كشفت عن استخدامها كحائط دفاع عسكري.. مجلة أمريكية تفتح ملف سفينة صافر التي أصبحت "قنبلة"

فتحت مجلة أمريكية ملف "سفينة صافر" العائمة في البحر الأحمر والتي تحمل مشتقات نفطية ويتوقع أن يتسرب النفط منها في أي لحظة، وهي تحذيرات تم إطلاقها في نوفمبر من العام 2018 من قبل الحكومة الشرعية، ورغم سلسلة من الدعوات الدولية لصيانتها لكن الحوثيون يرفضون.
 

مجلة «New Yorker» كشفت عن معلومات خطيرة لأول مرة في تقرير مطول – ترجمة "يمن شباب نت" – عن استخدام الحوثيين للسفينة كخيار عسكري للدفاع عن مدينة الحديدة التي يسيطرون عليها من تقدم القوات الحكومية، حيث يتوقف أي تصعيد عسكري باتجاه المدينة بناء على اتفاق ستوكهولم.
 

وذكرت المجلة، أن هناك احتمالات عديدة لأسباب تعنت الحوثيين عن صيانتها، منها زراعتهم لألغام بحرية محيطة بها، بالإضافة الى تمسكهم ببقائها كحائط دفاع عسكري، في الوقت الذي لا يكترثون للكارثة التي ممكن أن تسببها إذا تسرب النفط منها توقف ميناء الحديدة، واغلاق باب المندب والكوارث البيئة الأخرى.
 

وأشارت المجلة "أن عرقلت قيادة الحوثيين مساعي جهات أجنبية لتفتيش السفينة أو استخلاص نفطها، يزيد خطر وقوع كارثة كل يوم"، ولفتت بالقول: "قريباً، من المحتمل أن تغرق ناقلة نفط ضخمة متهالكة في البحر الأحمر أو تشتعل فيها النيران أو تنفجر".


"سفينة صافر"

"سفينة صافر" سميت نسبة للمنطقة التي تم اكتشاف أول احتياطيات البلاد من النفط الخام في العام 1987 – وهي أيضا اسم الشركة الوطنية -، أعيد تصميم الناقلة كمرفق عائم للتخزين والتفريغ، ليصبح نهاية خط الأنابيب الذي بدأ في حقول نفط مأرب واتجه غربًا، عبر الجبال وخمسة أميال من قاع البحر.
 
السفينة راسية هناك منذ ذلك الحين، ومؤخرا تدهورت إلى حافة الانهيار، حيث يتم تخزين أكثر من مليون برميل من النفط حاليًا في صهاريجها، سكبت "اكسون فالديز" حوالي ربع هذا الحجم عندما جنحت في ألاسكا، في عام 1989.

مشاكل "سفينة صافر" متعددة ومتشابكه، عمرها خمسة وأربعون سنة - يعني أنها قديمة بالنسبة لناقلة نفط، لم يكن عمرها مهمًا كثيرًا إذا تم الحفاظ عليها بشكل صحيح، لكن الأمور ليست كذلك.
 


في عام 2014، شن الحوثيون، انقلابًا ناجحًا، مما أدى إلى صراع وحشي مستمر حتى يومنا هذا، قبل الحرب كانت الشركة اليمنية التي تديرها الدولة المالكة للسفينة - شركة عمليات الاستكشاف والإنتاج صافر - تنفق حوالي عشرين مليون دولار سنويًا لرعاية السفينة، الآن يمكن للشركة تحمل تكاليف إصلاحات الطوارئ الأكثر بدائية فقط.
 
أكثر من خمسين شخصًا عملوا في "صافر" قبل الحرب لم يبق منهم سوى سبعة فقط، والطاقم الضئيل هذا الذي يعمل تحت ظروف سيئة ولا يوجد تكييف للهواء أو تهوية تحت سطح السفينة، حيث درجات الحرارة الداخلية على متن السفينة غالبًا تتجاوز مائة وعشرين درجة، تتم مراقبته من قبل جنود من ميليشيا الحوثي، التي تحتل المنطقة التي توجد فيها صافر. 

تُعرّف السفينة بدون طاقة باسم السفينة الميتة، حيث ماتت "سفينة صافر" في عام 2017، عندما نفد الوقود من الغلايات البخارية، والغلاية هي قلب الناقلة، لأنها تولد الطاقة والبخار اللازمين لتشغيل الأنظمة الحيوية، حيث يوفر مولدان يعملان بالديزل على سطح السفينة الآن الكهرباء لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل شحن الكمبيوتر المحمول.
 
لكن العمليات الحاسمة التي يقودها نظام الغلاية قد توقفت وعلى الأخص تلك "الخاملة"، حيث يتم ضخ الغازات الخاملة في الخزانات التي يتم فيها تخزين النفط الخام، لتحييد الهيدروكربونات القابلة للاشتعال التي تطفو فوق النفط.
 
قبل أن تصبح هذه العملية إجراءً شائعًا للسلامة، في السبعينيات من القرن الماضي، انفجرت الناقلات بشكل مفاجئ في كثير من الأحيان، وكان لذلك عواقب مميتة: حيث في ديسمبر، 1969، انفجرت ثلاثة منها في غضون سبعة عشر يومًا، مما أسفر عن مقتل أربعة رجال، منذ أن توقفت الغلايات الموجودة على متن صافر عن العمل، كانت السفينة عبارة عن صندوق مشتعل، وعرضة لشرارة كهربائية ثابتة وسلاح مفرغ، وعقب سيجارة مرمي.

كما يعتقد بعض المراقبين أن الحوثيين زرعوا ألغاما في المياه حول سفينة صافر، حيث تم تفخيخ العديد من المناطق الساحلية الخاضعة لسيطرة الحوثيين بهذه الطريقة، إذا كانت المتفجرات تحيط بالسفينة بالفعل، فلا أحد يعرف مواقعها بالضبط، وبحسب مصادر "في رأس عيسى الميناء الأقرب للسفينة، قُتل الضابط الحوثي المسؤول عن زرع الألغام في المنطقة".
 
بالنظر إلى هذه المخاوف، من اللافت للنظر أن العديد من خبراء سلامة الناقلات وموظفي شركة صافر السابقين قلقون بشأن غرق السفينة أكثر من قلقهم من انفجارها، حيث بدأ هيكلها الفولاذي يتآكل، وكذلك العديد من الأنابيب والصمامات، في العام الماضي اضطر طاقم الهيكل إلى إجراء إصلاحات طارئة لأنبوب متصدع يسرب مياه البحر إلى غرفة المحرك وتم تجنب الغرق بصعوبة.
 


توقف باب المندب
 
إذا انقلبت السفينة، فمن المحتمل أن يكون هناك أحد سيناريوهين: أن تتحرر من مراسيها وتتحطم على الصخور الساحلية، أو أن هيكلها الضعيف سوف يتفكك، في كلتا الحالتين، سوف ينسكب نفط السفينة في الماء.
 
لا تهدد الناقلة النظم البيئية للبحر الأحمر فحسب، بل تهدد أيضًا حياة الملايين من الناس، قد يؤدي الانسكاب الكبير إلى إغلاق ممر الشحن المزدحم (باب المندب)، فمنذ وقت ليس ببعيد، عملت شركة ريسكوير البريطانية مع منظمتين غير ربحتيين، وهما أكابس وتطبيقات الأقمار الصناعية، لخلق توقعات لحكومة المملكة المتحدة تحدد النتائج المحتملة لكارثة صافر، مما يسمح بالتغيرات الموسمية في تيارات البحر الأحمر وأنماط الرياح.
 
في أسوأ التوقعات، ستصل كمية كبيرة من النفط إلى مضيق باب المندب والذي تمر منه سنوياً حوالي 10 في المائة من التجارة العالمية، وقدرت شركة التأمين "أليانز "أنه عندما أغلقت سفينة الحاويات إيفر جيفن قناة السويس لمدة أسبوع تقريبًا، في مارس الماضي، كلفت الحادثة حوالي مليار دولار يوميًا.
 
نادرًا ما تعبر السفن المياه الملوثة بالنفط، خاصةً عندما تكون عملية التنظيف جارية، ويمكن أن يتعرض تأمينها للخطر إذا حدث ذلك.  قد يستغرق التسرب من صافر شهورًا للتخلص منه، مما يفرض خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات على أعمال الشحن والصناعات التي تخدمها، إذ قدّر أن التنظيف وحده قد يكلف عشرين مليار دولار.
 
في أي سيناريو، سيعاني اليمنيون أكثر من غيرهم، حيث تعاني البلاد من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويعيش عشرات الآلاف من اليمنيين في ظروف مجاعة، ويعاني خمسة ملايين آخرين من انعدام الأمن الغذائي الشديد، يحتاج عشرين مليون شخص إلى دعم المنظمات غير الحكومية للوصول إلى المؤن الأساسية، وأربعة ملايين مشردون داخليًا.
 
 قد يؤدي اندلاع حريق أو انفجار في صافر إلى تلويث الهواء لما يصل إلى ثمانية ملايين يمني، ومن شأنه أن يعقد إيصال المساعدات الأجنبية إلى الساحل الغربي، سيكون الانسكاب أكثر خطورة على صيد الأسماك في البحر الأحمر اليمنية حيث أن بقعة النفط ستقضي عليها تمامًا، كما أن التسرب الكبير من شأنه أن يسد ميناء الحديدة، الذي يبعد حوالي ثلاثين ميلاً جنوب شرق الناقلة وثلثا طعام اليمن يصل عبر الميناء. 
 
وهناك فرضية أن يظل ميناء الحديدة مغلق لأسابيع، في أسوأ الأحوال إذا لم تكن المدة ستة أشهر، حيث لا يوجد لدى الأمم المتحدة، التي تعمل بعثتها إلى اليمن فوق طاقتها وتفتقر إلى التمويل، خطة طوارئ لاستيعاب إغلاق ميناء الحديدة.
 
جون را تكليف، وهو أمريكي متخصص في شؤون اليمن في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، هو أحد الشخصيات المركزية المشاركة في محاولة الأمم المتحدة لحل أزمة الناقلة قال "أن الإغلاق المطول لميناء الحديدة قد يؤدي إلى مجاعة غير مسبوقة في نطاق القرن الحادي والعشرين".
 
في عام 2018، قدرت اليونيسف أنه في حالة إغلاق الميناء، فإن ثلاثمائة ألف طفل معرضون لخطر الموت جوعاً أو المرض، وقال راتكليف "أن هذا التقدير لا يزال ساريًا في عام 2021"، وأضاف: "ليس لدينا خطة بديلة، ستكون حالة كارثية".
 


استغلال حوثي كورقة ضغط 
 
تتم مقارنة اليخوت من حيث الطول وسفن الحاويات بالسعة المكعبة، ولكن تتم مقارنة ناقلات النفط "بالوزن الساكن" - وهو الحد الأقصى للحمولة التي تحملها عندما تكون محملة بالكامل، وفقًا لهذا المقياس، تعد صافر واحدًة من أكبر الهياكل التي تم بناؤها على الإطلاق.
 
تم الانتهاء منها في مايو 1976، في حوض بناء السفن في اليابان، ويبلغ وزنها الساكن أكثر من أربعمائة ألف طن، ويبلغ طولها 1100 قدم وعرضها 200 قدم، ويمكنها حمل أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط، في الشهر الذي اكتملت فيه السفينة، كانت الولايات المتحدة تستورد هذا القدر من النفط الخام كل ثماني عشرة ساعة.
 
كانت الأمم المتحدة مصرة على أن المناقشات حول الخطر البيئي والإنساني لا ينبغي إلحاقها بمفاوضات أخرى في زمن الحرب، لكن الحوثيين كانوا ينظرون من الطرف الآخر للتلسكوب، وهي أن أزمة صافر أعطتهم نفوذًا في مفاوضات أوسع بشأن الحرب.
 
لعب الحوثيون دورًا أكثر نشاطًا في السفينة، حيث تم تكليف وحدة صغيرة من الجنود بالصعود على متن السفينة، كانوا يحملون أسلحة، الأمر الذي جعل طاقم السفينة متوترا، نظرا لمخاوفهم من تسرب غازات قابلة للاشتعال، كما نصب الجنود كاميرات مراقبة في جميع أنحاء السفينة.
 
كبير المهندسين على متن الناقلة صافر، يدعى "قباطي" لا يستطيع التحدث معي لأنه يخشى على حياته، حيث شعر العديد من موظفي الشركة المالكة للناقلة بالتهديد من قبل الحوثيين، وأن اتصالاتهم تتم مراقبتها داخل وخارج السفينة، لكن عبر طريق آخر، تمكنت مجلة «New Yorker» من قراءة تقرير كتبه قباطي لرؤسائه في الشركة بعد فترة وجيزة من حادثة تسرب.
 
حيث يصف السفينة التي "تتجه كل يوم نحو الأسوأ" وطاقم يعمل تحت ضغط لا يطاق، يتخذ خيارًا يائسًا تلو الآخر لمنع السفينة من الغرق، ويختم: "علم، عقل، منطق، تجربة...  الكل يؤكد أن الكارثة وشيكة، ولكن متى [ستحدث] بالضبط الله وحده يعلم".
 
إذا كان كل طرف ملتزمًا بحل الأزمة، فيمكن إزالة كل النفط من صافر في غضون شهر أو نحو ذلك، ومع ذلك فقد أحبط الحوثيون محاولات الأمم المتحدة لاتخاذ أي خطوات تجاه سحب النفط، على الرغم من توسلهم للمنظمة للحصول على المساعدة في عام 2018.
 


ماذا يريد الحوثيون؟
 
في يوليو، تحدثت إلى إبراهيم السراجي، الذي قاد المفاوضات الفنية للحوثيين مع الأمم المتحدة، حتى تم إلغاء المحادثات في الربيع، وقال إن الحوثيين حريصون على حل الأزمة، لكن ليس بأي ثمن، وأعرب عن رغبتهم في "الحفاظ على القيمة الاقتصادية" القائمة حاليا في منطقة الحديدة.  بعبارة أخرى، أرادوا الاستمرار في استخدام الناقلة كمحطة بحرية، أو على الأقل لرسو سفينة أخرى في نفس الموضع، مع نفس حجم النفط على متنها. 
 
وقالت مصادر الأمم المتحدة أن الحوثيين قدموا مطالب غير معقولة، مثل مطالبة غواصينهم بمرافقة أولئك الذين استأجرتهم الأمم المتحدة، وأنهم أرادوا إجراء المزيد والمزيد من الصيانة على سفينة يبدو أنها غير قابلة للإنقاذ. 
 
الخبير راتك ليف، من الأمم المتحدة، صاغ التوتر بين الحوثيين ومفاوضي الأمم المتحدة في المقام الأول على أنه متعلق بالسلامة، لكن من خلال مصادر أخرى قريبة من المفاوضات، علمت أن الأمم المتحدة لا تملك المال الكافي لتجديد السفينة.
 
تم تمويل استجابة الأمم المتحدة لأزمة صافر من قبل مجموعة من الدول المانحة: هولندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والنرويج والسويد، من المحتمل أن تكلف بعثة التقييم حوالي عشرة ملايين دولار، تجديد شامل للسفينة سيكلف ما يصل إلى خمسين مليون دولار.
 
إن العثور على ناقلة عملاقة لتحل محل صافر، وتحويلها إلى وحدة تخزين وتفريغ عائمة، قد يكلف أكثر، لم يكن المانحين حتى الآن راغبًا في الالتزام بهذه المبالغ الأعلى، إن إحجامهم أمر مفهوم: فمن المستحيل معرفة ما إذا كان الحوثيون سيقبلون هذا الحل، حتى لو وجدت الدول المانحة المال.
 
ويصر محمد آل جابر، سفير المملكة العربية السعودية في اليمن، مرارًا وتكرارًا على أن قادة الحوثيين يتلقون إشاراتهم من إيران، وأن عراقيلهم في أزمة صافر لم تكن أكثر من لعبة قوة قاسية، وقال عن الميناء "الحديدة تعامل كرهينة".
 
اتخذ العديد من الأشخاص المشاركين في محاولة الأمم المتحدة لحل أزمة صافر مواقف مماثلة، وإن كانت أكثر دقة، ضد قيادة الحوثيين، لم يُسمح لأي شخص، باستثناء "راتكليف"، بالتحدث بشكل رسمي، كان أحد الآراء هو أنه كلما ركز المجتمع الدولي على حماية السفينة، زادت قيمة السفينة من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للحوثيين.
 




الإصرار على إبقاء اليمن دولة فاشلة
 
في مرحلة ما، سيحتاج الحوثيون والتحالف الذي تقوده السعودية إلى التوصل إلى اتفاق سلام، حتى ذلك الحين، تظل السفينة في جعبة الحوثيين.
 
بصورة متناقضة، بدت قيادة الحوثيين غير مبالية بشأن كارثة بيئية، على الرغم من أن المدنيين في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون سيكونون الأكثر تضررًا من التسرب الكبير، فالأمر كما لو أن الحوثيين يصوبون بنادقهم صوب رؤوسهم. 
 
وقال الخبير راتكليف بطريقة أكثر دبلوماسية: "يبدو أنهم يأخذون الأمر على محمل الجد، لكن لدي انطباع بأنه، في بعض الأحيان، قد يكون لديهم فهم مختلف لمدى احتمالية وقوع كارثة، أو مدى قربها".
 
عندما نقلت كلمات راتكليف إلى السراجي، من الحوثيين، أجاب بأنه يدرك جيدًا أن الموقف عاجل، لكن كان هذا يتعارض مع التصريحات العلنية الأخرى للحوثيين، في العام الماضي، غرد محمد علي الحوثي باستخفاف عن القلق الدولي المتزايد بشأن محنة صافر: حين قال "حياة السفينة أغلى من حياة المواطنين اليمنيين بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها... ولماذا ستكون أخطر من حصار واعتداء الأمريكيين والبريطانيين والسعوديين والإماراتيين وحلفائهم على الناس؟".
 
وقال السراجي أن الحوثيين لن يسمحوا بسحب أي نفط حتى يعم السلام، ولكن إذا كان الحوثيون يأملون في ابقاء التهديد الهائل الذي تشكله السفينة صافر، حتى يناسبهم الوقت لنزع فتيل الخطر، فإن التكتيك لا يمكن تحمله: إذ أن نفوذهم هذا سوف يتلاشى بمجرد أن تبدأ السفينة في التسرب.
 
كانت الولايات المتحدة، التي بذلت جهودًا أكثر تضافرًا للمساعدة في إنهاء القتال في اليمن منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه، هادئة بشكل ملحوظ بشأن قضية صافر، لكن مؤخراً، قالت كاثي ويستلي، القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في اليمن، أنها ألقت المسؤولية مباشرة على الحوثيين عن عرقلة عمل الأمم المتحدة، واتهمتهم بـ "تسييس الناقلة". 
 
وقالت ويستلي: "يجب على الحوثيين التوقف عن التفاوض بسوء نية"، وأضافت أنه في حالة حدوث انسكاب أو حريق أو انفجار، فإن "الحوثيين سيكونون وحدهم من يتحملون المسؤولية وسيخاطرون بغضب الشعب اليمني والمجتمع الدولي".
 


استخدام السفينة عسكرياً

وما إذا كانت قيادة الحوثيين في صنعاء ستستجيب لمثل هذه التحذيرات هي مسألة أخرى، في الواقع، يشعر بعض متعاقدي الأمم المتحدة بالقلق من أن الحوثيين ربما قاموا بالفعل بتسليح السفينة، في عام 2020، أثناء الاستعدادات لتفتيش لم يحدث أبدًا، نصح أحد المتعاقدين مع الأمم المتحدة الخبراء بفحص السفينة بحثًا عن "ألغام أو متفجرات أو أجهزة متفجرة مرتجلة".
 
وقال مصدر آخر بالأمم المتحدة إن السفينة جزء لا يتجزأ من دفاع الحوثيين عن الحديدة، لم يبلغ أي شخص كان على متن صافر مؤخرًا عن رؤية أي بطاقة هوية، لكن السفينة يتم الدفاع عنها الآن من قبل الجنود، سيستغرق نقل المتفجرات إلى صافر بالقوارب أقل من يوم.
 
ويؤكد السراجي، المفاوض الحوثي، أن السفينة كانت تستخدم كسلاح: "سواء كانت سفينة جديدة أو سفينة قديمة أو سفينة متحللة، لا يزال بإمكاننا استخدامها كدفاع عسكري في معارك الحديدة، لن يغير أي شيء إذا التزمت الأمم المتحدة بالاتفاق أم لا، لن يغير وضع الناقلة شيء لنا من وجهة نظر عسكرية".
 
بالنسبة للكثيرين، فإن فكرة استخدام قافلة بحرية مسلحة لدخول مياه الحوثيين بالقرب من الحديدة فكرة غير حكيمة، ويرى بيتر سالزبري، كبير المحللين في اليمن في مجموعة الأزمات الدولية "نحن نتحدث عن سفينة صدأة تخضع لحراسة مشددة ربما تكون محاطة بألغام بحرية معرضة بشدة للتسربات ونوع من الانفجار".
 
وتابع: "يبدو أن الإجماع هو أنك تريد سحب النفط دون تحريك السفينة، لتقليل مخاطر التسرب، أجد صعوبة في رؤية سيناريو عسكري لا يزيد بشكل كبير من فرص ما نريد جميعًا تجنبه - تسرب، أو انفجار، أو مجرد الغرق على الفور".
 
كما عرضت إيران تسهيل نسخة غير عسكرية من عملية النقل من سفينة إلى أخرى، في يوليو أرسلت وزارة الخارجية الإيرانية مذكرة إلى الأمم المتحدة تقترح إرسال سفينة تخزين عائمة إلى البحر الأحمر لتفريغ نفط صافر.
 
وأشارت الوثيقة الإيرانية، باللغة الإنجليزية، إلى أن "المبادرة الجديدة ستلتف على الخلاف الحالي للأطراف اليمنية حول ما يجب فعله بالنفط، حيث أن تسوية هذه القضية من قبل الأطراف اليمنية ستترك لمرحلة لاحقة عندما تكون المخاطر الحالية "تحت السيطرة".
 
كان من المحير أن الإيرانيين لم يقدموا مثل هذا العرض في وقت سابق، وعلى أي حال بدا من غير المحتمل أن يرحب السعوديون، أو أعضاء آخرون في التحالف، بمثل هذا الحل، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه إيران في الصراع اليمني. وقال السراجي، المفاوض الحوثي، أنه يرحب بأفكار جديدة، لكن عرض إيران قدم إلى دبلوماسيين، وليس للجنة الحوثيين نفسها، حيث قال إنه كلام فارغ.
 


اقتراحات لحل الأزمة

واقترحت مجموعة أخرى تتطلع إلى حل أزمة صافر ما أصبح يُعرف بالخيار التجاري، تبلغ القيمة الإجمالية لنفط السفينة وخردة معادنها حوالي مائة مليون دولار، الفكرة هي بيع ما يكفي من هذه الأصول لدفع ثمن نقل الوقود إلى سفينة أخرى، وسحب الناقلة من البحر الأحمر، لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الأرباح التي قد تنتج عن هذه العملية، لكن الحوثيين يتوقعون أن يتم نقل أي أموال متبقية إلى حكومتهم في صنعاء.
 
تم دعم الاقتراح من قبل شركة تجارة الحبوب اليمنية الناجحة، مجموعة الفاهم، والتي تعتبر مصلحتها المالية واضحة: أي تسرب من شأنه أن يقطع واردات الحبوب لأشهر، ويدمر أعمالها، وأبرمت" فاهم" شراكة مع مجموعة الممر الآمن اليمني، وهي مجموعة من الدبلوماسيين السابقين، والخبراء الإنسانيين، والمحللين، ومعظمهم من المملكة المتحدة، المهتمين باليمن، كما يشارك دبلوماسيون هولنديون وبريطانيون في المناقشات، تعاقدت فاهم مع شركة سميت الهولندية للإنقاذ البحري، للقيام بأعمال نقل النفط، إذا كان ذلك ممكناً.
 
لم يرغب أحد من شركة فاهم أو الممر الآمن اليمني في أن يتم ذكر اسمه في التقرير، لكن ممثلي الخيار التجاري التقوا بالمفاوضين الحوثيين في صنعاء في يوليو، أظهر الحوثيون لاحقًا مستويات متغيرة من المشاركة مع اقتراح المجموعة.
 
في يوليو قال السراجي، المفاوض الحوثي، أن المحادثات في صنعاء لم تكن سوى "دردشة"، بعد بضعة أسابيع، وصف نفس المحادثات بأنها "إيجابية"، تستمر المناقشات بين الطرفين، ويبدو أن الخيار التجاري الآن هو المسار الأكثر احتمالية للمضي قدمًا.
 
ومثل جميع المعالجات المحتملة، فإن هذا سيكون محفوفا بالصعوبات، يبدو أن الحوثيين، قلقون بشأن المسؤوليات المحتملة الناشئة عن المهمة، ويريدون منظمة محايدة للإشراف عليها، ومما يدهش الجميع، هو أن الحوثيون يقولون الآن إنهم يريدون من الأمم المتحدة أن تتولى المهمة.
 
إن التوتر المحيط بأزمة صافر ناتج عن معايرات مختلفة للوقت بقدر ما هو ناتج عن تقييمات مختلفة للمخاطر، في لحظة ما قد يتسبب التسرب أو الشرارة في حدوث كارثة، وحتى في أفضل السيناريوهات، قد يستغرق تنفيذ أي حل شهورًا.
 
وإذا تم منح الأمم المتحدة الإذن لتفقد السفينة غدًا، فستحتاج إلى ما يصل إلى ثمانية أسابيع لتجميع فريق والوصول إلى الناقلة.  بالنسبة للحلول العسكرية أو التجارية أو الإيرانية، من يدري كم من الوقت سيحتاجون؟  لا يمكن استدعاء ناقلة عملاقة احتياطية مثل سيارة أجرة، يمكن أن تحدث أشياء غير متوقعة في منطقة حرب. 
 
بسبب كل هذه السيناريوهات المتضاربة مع الأطر الزمنية غير الواضحة، تبدو أزمة صافر عاجلة ولا نهاية لها، يبدو أن كل يوم يمر يقدم دليلا لأحد الجانبين على أن المخاوف بشأن السفينة مبالغ فيها، وللجانب الآخر أن بوصة واحدة أخرى على فتيل قنبلة قد احترقت.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر