"السروري".. قصة رحّالة يمني "ستيني" قضى نصف عُمره مرتحلا على قدميه

[ الرحالة اليمني محمد السروري قضى نصف عمره الستيني في الترحال بين القرى على قدميه ]

 منذ ثلاثة عقود؛ يواصل الحاج محمد سيف السروري (60 عاما) هواية الترحال سيرا على قدميه، على خطى والده، متنقلا بين مناطق لحج وتعز، للتعرف على معالم المناطق وتوطيد العلاقات الاجتماعية مع الناس. حسب ما أكد لـ "يمن شباب نت".
 
لا يكاد يمر أسبوعا واحدا على عودته الى مسقط رأسه في قرية "الكنايه"- عزلة "راسن" بمديرية الشمايتين- حتى يشد الرحال مجددا، مرتجلا بقدميه القويتين، صوب منطقة جديدة، بغية التعرف على معالمها وعادتها وتراثها..
 

من الطفولة بدأ العشق

بدأ الحاج محمد سيف هواية الترحال مع والده الشيخ سيف السروري في العام 1992، في سنوات عمره الأولى، مرافقا لوالده في رحلاته، سيرا على الأقدام، إلى مناطق "تربة أبو الأسرار" في لحج، و"الزملية" في تعز، واللتان تتسمان بوجود معالم تاريخيه اسلاميه قديمة..
 
 ولقد جعلته تلك الرحلات يعشق الترحال، وإن كان في بداية عهده متقطعآ، حسب قوله، إلا أنه خلال العقدين الأخيرين كثف من ممارسة هوايته، حتى أنه لا تكاد تمر عليه جمعة واحده دون أن ينتقل من قرية إلى أخرى. كما أوضح لـ "يمن شباب نت".
 
مسافات طويلة، يقطعها الرحال السروري، متجاوزا الفيافي والجبال والسهول والوهاد، دونما رفيق سوى عصا خشبية تعينه على السير؛ وبيده الأخرى كيسا صغيرا يحوي بضعة كتب يرجع إليها كلما سنحت له الفرصة لتقديم الدروس العلمية والمواعظ الرقيقة في المناطق التي يزورها..
 
وغالبا ما كان يحرص على زيارة المساجد التاريخية لإلقاء الخطب والمحاضرات والدروس الدينية الوسطية التي تحث الناس على الخير وإتباع المنهج الوسطي المعتدل بعيدا عن الغلو والتطرف. حسب ما أكد لـ "يمن شباب نت".
 
 
مخاطر قليلة ومكاسب كثيرة
 
"ثمان ساعات متواصلة"، كانت هي أكبر مسافة (تقديرية) قطعها السروري مشيا على قدميه دون توقف؛ في رحلة ما تزال عالقة في ذاكرته، بدأت من قريته في مديرية الشمايتين وصولا إلى منطقة "المجزاع" بمحافظة لحج.
 
ويصف السروري لـ "يمن شباب نت"، تلك الرحلة، بأنها من أخطر الرحلات التي ما زال يتذكرها حتى اليوم: "في تلك الرحلة تعرضت لكمين من قبل مسلح.. وبدون مقدمات أشهر سلاحه نحوي، ظنا منه أني أنتمي لقبيلة بينها وبين قبيلته خلفية ثأر، قبل أن أوضح له أسمي ووجهتي..".
 
 كما أنه، وفي الرحلة نفسها أيضا، يقول إنه نجا بأعجوبة من مطاردة قطيع من الكلاب الشرسة برزت له في إحدى الطرق الصحراوية النائية، والتي كادت أن تتمكن منه، لولا مصادفة مرور بعض المسافرين في الطريق ساعدوه في التخلص منها.
 
 وعدى هذه المخاطر البسيطة، نادرة الحدوث بين المسافات النائية؛ لا يرى الرحال السروري أن ثمة صعوبات كثيرة واجهها في رحلاته، رغم كل هذه المدة الزمنية الطويلة التي قضاها في الترحال سيرا على قدميه.
 
وفي المقابل، ثمة أمور إيجابية كثيرة أكتسبها من وراء هوايته الشيقة هذه. فهو- كما يؤكد لنا- يشعر بالارتياح لزيارة، وتوثيق، العشرات من المعالم والرموز التاريخية في عدد من المناطق التي حظي بزيارتها حتى الآن، بينها أماكن ومناطق سبق وأن كانت وجهة والده من قبله، أو معه؛ الأمر الذي شجعه على الاستمرار ومواصلة الترحال بحثا عن اكتساب المعارف، وتوطيد العلاقات بين أبناء الوطن الواحد. حسب تأكيده.

 


هواية مثمرة

  في قرية "الكناية"، تزدهر مزرعة كبيرة، غنية بالفواكه والخضروات المتنوعة، يشار إليها بالبنان كواحدة من المزارع الأكثر تطورا وإثمارا طوال العام.
 
ربما لن يفاجئك كثيرا أن تعرف أن تلك المزرعة تتبع الحاج محمد السروري. إلا أن ما يمكن أن يثير فضولك أن يكشف لك السروري نفسه، أنها إحدى ثمار هوايته المفضلة في التنقل والترحال سيرا على الأقدام..!!
 
في حديثه لـ "يمن شباب نت"، أرجع السروري تطوير أفكاره الزراعية وتوسيع خبراته الخاصة في مجال الزراعة، إلى تلك الرحلات التي يقول إنها منحته الخبرة والاستفادة من تجارب وإرشادات المزارعين المحترفين الذين التقاهم خلال رحلاته المختلفة، ما أكسبه الكثير من المعرفة والخبرات الزراعية التي استغلها في توسيع وتطوير مزرعته، لتشمل اليوم مختلف أنواع الخضروات والفواكه بعد أن كانت تقتصر فقط على زراعة بعض أنواع الحبوب.
 
ويؤكد السروري لـ "يمن شباب نت" أن تطويره لمزرعته بهذا الشكل، ساعده كثيرا في تحسين دخله المالي، لاسيما في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بفعل سبع سنوات من الحرب.
 
وللاستفادة أكثر من خبراته المكتسبة من رحلاته، يخطط السروري حاليا لتطوير مزرعته في تنفيذ أهم مشاريع العمر، من خلال زراعة ألفي شجرة عنب، مستفيدا من النصائح والإرشادات التي تلقاها من خبراء زراعين التقاهم خلال رحلاته.
 
 لم يكن الحاج محمد سيف السروري مجرد رحّال هاوٍ فحسب، بل كان خطيبا وواعظا ومعلما وتربويا وخبيرا زراعيا. وعلى مدى ثلاثون عاما من عمره، قضاها في الترحال والتنقل بين المدن والقرى المختلفة في البلاد، كان في الوقت الذي يوزع فيه علومه ومعارفه على الأخرين، يستفيد هو الأخر في توسيع علومه ومداركه، واكتساب المزيد من الخبرات والتجارب، التي جعلته اليوم قادرا على زراعة مشروع العمر.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر