كيف قضى أهالي المختطفين في سجون ميليشيات الحوثي عيد الفطر؟ (تقرير خاص)

[ المختطف جمال يتوسط نجليه في منزله بمدينة تعز بعد أربع سنوات قضاها في سجون الحوثي / يمن شباب نت ]

يمر العيد تلو العيد، وزوجة عبدالرحمن، المختطف في سجون مليشيات الحوثي، لا تشعر بفرحته كبقية الناس. فبين الأمل والفقد تقضي لياليها بالإنتظار، علّ معجزة تخلي سبيل زوجها حتى تشعر بفرحة العيد..

هكذا هو حال الآلاف من أهالي المختطفين والمخفيين قسرًا في سجون الحوثيين: معاناة لا يعرفون متى تكون نهايتها؟!
 
منذ أُختطف عبدالرحمن، قبل أكثر من ثلاثة أعوام، وزوجته (تحدثت لـ"يمن شباب نت" دون الكشف عن أسمها) لم تتذوق طعم العيد. "يمرّ قاسيًا بلا تجهيزات"، تقول الزوجة المكلومة؛ فالأجواء الفرائحية تحولت إلى ذكريات مؤلمة، وجرحا متجددا يرافقها وأولادها كل عام. حسب تعبيرها..
 
من دون تهمة أُختطف عبدالرحمن، من مناطق تخضع لسيطرة الحوثيين في محافظة تعز (جنوب غرب اليمن)، وترك خلفه أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، وفق زوجته، التي تحدثت عن معاناة الأسرة، وتدهور وضعها في ظل تردي الوضع المعيشي.

وبنبرة حزينة، تضيف لـ"يمن شباب نت" أن العيد بالنسبة لها "لم يعد سوى مجرد يوم كبقية أيام السنة، فلا مساحة للفرحة وارتداء الملابس الجديدة والتنزه كبقية العائلات". وتشير إلى أنها اضطرت إلى بيع جزء من سلة غذائية حصلت عليها من إحدى المنظمات كي "تشتري ملابس العيد لطفلها".

 في السابق حين كانت تسمع صوت زوجها "عبدالرحمن"، عبر سماعة التلفون: "تشعر بالطمأنينة والسرور، بأنه مايزال على قيد الحياة، ويمكن أن يُفرج عنه في أي لحظة"، غير أنها منذ أكثر من عام لم تعد تعلّم عنه شيئا..!! فالقائمين على السجن أخبروها بأنه "مات"، دون إبداء الأسباب، أو كيف؟ كما لم يتم تسليم أي جثة حتى اليوم..!!
   
في هذا العيد، ليس لديها من شيء سوى أنها تأمل معرفة المصير الحقيقي لزوجها المخفي، والعثور عليه "حيّا أو ميتا". تمسح دموعها، قبل أن تواصل استخدام سلاحها الوحيد المتبقي لزوجة محرومة من السعادة، داعية من الله أن ينتقم "ممن حرمنا فرحة العيد، واختطف زوجي وأخذه منا قسرا".


عيد مختلف

 أما الطفل محمد جمال (16 عاما)، فالعيد هذا العام، بالنسبة له ولأسرته، يختلف كثيرا مع وجود والدهم الذي أفرج عنه بعد أن قضى أكثر من أربعة أعوام مختطفا لدى مليشيات الحوثي.
 
اُختطف جمال في 16أغسطس 2016، من قبل مليشيات الحوثي بتهمة "التخابر مع العدوان، ودول خارجية". وبتلك التهمة، التي يصفها جمال بـ"الملفقة"، ظلّ معتقلًا حتى أُفرج عنه ضمن صفقة تبادل بين الحكومة الشرعية والحوثيين تمت بوساطة محلية في مايو 2020.

"بعودة الوالد، عادت لنا فرحة العيد، فمنذ الإفراج عنه أصبحت كل أيامنا عيد" يصف الطفل محمد شعوره المختلف هذا العيد، لـ"يمن شباب نت"، بعد أن كان يقضي الأعياد السابقة حزينًا كـ"يتيم لم تكتمل فرحته". ويضيف: "بالتأكيد هذا العيد مختلف، فقد قضيناه بفرحة وسرور".
 
أما جمال نفسه، والد محمد، لم يجد ما يصف به مشاعره في هذا العيد، وهو إلى جانب أطفاله وزوجته، سوى التأكيد أنه يعيش شعورا آخر، مضيفا: "أشعر بالراحة النفسية".
 
مقارنا بين الماضي والحاضر، يقول جمال لـ"يمن شباب نت" إن العيد خلف القضبان "يعد من أسوأ الفترات التي تمر على المعتقل"، موضحا: "كُنّا نبكي من الصباح حتى الليل"، مضيفا: "كنت أتذكر الأهل والأولاد، وأتمنى أن أرى أطفالي بملابس العيد". 

"مرارة السجين، ومرارة أهل السجين لا تكاد توصف في العيد". بحسره، يتذّكر جمال كيف كانت تقضي أسرته، المكونة من ثمانية أفراد (ولدين و6 بنات)، أيام العيد في ظل غيابه عنهم، خصوصا أطفاله الذين كانوا يواجهون إرهاصات نفسية في مناطق سيطرة الحوثي، حيث كانوا يقولون لهم "أبوكم داعشي"..!!
 
خلال سنوات الاعتقال تعرّض جمال "لأصناف التعذيب ولازالت آثاره باقيه على جسده". وبهذه المناسبة العيدية، يتذكر جمال بقية المعتقلين والمختطفين في سجون مليشيات الحوثي، آملا من الحكومة والحوثيين والمنظمات الحقوقية، التسريع في عملية الإفراج عنهم، فهم حاليًا كما يقول جمال: "يعانون أشد الأمرين".
 
وكانت الحكومة وميليشيات الحوثي قد تبادلتا في مشاورات السويد (ديسمبر/ كانون الأول 2018) قوائم بأكثر من 15 ألف أسير ومعتقل، لكن تطبيق الاتفاق تعثر رغم مضي عامين على توقيع الاتفاق في ظل اتهامات متبادلة بعرقلة التنفيذ. 

وبالنسبة لمحافظة تعز، لا يزال هناك "208" مختطفا ومخفي قسرًا من أبناء المحافظة في معتقلات مليشيات الحوثي، موزعين بين سجون في تعز وصنعاء وذمار وإب، وفق الإحصائية الموثقة لدى رابطة أمهات المختطفين، وهي منظمة حقوقية غير حكومية، تعمل على تفعيل قضية المختطفين لدى سجون الحوثي.
 
وليست هناك إحصائية رسمية بعدد السجناء المحتجزين لدى الحوثيين، غير أن منظمات حقوقية غير حكومية تقدرهم بالآلاف، موزعين في أكثر من 200 معتقلا، خاصا وسريا..

وتقول رئيسة رابطة أمهات المختطفين في تعز، أسماء الراعي لـ"يمن شباب نت"، إنه لا يزال "هناك عدد كبير (من المختطفين) لا نعلمه بالضبط، لا تستطيع أسرهم أن تصل إلى الرابطة لتوثيق حالاتهم، بسبب تواجدهم في مناطق سيطرة الحوثي.
 
  
مناسبة مؤلمة
 
وتصف رئيسة رابطة أمهات المختطفين في تعز مناسبة العيد بالنسبة لأسر المختطفين بـ"المؤلمة جدًا"، لافتةً إلى أن أهالي المختطفين "تعيش في مثل هذه المناسبات، سواء كان رمضان أم عيد، بفقدان عائلها، وألم على الأمهات والأبناء والزوجات".
 
وأوضحت الراعي، ضمن تصريحاتها لـ"يمن شباب نت"، أنه من خلال زيارتها العيدية للعديد من أسر المختطفين "وجدت في عيون العديد من الأمهات والزوجات والأبناء الكثير من الألم والحسرة، بالإضافة إلى أن هناك شوق كبير لدى أبناء المختطفين، الذين يحلمون بعودة أباءهم ليمسكوا بأيديهم ويخرجوا معًا لأداء صلاة العيد".
 
وتضيف: "أغلب الأسر التي زرناها، يكون المختطف هو العائل الوحيد لهذه الأسرة.. وفي هذه الاثناء تتحول المرأة، قسرا، لتكون هي العائل الوحيد، وهي الأب والأم، وهي كذلك المعيل لهذه الأسرة".
 
وتابعت: "زرنا في رمضان أسرة، فتفاجأنا أن الأم غير موجودة، إذ تدع أطفالها بالبيت وتذهب للبحث عن مصدر رزق لها ولأولادها". لذلك، ترى أن غياب العائل الوحيد للأسر: "يشكل عبئ كبير على الزوجة أو الأم،  ما يمثل مشكلة كبيرة عليها، خصوصًا في المرحلة الحالية والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلد".
 
وتضيف الراعي: يُشّكل غياب العائل بؤس وضنك لدى أسر المختطفين، التي يصبح تفكيرها وهمها هو إيجاد لقمة العيش وتتناسى الكماليات والملابس وغيرها من مظاهر العيد..
 

أوضاع سيئة
 
وحول وضع المختطفين، أكدت الراعي على أنهم "يعيشون داخل السجون في أوضاع سيئة"، مضيفة: "فهناك استهتار في حياتهم، حيث يفتقرون للرعاية الصحية، ويُمنع عنهم دخول الدواء، ويعانون من سوء التغذية، فضلًا عن ذلك يتم منعهم أحيانا من التواصل مع أسره".
 
وكشفت عن تعرض أسر المختطفين لابتزازات مالية، بينها عدم إعطاء المختطف الهاتف ليتصل لأسرته، إلا بمبالغ مالية..
 
غير أن المعاناة لا تقتصر على أسر المعتقلين (حاليا) فحسب؛ بل تشمل أيضًا جزء ممن تم الافراج عنهم، والذين يعانون من تدهور الوضع المعيشي وإهمال الجهات الرسمية لهم..!!

كما هو حال المعتقل المفرج عنه، "جمال"، الذي شكى لـ"يمن شباب نت" من إهمال الحكومة، خصوصا وأن معظم من تم الافراج عنهم بحاجة "إلى مسكن وتعويض وعلاج، لا سيما وأن بعضهم يعانون من أمراض نفسيه"، داعيًا الحكومة إلى إعادة النظر في حال المفرجين عنهم "بعطف ورحمة".
 
رغم خروجه من المعتقل، يعيش جمال أوضاعا معيشية صعبة، فهو موظف حكومي يعمل في السلك التربوي، وراتبه بالكاد يكفي لتغطية إيجار المنزل، فما بالك بتغطية مصاريف أسرته..!!
 
وفي ظل هذه الظروف المادية الصعبة، لم يخرج جمال لقضاء إجازة العيد. ويقول متحسرا على حاله: "في السجن كنت أخطط بأنني عندما أخرج سأقوم برحلة مع أطفالي وأسرتي إلى عدن والمخأ..، لكن في ظل هذه الظروف المعقدة لم أستطع حتى الخروج من المنزل".
 

ملف شائك

ترى رئيسة رابطة أمهات المختطفين في تعز، أن "ملف المعتقلين لم يحظ بالاهتمام الحقيقي في الأوساط المحلية والدولية"، لافتة إلى أنه "مرّ أكثر من عام ونحن نسمع عن تبادل وشيك، ومبادرات محلية ودولية لإطلاق سراح جميع المختطفين، لكن أظن أنها لا تزال سوى حبر على ورق، ولم تعد هذه الوعود والمشاورات تجدي نفعا".
  
وفي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، عام 2020، تبادلت الحكومة والمتمردين الحوثيين 1,056 أسيرا من الجانبين، في أكبر صفقة تبادل منذ بدء الحرب. وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت الأمم المتحدة فشل جولة مفاوضات بشأن صفقة جديدة أخرى لتبادل الأسرى بين الحكومة والحوثيين، في العاصمة الأردنية عمان، بعد مرور نحو شهر على انطلاقها. وسط خلافات وتبادل الاتهامات بين الطرفين بالعرقلة.

"قضية التبادل شائكة" تعتقد الراعي، رئيسة المنظمة: "فهي بشكل مستمر تفتح شهية الحوثي في المزيد من الاختطافات، حتى يتسنى له المبادلة بأسراه الذين يتواجدون في الجانب الأخر"- تقصد قوات الحكومة. وأشارت إلى أن "التبادل يقصي ويهدد القانون، ويجعل التبادل غاية للاختطاف ويجعل الجميع يعيش الانتهاكات دون أفق أو نهاية".

وتقول، أيضا، إن عمليات التبادل "لا تشمل أي اتفاقيات لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم (...)، وتُهضم فيها حقوق المختطفين المدنيين، حيث يتم تبادل أسير معركة بمختطف مدني اختطف من مقر عمله أو الشارع".
 
في النهاية، أعربت الراعي، عن أملها، في حال حدوث أي تطور فيما يتعلق بملف الأسرى والمعتقلين، وفقا للوعود الأخيرة: في أن "يتم تبييض السجون، والعمل بشكل جاد لإطلاق سراح المختطفين دون شرط أو قيد، مع ضرورة عدم الافلات من العقاب لمرتكبي هذه الانتهاكات التي طالت المعتقلين والمخفيين قسرا".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر