ماهي خيارات الحكومة اليمنية بعد فشل مفاوضات إنهاء الحصار الحوثي عن تعز؟ (تقرير خاص)

[ إنهاء الحصار الحوثي عن مدينة تعز من ضمن بنود الهدنة الأممية التي اعلنت مطلع إبريل الماضي ]

اختتمت المفاوضات بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي، والتي عقدت على مدار ثلاثة أيام في العاصمة الأردنية عمّان، دون تحقيق أي تقدم نحو فتح الطرق في تعز والمحافظات الأخرى، والتي تعد من ضمن بنود الهدنة الأممية التي تشارف على الانتهاء يسعى المبعوث الأممي لتمديدها. 
 

وقال مبعوث الأمم المتحدة في اليمن، هانس غروندبرغ، مساء السبت (28 مايو الجاري)، إنه تم طرح اقتراح فيما وصفه بـ "جولة أولية من المناقشات" لإعادة فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى (لم يحددها) بشكل تدريجي تضمن آلية للتنفيذ وضمانات لسلامة المسافرين بناءً على النقاشات التي استمرت 3 أيام والخيارات التي طرحت من قبل الطرفين". 
 

ودعا غروندبرغ وفدي الطرفين إلى اختتام مداولاتهم بشكل عاجل وتحقيق نتائج إيجابية يلمسها الشعب اليمني، ولم يقدم المبعوث الأممي مزيدًا من التفاصيل بشأن الاقتراح أو يحدد متى سيستأنف الطرفان المحادثات التي تأتي بموجب اتفاق الهدنة الذي أُبرم بوساطة أممية.  
 

وتخضع مدينة تعز (عاصمة المحافظة) التي تحيط بها الجبال، لسيطرة قوات الحكومة الشرعية، لكن الحوثيين يحاصرونها من ثلاث جهات منذ ستة أعوام، ويقصفونها بشكل مستمر، ويضطر السكان للتنقل عبر طرق وعرة وملتوية لساعات طويلة مما زاد من معاناة السكان.  
 

جولة ثانية

مصادر قريبة من المفاوضات أرجأت سبب عدم التوصل إلى حل ينهي معاناة سكان تعز إلى عدم قبول الحوثيين برؤية الوفد الحكومي المفاوض في فتح أكثر من طريق رئيسي، في الوقت الذي تتجه فيها المحادثات إلى تجزئة فتح الطرق. 
 

وأفادت المصادر "يمن شباب نت" بأن المبعوث الأممي يسعى إلى عقد جولة ثانية من الاجتماعات بين وفدي الحكومة والحوثيين لم تكن مدرجه في جدول أعمال المفاوضات، وهو ما اعتبرته "تواطئًا أمميًا مع تعنت الحوثيين".  
 


من جانبه قال لجنة الوفد الحكومي للمفاوضات عبد الكريم شيبان "قدمنا مطالب واضحة، ولكل الطرق الرئيسية التي ستخفف بصورة عملية ومنطقية من معاناة أبناء المحافظة، إلا أنه حتى هذه اللحظة، لم نجد من الطرف الآخر أي تجاوب ملموس".  
 

وأضاف في تصريح صحفي مساء أمس الأحد 29 مايو "لقد قدمنا للمبعوث الأممي الذي يسعى لإقناع الحوثيين بفتح الطرق، تصوراتنا ومقترحاتنا، والتي نأمل أن تجد في الجولة التالية تجاوبا إيجابيا من الطرف الآخر".  
 

وعرض الحوثيون في الأيام الاولى للمفاوضات فتح طريقين فرعيين؛ وهي طرق قديمة وعرة، وفي أول تعليق رسمي عقب انتهاء المفاوضات، أكد رئيس الوفد الحكومي شيبان على ضرورة أن "تكون الأولوية لفتح الطرق الرئيسية وفق بنود الهدنة الأممية والابتعاد عن محاولات الانتقاص من الحقوق الإنسانية لأبناء تعز عبر فتح طرق لا تفي بالغرض ولا ترفع معاناة السكان المستمرة منذ سبع سنوات".  
 

من جانبها اعتبرت الحكومة اليمنية، أن استمرار تعنت مليشيات الحوثي في حصار مدينة تعز، يؤكد سعيها المستمر لتسييس القضايا الإنسانية والتكسب من معاناة المواطنين. وقال وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، أن "سعي المليشيا المستمر لتسيس القضايا الإنسانية والتكسب من معاناة الناس، يعطي دلالات واضحة لأسباب استمرار صلفها وتعنتها في حصار مدينة تعز وإغلاق منافذها الرئيسية"، بحسب ما نقلت وكالة سبأ الرسمية.  
 

ويستخدم حاليًا سكان تعز طريقان للتنقل؛ وهما طريقا "الأقروض" ويقع شرق جنوب المدينة، والآخر طريق "هيجة العبد" جنوبي المحافظة. 

والطريق الأول يقع في منحدر جبلي وعر ويستخدمه السكان للوصول إلى الحوبان (شرق المدينة) ومحافظات شمال البلاد الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي. أما الآخر فهو يعتبر المنفذ الوحيد الذي لا يخضع لسيطرة الجماعة وهو الوحيد الذي يربط مدينة تعز بالعالم الخارجي، ويعاني من الحفريات والتعرجات الوعرة.  
 



أسباب وخيارات

يرى المحلل السياسي نبيل الشرحبي، بأن عدم التوصل إلى حل خلال المفاوضات يرجع لثلاثة أسباب؛ أولها "النهج الذي اتخذه المبعوث الأممي يفضي إلى الاعتماد على أسلوب الخطوة خطوة والذي يعني أن يكون في الغالب طرف يقدم تنازلات وطرف آخر يوظف ذلك التنازل لصالحه". 
 

وأضاف الشرجبي لـ"يمن شباب نت" إن السبب الثاني يتمثل في أنه "ليس في يد أطراف الشرعية أوراق رابحة أو القرار النهائي في تقرير أيّ من القرارات الخاصة بالعملية التفاوضية وهذا القرار النهائي هو في يد التحالف والذي يقرر بدلا من الشرعية".  
 

والسبب الثالث بحسب الشرجبي هو "الأهم" - كما يصفه- ويتجسد في "ما يحصل عليه الحوثيين أو ما يفرضوه على طاولة التفاوض يعكس انتصارهم العسكري الميداني وهذا ما يدركه الهيئات الدولية المشرفة على العملية التفاوضية".  
 

وحول خيارات الحكومة عقب تعثر المفاوضات، قال إن "خياراتها محدودة فهي مجبره وبشكل مستمر إنْ ظلت الظروف كما هي أن تنتظر ما يقدمه الحوثيين من حلول وما يقره المسؤول الأممي من مقترحات". 
 

غضب وخيبة أمل

إعلان المبعوث الأممي بشكل ضمني فشل المفاوضات خفف من الآمال في رفع الحصار عن تعز لا سيما وأنه كان أحد بنود الهدنة الأممية، التي تنتهي في الأول من يونيو المقبل. ويرى العديد من السكان أن اختتام المفاوضات بهذه الطريقة يعكس مدى إصرار الحوثيين على طرح شروطهم في فتح منافذ معينة لا تخفف من معاناتهم.
 

وقال المواطن سلطان الصبري لـ"يمن شباب نت"، إن آمالنا بفتح منافذ تعز اصطدمت بالخيبة بعد أن انتهت المشاورات دون اتفاق وهذا يعني استمرار المعاناة والتنقل عبر طرق وعرة.   

وأضاف أن "غياب الضغوطات الأممية وعدم الاهتمام الدولي بملف تعز شجع الحوثيين على الاستمرار في تعنتهم ومماطلتهم في رفع الحصار".
 


 

كما أثار إعلان المبعوث الأممي ردود أفعال غاضبة في أوساط اليمنيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى أن الخيار العسكري سيرفع الحصار عن تعز. 

وعلق محمد جميح سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة "يونسكو" قائلًا: "لن يرفع الحوثي حصار تعز، ومن لم يتعلم من تجربة أكثر من 17 سنة تفاوض واتفاقات مع الحوثي فعليه أن يراجع عقله".  

ومنذ بداية الحرب في البلاد عام 2015، فشلت سلسلة من المبادرات المحلية والدولية لفتح الطرق المغلقة المؤدية إلى مدينة تعز.  

وأشار جميح في تغريدة عبر تويتر، إلى أن الحل "يكمن في  بناء مؤسسات الدولة في المناطق المحررة ودمج المكونات العسكرية والأمنية وتعزيز الاقتصاد والتخلص من الخلافات داخل تعز وداخل الشرعية ودعم الجيش وحينها سيرفع الحصار". 

بدوره، اعتبر الدبلوماسي اليمني السابق مصطفى أحمد نعمان، إغلاق المعابر "دلالة فاضحة" على ما أسماه "الانحطاط الأخلاقي والإنساني الذي لا يقيم اعتبارا لمعاناة الناس ويعبر عن رغبة في إذلال الناس وإشعارهم بضعفهم"، حد قوله.

وأضاف في تغريدة على حسابه بموقع تويتر: "أي كانت مبررات الحوثيين في تعز فلا يمكن قبولها كسبب لاستمرار احتقار حقوق الناس في التنقل بكرامة وآدمي. وصار الامر عملًا سياسيًا مقيتًا".  

أما الحقوقية إشراق المقطري عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان (حكومية)، فانتقدت استعجال الحكومة في تقديم تنازلات قبل فتح طرق تعز، لافتة إلى أن ذلك شجّع الحوثيين على التعنت وفرض شروط ومطالب تعيق من رفع الحصار.  

ودعت المقطري عبر حسابها في تويتر، القوى السياسة ومنظمات المجتمع المدني إلى "التحرك بالدفاع المدني عن ‎تعز وسكانها، ورفض الاتفاق على حقوقهم بالتنقل والحركة بالطرق الرئيسية". 
 



ضغط أممي

كما اعتبر ناشطون يمنيون الزيارة غير المعلنة للمبعوث الأممي هانس غروندبرغ، إلى العاصمة المؤقتة عدن، بأنها تهدف للضغط على الحكومة للقبول بمقترحات الحوثيين حول فتح الطرق في تعز.   

ورجحت مصادر مطلعة أن زيارة غروندبرغ تأتي بهدف اللقاء بالمجلس الرئاسي لمناقشة نتائج المشاورات بشأن فتح الطرقات، وفرص تمديد الهدنة.  
 

وعلق الناشط حسين المشدلي قائلًا ‏"عندما يكون المطلوب فتح الحصار عن تعز ولا يتوجه المبعوث إلى صنعاء للضغط من أجل فتح الطرقات بل يأتي إلى عدن فهذا معناه أن المبعوث يريد أن يضغط على الشرعية من أجل التنازل عن هذا الطلب وتمديد الهدنة".  

بدوره، حث الناشط ماهر العبسي في تغريدة عبر تويتر، المجلس الرئاسي بعدم "الرضوخ لضغوط المبعوث الأممي من أجل تمرير مقترح الحوثيين بفتح طرق فرعية".  

وقال "... إما رفع الحصار بالكامل عن ‎تعز وفتح كل الطرق بحسب اتفاق الهدنة وأما ارفضوا تجديد الهدنة هذه هي مطالب الشارع لا تخيبوا آمالنا".  
 

ومع قرب انتهاء الهدنة وتعثر تنفيذ أبرز بنودها، وهو فتح الطرقات، يبرز السؤال حول مدى فرص التمديد للهدنة ورضوخ الحكومة للضغوطات الدولية بالقبول بالحلول المتجزأة على حساب معاناة السكان؟ 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر