنة التي انتهت في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بعد أن اشترطت دفع رواتب لمليشياتها.
 
وكانت الأمم المتحدة قد رعت اتفاقا بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي عام 2019م، يقضي بجمع إيرادات ميناء الحديدة في حساب خاص في فرع البنك المركزي بالحديدة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، إلا أن المليشيات انقلبت على الاتفاق واستولت على الأموال التي تقدر بعشرات المليارات.
 

انتهاكات ومدارس مدمرة
 
وواصل الأمين العام لنقابة المعلمين اليمنيين حديثه: "المعلمون في مناطق الحوثي ليسوا فقط بلا رواتب فهم أيضا يقومون بواجبهم التدريسي في مباني رثة ومدمرة غير مؤهلة ولا تليق لتلقي أو منح التعليم".
 
وقالت منظمة "اليونسيف" في تغريدة له على "تويتر" منتصف أكتوبر الجاري، أنه "بعد مرور سبع سنوات على بدء النزاع، تم تدمير أكثر من 2900 مدرسة في اليمن، بما فيها التي تعرضت لأضرار جزئية أو استخدمت لأغراض غير تعليمية".
 
ومن العوائق والمصاعب التي توجه المعلمين ايضا – وفق الخولاني- قيام الحوثي باعتقال العديد من المعلمين وأصدر أحكام الإعدام بمحاكمة هزلية وغير جادة أمثال" سعد النزيلي " نقيب المعلمين اليمنيين الذي مازال معتقل حتى الآن.
 


في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي تعرض وكيل مدرسة الشعب بمديرية المشنة بمحافظة إب الاستاذ صلاح المجيدي للاعتداء بالضرب من قبل مسلحين حوثيين استقدمهم طالب في المدرسة، قبل أن يقوم بنفسه بصفعه على وجهه وإهانته أمام زملائه وطلابه.
 
وسبق أن أعلنت نقابة المعلمين اليمنيين عن مقتل 1580 معلماً على أيدي ميليشيات الحوثي خلال الفترة من 2015، وحتى 2020، منهم 81 من مديري المدارس والإداريين، و1499 قتيلاً من المعلمين، فيما قضى 14 من القتلى بسبب التعذيب في السجون الحوثية، في محافظات صنعاء والحديدة وحجة وصعدة.
 
كما تعرض 2642 معلماً لإصابات مختلفة بنيران الميليشيات، نتج عن بعضها إعاقات مستديمة، إضافة إلى اختطاف وإخفاء 621 معلماً بشكل قسري، وفق النقابة.
 

مخرجات كارثية
 
لتوقف صرف الرواتب للمعلمين في المناطق الخاضعة للحوثي فضلا عن الممارسات والانتهاكات التي تقوم بها المليشيا بحق القطاع التربوي؛ نتائج كارثية على العملية التعليمية ومخرجاتها وصل إلى درجة إغلاق الفصول وتوقف التعليم في كثير من المدراس.
 
ولوحظ خلال السنوات الأخيرة سقوط أعداد كبيرة من طلاب الثانوية العامة فيما أظهرت النتائج تدني معدلات نسب من نجحوا، وقال الطالب، إيهاب المخلافي إنه حصل على معدل 56% في الثانوية العامة لهذا العام في مدرسة الجيل في منطقة المخلاف في مديرية شرعب السلام التابعة لمحافظة تعز والتي لاتزال خاضعة لمليشيات الحوثي.
 
وأضاف المخلافي لـ"يمن شباب نت"، إن "المدرسين نزحوا للعمل في قطاعات أخرى في المدينة تاركين الطلاب وكتبهم والفصول ليعودوا فقط في فترة الاختبارات وهذا ما يجعل معدلاتهم ضئيلة لا تقبل في الجامعات وأغلب التخصصات".
 
وفي مدرسة الزهراء في المنطقة ذاتها، تدار العملية التعليمية بواسطة 10مدرسين لكل الصفوف الدراسية مما شكل ضغطا هائلا على هؤلاء المدرسين المتطوعين لأجل أبنائهم ومستقبلهم، حسب ما أفادت وكيلة المدرسة.
 
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن أكثر من 2 مليون طفل خارج المدرسة، بعد 8 سنوات من النزاع المسلح في اليمن، وقالت إن "أكثر من 8 مليون يحتاجون إلى دعم لمواصلة تعليمهم".
 


تعديل المناهج الدراسية

لم يكتف الحوثيون بهذا التجريف الممنهج للتعليم في مناطق سيطرتهم، بل عمدوا على تعديل المناهج التعليمية بشكل تدريجي خلال السنوات الماضية، حتى أصبح مؤخراً يثير مخاوف الأهالي على مستقبل أبنائهم حتى أولئك الطلاب الملتحقين في المدارس الخاصة.
 
منذ تعيين يحيى الحوثي (شقيق عبد الملك الحوثي)، وزيرًا للتربية والتعليم في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، بدأت أكبر عملية عبث وتحريف للمناهج التعليمية السابقة التي اعتمدها علماء أكفاء من مختلف التوجهات والمدارس الدينية والفكرية، وكل عام تتم تعديلات وإضافات مضامين طائفية أو هزلية تمجد شخصيات هزيلة في المجتمع.
 
ومؤخراً، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، صورة لإضافة تعديل جديد على إحدى المقررات المدرسية، وتضمن تعريف بشاعر يدعى "معاذ الجنيد"، مما أثار سخرية واسعة في أوساط اليمنيين، حيث تداولوا مقاطع فيدو لقصائد وصفوها بـ"التافهه" اشتهر بها الشاعر قبل عملة في التوجيه المعنوي لميلشيات الحوثي خلال السنوات الماضية.
 
وتم إضافة السيرة الذاتية للشاعر المذكور، في كتاب "اللغة العربية" والمقرر في منهج الصف السابع أساسي، وتأكد موقع "يمن شباب نت" من التعديل الحوثي "فوجد التعديل موجود في الصفحة 82 في الجزء الأول من المقرر المدرسي، ضمن الطبعة الجديدة للعام 2023- 1444، وإلى جانب هذا التعديل يكاد المنهج تغير كلياً".
 
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، كشف نائب وزير التربية في الحكومة الشرعية علي العباب، أن التعديلات الطائفية التي أجرتها مليشيا الحوثي على المناهج الدراسية للصفوف الأولى حتى الصف السادس للعام الجاري بلغت 420 تعديلاً، ​مشيرا إلى أن "التعديلات تركزت في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية والتربية الوطنية والاجتماعيات".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر