"فيضان قاتم من القتال منذ أشهر".. واشنطن بوست: في مأرب معركة "محورية" على الأراضي الوعرة

[ قوات حكومية تشتبك مع المتمردين الحوثيين غربي مأرب يوم 15 أغسطس 2021 (واشنطن بوست) ]

يتدفق الشباب إلى المستشفى مباشرة من الخطوط الأمامية، وأطرافهم مكسورة أو مفقودة، وجلودهم محترقة بالصواريخ والطائرات مسيرة، وجروح بالرصاص في رؤوسهم ورقابهم، يتبعهم أقاربهم الذين يبقون يقظين بجانبهم أو يقدمون أوراق تصريح لنقل أولئك الذين سينتهي بهم المطاف في مقبرة المدينة، والتي باتت اليوم تمتد صفًا بعد صف من شواهد القبور المتطابقة فوق الرمال.
 
يحدث هذا الفيضان القاتم بلا هوادة خلال الأشهر الأخيرة بسبب التصميم المستمر للجانبين الرئيسيين في الحرب الأهلية اليمنية على كسب ما يمكن أن يمثل المعركة المحورية في الصراع المستمر منذ سبع سنوات، وفق ما ذكر تقرير أمريكي.
 
وقالت صحيفة «Washington Post» الأمريكية - ترجمة "يمن شباب نت" - في التضاريس الصحراوية القاسية على مشارف مأرب، يقاتل المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران الحكومة المعترف بها دوليًا، بدعم من تحالف عسكري تقوده السعودية، للسيطرة على معقلها الاستراتيجي في شمال البلاد.
 
إذا سيطر الحوثيون على المحافظة التي تسمى مأرب، فإن هذا من شأنه أن يمنح الجماعة سيطرة شبه كاملة على شمال اليمن، ووصولا إلى البنية التحتية الرئيسية للنفط والغاز، وسيمنحها اليد العليا في المحادثات التي تهدف إلى إنهاء الصراع، أما بالنسبة للقوات الحكومية، فسيكون ذلك بمثابة نكسة هائلة.
 
تدفق أكثر من مليون مدني فروا من القتال في أماكن أخرى إلى محافظة مأرب في السنوات الأخيرة، ويمكن الآن نزوح العديد منهم مرة أخرى مع اقتراب المعركة، وقد قُتل وجُرح البعض بمن فيهم أطفال جراء الهجمات الصاروخية والقصف.
 


هذا العام، رفض الحوثيون عرض وقف إطلاق النار الذي قدمته المملكة العربية السعودية، والذي كان من الممكن أن ينهي إراقة الدماء، قائلين إنهم سيوافقون على مناقشة هدنة فقط بمجرد إعادة فتح مطار العاصمة صنعاء ورفع جميع القيود عن ميناء الحديدة، حيث يواصل التحالف الذي تقوده السعودية السيطرة على المجال الجوي للبلاد والميناء، وهو شريان حياة حيوي للبلاد الغارقة فيما وصفته الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.


وبدلاً من ذلك، ضغط الحوثيون في حملتهم لانتزاع السيطرة على محافظة مأرب، لصد الحوثيين، قامت القوات الحكومية والقوات المحلية المتحالفة معها بحفر الخنادق في سفوح التلال وتمركزت فوق القمم التي تنتشر في الأراضي القاحلة، مستخدمة الأرض المرتفعة لإطلاق النار عبر الامتداد الرملي.
 
تدعمهم الضربات الجوية السعودية المتكررة على مواقع الحوثيين القريبة، لكن القوات الحكومية هي نفسها عرضة لضربات الحوثيين بصواريخ وطائرات بدون طيار.
 


وقال الفريق الركن صغير بن عزيز رئيس أركان الجيش اليمني الذي كان يتحدث قرب خط الجبهة غربي مدينة مأرب "مواجهة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة هي أكبر مشكلة"، تم قطع المقابلة لفترة وجيزة عندما شوهدت طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين في السماء، مما أجبر الجنود وصحفيي الواشنطن بوست على التدافع إلى مكان أكثر أمانًا.
 
وبحسب وزير الإعلام في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ضيف الله الشامي، صعد الحوثيون من تلك الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة ردًا على الضربات الجوية السعودية، قائلاً إنها "عين بعين".
 
وقال بن عزيز إن ما لا يقل عن 1700 جندي حكومي في محافظة مأرب قتلوا وأصيب نحو سبعة آلاف حتى الآن هذا العام في مثل هذه الهجمات وبنيران القناصة المستمرة وأعمال عدائية أخرى، ويعتقد المحللون أيضًا أن الحوثيين، الذين لم ينشروا الأعداد الرسمية للقتلى، يتكبدون إصابات خطيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الغارات الجوية السعودية.
 
وقال عمار أبو صالح (29عاماً)، والذي فقد ساقه اليسرى جراء انفجار لغم أرضي في 2018 أثناء قتاله على الخطوط الأمامية مع القوات الحكومية، حيث ثم بترها بعد أن احتجزه الحوثيون كرهينة، في النهاية، تم إطلاق سراحه في عملية تبادل أسرى، وتم تركيب طرف صناعي له، وأُعيد إلى خط المواجهة.
 
 لكن في أواخر العام الماضي، تعرض لإطلاق نار واضطر إلى ترك ساقه الجديدة وراءه.
 
منذ ذلك الحين، واصل القتال على أي حال، مستخدمًا رشاشًا في الجبال خارج مأرب، يقول "الأمر أسهل مع الساق"، لكن هذا الأمر لم يكفي لإبقائه في المنزل، وأضاف "أشعر أنني خُلقت للقتال".
 
في أحد الأيام الأخيرة، ترك أبو صالح لفترة وجيزة مناوبته على خط المواجهة للسفر إلى المدينة والانضمام إلى الصف المتزايد من الأشخاص الذين ينتظرون سيقان جديدة في المستشفى العام.
 


هناك، تظهر مآسي الحرب بشكل كامل، في الخارج يتكئ شبان فقدوا أرجلهم على عكازات أو يمارسون تمارين المشي بأطراف صناعية جديدة يتم توفيرها من خلال مركز إعادة تأهيل ممول سعوديًا، حيث ارتفعت قائمة انتظار الأطراف الجديدة في العام الماضي.
 
في الداخل، وصف موظفو المستشفى حلقة لا هوادة فيها من الحالات المؤلمة التي تركتهم مرهقين، وقال محمد القباطي رئيس هيئة المستشفيات "هناك ضغط متزايد يوما بعد يوم"، تعالج المنشأة الآن عددًا قليلاً من المدنيين، في ظل التدفق المستمر للجنود الجرحى.
 
في الطابق العلوي، كان هارون عبد الله (20عاماً) يستريح، ويعاين ساقه المحترقة والمكسورة بينما كان يتعافى مما وصفه بهجوم بطائرة بدون طيار على موقعه خارج مأرب في أوائل أغسطس/ آب، يتذكر قائلاً: "عند الظهر تقريباً سمعنا صوت أزيز الطائرة بدون طيار، ثم انفجرت للتو".
 
وقال إن الطائرات المسيرة "مستمرة"، وتلقي أربع إلى خمس قنابل كل يوم.
 
وتعد إصابته الأخيرة هي المرة الرابعة التي يُصاب فيها بجروح بالغة في الحرب، وخلفه صور لجنود قتلوا على خط المواجهة والتي تتدلى من الجدار المتصدع، كان حوله شبان آخرون أصيبوا مؤخرًا في ساحة المعركة، قال عبد الله: "لقد شيبت هذه الحرب رؤوسنا".
 
حتى الأطفال قد تقدموا في العمر بسبب المعركة، في وحدة العناية المركزة الجراحية القريبة، روى صبي قال إنه يبلغ من العمر 15 عامًا كيف أُطلق عليه الرصاص أثناء قتاله على الخطوط الأمامية لصالح الحوثيين قبل حوالي 11 شهرًا، وتسببت الطلقة في إصابة في العمود الفقري أصابته بالشلل.
 
يقول محللون إن المعركة على هذه المحافظة الاستراتيجية تعرقل الجهود المتجددة لوضع حد للحرب، مع تعثر المحادثات إلى حد كبير.
 
وقال تيموثي ليندركينغ، الذي عينه الرئيس جو بايدن مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى اليمن: "ما نراه هو تصميم كامل من قبل الحوثيين للسيطرة على مأرب"، وقال إن معركة المحافظة هي "حجر عثرة" في المفاوضات.
 


في وقت مبكر من هذا العام، سحبت إدارة بايدن، التي كانت حريصة على إبعاد نفسها عن الصراع الذي تعرض لانتقادات واسعة، دعمها للعمليات الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية وألغت قرار إدارة ترامب الذي وصف الحوثيين بأنهم جماعة إرهابية، وقالت جماعات إغاثة إن هذا التصنيف كان يهدد بالتدخل في جهود المساعدات الدولية.
 
وقال بن عزيز، رئيس أركان الجيش، إن سحب الدعم الأمريكي "أثر على معنوياتنا كقادة"، مضيفا "نريد من أصدقائنا الأمريكيين إعادة النظر في هذا القرار".
 
بعد أن حلقت الطائرات السعودية في سماء المنطقة، وصف صوت غاراتها بأنه "أفضل سيمفونية"، حيث قال محللون إن القوات الحكومية أعاقت الحوثيين إلى حد كبير من خلال هذا الدعم، على الرغم من أن المتمردين الحوثيين حققوا في الآونة الأخيرة بعض التقدم الملحوظ.
 
وقالت إيلانا ديلوزير، الزميلة البارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "لا يمكنك حقًا الفوز في حرب بالقوة الجوية"، وهذا هو المكان الذي تعرض فيه الحكومة نفسها في المتاعب لأنه ليس لديها ما يكفي من الجاذبية لطرد الحوثيين، لذا فهي مجرد الضربات الجوية السعودية (التي تمنعهم من التقدم)".
 
بدأ شعور بالرهبة يقترب من أولئك اليمنيين الذين فروا من القتال في أماكن أخرى من أجل ما يعتقدون أنه الملاذ الآمن في مأرب.
 
تركت عائلة جميلة صالح علي منزلها في محافظة عمران منذ عدة سنوات وتعيش الآن في شقة ضيقة في مأرب، في يونيو/ حزيران، أصاب صاروخ محطة وقود كان طاهر، زوج جميلة يتواجد في طابور، فأحرقه حيا هو وابنتهما ليان البالغة من العمر عامين، على حد قولها.
 
الآن تخشى جميلة السماح لابنها بالخروج، وقالت: "ليس لدي أحد غيره، ولا توجد طريقة كي أسمح له بالخروج".
 
فرت عائلة فاطمة محمد الشرفي للمرة الرابعة هذا الربيع، بحثًا عن ملجأ في مخيم على أطراف المدينة، وقالت الشرفي، بأنه وبعد فترة وجيزة، هبت رياح عاتية على المنطقة، وطارت خيمتهم فوق ابنتها الرضيعة، مما أسفر عن مقتلها.
 


عندما سُئلت عن اسم ابنتها، توقفت مؤقتًا لمدة 10 ثوانٍ تقريبًا، مذهولة من عدم قدرتها على التذكر.
 ثم تذكرت.... وصرخت: "أمل"، وأضافت أن الطريقة الوحيدة التي تمكنت من خلالها من التعامل مع الخسارة كانت "بمحاولة نسيانها".
 
لم يكن إبراهيم القمحي وعبده الاكحلي يعرفان بعضهما البعض في الحياة.  ولكن في صباح أحد الأيام، عندما تجمع حشد من الرجال والفتيان خارج المشرحة في المستشفى، تم تحميل جثتي الجنديين، المغطاة بملابس بيضاء في سيارة إسعاف جنبًا إلى جنب.
 
قال زملائه المقاتلين إن القمحي قُتل في غارة بصاروخ أو طائرة مسيرة، وقال أقارب الاخر إن الاكحلي قتل في انفجار عبوة ناسفة.
 
وكانت وجوههم الشابة والمفزعة آخر من زينت منشورات تذكارية لشهداء لقضية عظيمة، وزعت قبل تشييعهم.
 
أثناء دفنهم، تحسر أصدقاؤهم، بعد عودتهم من ساحة المعركة لحضور الاحتفالات على الظروف على الأرض، وقال بلال عبد الله (38 عاما) "الطائرات بدون طيار هي التي تسبب لنا مشاكل على خط الجبهة"، مضيفا أنها تحتاج أيضا إلى دفاعات مضادة للصواريخ، لكن عبد الله قال إن القوات مستعدة لمواصلة الدفاع عن مأرب ضد تقدم الحوثيين، حتى لو كان ذلك يعني "التضحية بأنفسنا".
 
 في الجوا، جثا والد القمحي بجوار جثة ابنه المدفونة حديثًا، وقام بتعبئة الرمال برفق حول صورة مثبتة على شاهد قبره.
 
 ثم وقف ومشى بعيدًا ببطء، ململا رأسه وهو يمر بصفوف من القبور الجديدة الأخرى المتلألئة بصورة خافته عبر ضوء الصباح المتأخر.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر