"انسحابات الحديدة".. كيف يمكن أن تساهم بارتفاع وتيرة التهريب للحوثيين وتهديد الملاحة الدولية؟

[ شحنة أسلحة صادرتها البحرية الامريكية في بحر العرب مايو 2021، كانت في طريقها إلى اليمن (AP) ]

لم تنتهِ الآثار السلبية لانسحابات القوات المشتركة من مناطق واسعة في الحديدة (غرب اليمن)، مطلع نوفمبر الماضي، عند السيطرة الميدانية لمليشيا الحوثي على تلك المناطق وما تبعها من آثار إنسانية كارثية، بل ستتعدى أضرارها على الأمن البحري وأمن مضيق باب المندب كما سيساهم ذلك في ازدياد عملية تهريب الأسلحة إلى الحوثيين.
 
لم يكن مفهوماً عند الكثيرين حدوث تلك الانسحابات (التي تمت بتوجيه من التحالف ضمن ما سمي بإعادة التموضع) من مساحات شاسعة في الشريط الساحلي للبحر الأحمر، في الوقت الذي يحذر فيه المجتمع الدولي من خطر تهريب السلاح الإيراني للحوثيين والتهديد الذي تشكله المليشيا على أمن الملاحة الدولية وباب المندب.
 
وفي أحدث موقف دولي حذّرت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان سفيرتها في الأمم المتحدة "ليندا توماس جرينفيلد" الثلاثاء 14 ديسمبر الجاري، من زعزعة واستقرار الملاحة الدولية في اليمن والمنطقة، في ظل استمرار تزويد إيران وكلائها في اليمن (الحوثيون) بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.
 
وقالت، خلال إحاطة لها أمام جلسة مجلس الأمن المفتوحة بشأن الحالة في (الشرق الأوسط)؛ إن الحوثيين نفذوا ضربات متطورة بشكل متزايد في عمق المملكة العربية السعودية، وفي المدن اليمنية المكتظة بالسكان بسبب إيران.
 
تحذير واشنطن جاء بعد أسبوع من إعلان وزارة العدل الأمريكية، عن مصادرة ناجحة لدفعتين كبيرتين للأسلحة الإيرانية، بما في ذلك 171 صاروخا نوع أرض- جو، وثمانية صواريخ مضادة للدبابات، كانت في طريقها للحوثيين، بالإضافة إلى ما يقرب من 1.1 مليون برميل من المنتجات البترولية الإيرانية- وفقا لبيان الوزارة الأمريكية.


تسهيل عملية التهريب

ويرى المحلل العسكري العقيد عبد الباسط البحر أن "انسحاب القوات المشتركة (مدعومة إماراتيا)، أو إعادة الانتشار أو التموضع أو سمه ما شئت، من ساحل الحديدة، زاد المساحة التي يعمل ويتحرك وينشط فيها العدو الحوثي على الساحل وبصورة مباشرة".
 
وأضاف في حديث خاص لـ"يمن شباب نت"، أن هذا يساعد على وصول المهربات، ومنها الأسلحة المهربة، إلى الحوثي بصورة أسرع وأقل تعقيدا، ودون الحاجة إلى تهريب داخلي من السواحل التي كانت تسيطر عليها قوات تتبع التحالف مباشرة..
 
وعليه؛ أرجع البحر المسئولية على التحالف في أي تهريب قد يحدث عبر البحر في تلك المنطقة، باعتبار أنه مع بداية الحرب والمواجهات مع الحوثيين أصبحت مسؤولية تأمين السواحل والاجواء اليمنية، من مسؤوليته بصورة كاملة بحكم القرارات الدولية ذات الصلة.
 
وأوضح أن "السواحل اليمنية قريبة جدا من المياه الإقليمية التي تتحرك السفن الدولية فيها بحرية تامة، ما يساعد على سهولة النقل منها إلى السواحل اليمنية بصورة سريعة عن طريق قوارب صغيرة، ولذلك فإن أي تهريب يعتبر اختراقا فعليا لمنظومة الحماية البحرية التي تفرضها دول التحالف (...)".
 

منافذ بحرية بلا رقابة
 
ويرى العقيد البحر أيضا أن "التهريب الذي يصل الحوثيين، أو ذلك الذي يتم عبر الساحل في البحر، يتم بإرادة أو تحت عين التحالف والدول الكبرى لأسباب تتعلق بمصالح تلك الدول".
 
وأضاف، في سياق حديثه لـ "يمن شباب نت"، أنه "في حال وجود الرغبة والنية الحقيقة لدى التحالف؛ فإنه، والمجتمع الدولي، قادران على ضبط أي تهريب، صغيرا كان أم كبيرا، فلديهم القدرات والامكانيات المطلوبة لذلك".
 
واستدرك: "لكن المصالح والأجندات المتشابكة والمتداخلة والمتباينة لهذه الدول، تجعل بعضها هي الراعية الحقيقية للتهريب؛ بل ولإطالة أمد الحرب (...)، ولذلك يرى البعض أن التهريب سيستمر حتى لا ينتهي الحوثي قبل تحقيق مصالحهم".
 
ويعتقد البحر أيضا أنه "لو كان التحالف، أو المجتمع الدولي، يعلمان أن التهريب، أو الوجود الحوثي والإيراني بالقرب من هذه السواحل، سيضر بمصالحهم في باب المندب، لقطعوا يد إيران أمس قبل اليوم"، مضيفا: "لكن، وللأسف، يبدو أن هناك سوء تقدير للخطر والتهديد الإيراني وأداته، مليشيا الحوثي، أو أن هناك حسابات أخرى نجهلها ولانعلمها لدى تلك الأطراف".
 
ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحديدة الدكتور فيصل الحذيفي، الذي يرى- في تعليقه لـ"يمن شباب نت" حول هذا الأمر- أن تهريب السلاح للحوثيين "هو تهريب مبرمج من الدول المتدخلة في اليمن؛ سواء بشكل مباشر كدول التحالف، أم غير مباشر من الرباعية الممسكة بزمام ضبط تدفق السلاح أو منعه لإبقاء الحرب مشتعلة واستمرار التدخل".
 


تعزيز الحماية الدولية
 
ويتوقع الدكتور الحذيفي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن "تكون تلك الانسحابات، التي بدأها التحالف في نوفمبر الماضي، قد تمت بإيعاز من هذه الدول لكي تصبح تحت الحماية الدولية لمضيق باب المندب مباشرة، تحت ذريعة التهديد الإيراني الحوثي".
 
وهو إذ أعتبر- مجددا- أن "تلك الانسحابات "تمت بتوافقات دولية مع دول التحالف، أو برغبة منها، لتتولى الحماية بنفسها، وتمكين الحوثيين من الظهور بشكل عدواني يستوجب تدخل الحماية، والتعلل بها"، قال إن ما تم الكشف عنه مؤخرا من ضبط سفن أسلحة إيرانية وناقلات نفط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مهربة للحوثيين، يأتي في إطار "ثبوت فاعلية الاشراف الدولي على الممر الدولي ونجاعته".
 
واستبعد الحذيفي أن تكون تلك الانسحابات جاءت نتيجة للتفاهمات الإيرانية الإماراتية "باعتبار أنهما لا تملكان القرار في هذا الشأن"، فالانسحابات- كما يعتقد: "متصلة بحسابات الدول الكبرى، خصوصا المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، والحيلولة دون أي تدخل صيني روسي".
 
ونوه الأكاديمي السياسي اليمني إلى أن "أمن الشريط الساحلي لليمن، مرهونا بأمن مضيق باب المندب، كممر دولي تحرص واشنطن ولندن على إبقائه ضمن هذه الصفة الدولية دون منح الدول المطلة أي مجال للتحكم أو التدخل فيه".


خطر مشترك ضد السعودية ومصر
 
إلى ذلك، يرى مراقبون أن مصر والسعودية سيكونان أكثر الدول تأثراً بمخاطر سيطرة مليشيا الحوثي على مساحات إضافية في ساحل الحديدة، بما يحمله ذلك من تحديات أمنية على أمن حركة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب الدولي؛ باعتبار الأولى (مصر) لديها قناة السويس التي يمر عبرها ثلث حجم التجارة الدولية، أما السعودية فبإعتبارها أكبر دولة مصدرة للنفط.
 
وفي هذا السياق يرى الكاتب الصحفي اليمني فيصل الصفواني، أن "انسحاب القوات المشتركة من الحديدة، مكّن إيران من إيجاد موطئ قدم لها على شواطئ البحر الأحمر، وعلى بعد عدة أميال من الخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية".
 
وعلى هذا الأساس، يعتقد الصفواني، ضمن حديثه لـ "يمن شباب نت"، أن إيران "ستعمد- عبر ذراعها الحوثي- إلى تهديد الملاحة الدولية في البحر الاحمر، واستغلال الحديدة لإعداد الزوارق المفخخة".
 


وإذ يلفت الصفواني إلى أن الجهود الدولية في حماية الملاحة البحرية "لا تخرج عن طابع المناورات التي اعتدناها في المواقف الدولية في التعامل مع الميليشيا الحوثية"، أشار إلى أن الدور المصري أيضا "مازال في أطواره العادية؛ رغم أن أمن البحر الأحمر يمثل أولية ملحة جدا للقيادة المصرية، ويرتبط باستراتيجياتها الأمنية للدولة ومصالحها الاقتصادية".
 
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، أكد قبل أيام على أن "أمن اليمن واستقراره يعدان جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة"، كما شدد على رفض بلاده القاطع لاستخدام الأراضي اليمنية "كمنصة لتهديد أمن السعودية أو أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر"، وفقا لما جاء في البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية في 22 نوفمبر/ تشرين ثاني الفائت، عقب لقائه بالمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.

واستشعاراً للخطر المشترك الذي يهدد أمن البلدين، اتفقت مصر والسعودية، الخميس 16 ديسمبر 2021م، على التصدي لأية محاولات مساس بأمن وسلامة الملاحة في الخليج العربي وباب المندب والبحر الأحمر.
 
وأدان البلدان، عقب مباحثات أجراها وزير الخارجية المصري ونظيره السعودي في بيان لوزارة الخارجية المصرية: "محاولات المساس بأمن وسلامة الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر"، وأكدا على أهمية "ضمان حرية الملاحة، وضرورة التصدي لأية محاولات تمثل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين". وتوافق البلدان على "أهمية استمرار التنسيق والتشاور السياسي لمواجهة التحديات في المنطقة، في ضوء مكانتهما المحورية ومسؤولياتهما تجاه أمنها واستقرارها"، حسب البيان ذاته.

وبهذا الخصوص، يرى المحلل العسكري العقيد عبد الباسط البحر، أن "باب المندب مهم جدا لمصر؛ بل ضمن مصالحها الحيوية ونطاق الأمن القومي لها، فثلث التجارة العالمية تمر منه، ما يعني مرورها بقناة السويس التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري بصورة كبيرة".
 
واضاف: "يعتقد البعض أن مصر لا يمكن أن تظل صامتة إذا وجدت أي تهديد حقيقي على الملاحة البحرية والتجارة الدولية في باب المندب؛ ولذلك نرى لها تحرك ملحوظ في الفترة الأخيرة لدى الحكومة اليمنية الشرعية، ولدى دول التحالف لإبقاء باب المندب آمن من أي تهديد تتخوف منه الحكومة المصرية!!".
 
وتوقع البحر أن يكون لمصر دورا بالتعاون مع الحكومة الشرعية على تأمين منفذ باب المندب..، لكنه شدد أيضا على أهمية وجود الحكومة الشرعية "بصورة حقيقية، وبأدوات ميدانية وعملية في هذه المنطقة الحساسة من العالم".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر