عُمان والسعودية: تقارب استراتيجي يتجاوز هواجس الماضي.. ماهي انعكاساته على اليمن؟ (تحليل خاص)

[ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اثناء استقبال عاهل السلطنة هيثم بن طارق بمطار نيوم شمال غرب السعودية 11يوليو 2021 ]



في زيارة استغرقت يومين، وتعد الأولى له منذ توليه مقاليد الحكم، في يناير/ كانون الثاني 2020، وصل إلى مدينة نيوم، شمال غرب السعودية، في 11 يوليو تموز الجاري (2021)، عاهل سلطنة عمان، السلطان هيثم بن طارق بن تيمور، وكان في استقباله بمطار المدينة، ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ثم التقى السلطان، بعد ذلك، الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
 
 
الأهمية في استراتيجيات البلدين وفي ظل التحولات الإقليمية
 
تطوي هذه الزيارة، ومباحثاتها، جانبا كبيرا من التوجسات المتبادلة بين البلدين، التي أعاقت، لحوالي ستة عقود، قيام شراكة استراتيجية فاعلة، تحقق التكامل المثمر في المجالات الصناعية، والاقتصادية، والتجارية، والعسكرية، والأمنية، وبما يلبي الحاجة الراهنة للاستقرار السياسي للبلدين، اللذين شهدا عمليتي انتقال سياسي، لا تزالان تواجهان تحديات عاصفة، على الأقل خلال العشر السنوات القادمة.
 

في الجانب العماني، تبرز أهمية لقاء القمة في تطلع قيادها الجديدة، نحو تعزيز حضورها الإقليمي والدولي، في القضايا القومية، وتلك التي تمسُّ الأمن القومي العماني، وهي مسألة ربما ستتجاوز، قليلا، سياسية النأي بالنفس، التي انتهجها السلطان الراحل، قابوس بن سعيد.

 

للمزيد إقرأ..
قمة "بلاد الشام الجديدة".. التحرك نحو المزيد من القوة الإقليمية (تحليل)

 

ولعل الملمح الأبرز على هذا التجاوز، مساعي السلطنة لحل الأزمة اليمنية، والاندفاع نحو السعودية، في الوقت الذي تحط فيه الإمارات في فلك الكيان الإسرائيلي، مبتعدة عن السعودية والدول العربية المناوئة للتطبيع، أو تلك التي تراقب الموقف حذر، مع ما يثيره هذا اندفاع عمان نحو السعودية من حساسية تجاه إيران، التي قد تعده خسارة جديدة في علاقاتها مع دول الجوار العربي، خصوصا الخليجي.
 

إلى ذلك، تركز عمان، داخليا، على كل ما من شأنه دعم عملية التحول السياسي، بعد استحداث السلطان هيثم بن طارق، منصب ولي العهد، في يناير/ كانون الثاني 2021، وإسناده إلى نجله "ذي يزن"، فضلا عن سعي عُمان إلى تحقيق التنافسية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، من خلال استراتيجية "رؤية عمان 2040"، التي أعلن عنها عام 2013، والتي تركز على مضاعفة إسهامات القطاعات منتج ومتنوع ومستدام، وذلك ما يمكن تحقيق غير النفطية في الناتج الحلي الإجمالي، عبر تبني اقتصاد جانب منه، بالشراكة الاقتصادية والتجارية، مع جار متحمس إلى ذلك، إلا وهي السعودية.
 

 
وفي هذا الصدد، يمكن لعُمان أن تتيح للسعودية المجال للاستثمار المتنوع في "منطقة الدٌّقْم الاقتصادية"، التي يتنافس فيها مجموعة من الفواعل الدولية المؤثرة، مثل: الولايات المتحدة، وبريطانيا، والصين، وفرنسا، فضلا عن الهند، وباكستان، وعبر عدة مجالات، اقتصادية، وتجارية، وعسكرية؛ حيث تضم المنطقة ميناء تجاريا، منطقة لوجستية، وقواعد عسكرية، غير أن فرص السعودية في حقيق وجود عسكري ها في هذه المنطقة، تبدو مستحيلة، وهذا ما يكشف، جلاء، طبيعة وحدود التعاون المتاح بين الدول العربية.


من جانبها، تمر السعودية بمرحلة انتقال سياسي قريبة الشبه مما تمر به في عمان، وإن كانت السعودية سبق إلى ذلك، حين نقل الملك سلمان بن عبد العزيز، ولاية العهد من طبقة أنباء الملك عبد العزيز، إلى طبقة الحفدة (أبناء الأبناء)، بإسناد ولاية العهد إلى نجله "محمد"، عقب توليه مقاليد الحكم مطلع عام 2015، ولا تزال عملية التحول، هذه، تواجه تحديات داخلية وخارجية، لا تقل عن ما تواجهه عُمان في هذا الشأن، ما يقتضي تعاون البلدين، في المجالات، التي من شأنها تثبيت دعائم هذا التحول.
 

ومن الأهمية التي يكتسبها لقاء القمة، أنه ينسجم مع تطلعات السعودية نحو تحقيق مزيد من القوة الإقليمية والدولية عبر إستراتيجية "رؤية السعودية 2030"، ومشروعها الاستراتيجي، المعروف بـ"نيوم"، التي ترمي إلى تسخير ثروها النفطية الضخمة، لخلق مجالات إنتاجية غير الإنتاج النفطي؛ إذ يمكن أن تتيح الشراكة المتنوعة بين عمان والسعودية، خلق فرص عديدة، خصوصا السعودية، التي تسعى إلى تعزيز مكانتها في مجموعة العشرين الصناعية، بوصفها الدولة العربية الوحيدة فيها، وتعزيز عضويتها الجديدة في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي، التي حصلت عليها بصفة شريك حوار عام 2019.
 
 
لا شك، أن عمان تشاطر السعودية القلق إزاء النفوذ الإماراتي الجيوسياسي، الاقتصادي والعسكري، غربي المحيط الهندي، الذي حكمت عمان أجزاء منه خلال حقب تاريخية عديدة، ولعل مبعث هذا القلق التداعيات السلبية المتوقعة على الأبعاد المختلفة للأمن الوطني لكل منهما، وانعكاس ذلك على تماسك مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي يواجه تحديات عديدة، لم يُفلح لقاء زعماؤه خلال قمة العلا المنعقدة في السعودية في يناير/ كانون الثاني 2021، في تجاوزها، سيما الخلاف الإماراتي القطري.



يعد موقف الإمارات المناوئ للسعودية، بشأن رفضها تمديد خفض إنتاج النفط، في إطار استراتيجيات منظمة الدول المصدرة للنفط (OPEC)، تصعيد جديد يزامن لقاء عاهلي السعودية وعمان، ويعزز هواجسهما إزاء الجموح الإماراتي الذي قد يزداد وحشية في المستقبل، استجابة للإجراءات القاسية التي فرضتها السعودية، وتضمنت قيودا على انتقال المسافرين، ونوعيات من المنتجات المجمعة في الإمارات.
 

بالنظر إلى استمرار التهديدات الإيرانية، التي تستهدف نفط السعودية المنقول عبر مضيق هرمز؛ فإن مجالات التعاون الاقتصادي، والتجاري، والعسكري، والأمني، مع عمان، ستوفر للسعودية بدائل آمنة لتدفق النفط عبر أراضي عمان إلى بحر العرب، أو عبر أراضي اليمن المجاور لهما، في حال كان هنالك توافقات موثوقة تصون الحقوق السيادية، وتضمن المصالح الجيوسياسية للجميع، مع ما يمكن أن يضطلع به المنفذ البري المشترك والطريق الجديدة الرابطة بين البلدين، من أدوار فاعلة لتنشيط حركة البضائع، وتمكين السعودية من الاقتراب، غير المباشر، من بحر العرب والمحيط الهندي، على أن البيان المشترك للقاء القمة لم يتطرق إلى التهديدات الإيرانية، لكنه أشار إلى البرنامجين، النووي والصاروخي، الإيرانيين، وأكد على أهمية التعاون المشترك بما يحقق الأمن والاستقرار، على المستويين الإقليمي والدولي.
 
 
ويبدو أن مما يعزز خطوات البلدين نجو التعاون المشترك في المجالات، التي تتطلبها الظروف الراهنة، قيام تحالفات ثنائية، أو ما فوق ذلك، مثل: اتفاق التعاون الاستراتيجي بين إيران والصين، وتكتل دول ما يسمى "بلاد الشام الجديدة"، وتطبيع العلاقات بين الإمارات ودولة الكيان الإسرائيلي. لذلك يعد الإعلان عن تشكيل مجلس تنسيق بين عمان والسعودية، خطوة إجرائية أولى لتفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، وإسقاط مضامينها على أرض الواقع.
 

موقع اليمن في أجندات القمة والانعكاسات المتوقعة

على الرغم من عدم مشاركة عمان في التحالف العري لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا؛ إذ تعد الدولة الوحيدة من بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي لم تشارك في ذلك، إلا أنها أبقت أبوابها مواربة أمام مختلف الأطراف اليمنية، واستطاعت أن تلعب دورا غير مباشر، على مدار سنوات الأزمة، من خلال استضافة المفاوضين الحوثيين على أراضيها، ورعاية حوارات عديدة بينهم وبين الحكومة المعترف بها دوليا، وأطراف دولية وإقليمية ذات صلة.


وفي هذا الصدد، نشير إلى الوفد العمان، الذي زار صنعاء، بمباركة أميركية، ولقائه زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في يونيو/ حزيران (2021)، وإن كان ثمة ما يشير إلى تحول الأراضي العمانية إلى عقدة اتصال لوجستية للتأمين الاستراتيجي للحوثيين، ومعبرا لتدفق الأسلحة، وتقنيات الصواريخ، والطائرات الصغيرة، غير المأهولة، إليهم، وفقا لتقرير فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، الصادر مطلع عام 2021.
 


قبيل قمة نيوم، بين العاهلين، العماني والسعودي، كشف وزير الخارجية العمان، بدر البوسعيدي، عن أن بلاده تسعى، بكل السبل، لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، ضمن إطار المبادرة السعودية المطروحة لحل الأزمة، وأنه ليس هنالك مبادرة جديدة تتبناها عمان في هذا الشأن، وربما كان ذلك استباقا للبيان المشترك الذي يصدر، في العادة، في ختام القمة، ليتضمن هذا المعنى.
 

وبالفعل، فقد أكد البيان المشترك للقمة، على أن حل للأزمة اليمنية، ينبغي أن يقوم على عدد من المرجعيات، وهذا ما تُصر عليه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والتحالف العربي، الذي تقوده السعودية، وهذه المرجعيات هي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعا 2011، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل لعام 2014، وقرار مجلس الأمن 2216، لعام 2015، فضلا عن المبادرة السعودية لحل الأزمة.
 

ما يلحظ أن الموقف العماني من حل الأزمة اليمنية بات أكثر وضوحا وتطابقا مع الموقف السعودي، وذلك ما يؤكد أن السعودية، خلال عام ونصف من تولي السلطان الجديد الحكم في عمان، استطاعت، إلى حد ما، إضعاف ميل عمان نحو الحوثيين، بعد وضعهم على محك السلام، وعبر العمانيين أنفسهم، الذين قادوا أكثر من محاولة لدفعهم نحو السلام، فلم يلاقوا منهم سوى التعنت والنفور.
 
وقد كان داعما لهذا التحول، العودة الخائبة لوفد سلطان عمان إلى صنعاء، في يونيو/ حزيران 2021، واستباق الحوثيين نتائج الزيارة، بالحديث عن أنها تهدف، حصرا، إلى ترتيب الوضع الإنسان، والدفع بعملية السلام قدما، وهذا يعني أن مناقشة الوقف الفوري لإطلاق النار، ثم الانخراط المباشر في عملية سلام شامل وكامل، كانت مرفوضة، وقد جسدها التصعيد العسكري للحوثيين في مارب والجوف، ومضاعفة هجماتهم الصاروخية وبالطائرات، غير المأهولة، على الأراضي السعودية، ومصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر.


أخيرا، فإن المتوقع خلال الأسابيع، وربما الأشهر، القليلة القادمة، أن يتكشف لنا أكثر، ما لم تفصح عنه لقاءات القمة السعودية العمانية، في المجالات السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والعسكرية، والأمنية، وما يخص الأزمة اليمنية، واتجاه علاقات الدولتين مع دول الجوار، خصوصا الإمارات وإيران، وموقفها إزاء عدد من القضايا الإقليمية والدولية الشائكة.
 
قد تحمل أي زيارة قريبة لولي العهد السعودي إلى عمان، في حال تعذر تلبية الملك سلمان الدعوة الموجهة إليه، ذات دلالة حقيقية على أن العلاقات بين البلدين اكتسبت قدرا كبيرا من الثقة، وتجاوزت هواجس الماضي، وأن السعودية، في حال تمردت الإمارات عليها، ستشغل عمان هذا الفراغ، ويمكنها أن تلعب أدوارا بارزة، هي في أمسّ الحاجة إليها، سواء في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أم جامعة الدول العربية، وكذلك في القضايا المحورية التي تهم منطقة الشرق الأوسط.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر