رغم تحسن الريال.. ارتفاع الأسعار يُرهق المواطنين في ظل ضعف الرقابة الحكومية (تقرير خاص)

[ ضعف الرقابة الحكومية على التجار يبقي الاسعار مرتفعة رغم تحسن سعر الريال اليمني ]

ما تزال الأسعار مرتفعة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، رغم التحسن الكبير الذي شهدته قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية خلال الأيام الماضية، والتوجيهات الحكومية بفرض رقابة ودعوة التجار لتخفيض الأسعار تماشياً مع تحسن سعر العملة الوطنية.
 
وخلال الأيام الماضية أعلنت عدد من الشركات والمجموعات التجارية تخفيضات لمنتجاتها، لكن كثير من الخدمات والسلع ما تزال أسعارها دون مستوى التحسن الذي شهدته العملة الوطنية؛ حيث ان بعض التخفيضات ما زالت دون المستوى المطلوب، والبعض الاخر مازال بأسعار مرتفعة دون تخفيض.
 
ومنذ إعلان تعيين قيادة جديدة للبنك المركزي مطلع سبتمبر الجاري، شهد الريال اليمني تحسناً كبيراً حيث وصل سعر الدولار 799 ريال حتى مساء الاحد 26 ديسمبر/ كانون أول 2021، ومازال قابل للتحسن خلال الأيام القادمة في ظل ترقب حصول البنك على وديعة مالية.
 
وخلال الشهرين الماضيين، سجل الريال اليمني تراجعًا تاريخيًا إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 1700 ريال يمني، وهو ما انعكس على أسعار السلع الأساسية وكافة الخدمات، والتي ظلت ترتفع بشكل جنوني وتسببت بغليان في الشارع حيث خرج المواطنون في مظاهرات حاشدة في عدة محافظات.
 


الأسعار ما زالت دون المستوى المطلوب
 
ويشكو المواطنون في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية من عدم انخفاض الأسعار بما يتناسب مع تحسن سعر العملة الوطنية، وسط مطالبات شعبية للسلطات بالقيام بدورها في ضبط التُجار المخالفين والمتلاعبين بالأسعار، وتفعيل دور الرقابة بشكل متواصل، وعدم الاكتفاء بالتوجيهات والدعوات فقط.
 
يقول الموظف الحكومي محمد بجاش، إن المعاناة تتفاقم يوما بعد آخر في ظل استمرار الحرب وعدم وضع حلول جذرية للأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة العملة.
 
وأضاف لـ"يمن شباب نت"، أنه منذ أشهر أصبح عاجزًا عن شراء بعض احتياجات أسرته، فالراتب الذي أتقاضاه 70 ألف ريال، وهذا المبلغ لم يعد يكفي إلا لإيجار المنزل (30 ألف ريال) وكيس الدقيق (50 كليو غرام) الذي تجاوز سعره 46 ألف ريال.
 
ولفت إلى أن "أي زيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية تضاعف معاناته خصوصًا بعد توقف المساعدات الإنسانية التي كانت تغنيه عن شراء أهم السلع الرئيسية كالقمح وزيت الطبخ".
 
منذ مطلع العام الجاري، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في مناطق سيطرة الحكومة لأكثر من 90 بالمئة، وفق الأمم المتحدة التي تحذر بين فترة وأخرى من مجاعة وشكية تهدد حياة خمسة ملايين يمنيًا باتوا يعيشون على بعد خطوة منها.
 
وتشير دراسة استقصائية أجراها المجلس النرويجي للاجئين في جنوب اليمن ونشرها مطلع ديسمبر الجاري، إلى أن أسرة واحدة تقريبًا من بين كل أسرتين من الأسر الأكثر ضعفاً مسبقا قد خفضت مؤخرًا عدد الوجبات اليومية لأنها لم تعد قادرة على تحمل تكاليفها.
 


التُجار الفُجار

وفقد المواطن اليمني ثلثي دخلة نتيجة غياب فرص العمل وارتفاع التضخم وانهيار العملة وارتفاع نسبة الفقر إلى ما يقرب من 70 بالمئة، في بلد يستورد قرابة 90 بالمئة مما يستهلكه.
 
يقول سعيد كامل - وهو عامل بالأجر اليومي بمدينة تعز - إن "تغيير قيادة البنك المركزي والحديث عن وديعة سعودية فاستبشرنا بذلك خيرا خصوصًا بعد أن لمسنا أثرها في التحسن النسبي لسعر الريال أمام الدولار لكن استمرار زيادة أسعار المواد الغذائية يشعرني بخيبة أمل كبيرة".
وفي السادس من ديسمبر الجاري، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي، قرارا قضى بتشكيل مجلس إدارة جديد للبنك المركزي، بتعيين أحمد بن أحمد غالب المعبقي محافظا للبنك، ومحمد عمر باناجة نائبا له، بالإضافة إلى تعيين 5 أعضاء في مجلس إدارة البنك.
 
ويضيف لـ"يمن شباب نت": "عندما تذهب للتاجر لشراء بعض الاحتياجات يباشرك فورًا بآلته الحاسبة لحساب فرق الصرف وعندما تطلب سلعة ما لشرائها يرد عليك أن قيمتها بالريال السعودي لم يعودوا يتعاملوا بالريال اليمني".
 
ويتابع: "غياب فرص العمل وتدني الأجر اليومي وعدم مراقبة التجار وضبط الأسعار يجعل المواطن البسيط والعامل بالأجر اليومي أمام تحدي حقيقي وخطر يهدد حياته".
 
بدوره يبرر سيف أحمد، - تاجر مواد استهلاكية - عدم تراجع أسعار السلع بأنه عندما اشتراها كان سعر الدولار الواحد 1600 ريالًا يمنيًا بينما الان أصبحت قيمته اقل من النصف تقريباً، في مقارنة يعتبرها اقتصاديون غير عادلة.
 
وكان أحمد يتحدث لـ"يمن شباب نت"، وهو يعد رزمة من النقود وعلى وجهة تبدو ملامح الغضب قائلًا: "اشتريت بسعر مرتفع واليوم يريدون منّا نبيع بخسارة.. هذا مش عدل".
 
وانتشرت خلال اليومين الماضيين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت وسم #التجار_الفجار، للمطالبة بخفض الأسعار تماشيًا مع تحسن سعر صرف العملة المحلية، وضبط التُجار المخالفين.
 
ويرى كثير من المواطنين، ان مبرر التجار في عدم خفض المنتجات لا يكون ذاته عندما ينهار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، حيث لا يتحدثون للمستهلكين عن مخازن البضائع الممتلئة والتي اشتروها بسعر أقل، حيث يسارعون الى رفع الأسعار بشكل مستمر دون قياس ذلك على الأسعار التي اشتروا بها المنتجات.
 

الجشع وضعف الرقابة

يرجع ارتفاع أسعار السلع على رغم من تحسن قيمة الريال اليمني بشكل كبير إلى "غياب الرقابة الحكومية على الأسواق التموينية والتجار وكبار المستوردين، وضعف وهشاشة المؤسسات الحكومية الرقابية" وفق حديث للصحفي الاقتصادي وفيق صالح لـ"يمن شباب نت".
 
ومن ضمن الأسباب كذلك، بحسب صالح "الجشع الذي يسيطر على التجار والمستوردين بشكل عام، دون مراعاة ظروف الشعب اليمني، وتراجع أسعار الصرف".
 
وقال إنه "عندما يكون هناك صعود للعملات الأجنبية يسارع التجار إلى رفع الأسعار على الرغم من أن البضائع الخاصة بهم يكون قد مر على شراءها وتخزينها فترة طويلة، وهو ما يعكس غياب الضمير والمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية لدى هؤلاء التجار".
 
وحول الحلول والإجراءات المقترحة، أوضح صالح أن على "الحكومة تفعيل الدور الرقابي لها، والتنسيق مع كافة الجهات المعنية والأجهزة الأمنية، في ضبط الأسعار وإعلان قائمة موحدة بكافة أسعار السلع والمواد الغذائية، وفق سعر الصرف الموجود في السوق، واتخاذ الإجراءات العقابية والقانونية ضد كافة المخالفين من التجار".
 


تحركات حكومية

ومع استمرار المطالبات الشعبية والتظاهرات الإلكترونية المنددة بارتفاع الأسعار، أعلنت السلطات المحلية في عدد من المحافظات عن إجراءات ضد التُجار، وأقرت السلطة المحلية بمأرب، اعتماد قائمة موحدة بأسعار كافة السلع والمنتجات وتحديثها بصورة يومية وفق المتغيرات المستمرة في قيمة العملة الوطنية.
 
وأعلنت مكاتب الصناعة والتجارة في محافظات تعز وعدن ولحج وشبوة بحملات ميدانية لإلزام الشركات والتجار والموردين بتخفيض الاسعار وضبط المخالفين وإحالتهم للمسألة القانونية.
 
وأعلنت وزارة التجارة والسلطة المحلية بعدن اغلاق محلات تجارية بمديرية الشيخ عثمان، لمخالفتها قرار تخفيض أسعار السلع الأساسية بنسبة 46%، وإحالة مُلاكها إلى نيابة الصناعة تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
 
في السياق، قال وزير الصناعة والتجارة في الحكومة الشرعية محمد الأشول، إن الأيام القادمة ستشهد انفراجه وشيكة في الوضع الاقتصادي بالمحافظات المحررة، داعيا التجار إلى التجاوب مع المتغيرات وتخفيض الأسعار.
 
وأوضح الأشول -في تصريح نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)- أن التعافي التدريجي للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، يعد بمثابة مؤشر إيجابي، لافتًا إلى أن وزارته والحكومة حريصتان على تجاوز كافة الصعوبات وتنفيذ حزمة من الإجراءات الممكنة لتلافي الانهيار المتسارع للعملة المحلية.
 
من جانبه، كشف رئيس الوزراء، معين عبد الملك، عن تلقي حكومته رسائل دعم قوية من السعودية ستدعم الاستقرار الاقتصادي، وقال: "إن رسائل الدعم القوية والإيجابية التي تلقتها الحكومة مؤخراً، ستنعكس بقوة على إسناد جهود الحكومة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي وتخفيف معاناة الشعب اليمني"، بحسب ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط".
 
ويشهد اليمن منذ نحو 7 سنوات حربا مستمرة، والتي أدت إلى خسارة اقتصاد البلاد 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات، وفق الأمم المتحدة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر