معهد أمريكي: "الطبيعة السلالية" للحوثي أبرز معوقات السلام التي بدأت تدركها واشنطن (ترجمة خاصة)

قال معهد أمريكي "إن الصراع في اليمن غير مفهوم بشكل جيد في الولايات المتحدة، إذ أن الرأي العام في الدوائر السياسية والحكومية يقول بأن المملكة العربية السعودية هي السبب الرئيسي للأزمة، وأنه إذا كان من الممكن إجبار السعوديين على وقف حملتهم العسكرية ضد حركة الحوثيين المتمردة، فإن الحرب ستنتهي بسرعة".
 

إضافة على ذلك، غالبًا ما يتم وصف هذا الصراع بشكل خاطئ على أنه صراع بين القوى الإقليمية في المملكة العربية السعودية وإيران أو صراع بين السنة والشيعة.
 

وفي تقرير لمعهد «Hoover» الأمريكي – ترجمة "يمن شباب نت"- قال: "إنها في الواقع حرب أهلية أولاً وقبل كل شي، وهي الأحدث من بين عدة حروب بين اليمنيين بدأت في عام 1962، وبالتالي فإن الديناميكيات الداخلية هي التي تدفع اليمنيين إلى قتال بعضهم البعض".
 

وتابع: "ومن غير المرجح أن تنتهي هذه الحرب بسرعة بغض النظر عما تفعله السعودية أو ما ستجبر على القيام به، حيث وبعد مقاومة كبيرة وربما سذاجة متعمدة، يبدو أن واشنطن أخيرًا تقبلت هذا الواقع".
 

عند توليها السلطة، اعتبرت إدارة بايدن أن الرياض كانت الجاني الرئيسي في الحرب اليمنية، وبالتالي سعت إلى الضغط على المملكة لإنهاء تدخلها العسكري، هذه وجهة نظر يتبناها العديد من الديمقراطيين في الكونجرس أيضًا، وتراجع بايدن على الفور عن تصنيف إدارة ترامب للحوثيين كمنظمة إرهابية، وأعلن عن مراجعة عامة للعلاقات الأمريكية السعودية، ونبذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأعلن وقف بيع الأسلحة الهجومية للمملكة.
 

بمعنى آخر، اعتقد بايدن أن الضغط الأمريكي على الرياض سيبدأ محادثات سلام بين مختلف الجهات اليمنية والإقليمية في هذا الصراع وأن الحوثيين سيوقفون هجومهم العسكري على مأرب، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية في شرق البلاد، لقد تبع تحركات واشنطن قريبًا عرضًا سعوديًا بوقف إطلاق النار ورفع الحصار، وهو أمر كان محمد بن سلمان يستعد له منذ شهور لأنه أدرك أخيرًا المأزق الذي يوجد فيه.
 


ومع ذلك، بدلاً من القدوم إلى طاولة المفاوضات، فإن الحوثيين - تمامًا مثل طالبان - ضاعفوا هجماتهم العسكرية، سواء على مأرب أو بإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار داخل الأراضي السعودية


لماذا رد الحوثيون بقوة بهذه الطريقة ولماذا لا يزالون غير مهتمين بإنهاء الحرب؟  لفهم منطق الحوثيين، يتعين على المرء الخوض في تاريخ اليمن والأيديولوجية الخاصة وبرنامج هذه الحركة الإسلامية الراديكالية.


من هم الحوثيون وماذا يريدون؟
 
الحوثيون جماعة تمرد شيعية استولت على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وأطاحت بحكومة اليمن المعترف بها دوليًا، ثم شرعت في محاولة السيطرة العسكرية على البلاد بأكملها، إنهم يشكلون أقلية، يدعي أعضاؤها الأساسيون أنهم من نسل النبي محمد (الملقبون بالسادة)، ظهرت الحركة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وخاضت ست حروب وحشية مع الحكومة المركزية في الفترة من 2004-2010، وتركت مساحات شاسعة من الشمال، مدمرة ومنطقة لكوارث إنسانية.
 

 تتمحور أيديولوجية الحوثيين حول تعاليم مؤسسهم الراحل حسين الحوثي الذي دعا إلى سيطرة السادة على البلاد، فضلاً عن التحويل الجذري لمجتمعها وفقًا لتفسير خاص به للنصوص والتقاليد الإسلامية، تتكون أيديولوجية الحوثيين من مزيج من الخطاب المعادي للإمبريالية والمناهض لأمريكا مع رؤية إسلامية راديكالية لعالم يحكمه سليل النبي.
 

هذا الزعيم - الذي يجسده اليوم زعيم الحركة عبد الملك الحوثي - يزعم الحق بالسلطة العليا على جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم، إنه خليفة في كل شيء ما عدا الاسم ويشار إليه من قبل أتباعه باسم "علم الهدى" بمعنى ما، الحوثيون يشبهون الثوار الإسلاميين الإيرانيين بقيادة آية الله الخميني في عام 1979، لكن لديهم إيديولوجية أكثر راديكالية بشكل واضح حول تغيير المجتمع والمعتقدات الدينية الإسلامية وممارساتها،  في الواقع، يمكن مقارنة برنامج الحوثيين الثوري ببرنامج "الفيتكونغ" (تسمية أطلقت على متمردي جبهة التحرير الفيتنامية ضد الامريكيين)، أو حتى "ذا خمر روغ" (متمردي كمبوديا المناهضين للفيتناميين في ستينيات القرن الماضي) في طموحاته وحجمه رغم أنه، بالطبع، مختلفا من حيث المضمون.
 

وعلى الرغم من كونهم أقلية، ربما حوالي 5 إلى 10 في المائة من سكان اليمن، فإن الحوثيين هم أفضل جماعة تنظيما وذات دوافع أيديولوجية في اليمن، تفسر هذه الخصائص نجاحهم العسكري وصعودهم، وهو ما لا يرغبون في التخلي عنه حتى يرسخوا وجودهم في السلطة بشكل كامل.
 

لكن الحوثيين لم يخرجوا من فراغ، يجب أن يُنظر إلى صعودهم في ضوء التمييز الاجتماعي والديني المنهجي للسادة (أي أحفاد محمد) منذ عام 1970 من قبل الحكومة في صنعاء، فضلاً عن الحكم الوحشي وفساد نظام الديكتاتور الراحل علي عبد الله صالح، هاتان السمتان الرئيسيتان للسياق اللتان ساعدتا على توليد الفوضى التي نشهدها في اليمن اليوم.
 

فمن ناحية، يسعى الحوثيون إلى جعل السادة الجماعة السياسية المهيمنة وأحد أفراد أسرتهم هو الحاكم الأعلى، وبالتالي ضمان عدم تهميشهم أو اضطهادهم مرة أخرى، من ناحية أخرى فإن الحكم السيئ للرئيس صالح عمدًا هو الذي دمر مؤسسات الدولة، وقسم مجتمعه، وخلق الانقسامات السياسية والإقليمية والهوية العميقة التي تغذي الآن الحرب الأهلية لسوء الحظ، لا توجد حلول سريعة لمثل هذه المشاكل التركيبية طويلة الأمد.


السعودية والحوثيين
 
ينظر السعوديون، عن طريق الخطأ إلى حد ما، إلى الحوثيين على أنهم وكيل إيراني بحت شبيه بحزب الله في لبنان، الحوثيون هم بالفعل حلفاء مقربون لإيران وبعض إلهامهم الأيديولوجي يأتي من أفكار الخميني الثورية، كما أنهم بلا شك ينسقون إستراتيجيتهم وحتى هجمات محددة على السعودية مع طهران.
 

ومع ذلك، فإن الحوثيين يمثلون ظاهرة اجتماعية وسياسية عميقة الجذور في المشهد اليمني ولديهم أجندة تتعلق في النهاية بتحقيق أهداف محلية، مثل حكم السادة على يمنيين آخرين، ومع ذلك لم يكن السعوديون قادرين على تحمل ما اعتبروه نفوذًا إيرانيًا في جارتهم الجنوبية، وبالتالي قرروا في مارس 2015 الدخول في الحرب الأهلية اليمنية من خلال قيادة تحالف عسكري ضد الحوثيين بهدف إعادة حكومة اليمن المعترف بها دوليًا.
 

لم تلتزم الرياض بقوات برية وانخرطت في الغالب مع الحوثيين في ضربات جوية، ولا شك أنها تعلم من تجارب الماضي والتاريخ أن اليمن، مثل أفغانستان، مكان مستحيل لكسب الحروب فيه بشكل حاسم، دخلت الحرب ضد هؤلاء المتمردين الآن عامها السابع وكانت وحشية، حيث شملت حصارًا للموانئ والمطارات التي يسيطر عليها الحوثيون، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد بشكل كبي، ويعاني الملايين من سوء التغذية وانتشار الكوليرا على نطاق واسع، وتستخدم الميليشيات المختلفة، وخاصة الحوثيين، الغذاء والوقود كأدوات للإكراه ومصدر لتوليد الدخل.
 

على الرغم من التفوق العسكري الساحق، لم يتمكن السعوديون وحلفاؤهم اليمنيون من هزيمة الحوثيين، الذين يسيطرون الآن على جزء كبير من شمال اليمن ويحكمون أكثر من ثلثي السكان، إذا تم الاستيلاء على عدة ملايين من اليمنيين في مأرب فسوف يقعون تحت حكم الحوثيين وبهذا ستكتمل سيطرتهم على الشمال.
 

أحد أسباب نجاح الحوثيين هو الانقسام والاقتتال بين الفصائل اليمنية العديدة المحتشدة ضدهم، والآخر هو الروح القتالية المتفوقة والدافع الأيديولوجي للحوثيين، لقد صاغوا الحرب على أنها حرب ضد الهيمنة الأجنبية، التي تناشد إحساسًا قويًا بالقومية اليمنية.
 

عاجلاً أم آجلاً، سيتعين على كل من السعوديين وحلفائهم اليمنيين قبول فكرة أن الحوثيين موجودون، وسيتعين عليهم لعب دور سياسي مهيمن وسيصبح نوعًا من التوافق معهم ضرورياً، من غير الواضح كم من الوقت سيستغرق ذلك أو ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في المساعدة في تحقيق هذا الإدراك.
 


دور الولايات المتحدة
 
ليس من الواضح أن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دورًا فعالاً في المساعدة على إنهاء هذا الصراع داخل اليمن، نفوذ أمريكا ضئيل لأنه ليس لديها نفوذ يذكر على أي من الفصائل المختلفة، يمكن لواشنطن محاولة إشراك إيران في اليمن من خلال المفاوضات الجارية حول استئناف الاتفاق النووي أو ما يسمى بخطة العمل الشاملة المشتركة، ومن المؤكد أن إيران لها نفوذ على الحوثيين، لكن حتى الآن استفادت طهران من الحرب لأنها كانت مكلفة ومحبطة للغاية للسعوديين، خصمهم الإقليمي.
 

على هذا النحو، ليس من مصلحة إيران أن ترى الحرب تنتهي، ومن غير المرجح أن تستخدم نفوذها مع الحوثيين لتخفيف حدة الأعمال العدائية، النفوذ الفعال الوحيد الذي تتمتع به الولايات المتحدة هو على السعودية، والسعوديون حريصون بالفعل على تخليص أنفسهم من الحرب، ولكن ليس بأي ثمن، إن اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون المعادون الذين يطلقون باستمرار الصواريخ والطائرات المسيرة على المملكة ليس نتيجة مقبولة للرياض ولا ينبغي أن تكون كذلك لواشنطن.
 

أحد السبل الممكنة لاختبار إمكانية وقف الأعمال العدائية في اليمن، إن لم يكن إنهاءًا فعليًا للحرب، هو أن تقترح الولايات المتحدة للسعوديين أنهم يقدمون عرضًا لا يستطيع الحوثيون واليمنيون الآخرون رفضه، على سبيل المثال، قد يستلزم ذلك وقفًا فوريًا وأحاديًا لإطلاق النار، ورفع الحصار، وتمويلات كبيرة وسنوية للتنمية وإعادة الإعمار، على مدار عقد من الزمان، لنرى إعادة بناء اليمن، وأخيراً الوعد بجعل اليمن عضوًا في مجلس التعاون الخليجي.
 

مثل هذا العرض السخي والشامل، إذا تم تقديمه، من شأنه أن يوضح لجميع اليمنيين أن مصالحهم طويلة الأجل تكمن في إنهاء الحرب والانضمام إلى الدول النفطية العربية الغنية والاستفادة منها، إذا تم رفض هذا العرض، فسيتعين على الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة التعامل مع آثار الحرب في اليمن التي من غير المرجح أن تنتهي قريبًا واحتوائها.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر