انسحاب القوات المشتركة من الساحل الغربي.. ماهي التداعيات والتأثيرات؟ (تقرير خاص)

[ مدنيون يفرون من المناطق جنوب الحديدة التي انسحبت منها القوات المشتركة ]

على نحو مفاجئ؛ انسحبت ما تسمى "القوات المشتركة" من مواقعها في الساحل الغربي لليمن بدون سابق إنذار بعد ثلاث سنوات من السيطرة عليها إثر معارك طاحنة مع الحوثي عام 2018، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن أسباب هذا الانسحاب وتداعياته.
 
ليلة الحادي عشر من نوفمبر الجاري، بدأت ألوية من العمالقة والمقاومة التهامية، ومعها المقاومة الوطنية (يقودها طارق صالح)، والتي تنضوي جميعها تحت أسم "القوات المشتركة" في الساحل الغربي، المدعومة إماراتيًا، بالانسحاب الأحادي وبشكل غامض من مناطق واسعة جنوبي محافظة الحديدة، بينها مواقع استراتيجية تقع على خطوط التماس مع الحوثيين.
 
والقوات المشتركة هي عبارة عن كيان عسكري يضم عشرات الألوية، تشكلت منتصف 2019 بقيادة ضابط إماراتي يُدعى أبو عمر، قبل أن تسلم إلى اللواء اليمني الركن هيثم قاسم طاهر، لكن طارق صالح -ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقائد المقاومة الوطنية التي أنشأتها الإمارات- برز مؤخرا كقائد عملياتي لها.

وجاءت هذه الخطوة (الانسحاب) على وقع معارك هي الأعنف منذ بدء الحرب في البلاد قبل سبعة أعوام، تشهدها محافظة مأرب (شمال شرق) إثر هجوم واسع شنته مليشيات الحوثي خلال الشهرين الأخيرين بهدف السيطرة على المحافظة الغنية بالنفط، لكن محاولاتها باءت بالفشل نتيجة مقاومة الجيش الوطني والقبائل.
 
وكانت ميليشيات الحوثي تسيطر على كامل محافظة الحديدة منذ انقلابها على السلطة الشرعية عام 2014، إلا أن قوات العمالقة الجنوبية، ومعها قوات تهامية، شنت عملية عسكرية منتصف العام 2018، وتمكنت من تحرير مناطق واسعة جنوب وشرق المحافظة الساحلية، وتقدمت إلى وسط المدينة مع اقتراب نهاية العام نفسه.

وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، توصلت الحكومة اليمنية والحوثيين، إثر مشاورات جرت في السويد، إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بمحافظة الحديدة الساحلية، وانسحاب قوات الطرفين إلى خارج المدينة ومينائها الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وحتى قبل الانسحاب الأخير في الساحل الغربي، كانت مليشيات الحوثي تسيطر على مدينة الحديدة، إضافة إلى مينائها الاستراتيجي الذي يحمل اسم المدينة ذاتها، فيما تسيطر القوات المشتركة على مداخل المدينة من الجهتين الجنوبية والشرقية، بعد تنفيذ جزء من عملية إعادة انتشار القوات بموجب اتفاق السويد (اتفاق ستوكهولم)
 



تقدم دون قتال

خطوة الانسحاب الأحادي الأخيرة، دفعت الحوثيين للتقدم والسيطرة على مدينة الصالح ومنطقة كيلو 16 وكيلو 8، وصولا إلى مركز مديرية الدريهمي ومنطقة الجاح في مديرية بيت الفقيه وواصلت تقدمها إلى مديرية التحيتا الاستراتيجية، حيث خاضت هناك معارك ضارية وفق ثلاثة مصادر أفادت لـ"يمن شباب نت".

وقالت بعض المصادر إن الحوثيون سيطروا على تلك المناطق دون قتال بعد أن انسحبت بعض القوات المشتركة إلى مدينة الخوخة جنوبي الحديدة، ومديرية المخا التابعة لمحافظة تعز والبعض الآخر انسحب إلى مدينة عدن.
 
وأشارت إلى أن مواجهات عنيفة تدور حاليًا بين الحوثيين وقوات المقاومة التهامية في منطقة الحيمة أولى مديريات الخوخة، لافتةً إلى أن التطورات الأخيرة أدت إلى موجة نزوح واسعة لعشرات الأسر بالتزامن مع حملة اعتقالات للحوثيين ضد مناوئيهم من السكان.
 
 
"اتفاق ستوكهولم" المبرر

ووسط غموض كبير حول ما حدث، بررت القوات المشتركة خطوة انسحابها، أنها جاءت تنفيذا لاتفاق "ستوكهولم" وذلك من أجل تحركها لدعم جبهات أخرى لمواجهة الحوثي، بعيدا عن الاتفاق.
 
واضافت في بيان لها مساء الجمعة (12 نوفمبر الجاري)، أن "المناطق التي تم إخلاؤها محكومة باتفاق دولي (في إشارة إلى اتفاق ستوكهولم)، والتي يبقيها مناطق منزوعة السلاح وآمنة للمدنيين".
 
وأوضحت أن "هذا القرار جزء من المعركة الوطنية، وفي ضوء خطة إعادة الانتشار المحددة في اتفاق (ستوكهولم)، الذي تتمسك الحكومة الشرعية بتنفيذه، بالرغم من انتهاكات مليشيات الحوثي له، وما زالت مستمرة في نسفه حتى اليوم".
 
وتابعت "لم تُعط القوات المشتركة الضوء الأخضر لتحرير مدينة الحديدة، وتم حرمانها من تحقيق هدف استراتيجي لليمن والأمن القومي العربي، كان من شأنه أن يسرع من إنهاء المليشيات الحوثية".
 


غياب التنسيق

عقب بيان القوات المشتركة بساعات، نفى الفريق الحكومي بلجنة التنسيق الخاصة بإعادة الانتشار بموجب اتفاق ستوكهولم في الحديدة، علمه بما حدث. وقال إن "ما يجري حاليا في الساحل الغربي من إعادة انتشار للقوات يتم دون معرفتنا ودون أي تنسيق مسبق معنا".
 
وأضاف في بيان له، الجمعة (12 نوفمبر)، أن "إجراءات إعادة الانتشار يفترض أن تتم بالتنسيق والتفاهم مع بعثة الأمم المتحدة في الحديدة عبر الفريق الحكومي والتي لم تكن هي الأخرى في الصورة".
 
لكن الفريق أعتبر في بيانه أن "أي تقدم للحوثيين في مناطق سيطرة الشرعية بالحديدة، تحت أي ظرف، مخالفة صريحة لروح ونصوص اتفاق ستوكهولم يستدعى موقفا واضحا وصريحا من المجتمع الدولي تجاهه".
 
بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، هي الأخرى أكدت أنه "لم يكن لديها أي علم مسبق بتلك التحركات"، وقالت في بيان لها، صدر مساء الجمعة أيضا، إنها "تقوم بالتنسيق ما بين الأطراف للتوصل إلى الحقائق".
 
وتأسست بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، في التاسع عشر من شهر يناير عام 2018، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2452، في إطار تنفيذ بنود اتفاق ستوكهولم؛ إلا أن عمل البعثة الأممية توقف، ويكاد يكون مجمدا، منذ أغسطس 2020، بعد إعلان الحكومة انسحابها من لجنة إعادة الانتشار على خلفية مقتل أحد أعضائها الضباط بنيران الحوثيين.
 

تداعيات سلبية

المحلل السياسي اليمني، الأكاديمي نبيل الشرجبي يرى أن انسحاب القوات المشتركة جاء في ظل استمرار ما أسماه "صراع عض الأصابع بين أطراف التحالف والحكومة الشرعية لابتزازها والحصول على تنازلات هامة وخطيرة تمس الأمن القومي والموقع الجيوسياسي اليمني"، حد قوله.
 
وأضاف في تصريح لـ"يمن شباب نت"، أن "ذلك الطرف في التحالف يستخدم أدوات وسلوكيات خشنة جدًا ومميته للحصول على أطماعه، كما أنها تريد أن ترسم خارطة القوي السياسية المؤثرة والباقية والخاسرة في الساحة اليمنية".
 
ووفق الشرجبي فإن "التشظيات التي حصل عام 2011 بين القوى السياسية اليمنية، مازالت حتى الآن تعمل سلبيًا في كافة الاتجاهات والقوى الفاعلة".
 
وبشأن تبريرات القوات المشتركة حول انسحابها، قال إن "البيان حمل بيع الوهم بأن هناك معركة أخرى فاصلة هامة دفعت لذلك الانسحاب"، معتبرا إعلان الحكومة عدم معرفتها بالأمر، بأنها "خطوة توحي أنه لا توجد أي معركة هامة بحسب ما روج لها بيان قوات طارق صالح".
 
أما بالنسبة لتداعيات ذلك الانسحابات، حذر من أنها "سوف تنصب بشكل تداعيات سلبية جدا في مشهد الصراع في ساحة مارب وتعز تحديدا".
 


تهديد وجودي

وأثار انسحاب القوات المشتركة استياءً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر ناشطون على صفحاتها تلك الخطوة، بأنها تشكل "تهديدا وجوديا" للحكومة.
 
وقال المحلل العسكري علي الذهب في تغريدات على صفحته بموقع "تويتر"، رصدها "يمن شباب نت": "سقط اتفاق ستوكهولم، وقريبًا سيسقط، تماماً، اتفاق الرياض".
 
وأضاف أن "أمام قوات الحكومة في شبوة وأبين، فرص محدودة الآن، وستتضاءل كلما تقادم الوقت"، مشيرًا إلى أن "التهديد الوجودي الذي يواجه أطرافًا في هذه الحكومة، بات أكثر من أي وقت مضى"، واصفا ذلك التهديد بأنه "تهديدا متعدد المصدر والقوة، فضلا عن الضعف الكامن فيها".

الصحفي عبدالعزيز المجيدي، ربط تراجع القوات المشتركة في الحديدة بإعادة نشر قوات طارق صالح في مناطق جنوب تعز منتصف أكتوبر الفائت. في إشارة إلى ظهور طارق في مديريتي الوازعية وموزع في ريف تعز الجنوبي الغربي.
 
وقال في تغريدة عبر تويتر: "قبل يومين من الانسحاب الصادم وتسليم مناطق شاسعة للحوثيين، امتدح طارق ستوكهولم، وطالب بنسخة منه في مأرب!".
 
وعلق المجيدي على البيان الصادر باسم القوات المشتركة بخصوص تبرير انسحابها، قائلا: في البيان الركيك، تتحدث القوات المشتركة عن إعادة تموضع، و"تصحيح مسار المعركة"، على أن المسار "الموعود" يسقط الشمال تماما من حساباته، ذاهبا باتجاه معركة الإمارات المقبلة في شبوة".
 
ووفق المجيدي، فإن طارق صالح مهد لهذا الانسحاب منتصف أكتوبر الماضي "بسحب معظم تشكيلاته من محيط الحديدة وأعاد نشرها في مناطق جنوب تعز حيث لا وجود للحوثي".

وأفادت معلومات حصل عليها "يمن شباب نت"، أن عملية الانسحاب الأخيرة، لم تكن سوى استكمالا لخطوات تمهيدية سابقة، ترجع إلى ما قبل شهرين، حين سحبت قوات الألوية التي كانت مرابطة في كيلو 16 ومصانع "أخوان ثابت" ومحيطها، ليتم استبدالها بقوات تتبع اللواء اليمني هيثم قاسم طاهر، المعروف برجل الإمارات الأول في الساحل الغربي، والذي فاجئ الجميع بسحب قواته مؤخرا، في 11 نوفمبر، دون تنسيق مع بقية الألوية الأخرى المتواجدة في المحيط. 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر