المجلس الرئاسي اليمني الجديد.. تساؤلات المرحلة وجدل المهام بين "السلام" و "الحرب"؟

[ أعضاء "مجلس القيادة الرئاسي" اليمني الذي أعلن عن تشكيله في الرياض بموجب "إعلان رئاسي" صادر عن الرئيس هادي في 7 أبريل 2022 ]

 بعد سبع سنوات كاملة من تلبيد شمال المحيط الهندي بالغيوم، قرر التحالف العربي في اليمن (الذي هو السعودية والإمارات أساسا)، إجراء تغيير جوهري- أو كما يبدو ذلك- في إدارة دفة قيادة سفينة الحرب، قاصدا أن يمخر بهم عباب المحيط الملبد بغيوم التعقيدات، التي كان له كفل من خلقها بنفسه.
 
مع نهاية شهر مارس/ آذار الفائت، استدعى التحالف- لكن هذه المرة تحت لافتة مجلس التعاون الخليجي (وهي المرة الأولى التي يتدخل فيها منذ نشوب الأزمة اليمنية في 2015)- كوكتيلا غرائبيا مثيرا من اليمنيين إلى العاصمة السعودية (الرياض) لعقد ما أطلق عليها "المشاورات اليمنية – اليمنية"؛ حُدد عدد المشاركين فيها، ابتداء، بـ 500 فرد، وفقا لتصريحات الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، لينتهي الأمر بحضور 1000 مشاركا، عجت بهم قاعات ودواوين مجلس التعاون الخليجي في الرياض، من 29 مارس/ آذار وحتى 7 أبريل/ نيسان..!!
 
بنظرة سريعة لطبيعة المشاركين، يمكن تخمين أن نسبة 25 % منهم تقريبا، خضعوا لمعايير اختيار متوافقة كثيرا وحجم الحدث؛ معظمهم سياسيون وقادة أحزاب وتيارات وقوى يمنية سياسية وعسكرية وازنة ومؤثرة، مضافا إليهم ممثلي الهيئات الوطنية المختلفة المعنية. ومثلهم تقريبا، أي نسبة 25 % أيضا من المشاركين يُعتقد أنهم خضعوا لمعايير اختيار متوسطة، إلى حد ما، ويشملون: عدد من أصحاب الخبرة المعروفين؛ من سياسيين واقتصاديين وقانونيين وشخصيات أخرى معظمها مؤثرة في المشهد اليمني. بينما يمكن الجزم أن البقية، أي بنسبة 50% من المشاركين، خضعوا لمعايير اختيار انتقائية (تشمل: المعرفة المسبقة، والقرب من أصحاب القرار السعوديين، لا سيما السفير السعودي "محمد آل جابر" واللجنة الخاصة السعودية، إلى جانب الوساطات والعلاقات العامة...الخ)؛ ومعظم هؤلاء من الصحفيين والإعلاميين، بينهم- وربما الكثير منهم- ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، أو ممثلين كوميديين، وهلم جرا...!
 
بالطبع، السياقات الأخيرة، أعلاه، قد لا تكون مهمة بالنسبة للقارئ، إلا من حيث أنها توحي لنا بعشوائية التنظيم والترتيب، وصولا إلى تقرير حقيقة ما قد تعنيه تلك المشاورات في هدفها النهائي المستتر..!!. وهو ما لمسناه حين انقشع الضباب، وتكشفت لنا حقيقة أن هذه المشاورات لم تكن سوى "جسر عبور"، أو- كما يصفها البعض- "غطاءً" لحدث جوهري مهم، تسعى الرياض إلى تحقيقه من وراء كل هذا الضجيج..!!
 
في فجر7 أبريل/ نيسان، اليوم الأخير المحدد للمشاورات، فوجئ الشعب اليمني، المشرئبة أعناقه نحو الرياض، بصدور "إعلانا رئيسيا" ممهورا باسم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أقر بموجبه تشكيل "مجلس قيادة رئاسي" مكون من رئيس للمجلس وسبعة أعضاء، منحه "تفويضا لا رجعة فيه" بكامل صلاحياته الرئاسية.
 
وبحسب الإعلان الرئاسي "لنقل السلطة" هذا، يكون الرئيس اليمني "هادي"، المنتخب شعبيا في فبراير 2012، قد تخلى بموجبه عن صلاحياته الكاملة في رئاسة البلاد لصالح رئيس جديد هو الدكتور "رشاد محمد العليمي"، الذي سماه كرئيس لـ "مجلس القيادة الرئاسي"، وعضوية كل من: اللواء الشيخ/ سلطان علي العرادة (محافظ مأرب)، العميد/ طارق محمد صالح (قائد المقاومة الوطنية)، اللواء عيدروس قاسم الزبيدي (رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي)، اللواء/ عبد الرحمن أبو زرعة (قائد ألوية العمالقة)، اللواء/ فرج سالمين البحسني (محافظ حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية)، عبد الله العليمي باوزير (مدير مكتب الرئيس هادي)، الشيخ/ عثمان حسين مجلي (عضو مجلس نواب، ووزير زراعة سابق).
 
 


تساؤلات المرحلة الجديدة

الآن، وقد حدث ذلك، وبصرف النظر عن الطريقة التي حدث بها، والتي تعددت رواياتها؛ لا يبدو أنه أمامنا من خيارات أخرى مناسبة غير التسليم القسري بهذه النتيجة..!! لذلك؛ ما سنقوم به هنا فقط هو محاولة استشراف تفاصيل هذه المرحلة الجديدة التي رتبت لها المملكة السعودية لليمن، من وراء تشكيل هذا المجلس الرئاسي..
 
والبداية ستكون من إثارة عدد من التساؤلات حول تشكيلة "مجلس القيادة الرئاسي":
 
- هل هو مجلس لقيادة البلاد لما تبقى من المرحلة الانتقالية، كما نص عليه الإعلان الرئاسي؟

- أم أنه "مجلس حرب"، اقتضته الضرورة الآن لحسم المعركة، كما ينظر إليه على نطاق واسع، أخذاً بالاعتبار نوعية غالبية أعضاؤه؟

- أم أن الأمر لا يعدو عن كونه مجرد تقاسم للنفوذ السعودي الاماراتي، ونقل صراع الوكلاء من الميدان الى أعلى مؤسسة يمنية حاكمة؟ 

بداية؛ بالنظر إلى شخصيات هذا المجلس، نجد أن 90% منهم تقريبا مختارين وفقا لمعايير خاصة؛ من حيث الانتماء والولاء قبل كل شيء، ثم ما فرضته مقتضيات الواقع الجديد الذي آلت إليه الحالة السياسية والعسكرية الراهنة. مع أنه قد لا يبدو لكثيرين أن هذه التشكيلة خضعت لمعايير اختيار سياسية توافقية محددة ومنتظمة؛ بل شابتها معايير أخرى فرضتها طبيعة التباينات والتناقضات القائمة على خلفية التصارعات البينية بين/ وداخل/ أطر التحالف والشرعية..!! والأهم- بحسب البعض- أنها معايير لم تُغَّلب فيها المصلحة اليمنية العليا بقدر ما غلبت فيها مصالح دول التحالف.
 
وهذه أراء وتفسيرات خاضعة للخلاف، ويأخذ منه ويرد بقدر توجه وخلفية كل قارئ للمشهد. وسيكون من المهم وضع هذا المجلس الرئاسي الجديد، بتشكيلته وخلفيات شخوصه، موضع البحث والتدقيق وفقا لعدة مسارات تتعلق بمهامه المتوقعة، في ضوء أبرز التحديات والصعوبات التي قد تواجهه لأداء مسئولياته، أو لتنفيذ الأجندة المحددة التي شكل لأجلها..!!
   

المجلس الرئاسي كـ "حل" للخلافات العليا
 
في الواقع؛ ينظر إلى الأمر، من زاوية رئيسية؛ على أن السعودية تقاسمت المجلس الرئاسي الجديد مع حليفتها الإمارات. وهذه الحالة، وإن كانت تتسم بالواقعية السياسية، من حيث أن "القوي هو من يفرض خياراته"؛ إلا أن ثمة من يعتقد بوجود تطورا جديدا هنا، يتمثل بمحاولة نقل صراع تقاسم النفوذ بين الدولتين من المستوى الأفقي على الأرض، إلى المستوى العمودي في أعلى هيئة حاكمة للدولة اليمنية.
 
وهو تطور- في نظر البعض- قد يحمل في طياته رغبة ضمنية في توحيد القرار؛ الخارجي للتحالف ووكلائه، مع الداخلي للشرعية ومؤيديها. وإن صح ذلك، فإنه قد يوحي- من زاوية متفائلة جدا- بوجود رغبة لدى التحالف لحسم المعركة (المعلقة) في اليمن. خصوصا وأن أحد أهم مسببات فشل حسم المعركة، وفقا لمراقبين كثر، يعود إلى إشكالية: انعدام التناغم بين "توجهات" التحالف و"رغبات" الشرعية اليمنية..!!
 
إذ طالما نادى سياسيون يمنيون بضرورة تصحيح مسار العلاقة (المختلة) بين التحالف والشرعية. وفي المقابل أيضا: لطالما شكا قادة وسياسيون في دول التحالف العربي، أو من مؤيديهم في الداخل، من وجود اختلالات كبيرة وكثيرة داخل أطر الشرعية في اليمن، والتي غالبا ما كنت تسند وتعزز من أعلى هيكل النظام (الرئيس هادي)..!
 
والحال هنا؛ أنه وحسما لهذا المشكل، يبدو أن التحالف قرّرَ فجأة- هكذا وبدون استشارة أو تنسيق مع الشرعية- اتخاذ خطوته المتقدمة والجريئة هذه. ذلك أنه وبدلا من خضوع التحالف، وموائمة توجهاته الخاصة مع رغبات الشرعية اليمنية؛ قرر حسم الأمر بطريقة أخرى معاكسة: إخضاع رأس الشرعية له، وليس العكس..!! على اعتبار أن هذه الشرعية- في نظر التحالف- باتت ليس فقط "عاجزة" عن فعل شيء، بل و"معيقة" لتوجهاته ومخططاته..!!
 
يعتقد البعض أن هذا هو ما حدث "باختصار"، في قرارات السابع من أبريل المثيرة للجدل؛ كخيار سهل، بل أفضل وأقل كلفة وأكثر فاعلية، بالنسبة للتحالف، الذي قرر الإمساك بخيوط اللعبة (المعركة) كاملة بين يديه، ليحركها كيف يشاء دون أي معيقات..!!
 
وقد يعتقد البعض- من وجهة نظر أخرى- أن التحالف ربما هدف من وراء ذلك: الانزواء بجسده بعيدا عن المعركة، بإعادتها إلى أصلها لتكون خالصة بين اليمنيين أنفسهم، عبر تشكيل هذا المجلس الرئاسي الجديد، الذي جيء به لإدارة المعركة، كما يعتقد أصحاب هذا الرأي، الذين ينظرون إلى تشكيلة المجلس الرئاسي على أنها تصب أيضا في مصلحة هذا الخيار، إن رغب التحالف، وخصوصا السعودية، في ذلك.
 
ومهما يكن الأمر؛ ما زال سيترتب على هذه الخطوة اتخاذ الكثير من الإجراءات العملية، سياسيا واقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا، وعلى مستويات عدة، داخليا وخارجيا، لفكفكة حزمة العقد التي تراكمت وتكلست بفعل سبع سنوات عجاف من الحرب، وضعت الشرعية في موضع لا يحسد عليه، في حين تنامت القدرات العسكرية للميليشيات الحوثية، المدعومة من إيران، حتى أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا، ليس على الأراضِ اليمنية فحسب، بل وعلى السعودية والإمارات، باستهداف منشئاتهما المدنية والحيوية.
 
 


جدل المهمة: بين "السلام" و"الحرب"
 
 وأما من حيث توصيف طبيعة المجلس الرئاسي، بناء على خلفية وقدرات أعضاؤه، ثمة رأي عام، شبه سائد، أنه أقرب ليكون "مجلس حرب" أكثر منه مجلسا لـ "التفرطة" السياسية والحوار، سعيا وراء سراب أو "سلام زائف" مع ميليشيات ما برحت تُثبت تباعا أن لا ميثاق ولا عهد لها على الدوام..!
 
وبكل سهولة، يمكن إرجاع هذا التوافق السائد إلى حقيقة أن النسبة العظمى من تشكيلة المجلس هم قادة عسكريون خاضوا حروبا مع ميليشيات الحوثي في جبهات مختلفة، أمثال: العميد/ طارق صالح (قائد المقاومة الشعبية)، واللواء/ عيدروس الزبيدي (رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي)، واللواء/ عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي (قائد ألوية العمالقة)، واللواء الشيخ/ سلطان العرادة (محافظ محافظة مأرب، التي عجز الحوثيون على مدى عامين متواصلين من السيطرة عليها)، واللواء فرج البحسني (قائد المنطقة العسكرية الثانية بحضرموت)،.. أضف إلى ذلك أن رئيس مجلس القيادة الجديد، اللواء/ رشاد العليمي، هو نفسه قادم من خلفية أمنية وعسكرية، وشغل مناصب أمنية عليا بينها وزيرا للداخلية مطلع الألفية.  
 
ولعل هذه التشكيلة، المشبعة بالخلفيات القيادية العسكرية الميدانية الخبيرة، تعد أيضا مؤشرا إضافيا على وجود تلك الرغبة (المزعومة) لدى قيادة التحالف في حسم الحرب عسكريا. على أن هذا الحكم يظل بحاجة إلى بعض الوقت لتأكيده أو التخلي عنه، بناء على ما سيتخذ على أرض الواقع خلال الأيام القليلة القادمة.
 
وإن كان الإعلان الرئاسي، الذي تشكل بموجبه هذا المجلس، تجنب الحديث عن الحرب أو حسم المعركة مع الانقلابيين الحوثيين عسكريا، لصالح الحديث عن الحوار لإنهاء الحرب وفرض السلام؛ إلا أن نوعية وخلفية تشكيلة أعضاء المجلس الرئاسي الجديد، كما يذهب الكثيرون، لا يمكن إلا أن تؤكد عكس ذلك تماما. وعليه؛ قد يرى البعض أن مضمون الإعلان الرئاسي، المشار إليه أعلاه (بخصوص تعزيز رغبة الحوار نحو فرض السلام لا الحرب)؛ إنما الهدف منه مخاطبة المجتمع الدولي، الذي يكرس جهوده لإنهاء الحرب في اليمن.
 
ومع ذلك؛ ثمة من يعتقد بعكس الفرضية السابقة (القائلة: إنه "مجلس حرب"، بناء على خلفية غالبية أعضائه العسكرية)..!! إذ يرى هؤلاء أن جمع هذا الكادر القيادي العسكري في تشكيلة المجلس الرئاسي، إنما هو بالأساس أدعى لطمأنة الحوثيين أيضا، للدخول في حوار "السلام"، لا لإثارة مخاوفهم من تكريس الحرب..! وحجة هؤلاء، هنا، أن هذا الجمع العسكري (المنتقى بعناية)، إنما أريد به أن يعكس للحوثيين رسالة جدية مفادها: لقد جمعنا كل الجنرالات العسكريين الميدانيين، المؤثرين، الذين لديهم قوات ضاربة على الأرض، لإدارة عملية الحوار معكم، وبالتالي سيكونون ملزمين بكل ما سيتم التوصل إليه معهم في الحوار.. فماذا تبقى لديكم لتخشونه من أجل فرض السلام؟
  
وما زال أصحاب هذا الرأي، يتمسكون بمنطوق "الإعلان الرئاسي" بخصوص مهمة المجلس الرئاسي الجديد. وفي الواقع؛ أثار هذا النص الكثير من اللغط حول طبيعة مهام المجلس الرئيسية، والحقيقية؛ وما إذا كانت السعودية ترغب فعلا بالتخلص من الحرب بهذه الطريقة السلمية (المُذلة)؟!
 
غير أن المؤشرات والتصريحات اللاحقة- لهذا الإعلان، واللغط الذي أثاره- يمكن النظر إليها على أنها جاءت- في جزء منها- لتقول شيء ما، ربما لتصحح بعض الخطأ فيما فُهم..!! ففي أول خطاب تلفزيوني له، وجهه للشعب اليمني في اليوم التالي على تعيينه، أكد رئيس المجلس الرئاسي الجديد، رشاد العليمي، على أن مجلس القيادة الرئاسي "هو مجلس سلام، الا أنه أيضاً مجلس دفاع وقوة ووحدة صف، مهمته الذود عن سيادة الوطن وحماية المواطنين".
 
هذا بالنسبة للموقف اليمني. وقد أعتبره البعض توضيحا مهما لحسم الجدل الدائر بشأن مهمة المجلس الحقيقية، فيما يتعلق بـ "السلام" و "الحرب".
 
أما الموقف السعودي فقد جاء في اليوم التالي على كلمة رئيس المجلس الرئاسي، العليمي، عن طريق نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، الذي أكد في تغريده له نشرها عبر منصة "تويتر" السبت (9 ابريل) على أن التحالف "سيستمر في دعم المجلس الرئاسي على كافة الأصعدة، بما في ذلك الدعم العسكري لحين الوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة".
 


والحال هنا؛ أنه- وفقا لما سبق من إشارات- يمكن القول إن المجلس الرئاسي هو "مجلس حرب" بالأساس، ويعكس ذلك تشكيلته، التي ما كان لمثلها إلا أن تشكل لغير خوض الحرب وحسمها بدرجة أولى. إلا أن واقع الحال، وتوقيت إنشاء هذا المجلس، (الذي جاء في خضم هدنة لوقف إطلاق النار، كان توصل إليها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، لمدة شهرين، وبدأ سريانها من مطلع شهر رمضان الجاري)؛ هي من فرضت على التحالف تغليب الحديث عن الحوار والتفاوض مع الميليشيات الحوثية للتوصل إلى السلام، كمهمة رئيسية لإنشاء هذا المجلس..
 
ومثل ذلك يعد أمرا طبيعيا تفرضه مقتضيات السياسة. على أن السياسة نفسها قد تقول لنا أيضا إن المجلس الرئاسي فرض عليه أن يمضي وفق مسارين متوازيين في وقت واحد: الانخراط في مفاوضات السلام مع الحوثيين، كمهمة رئيسية، تفرضها الالتزامات القائمة مع المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة لإنهاء الحرب بتكلفة أقل..
 
 والمسار الآخر: الإعداد للحرب، بكل ما يتطلبه ذلك من قرارات وإجراءات عملية وتجهيزات عسكرية. حتى إذا ما انتهت المدة الزمنية اللازمة للتحاور دون تحقيق أية نتائج، ووصلت الأمور إلى طريقها المسدود- كما يحدث دائما- فسيكون الخيار العسكري جاهزا للحسم في الوقت المناسب.
 
وحاليا؛ ثمة توقعات، وإن كانت متواضعة؛ أن تؤتي خطوات السلام أُكلها- هذه المرة على الأقل. ذلك أن الحوثيين لا بد وأن يأخذون في اعتبارهم هذه المتغيرات السياسية الجديدة، في جانب الشرعية، على محمل الجد. وعليه؛ فمن المرجح أن يجعلهم ذلك يفكرون ألف مرة في استغلال فرصة السلام الأخيرة هذه، للنجاة بأنفسهم.. خصوصا إذا ما أدركوا جيدا أن الخيار الأخر، البديل والجاهز، هو خيار الحسم العسكري الذي لن يكون هذه المرة كسابقاتها.
 
 
"توحيد الصف".. الأولوية والتحدي الصعب
 
وحتى تمضي الأمور على النحو المرجو والمأمول، سيكون على رأس مهام المجلس العسكري، والتحالف العربي، خلال فترة الشهرين المتاحة من الهدنة، أولويات حاسمة، أهمها: توحيد الصف الداخلي، وإزالة الخلافات والتباينات بين مختلف المكونات، بما في ذلك: توحيد فصائل الجيش المختلفة والإسراع بدمجها في إطار وزارة الدفاع اليمنية..
 
وقد أكد الإعلان الرئاسي، الصادر عن الرئيس هادي، على أن من مهام مجلس القيادة الرئاسي: "تهيئة الظروف، واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية.."..
 
قبل المضي أكثر في تفصيل هذا المسار، علينا أن نتوقف عند إشكاليتين عميقتين، يعتقد كثيرون أن كان لهما دورا كبيرا في استمرار فشل الجيش الوطني، ومعه التحالف، في حسم الحرب مع الانقلابيين وإطالة أمدها حتى الآن؛ في الوقت الذي منح الميليشيات الحوثية الإرهابية أفضلية في جبهات عسكرية رئيسية، مثل: نهم ومأرب والجوف، وتعز..
 
وأولى تلك الإشكاليات، تمثلت في الانقسامات الداخلية الحادة، الحاصلة في إطار القوى المناهضة للحوثيين (الجيش الوطني، والقوات الأخرى غير النظامية المدعومة من التحالف). أما الإشكالية الثانية، وهي بالأساس مرتبطة بسابقتها؛ فتمثلت في انعدام ثقة التحالف بالجيش الوطني، الذي نظر إليه التحالف على أنه معظمه يتبع قوى معينة داخل إطار الشرعية، ما جعله يتعامل معه بكثير من الشك والريبة، وبالتالي: قليلا من الثقة في تقديم الدعم العسكري المناسب له بالسلاح النوعي والمال، في الوقت الذي حظيت فيه القوات غير النظامية المدعومة من دول في التحالف، بدعم عسكري ولوجستي كبير، بما في ذلك بالسلاح النوعي والمال السخي وكثير من الاهتمام والتدريب..!!
 
وينظر البعض إلى أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، جاء- في جزء رئيسي منه- لحسم هاتين الاشكاليتين. لذلك، فإن مهمة دمج تشكيلات الجيش المختلفة في إطار قيادة واحدة وعقيدة قتالية موحدة، في الوقت الذي تعد فيه واحدة من أهم الأولويات المطلوب العمل عليها سريعا، بموجب نص الإعلان الرئاسي؛ فهي تشكل أيضا واحدة من أكبر التحديات التي ستواجه التحالف العربي، ومن خلفه المجلس الرئاسي الجديد؛ خصوصا وأن ثلاثة من أعضاء هذا المجلس يقودون تشكيلات عسكرية غير نظامية خارج إطار الدولة، مدعومة من قبل دولتي التحالف (السعودية والإمارات).
 
وواقع الحال هنا؛ يقول إنّ تجاوز هذا التحدي بنجاح- على الوجه الذي لا يترك أي ثغرات مستقبلية، قد تؤتى منها وحدة الصف الداخلي مستقبلا- سيستتبعه بالضرورة ثقة للتحالف بهذا الجيش الوطني الجديد، طالما وأنه قد تم لملمة شتاته تحت قيادة موحدة، تؤول في النهاية إلى رئيس المجلس الرئاسي الجديد، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن. وحيث أن هذا الرئيس هو بالأساس قد منح ثقة التحالف باختياره لهذا المنصب، فمن المؤكد أن ذلك سيجعل التحالف لا يتوانى عن دعم الجيش الوطني بالمال والسلاح النوعي الفتاك..
 
وعليه؛ إذا ما انهارت عملية السلام التي يؤسس لها المبعوث الأممي، فلن يعدم الجيش الوطني خيار الحسم العسكري، الذي سيكون هذه المرة حاسما، في ظل هذه الحالة الجديدة من وحدة الصف الداخلي، ودمج كافة تشكيلات الجيش والقوات الأخرى المختلفة تحت قيادة واحدة.
 
وسيكون من المناسب، في هذا المقام، التذكير بما حدث مؤخرا، وتحديدا مطلع العام الجاري، في جبهة شبوة؛ حين تمكنت كتائب محدودة من قوات ألوية العمالقة من تحرير مديريات المحافظة الثلاث التي كانت محتلة من الحوثيون، وذلك في ظرف عشرة أيام فقط. ثم، وبالاشتراك مع وحدات من الجيش الوطني ورجال القبائل، واصلت تحرير بعض المساحات الشرقية والجنوبية من محافظة مأرب في ظرف أيام معدودة.
 
وواقع الحال هنا، أنه: فيما لو أن تلك العملية العسكرية استمرت على زخمها ذاك، لكانت محافظات: مأرب والبيضاء والجوف، بل وربما صنعاء، محررة الآن. غير أن تدارك ذلك، ما يزال ممكنا، بل وسيكون أكثر مواتة لتحقيق ذلك في ظل الجيش الوطني الجديد، الأكثر توحدا وتماسكا وقوة.
 
 
حكم النهايات

  بالنسبة لكثيرين؛ قد تبدو الطريقة التي انتهجها التحالف في استبعاد- والتخلي عن- الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والاستعاضة عنه بتشكيل "مجلس قيادة رئاسي" بديل؛ طريقة قاسية ومذلة، فضلا عما شابها من مخالفات إجرائية وقانونية عديدة.. الخ؛ إلا أن ذلك كله قد أمكن التغاضي عنه، وقدم البعض تنازلات كبيرة مؤلمة، على أمل أن تأتي النتيجة النهائية في مصلحة الشعب اليمني، سواء بالسلم أم بالحرب. وغير ذلك؛ فأن الأمور ستسوء كثيرا، حال ما إذا أتت العواقب على عكس ما هو مأمول.
   
على أن الأمر لن يطول كثيرا لمعرفة نتيجة هذا الاختبار المُرّ، والصعب، الذي قرر التحالف خوضه بكل ثقله، ودون أن تنقصه الجراءة اللازمة للقيام بذلك، وفقا لتلك الطريقة الصادمة والمثيرة للجدل. ومن شأن الأيام القليلة القادمة أن تكشف لنا: الأهداف الحقيقية من وراء أقدام التحالف على هذه الخطوة الجريئة.
 
وعلى ضوء ذلك؛ إما سيفخر المؤيدون، لهذه الخطوات، بموقفهم الذي باعوه مقدما؛ وإما سيرفع المعترضون أصواتهم أكثر وأكثر..!!
 
 
 * مدير التحرير  

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر