عام دراسي جديد.. يستبعد أكثر من نصف مليون طفل نازح في المخيمات (تقرير خاص)

[ يدفع الأطفال في اليمن ثمنا باهضا من فاتورة الحرب بحرمانهم من الدراسة، خصوصا النازحين في المخيمات ]

 مع بداية العام الدراسي الجديد (2021 – 2022)، يواصل أكثر من نصف مليون طفل نازح في اليمن، دفع ثمنا باهضا من فاتورة الحرب المستمرة لعامها السابع، بإهدار حقهم الأساسي في التعليم.  
 
هنا في محافظة تعز، اضطرت آلاف الأسر المُهجَرّة إلى ترك منازلها ولجأت إلى مخيمات النزوح في مناطق مهجورة بريف مدينة تعز. فرارا من الوقوع تحت مقصلة الموت، شرّدَتهم حرب مليشيات الحوثي الإرهابية، وجمعتهم المعاناة في مخيمات متناثرة، بعيدا عن نبض الحياة المتبقية هناك في القرى والأحياء السكنية البعيدة عنهم..
 
"نعيش بلا حياة"، بهذا الإيجاز تصف الأربعينية عائشة محمد، حال الأسر النازحة في أحد المخيمات بريف محافظة تعز، حيث اضطرت النزوح إليه قسرا مع ثلاثة من أطفالها، (أكبرهم بعمر 15عاماً وأصغرهم لم يتجاوز عامه السادس)، بعد أن اختطفت المليشيات أبيهم منتصف العام 2016 من منزلهم بمديرية المسراخ، وفجرت المنزل.
 



 شبح الجهل

تنقلت الحاجة عائشة، مع أطفالها الثلاثة، في مخيمات النزوح بريف تعز، لتستقر مؤخرا في مخيم "الملك" بمنطقة "البئرين"، جنوبي غرب مدينة تعز، كأسرة نازحة تبحث عن بقايا حياة بسيطة في صحراء حرب قاسية، صادرت مأواهم، وعقّدت سبل عيشهم، وأهدرت أبسط حقوق أطفالها المشردين.
 
 وإذ تشكو عائشة لـ "يمن شباب نت"، من صغر حجم المخيم، الذي لا يكفي لممارسة أبسط تفاصيل الحياة للأسر المشردة التي آوت إليه قسرا؛ إلا أن الأسوأ من ذلك كله، كما تقول: أن تجد أطفالك يكبرون خارج أسوار المدرسة. الأمر الذي تشبهه عائشة بأنه كـ"الحمل خارج الرحم، مصيره الإجهاض"، مستدركة: "فلا مستقبل لهم سوى الجهل والتخلف".
 
 وتضيف: نعيش في بيئة غير صالحة لتربية الأطفال؛ فلا مدارس، ولا مراكز تعليمية، ومصير صغارنا، الذين لم يعرفوا المدرسة، أن يكبروا دون أن يعرفوا شكل الكتب، أو القلم، أو حتى رائحة الطباشير...!!
 
تفتقر مخيمات النزوح لمدرسة، ولو صغيرة، لتعليم الأطفال، في حين تقع معظم تلك المخيمات في مناطق نائية، تبعد كثيرا عن مناطق سكانية توجد فيها المدارس، ما يجعل أطفال المخيمات عرضة للجهل بقية حياتهم.
 
بصوت مثقل بالحزن والهموم، تتحدث عائشة عن شبح الجهل الذي يهدد مستقبل أطفالها الثلاثة، متسائلة: أين سيذهبون، والبؤس يحاصرهم من كل الاتجاهات، وهم في حضيض الجهل والتخلف؟!
 
الحاجة سعاد احمد (61 عام)، هي الأخرى، تخشى على مستقبل ثمانية من أحفادها الأطفال، الذين اضطروا إلى ترك مدارسهم في المرحلة الأساسية، بعد أن نزحت أسرهم من مديرية الوازعية (ريف غرب تعز) مطلع العام 2017 بسبب الحرب، وانقطعت كل سبل العودة إلى منازلهم..!!
 
"لا يعرف طبيعة الحياة في مخيم النزوح إلا من عاش فيها"، تقول سعاد لـ"يمن شباب نت"، مستدركة: "يعشون في العراء، لا عمل يقومون به يساعدهم على العيش، سوى القليل من المساعدات الإنسانية، ولا مكان لتعليم الأطفال، أو للعب وممارسة طقوسهم، وإشباع حاجاتهم الطفولية المختلفة".
 
وتضيف: "ليس هناك سوى قليل من الأمل، وكثير من الملل، وضنك العيش، في هذه المخيمات".
 
 


كارثة مستقبلية

 أنقطع الطفل "احمد" عن مدرسته وهو في الصف الرابع، لتقيّده الحرب على مدرسة النزوح في المخيمات، التي لم يتعلم فيها سوى دروس الكفاح في سبيل الحصول على لقمة العيش، حيث أضطر للعمل في بيع بعض المواد على المارة في الطرقات، علّ مدخوله اليومي البسيط يساعد- ولو قليلا- في تيسير تكاليف المعيشة لأسرته النازحة. ومثل بقية إخوته ونظرائه الأخرون، بقيّ حلم العودة إلى فصول الدراسة عالقا في ذهنه.. ربما إلى الأبد.
 
ووفقا للإحصائيات التي تقدمها الناشطة في المجال الإنساني "نسيم العديني"، فإن أعداد الأسر النازحة في مخيمات النازحين بمديرية المعافر والكدحة والبئرين والخيامي والرحبة ومخيم الملك، يتجاوزون الـ1,500 أسرة، فيما يتراوح عدد الأطفال في كل مخيم ما بين 1,000- 1,500 طفلا تقريباً.
 
تقول العديني لـ"يمن شباب نت"، إن هذا العدد "يمثل تشكيلية لنوعية الأجيال القادمة، حيث وأن جميعهم بلا مستقبل تعليمي، ما يرفع نسبة الأمية بشكل غير متوقع، وينذر بمستقبل ملغوم بكل وسائل العنف المكتسبة".
 
وتحذر من أن هذا العدد الكبير للأطفال في مخيمات النزوح بمحافظة تعز، "قد يشكل خطرا في المستقبل، ناهيك عن الإحصائيات الأخرى في مختلف المديريات، والتي تضاف إلى الأسباب الأخرى للتسرب من صفوف المدارس، وما تعرضت له المدارس من دمار وتوقف إثر الحرب"
 

جريمة حرب مضاعفة

ما يحلم به الأطفال وآبائهم في مخيمات التشرد، ليس فقط قليلاً من الخبز والماء والدواء، بل هم بحاجة ماسة لمخيم تعليمي يرعاهم ويعمل على إعادة إعدادهم وتنشئتهم. وناشدت الأسر النازحة، عبر "يمن شباب نت"، مكتب التربية بالمحافظة، بالعمل على إنقاذ أطفالهم من شبح الجهل والتخلف، من خلال دعم فتح مراكز تعليمية في مخيمات النزوح لإتاحة الفرصة لهم في مواصلة تعليمهم.
 
ويعتقد مراقبون، أن حرمان آلاف الأطفال في مخيمات النزوح من الالتحاق بالتعليم، في الوقت الذي يعد فيه جريمة بحق الطفولة؛ فإنه يشكل أيضا نوع من أنواع الحرب على المجتمع، من حيث أنه يزيد من نسبة التخلف الذي يصب في نهاية المطاف لمصلحة بقاء واستمرارية الميليشيات الحوثية.
 


ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور ياسر الصلوي، إن "انتقال الأطفال من مساكنهم إلى مخيمات النزوح، المحصورة في زوايا تفتقر لأبسط الخدمات المعيشية التي يحتاجها المراء في عيشيه، تضاعف عليهم الضغوط النفسية والاجتماعية على حد سواء".
 
ويضيف الصلوي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت" حول هذه المشكلة: "إضافة لفقدانهم متطلبات الحياة البسيطة، ما يجعلهم (أي الأطفال) تحت ضغوط نفسية كبيرة، بحرمانهم من حقوقهم، ومنها حقهم بالتعليم، سواء كانت مخيمات النزوح قريبة أم بعيده من المؤسسات التعليمية، فهم لا يستطيعون الالتحاق بالعملية التعليمية، مما يجعلهم خارج إطار التعليم، مكونين طابورا كبيرا في صفوف الجهل والأمية".
 
ويرى الصلوي أن "مستقبل أطفال المخيمات، يزج بهم إلى سوق البطالة لافتقارهم للمهارات الحياتية والمهنية"، منوها إلى أن "أطفال المخيمات، يمثلون شريحة من جيل المستقبل، لكنهم يعيشون وضعا كارثيا، مهددا لمستقبلهم؛ بفقدانهم حقوقهم منذ سنواتهم الأولى للطفولة، مع زيادة الضغوط الاجتماعية والنفسية على الأسر"
 
وللتخفيف من معاناة أطفال المخيمات، في هذا الجانب المهم، يقترح أستاذ علم الاجتماع أن "تقوم السلطات المحلية والمنظمات بفتح مراكز تعليمية في مخيمات النازحين، لإدراج الأطفال في صفوف تعليمية، بحيث يمكنهم فيما بعد الانضمام إلى المدارس إن عادوا إلى منازلهم، أو انتقلوا إلى أحياء سكنية أخرى".
 

تهديد لمستقبل البلاد

ربما الكثيرون، بما في ذلك السلطات المحلية في الحكومة الشرعية، لا يلتفتون إلى قضية أطفال المخيمات المستبعدين من العملية التعليمية، باعتبارها إحدى المشكلات الجدية المؤثرة على البلاد، والتي قد يترتب عليها سلسلة من الاستبعاد، والاستعباد، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي في الحاضر والمستقبل.
 


وقد أعتبر الدكتور الصلوي وجود عدد كبير من الأطفال خارج العملية التعليمية، يهدد مستقبل البلد، فهم لم يتمكنوا من الحصول على قسط كافٍ من المعرفة، الأمر الذي قد تنجم عنه انعكاسات اقتصادية سلبية على المستقبل، مع ارتفاع معدل الفقر والبطالة والجهل، حيث لا أفق للسلام وأنهاء الحرب، بل زيادة في عدد أطفال المخيمات...!!
 
 وبحسب تقرير منظمة "إنقاذ الطفولة"، فإن مليوناً و700 ألف طفل نازح في اليمن مقطوعون عن الخدمات الأساسية، ونصف مليون منهم لا يحصلون على فرصة للتعليم. الأمر الذي يؤكد أن شريحة الأطفال الرازحين في مخيمات النزوح، هم أحد الفئات الضعيفة الأكثر تضرراً من حرب مستمرة في عامها السابع، دفعت الكثير منهم خارج سور المدرسة، وآخرون قطعت الطريق أمامهم للوصول إلى مدارسهم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر