ضربة جوية خاطئة أحرقت مناحلهم.. نحّالون في "الوازعية" يعيشون على وهم انتظار التعويضات

 كان الحاج "علي عليبه"، من أشهر "النحالين" في بلدته بمديرية الوازعية، جنوبي غرب محافظة تعز، قبل أن يفقد مزرعة النحل الخاصة به نتيجة ضربة طيران خاطئة، في إبريل/ نيسان 2017، استهدفت سيارة مدنية كانت تمر بالجوار وطالت مزرعته التي احترقت بالكامل، ليفقد مصدر عيشه الوحيد.  
 
على مدى ثلاثون عاما، ظل النحّال، البالغ من العمر (75 عاما)، يعتمد على تربية خلايا النحل في مواجهة متطلبات الحياة القاسية في الريف، حتى جاء ذلك الصاروخ الجوي الخاطئ، الذي لم يكتفِ بحصد أرواح معظم من كانوا في المركبة المدنية المستهدفة، بل امتدت نيرانه لتلتهم كل ما في طريقها، بما في ذلك أكثر من سبعين خليه نحل، كانت هي كل رأسمال ماله ومصدر رزقه الوحيد، وطالت الأضرار أجزاء من المنزل، فيما كان هو نفسه قد فقد سمعه من شدة الإنفجار..!
 
ومنذ ذلك الحين؛ أحيل الرجل المسكين إلى الباطلة، وأخرج بتلك القسوة من قائمة الـ 100 ألف نحّال يمني الذين يعتمدون في معيشتهم على بطون النحل، ويديرون زهاء 2 مليون و 200 ألف طائفة نحل في اليمن، كان لها شرف أنتاج ما يزيد عن 2,381 طنا من العسل خلال العام 2018.
 



ما الذي حدث؟ ولماذا؟
 
 كما لو أنه كان بالأمس؛ تحدث الرجل العجوز لـ "يمن شباب نت" عن تفاصيل ذلك الحادث الأليم الذي أدى إلى "إحراق كافة خلايا النحل نتيجة قوة الانفجار وسرعة انتشار النيران"، موضحا أنه في تلك اللحظة لم يفكر في إنقاذ خلايا النحل الخاصة به، بل كيف يمكنه إنقاذ أولئك المساكين بداخل السيارة المدنية، الذين كانت النيران المشتعلة قد بدأت بالتهامهم..
 
وتابع: "حينها كنت أصرخ وأطلق النداءات والاستغاثات لإنقاذ المستهدفين في السيارة المدنية المحترقة بجوار الخلايا.."، مضيفا: "فدخلت وسط الحريق وأنقذنا أطفالا، ونقلنا المصابين إلى مستشفى البرح"، أما استثماره وتجارته الوحيدة فقد "التهمه النيران المستعرة، التي استمرت قرابة ساعتين وقضت على جميع الخلايا بما فيها الأشجار المحيطة".
 
"خلايا النحل التي كانت بجوار المنزل، كانت بمثابة مصدر العيش الوحيد لي وأسرتي منذ أكثر من ثلاثة عقود"، أردف "عليبه"، مبديا استغرابه وحنقه في آن، من حدوث ذلك، والسبب الذي يمكن أن يجعلها هدفا لقصف الطيران؟! خصوصا وأنه "لم يكن يوجد بجوارها ما يثير الريبة والشك.. فالمنطقة كانت خالية من أي وجود عسكري غير السكان"..!!.
 
وأضاف "وحتى الآن، لا يعرف ما سبب تلك الضربة، ومن قام بالإبلاغ عنها، وتسبب بإزهاق أرواح أولئك الناس بتلك الطريقة الفادحة، ودون ذنب سوى أنهم كانوا في طريقهم من السوق إلى قراهم لأداء صلاة الجمعة".
 
ويؤكد "عليبه" لـ "يمن شباب نت" أنه وعقب تلك الكارثة تواصل مع "عدة جهات لها علاقة بالأمر، وتحدثت معها بشأن ما تعرضت له، وطلبت توضيحات عن السبب، كما تساءلت عن التعويضات، ولكن دون جدوى".
 
وأردف بصوت ممتلئ بالقهر واليأس: "ليس بالأمر السهل أن تتحول بين عشية وضحاها إلى معدم بلا مصدر عيش، وعاطل عن العمل طوال هذه السنوات العجاف، بعد أن كانت خلايا نحلك تمدك وأسرتك بالحياة والحركة على مدى عقود، وتساعدك في تدبير كل شؤون حياتك".
 
وخلال السنوات الست التي أنقضت عقب المأساة، والحاج "علي عليبه" يقضي ما تبقى له من عمر، يائسا ومحبطا من إمكانية استعادة ما فقده، حيث وقد طال صبره بانتظار أن يحظى بتعويض مادي نظير الضرر الذي تعرض له في ذلك اليوم المشؤوم..!!  
 



فقد مزرعته بعد قدمه
 
في ذلك اليوم المشؤوم أيضا، كان هناك نحّال آخر من المنطقة نفسها، فقد هو الآخر تجارته ومصدر رزقه الوحيد بسبب تلك الضربة الجوية، ولكن على نحو دراماتيكي مختلف وحزين، رغم أن النتيجة كانت واحدة.
 
 النحال "غانم المشولي"، زميل "علي عليبه" في مهنة تربية النحل، كان بداخل السيارة المدنية التي تعرضت لقصف الطيران في ذلك اليوم، وأحد الناجين الذين تم إنقاذهم من الموت بصعوبة.
 
تعرض المشولي لإصابات وحروق خطيرة، الأمر الذي استدعى نقله إلى محافظة الحديدة ثم إلى العاصمة صنعاء لتلقي العلاج.
 
 لم يخسر المشولي خلايا النحل الخاصة به بفعل النيران المشتعلة جراء القصف، لكنه على أية حل خسرها لاحقا بسبب تلك الضربة الجوية نفسها، وإن لم يكن ذلك بطريقة مباشرة كما حدث مع خلايا زميله "عليبه"!! ولمعرفة ما حدث بالضبط، دعونا نستمع للقصة من لسان الرجل نفسه..
 
يقول المشولي لـ "يمن شباب نت": "بعد إنقاذي من الحريق، قضيت عدة أشهر للعلاج من تلك الإصابات التي تعرضت لها جراء تلك الضربة الجوية المشؤومة، قبل ينتهي بي الأمر إلى بتر قدمي".
 
وتابع: "والنتيجة أنني، وبسبب تلك الضربة، تعرضت لإعاقة دائمة في جسمي وحياتي"، مضيفا: "ففي الوقت الذي انشغلت فيه أسرتي بعلاجي في صنعاء، تعرضت خلايا النحل الخاصة بي للإهمال، حيث لم تجد من يعتني بها، ما أدى في نهاية المطاف إلى انتهائها، وفقداننا لمصدر رزقنا الوحيد، الذي ضللننا نعتني به ونعتمد عليه على مدى سنوات من عمرنا".
 
كانت مزرعة المشولي تتزين بأكثر من خمسين خليه نحل، غزيرة الإنتاج للعسل الأصلي الذي اشتهرت به مديرية الوازعية.. لكن تلك الخلايا بنحلها وعسلها لم تعد موجودة اليوم "فبعضها انتهى، والبعض الأخر غادر بحثا عن المرعى المناسب، لكن إلى غير رجعه" يقول المشولي في غمرة تحسره لما أصابه من فقدان لنحلاته الحبيبات بعد فقدانه جزء أساسيا من جسمه..!!
 
 


بانتظار وهم التعويض
 
أدت تلك الكارثة المأساوية إلى ضياع تجارته ورأسماله الوحيد نتيجة غيابه وانشغال أسرته عنها بعلاجه؛ لكن ماذا حدث بعد عودته؟! ولماذا لم يستعد نشاطه ويقوم بإعادة تربية النحل مجددا؟!
 
يقول المشولي إن الأمر لم يكن سهلا "فبسبب تلك الإعاقة، أصبحت اليوم عاجزا حتى عن استعادتي لنشاطي في تربية النحل، كون النكبة كانت كبيرة، أفقدتني حماسي ومعنوياتي التي لم تعد اليوم كما كانت في السابق.."
 
كما حدث مع زميله "علي عليبه"، كان الإحباط قد نشب أنيابه في عزيمة المشولي وأوهن من نشاطه، وساعد على ذلك إعاقته وتقدمه في العمر. لذلك؛ حتى برغم أن مزرعة النحل كانت تعني له الكثير، كسلاح وحيد في مواجهة معترك الحياة القاسية؛ إلا أن اليأس والإحباط كانا أقوى من كل شيء..!!
 
"فبرغم مطالبتنا بالتعويض، أو شراء خلايا نحل بديلة عن المفقودة، إلا أن ذلك لم يفلح حتى الآن.. وحاليا ليس أمامنا غير الانتظار في منازلنا حتى يأتي فرج الرحمن".
 
"التعويض".. كان ذلك هو الوهم المتبقي لهما في مواجهة جبال الإحباط واليأس، على أمل أن يحدث ذلك المستحيل يوما ما، ليعيد لهما ولو جزء يسيرا من حياتهم المفقودة..!!
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر