مزارعو "البطاط" في قاع "يريم" الخصب مهددون بالإفلاس.. وأبنائهم معرضون لاستقطاب الميليشيا

  "الجفاف، وانعدام الديزل، قصم ظهورنا هذا العام، أكثر من أي وقت مضى.."، تمتم المزارع محمد قاسم، دون أن تفارق عيناه الشاخصتان مزرعته الجدباء، وقد مضى موسم زراعة البطاط دون أن يكون له نصيب منها رغم احتفاظه ببذورها الثمينة، التي باتت الآن عرضة للتلف..
 
سحب كفيه ببطء من على خديه، قبل أن يردف متحسرا: "ما باليد حيلة.. فليس ثمة ما يمكننا القيام به في هذا الوضع المزري؟“..!
 
ليس لدى محمد قاسم- وهو من أبناء مديرية يريم، شمالي محافظة إب- أي مصدر دخل آخر، له وأسرته، غير هذه المزرعة، التي عمل فيها منذ نعومة أظافره. والآن، ها هو بعد أربعة عقود من العمر، يقول لـ "يمن شباب نت": "لا أتذكر أننا قد وصلنا إلى هذا الحال، وهذه الشدّة التي نعيشها اليوم"، مستدركا: "حتى في بداية الحرب، كانت الأمور ميسّرة أفضل مما هي عليه الآن"..!!
 
والسبب في ذلك، كما يقول، يرجع بدرجة رئيسية إلى عدة أسباب متراكبة، بينها وأهمها: "أزمة المشتقات النفطية الأخيرة، التي تراكمت تأثيراتها علينا منذ مطلع العام الجاري، حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه اليوم، حيث باتت الحياة أضيق علينا من ثقب إبره". حسب وصفه.
 
 


"قاع الحقل".. خصوبة وتنوع
 
يعد "قاع الحقل" في مديرية يريم، حيث توجد مزرعة محمد قاسم، واحدًا من أهم القيعان الخصيبة في اليمن، حيث يشتهر بخصوبة تربته وتنوع مزروعاته. وبشكل خاص، يشتهر هذا القاع- الذي يمتد على الطريق الرئيسي الرابط بين محافظة إب والعاصمة صنعاء- بزراعة محاصيل "البطاط" و"القمح"، والتي يتم تصديرها إلى مختلف محافظات الجمهورية.
 
كما تتم زراعة بعض المحاصيل الأخرى، غير القمح والبطاط، منها: الشعير، والذرة الرفيعة (الحمراء والبيضاء)، والذرة الشامية، والخضار (مثل: الطماطم، والبصل، والثوم، والكوبش)، وغيرها من الخضار، والبقوليات (كالعدس، والحلبة)، إضافة إلى الأعلاف (وأهمها القضب)..
 
 وأهم ما يتميز به قاع الحقل في يريم، أنه خالٍ تماما من زراعة نبتة القات. وهو ما يؤهله- وفقا لخبراء في الزراعة- لإنتاج القمح بكميات كبيرة، يمكنها أن تساعد في تغطية عدة محافظات يمنية من هذه المادة، إذا ما تم زراعة مساحات واسعة فيه من هذه المادة، مع تخفيض مساحات زراعة البطاط التي تطغى على مساحات شاسعة وحدّت بشكل كبير من زراعة القمح في هذا الوادي الخصيب.
 
تتم الزراعة في هذا الوادي في العام مرتين فقط؛ نظرًا لمناخ هذه المديرية التي تعتبر من المناخات الباردة جدًا في اليمن، وتحديدا في فصل الشتاء. ويعتمد الأهالي في زراعتهم على الأمطار الموسمية، وكذلك الآبار الارتوازية المنتشرة بشكل كثيف في هذه المديرية، والتي أصبحت عاملا مهمًا للزراعة، وتحديدًا "البطاط " في حال تأخر نزول الأمطار، وسط مخاوف من استنزاف المياه الجوفية نظرا لانتشار أعداد الآبار بأشكال كثيرة جدا، وعدم وجود الرقابة اللازمة لذلك من قبل الجهات المختصة.
 
 
تأثيرات الحرب والجفاف

لم يكن محمد قاسم، سوى واحدا من آلاف المزارعين المتضررين في منطقة "قاع الحقل"، الشهير بالزراعة، خصوصا زراعة البطاط، التي تعتبر هي المحصول الأكثر استثمارا للمزارعين في هذه المنطقة.
 
ولعل هذا الحال، قد لا يختلف كثيرا عن معظم مناطق اليمن الأخرى؛ حيث أدت الحرب، المستمرة في البلاد منذ أكثر من سبع سنوات، إلى تضرر مختلف شرائح المجتمع، وعلى رأسهم المزارعين الذين تعرض معظمهم- وما زالوا- إلى خسائر مالية فادحة، أدت إلى توقف- أو تلف- عدد كبير من المزارع، وقلة المردود في البعض الأخر..!!
 
ويقول المزارع "عبده زيد"، من مديرية يريم أيضا، إنه حين اندلعت الحرب في أواخر مارس/ آذار 2015، تزامن ذلك مع بدء موسم زراعة البطاط؛ الأمر الذي أدى إلى تلف آلاف المزارع بسبب انعدام الديزل، في الوقت الذي شهدت فيه البلاد، من جهة أخرى، جفافا غير مسبوقا في الأمطار.
 
 ويذكر زيد، ضمن حديثه لـ "يمن شباب نت"، قصة غريبة حدثت معه، وعدد من المزارعين في منطقته، في العام 2015، مع بداية اندلاع الحرب؛ فعندما انعدمت مادة الديزل، وشهدت المنطقة جفافا في الأمطار، اضطر عدد من المزارعين- وهو منهم- إلى استخدام "زيت الطباخة" لتشغيل المضخات وسقاية مزارعهم..!! "حيث لم يكن لدينا من خيار سوى هذه الوسيلة لمحاولة إنقاذ مزارعنا من التلف".
 
ومع أن تلك الطريقة قد ساهمت فعلا في انقاذ محاصيلهم الزراعية- كما يؤكد زيد- إلا أنها في النهاية أدت إلى إتلاف عدد من المخضات التابعة للمزارعين، وهو منهم. "لقد اكتشفنا، متأخرين، أن تلك الزيوت لم تكن مناسبة لتشغيل المضخات، لكنها كانت الضرورة لإنقاذ مزارعنا"- يقول زيد.
 
ويضيف: "فمع أهميتها؛ إلا أنها سبّبت لنا خسائر أخرى..، فما جنيناه من عوائد البطاط، صرفناه في صيانة المضخات التالفة نتيجة تشغيلها بزيوت الطباخة.. وهكذا حاولنا أن نخرج مشكلة، لندخل في أخرى"، وفق تعبيره.
 

 

خسائر مضاعفة
 
رغم أن جفاف الأمطار، وانعدام الديزل وارتفاع أسعاره، كانت هي المشاكل الرئيسية الأهم، إلا أنها لم تكن الوحيدة التي تسبّبت بخسائر فادحة طالت المزارعين في قاع الحقل، تحديدا، وفي اليمن عموما. فقد كان للتداعيات الاقتصادية المختلفة التي خلفتها الحرب، تأثيرات إضافية أخرى ساهمت في زيادة الأعباء على المزارعين ومضاعفة خسائرهم، ما أدى إلى ترك العديد من المواطنين مزارعهم لعدم قدرتهم على توفير تكاليف الزراعة والانتاج..!
 
فخلال السنوات الأربع الأخيرة، مُني الكثير من المزارعين بخسائر فادحة إضافية جراء تقلبات الأسعار، والتلاعب بها من قبل الأسواق المركزية في العاصمة صنعاء وعدن ومأرب وتعز..، بما في ذلك خلق سوقين متفاوتين في الأسعار، كنتيجة لفارق سعر العملة، بين مناطق الحكومة الشرعية وبين مناطق ميليشيات الحوثي..!!
 
أدى ذلك إلى حدوث خسائر فادحة للمزارعين، وتعرض بعضهم للاستغلال وإجبارهم على بيع منتجاتهم- في كثير من الأحيان- بأسعار لا تساوي تكاليف الإنتاج- بحسب ما ذكره لـ "يمن شباب نت" مزارعون في مناطق سيطرة الحوثي، فضلوا عدم ذكر اسمائهم.
 
إضافة إلى ما سبق، يشير عدد من المزارعين إلى معاناة أخرى إضافية، لا تقل تأثيرا عن سابقاتها، ساعدت هي الأخرى على مضاعفة خسائر المزارعين في "قاع الحقل" بمديرية يريم أيضا. وتمثل ذلك بقطع الطرقات الرئيسية، لا سيما في تعز، والضالع، ومأرب، وغيرها..، والتي كانت تشكل ممرات هامة وسريعة لنقل المنتوجات الزراعية من يريم إلى عدد من الأسواق الرائجة في بقية المحافظات اليمنية الأخرى، جنوبا..
 
فعلى سبيل المثال، لا الحصر؛ كان المزارعون في مديرية يريم يقومون بتسويق منتوجاتهم إلى مدينة عدن عبر محافظة الضالع، وكانت المسافة نحو ثلاث ساعات فقط؛ لكن بسبب الحرب تم قطع تلك الطريق كليا، الأمر الذي أدى إلى عدم استطاعتهم مواصلة تسويق محصول البطاط إلى عدن، والمحافظات المجاورة لها، والتي كانت تمثل سوقا كبيرا لبيع محصول البطاط القادم من يريم.
 
كما أن قطع الطريق الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز وعدد من مديريات المحافظة الغربية، أدى هو الأخر إلى حصر تسويق المنتوجات الزراعية على الأسواق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في منطقة الحوبان ومحيطها فقط، وعدم تغطية بقية المناطق الأخرى، وهي الأكبر مساحة، نتيجة الحصار المفروض على تعز. وكل هذا ساهم في زيادة أعباء وتكاليف النقل، مقارنة بأسعار البيع التي قد لا تعوض خسائر الإنتاج.
 
 
نتائج كارثية
 
كما أدى شح السيولة النقدية، وعدم قدرة المزارعين على توفير كل ما يلزم لتغطية احتياجات الزراعة ومتطلبات الإنتاج (من: بذور، ومبيدات، وديزل، ومياه...الخ)، أدى إلى لجوء البعض للاقتراض من البنوك التي تعمل على تمويل المشاريع الزراعية، وذلك لتغطية تكاليف الانتاج، رغم شروطها المجحفة، والشُبَه التي تشوبها نظير الفوائد التي تفرضها على المزارعين.
 
وبالنسبة للمزارعين في "قاع الحقل"، بشكل خاص؛ فوفقا لمصادر ذات علاقة ببعضهم، أفادت "يمن شباب نت" أن قلة محصول البطاط خلال السنوات الأخيرة، مع ضعف عمليات النقل والتسويق نتيجة قطع الطرقات؛ عمل على إثقال كاهل عدد كبير من المزارعين، ومثّل لهم أعباء إضافية لم يكونوا يتوقعونها..
 
وهو الأمر الذي أدى- وفقا للمصادر نفسها- إلى عدم قدرة البعض على سداد القروض البنكية في الوقت المناسب؛ مما اضطرهم: إما لبيع سياراتهم، أو بيع أراضيهم، أو تأجيرها لأخرين في أحسن الأحوال، كي يتمكنوا من سداد ما عليهم من قروض مستحقة، أو ديون متراكمة.
 


ويؤكد المزارع أحمد خالد (55 عاما)، على أن "أسعار بيع محصول البطاط، في كثير من الأحيان، لا تغطي تكاليف الإنتاج، فضلا عن الجهد المبذول في سبيل الاعتناء بها منذ ما قبل غرسها، وحتى بيعها".
 
كما أشار، ضمن حديثه لـ "يمن شباب نت"، إلى أن "أسعار المبيدات ارتفعت بشكل جنوني؛ فالعلبة التي كان يشتريها المزارع بثلاثة ألف ريال قبل ثلاث سنوات، مثلا، وصل سعرها العام الماضي إلى أكثر من 20 ألف ريال، وقسّ عليها بقية الأمور، بما في ذلك البذور التي ارتفعت أسعارها أيضا بأشكال خيالية". حسب قوله.
 
ومع هذه الارتفاعات الجنونية في الأسعار "تبقى قيمة ما يتم بيعه من المحصول، في كثير من الأوقات، لا تغطي شيئا من تكاليف الإنتاج"، كما يؤكد خالد، مستدركا: "ومع ذلك إلا أننا نستمر في الزراعة، لأنه ليس لدينا بديل آخر، فلا وظائف لدينا ولا مصدر دخل آخر.. وعليه؛ إما نستمر ونتقبل الوضع كما هو، أو نتوجه إلى الجبهة ونقاتل مع هذا الطرف أو ذاك".
  

تجاهل الحكومة والمنظمات
 
أصبحت معاناة المزارعين اليمنيين، لاسيما في مديرية يريم، واحدة من الأزمات التي تستوجب إخضاعها للنقاشات عبر منصات التواصل الاجتماعي..  
 
وكتب الناشط المجتمعي، هشام هادي- وهو من أبناء يريم- على صفحته بالفيسبوك عن هذه الأزمة التي قال إنها "وصلت ذروتها لدى المزارعين"، والذين أعتبرهم بإنهم من "أكثر الفئات التي دفعت فاتورة كلفة الحرب والحصار وقطع الطرقات".
 
وفي هذا السياق، أشار هادي إلى أن المزارعين، في منطقته، اضطروا في الموسم السابق إلى "اتلاف عشرات الأطنان من محصول البطاط، نتيجة فارق العملة، وعدم القدرة على توفير تكاليف الانتاج، واللجوء إلى القروض وغيرها".
 
وحذر من أن "استمرار الوضع الراهن في البلاد؛ من غلاء الديزل، وفارق العملة، وقطع الطرقات؛ سيزيد من خسارات الموسم القادم، إذا تم التعامل مع الوضع كما تم التعامل معه سابقًا"، في الوقت الذي أبدى فيه استغرابه من حصول كل هذه الأزمات، وهذه المعاناة لدى المزارعين "في ظل تجاهل المنظمات الدولية ذات العلاقة، ناهيك عن التجاهل الحكومي، الذي لم يلتفت لمعاناة هذه الشريحة لتخفيف العبء عنهم".
 
ولتجنب المزيد من الكوارث، دعا المزارعين في مناطق قاع الحقل وفي عموم اليمن، إلى "التوجه نحو زراعة أكبر مساحة ممكنه من محصول القمح والذرة؛ تعاطيًا مع متغيرات الأسواق المحلية والعالمية من جهة، واستمرار الوضع المحلي الراهن من جهة أخرى".
 
 


الزراعة أو جبهات القتال
 
عمليا، هناك من يعتقد بصعوبة تحقيق ذلك على أرض الواقع، خصوصا في ظل الحديث عن وجود مؤامرة تقف وراءها ميليشيات الحوثي تهدف إلى إضعاف الزراعة في مناطق سيطرتها، وذلك حتى يتسنى لها استقطاب أبناء القبائل للقتال في صفوفها، بعد أن يجدوا أنفسهم قد فقدوا مصدر دخلهم الوحيد (الزراعة)..!!
 
والواقع هنا، أن معظم القبائل يعتمد أبناؤها على مهنة الزراعة، وحين تضطرهم الظروف إلى التوقف عن هذه المهنة، فأغلب الظن أنهم سيتركون أبنائهم يذهبون للقتال مع الحوثي لإعالة أنفسهم على الأقل، أو أن أبنائهم سيتسربون من بين أيديهم حين لا يجدون عملا يبقيهم في مزارعهم..!!
 
وذلك ما يؤكده المزارع "م. عباد"، الذي كشف لـ "يمن شباب نت" أن مثل تلك المخاوف هي التي اضطرته مؤخرا للاستمرار في الزراعة، رغم الخسائر الكبيرة التي مني بها في مزرعته..
 
 "لكن الحاجة أولا، ثم تشغيل الأولاد في المزرعة"- كما يقول- هما من فرضا عليه الاستمرارية في عمل لم يعد مجديا، موضحا: "فإذا لم أستمر، فقد لا أجدهم، (يقصد أبنائه)، حيث سيذهبون إلى جبهات القتال"، خصوصا وأن عدد من أفراد أسرته- كما أكد لنا: "قتلوا خلال الحرب مع جماعة الحوثي، وكان السبب هو ترك الزراعة، وعدم وجود عمل".
 
ومثله أيضا، يعتقد (ف.ع.)- وهو أحد التربويين في المديرية، فضّل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية- أن "الانخراط في جبهات القتال" ستكون هي البديل الأقرب للشباب، إذا توقفوا عن العمل في مزارعهم.
 
وفي سياق حديثه لـ "يمن شباب نت"، استعرض (ف.ع.) أمثلة لشباب في منطقته توجهوا إلى جبهات القتال، وخصوصًا مع الحوثيين باعتبار المنطقة واقعة تحت سيطرتهم، حين وجدوا أنفسهم بلا عمل.
 
وللتأكيد على ذلك، أشار إلى أن معظم تلك الحالات، غالبا ما كانت ترتفع نسبتها في فصل الشتاء، أي في الوقت الذي لا يكون فيه زراعة، مقارنة بفصل الصيف والخريف، عندما يحين موعد حصاد البطاط، حيث يعود معظم الشباب إلى قراهم ومزارعهم لممارسة مهنتهم، التي يحصلون من خلالها على عوائد مالية ومصادر دخل تغنيهم- في الغالب- عن الذهاب إلى جبهات القتال.
 
لذلك، دعا التربوي (ف. ع.) المنظمات الدولية إلى "ضرورة دعم المزارعين، كأحد الأسباب الداعمة لعملية السلام في البلاد"، خصوصا في مثل هذه الظروف.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر