إستغلال الهدنة لتكرار سيناريو الحديدة في مأرب.. هل تستعد السعودية والإمارات لتقسيم اليمن؟

يبدو أن "مجلس القيادة الرئاسي" يضع المسمار الاخير في نعش الانتقال الديمقراطي الذي أطاح به الحوثيون في عام 2014، مما يمهد الطريق لمفاوضات أكثر واقعية موجهة نحو الاعتراف بالإقطاعيات الفردية التي تم تشكيلها خلال الحرب، ونحو تقسيم اليمن إلى مناطق نفوذ مستقلة. 

ووفق تقرير مجلة «Inside Arabia» - ترجمة "يمن شباب نت"- فإن قلة هم الذين يعتقدون أن الهدنة ستؤدي إلى أي مفاوضات سياسية جادة، ومع ذلك خلف ضجة الهدنة تكمن اعتبارات أكثر واقعية للأطراف تشير إلى أن الاتفاق يمكن أن يستمر لفترة أطول من محاولات المصالحة السابقة. 

عانى الحوثيون من انتكاسات عسكرية مدوية في حملتهم لمحافظة مأرب اليمنية الغنية بالموارد، وبينما كان يبدو بأن الحوثيين على وشك الانتصار، تراجعت الإمارات عن سياستها في عدم المواجهة معهم في كانون الثاني (يناير) لتندفع إلى مأرب مع حلفائها، مما حول مجرى المعركة ودمر الزخم الساحق لتقدم الحوثيين.   

بالنسبة للحوثيين، لا يمكن أن تكون هناك محادثات جادة دون تأمين مأرب، بدون هذه المحافظة المهمة، سيكون الحكم الذاتي الحصري الذي تسعى إليه الجماعة بلا معنى، حيث سيجدون أنفسهم معتمدين على منافسيهم من أجل تلبية احتياجات السكان الواقعين تحت سيطرتهم الفعلية. 

وقال التقرير "أن هذا الحكم الذاتي الحصري هو السبب الوحيد وراء ترحيب الحوثيين بالهدنة هذا الشهر، إنهم يسعون إلى تكرار استراتيجيتهم لعام 2018 عندما غيروا مسارهم فجأة وقرروا الانخراط في عملية الأمم المتحدة من أجل استعادة السيطرة على الحديدة، وهي مدينة ساحلية كانت على وشك السقوط في أيدي القوات الحكومية". 

كان الحوثيون قادرين على إعادة تجميع صفوفهم، وتقويضهم، وتأمين الحديدة خلال فترة المفاوضات في استوكهولم قبل الشروع في هجوم عسكري على مأرب، وتشير تقارير خرق الهدنة في مأرب إلى أن الحوثيين يسعون للإبقاء على خطوط القتال استعدادًا للهجوم في المستقبل، لذلك من المحتمل أن يستخدم الحوثيون الهدنة مرة أخرى لمجرد إعادة تجميع صفوفهم لشن هجوم كبير آخر. 

في المقابل، الهدنة نفسها ليست مهمة بالنسبة للإمارات مثل عملية تحقيق الهدنة، والإطاحة بنائب الرئيس اليمني السابق علي محسن الأحمر وأعضاء آخرين في الإصلاح، نسخة اليمن من جماعة الإخوان المسلمين، كانت هناك بالفعل إشارات بأن الإمارات عملت على هدنة خاصة بها مع الحوثيين، الذين توقفوا فجأة عن استهداف أبو ظبي بالخطاب التحريضي، والذين توقف المتحدثون باسمهم عن التهديد بالتحرك ضد الإمارات، وبدلاً من ذلك، تركزت تهديدات الحوثيين الآن حصريًا على المملكة العربية السعودية. 

كانت الإمارات على خلاف مع هادي وحكومته منذ سنوات، كان مدى العداء شديدًا لدرجة أن الإمارات العربية المتحدة رفضت تمامًا السماح لحكومة هادي بترسيخ نفسها في العاصمة الجنوبية عدن، وبدلاً من ذلك دعمت الانفصاليين الجنوبيين. 

في عام 2019، عندما سعى نظام هادي لتأكيد سلطته في عدن والاستيلاء على المدينة من الانفصاليين، أرسلت الإمارات طائرات لقصف القوات الحكومية واستعادة سيطرة الانفصاليين الجنوبيين، ثم ساعدت الإمارات افي التوسط في "اتفاق الرياض"، الذي "أضفى الشرعية" الآن على الانفصاليين الجنوبيين داخل حظيرة الحكومة المعترف بها دولياً. 

غالبًا ما يوصف استياء الإمارات العربية المتحدة من حكومة هادي على أنه نابع من كرهها لتأثير الإصلاح على الحكومة، والذي تعبره فرع الإخوان المسلمين في اليمن، الذين تربطهم الإمارات خلافات أيديولوجية قوية في جميع أنحاء المنطقة، ومن خلال إنشاء "مجلس القيادة الرئاسي"، تمكنت الإمارات من نقل صلاحيات هادي إلى هيئة تضم بعض حلفائها الأكثر تبعية بينما تخلت في نفس الوقت عن الأحمر، أحد أبرز المحسوبين على حزب الإصلاح وأكثرهم نفوذاً.

الإمارات أقل اهتماماً بالحوثيين من اهتمامها بالإخوان المسلمين، ولن يكون الاحتفال بالهدنة بقدر الاحتفاء بإنشاء "مجلس القيادة الرئاسي"، الذي سيعيد معايرة ديناميكيات القوة في المنطقة من خلال المفاوضات المتوقع أن تشمل الحوثيين في نهاية المطاف. 

مع إنشاء المجلس الجديد، لن تكون المفاوضات المستقبلية بين حكومة واحدة معترف بها دوليًا والحوثيين، بل بين أمراء الحرب الذين أقاموا إقطاعيات لأنفسهم بدعم من القوى الدولية، من بينها الإمارات والسعودية، أمراء الحرب هؤلاء من بينهم زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وأعضاء المجلس، طارق صالح والزبيدي. 

يشير "مجلس القيادة الرئاسي" إلى الزوال النهائي للتحول الديمقراطي الذي أطاح به الحوثيون في البداية في عام 2014، وعلى النقيض من ذلك فإنه ينذر بمفاوضات أكثر واقعية موجهة نحو الاعتراف بالإقطاعيات الفردية التي قسمت اليمن بالفعل إلى مناطق نفوذ.

وبالتالي، فإن السعودية والإمارات مستعدتان لمحادثات حتمية مع الحوثيين، وحتى لو مُنح الحوثيون حكمًا ذاتيًا في المناطق التي يسيطرون عليها حالياً، تتوقع الرياض وأبو ظبي أن الحوثيين سيتعثرون اقتصاديًا بدون مأرب، وبالتالي يتم احتواؤهم في نطاقهم. 

إذا حصل الانفصاليون على الحكم الذاتي في جنوب اليمن، تتوقع الإمارات والسعودية أن تحصلا على النفوذ الأساسي في تلك المنطقة نظرًا لأنهما سهلا صعود الانفصاليين الجنوبيين إلى السلطة ومقاومة الحكومة المعترف بها دولياً، بعد ذلك إذا تم تشكيل نظام المحاصصة في الحكومة ضمن إطار فيدرالي فضفاض، فمن المرجح أن يتم إضعاف سلطة الحوثيين من خلال إضافة عضو المجلس، طارق صالح.

ومع ذلك، قد تكون توقعات الرياض وأبو ظبي لديناميكيات القوة مضللة، حيث من المعروف أن التحالفات بين الفصائل اليمنية غير ثابتة، علاوة على ذلك لا تزال واشنطن غير راغبة في الضغط على الحوثيين بينما يواصل الرئيس جو بايدن والمسؤولون الأمريكيون الضغط من أجل اتفاق نووي شامل مع إيران، في وقت تستمر فيه العلاقات في التدهور بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين. 

بالنسبة للحوثيين، فإن الضغط الأمريكي على المملكة العربية السعودية والتركيز الإعلامي الحاد على السياسة السعودية في اليمن هو مؤشر على أن البيئة لا تزال مواتية لمواصلة محاولتهم المسلحة السابعة (والأكثر نجاحًا) للاستيلاء على اليمن بالكامل.

حتى إذا أعاد الحوثيون شن هجومهم العسكري بعد الهدنة، فإن الجماعة تتوقع أن ضغط واشنطن على الرياض عبر مواصلة رواية [الولايات المتحدة] حول السعودية باعتبارها الطرف الرئيسي الذي يعرقل أي قرار، سيظل الموضوع المهيمن. 

لا يزال الحوثيون مقتنعين بأنه ليس لديهم ما يخسرونه، وأنهم سيكسبون كل شيء من خلال استمرار الحرب، وإذا تمكنوا من الاستيلاء على مأرب في محاولتهم التالية، فستصبح ديناميكيات القوة أكثر خطورة بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر