اليمنييون في الخارج.. طقوس رمضانية بطعم الغُربة والحنين للوطن (تقرير خاص)

 يمارس معظم اليمنيين في المهجر طقوسهم الرمضانية، فيمسكون عن الطعام؛ غير أنهم يفتقدون لأجواء رمضان التي كانوا يتمتعون بها في بلادهم، وإن حاولوا استدعاء تلك الأجواء أو اصطناعها أحيانا..
 
 فلاشيء هناك يشبه رمضان في اليمن: لامآذن تصدح بالآذان والذكر والتسابيح بهويتها اليمنية المتفردة، ولا أسواق تعج بالمعروضات والأطعمة والحلويات الشهيرة والزينة الرمضانية، ولا طقوس دينية واجتماعية ومنزلية، توارثوها لقرون، واعتادوا عليها لعقود، قبل أن تحتضنهم المهاجر.
 
يُجمع غالبية من استطلع "يمن شباب نت" أراءهم في هذا التقرير، على أن أجواء العمل أو الدراسة هي من تفرض نفسها على يومياتهم خلال شهر رمضان المبارك في بلد المهجر؛ إلاّ أنهم يحاولون ألا يُفوّتون على أنفسهم فرصة كرمضان، فيصطنعون لأنفسهم طقوسا وأجواء تحفظ لهم بعض الذاكرة، وتُعيد لهم شيء من موروثهم وطقوسهم التي تعايشوا معها معظم حياتهم في بلدهم؛ من خلال موائد الإفطار، وتجمعات الصلاة، والسمرة لمشاهدة المسلسلات الرمضانية، والزيارات الأسرية التي حدّتها- مؤخرا- جائحة كورونا.
 
ومن بلد لآخر تتفاوت نسبة غياب الطقوس والعادات والأجواء الرمضانية، وتتحكم بذلك ظروف وعوامل مختلفة، سيرد ذكر أهمها في ثنايا التقرير..
 

صيام بلا روحانية
 
"لا روحانية، أو أجواء رمضانية هنا، للأسف.."، يتحسر الدكتور علي الزهيري، الأستاذ المساعد في الأدب الإنجليزي بإحدى الجامعات الصينية، مضيفا لـ"يمن شباب نت": "هناك طابع واحد يحكم المدينة التي أعيش فيها، وهو الدوام اليومي".
 
 أما ما يميز رمضان عن بقية الشهور، بحسب الزهيري، هو صيامه عن الطعام والالتزام بآداب الصيام، ودون ذلك فلا فوارق في حياته تذكر.
 
الانطباع ذاته يؤكده أمجد الجحافي، طالب جامعي في ماليزيا، إلاّ أنه يجد فارقاً بسيطاً في ماليزيا، باعتباره بلداً مسلماً تتواجد فيها المساجد التي تصدح بالأذان، "غير أن الأجواء هناك لا تعدو عن كونها شكليات فارغة من الروح" كما يقول لـ"يمن شباب نت".
 
وللتوضيح أكثر، يضيف الجحافي: "العبق الرمضاني الذي تتعطر منه النفوس، والنسمات الروحانية الشفيفة التي تلامس شغاف الروح، والترانيم الشجية المنتشرة في الأزقة والأسواق، ومصادح المساجد التي تبث الحياة والسكينة، والأمسيات الليلية المعطرة بالصلاة والذكر...، كل هذه الطقوس الرمضانية، وغيرها الكثير، تكاد تكون غائبة، وإن وجد البعض فهي فارغة الروح، وخاوية النفحات، وملامسة القلب".
 


من جهته يقول "اسحاق أحمد"، الذي أجبرته الحرب على الهجرة إلى تركيا، حيث أصبح يعمل هناك في القطاع الخاص: "رمضان الذي أعرفه، لم أجده هنا، وخاصة خلال العامين الأخيرين بسبب جائحة كورونا".
 
ويضيف لـ"يمن شباب نت": "رمضان الذي نعرفه؛ رمضان التسابيح والتروايح والأسمار وتلاوة محمد حسين عامر والحليلي وحلويات المُدن القديمة..، لم أجده هنا في بلد الغربة، لا شيء يُذّكرنا هنا برمضان سوى الصيام والعبادات الفردية التي نقوم بها في المنازل، باعتبار أن المساجد مغلقة بحكم كورونا".
 

"اللّمّة" تُذّكرنا برمضان

في أمريكا، الأمر قد يختلف هناك قليلا لوجود عشرات العائلات اليمنية، حسب المغترب "مسعد الخنشلي"، الذي يمضي يومه بالعمل في متجره الخاص، ويحرص على أداء الصلوات في المسجد، ويعود مساءاً إلى المنزل لتناول وجبة الإفطار، ثم الخروج مع أفراد أسرته وأسر يمنية أخرى إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية المفروضة بسبب فيروس كورونا.
 
ويقول الخنشلي لـ"يمن شباب نت" إن "صلاة التراوايح في المسجد، والتئام العائلات اليمنية في المنازل على موائد الإفطار، والأسمار الليلية..، تصنع جوا قريبا من الأجواء الرمضانية التي عشناها في اليمن".
 
لكنه مع ذلك، يجزم أن "لا شيء مثل اليمن"، مستدركا "لكننا نحاول أن نعيش جزء من تلك الأجواء هنا، خاصة مع وجود جالية يمنية وعربية مسلمة لابأس بها، إضافة إلى الحرية المتاحة في هذا البلد".
 
وأكد الخنشلي أن إدارة المدرسة، التي يدرس فيهم أبنائه، خصصت لهم مكاناً للصلاة، وسمحت لهم بأداء الصلوات في أوقاتها خلال نهار رمضان.
 
وتعتبر "اللّمّة"، أي اجتماع الأسر على مائدة واحدة أو للـ"سمرة"، أحد الطقوس الرمضان الجميلة التي يحافظ عليها معظم اليمنيين في بلاد الإغتراب، لما لها من ميزات إنسانية ووطنية وإجتماعية مختلفة..
 
وهو ما يشير إليه الدكتور علي الزهيري، الذي يرى أن "التئام المغتربين في شهر رمضان من كل المدن الصينية، عبر الافطار والزيارات، هي أكثر اللحظات الاستثنائية في سنوات الغربة، حيث يتولد شعور لا يوصف لدى المغتربين عندما يلتقون كأبناء وطن واحد، وكأسرة واحدة، على مائدة واحدة وفي خير الشهور".
 
يقول الزهيري لـ"يمن شباب نت": في هذه اللقاءات، يتجسد معنى وحب الوطن في كل فرد منّا، بغض النظر عن توجهاته الفكرية، أو المذهبية، أو الحزبية.. ونشعر وقتها فقط بروحانية وأجواء رمضان ودفء الأخوة".


 

رمضان اليمني بين العرب

وفي دول عربية، مثل السودان، تحضر الأجواء الرمضانية بشكل أكبر، لا سيما في المساكن الطلابية الخاصة بالطلاب اليمنيين، حيث يجتمعون في مساكن جماعية، ويحاولون خلق أجواء رمضانية (يمنية) تُنسيهم أوضاعهم الصعبة التي مروا بها طوال العام.
 
وبحسب محمد عبد الرقيب عضو اتحاد الطلاب هناك، فقد ساهمت المساكن الطلابية في السودان بشكل كبير في إبقاء الطلاب اليمنيين في الأجواء الرمضانية، إضافة إلى القواسم المشتركة التي تربط الشعبين اليمني والسوداني.
 
وبهذا الخصوص، أضاف عبد الرقيب لـ"يمن شباب نت" أن إتحاد الطلاب وضع برنامج رمضاني للمساكن الطلابية ليتسنى لهم العيش في أجواء روحانية خلال الشهر الكريم، ويشمل ذلك: عمل إفطار جماعي، وأداء صلاة التروايح، وأسمار تتضمن فعاليات ثقافية مختلفة.
 
وفي السعودية، حيث الجالية اليمنية الأكبر، تجتمع الأسرة اليمنية على موائد الافطار المزينة بكل أنواع الأكل الشعبي اليمني.
 
وثمة ميزة إضافية أخرى، يتميز بها اليمنيون في السعودية، كما يؤكد الكاتب الصحفي المقيم في الرياض "يوسف الدعاس"، وتتمثل بـ"العزائم" الرمضانية، حيث غالبا ما تقوم الأسر اليمنية الميسورة بفتح موائدها أمام المغتربين الشباب الذين لا عوائل لهم، فيقومون بدعوتهم لمشاركتهم موائدهم.
 
ويضيف الدعاس، في حديثه لـ"يمن شباب نت": "لا يكتفي اليمنيون بنشر أكلاتهم الشعبية لليمنيين هناك فقط، بل ويُعِّرفُون الأسر السعودية وأبناء الجاليات الأخرى على أسرار وطريقة إعداد تلك الاكلات، حتى أن عدد من الجاليات العربية باتوا يشتركون مع اليمنيين في الكثير من الأكلات الشعبية، كـ: الشفوت، والفحسة، وبنت الصحن، والعريكة، والفتة بأنواعها، وغيرها..".
 

"المائدة اليمنية".. الموروث الغائب الحاضر

يحرص عدد من المغتربين اليمنيين في الخارج على إحياء تقاليدهم وعاداتهم الشعبية الرمضانية. حتى أنهم، في أي بلدٍ يهاجرون إليه، يصطحبون معهم أطباقهم ومأكولاتهم التي تذّكرهم باليمن..
 
 فلا يكاد يوجد بلد يتواجد فيها يمنيون، إلاّ وتتزين موائدهم الرمضانية بوجبات يمنية شهيرة تذّكرهم بأجواء هذا الشهر الكريم، كـ: السنبوسة، والشفوت، والسحاوق والشوربة بأنواعها..، إضافة إلى أطباق الحلويات اليمنية المختلفة.
 
في أمريكا، مثلا، دائما ما يحرص "الخنشلي" وأفراد أسرته، على أن تحتوي مائدتهم الرمضانية على كل مكونات المائدة اليمنية، في الداخل اليمني، "فإضافة إلى مذاقها الرائع وفوائدها الصحية"، كما يؤكد الخنشلي، يضيف: "نحن هنا متمسكون بالوجبات اليمنية رغم طول سنوات غربتنا، لأنها جزء من هويتنا ولن نفرط بها".
 
ومن تركيا، يقول اسحاق أحمد إن "هناك طقوس رمضانية كثيرة، ربما نكون قد افتقدناها في بلد الغربة، إلاّ أننا لن ننسى "السنوبسة" و"الشفوت"، باعتبارها جزء من موروثنا في المائدة الرمضانية اليمنية".
 
"لا أعتقد أن أحد لا يعجبه السنبوسه والشفوت"، يضيف إسحاق، الذي يؤكد على أنه أهدى لجيرانه الأتراك هاتين الوجبتين، وقد أعجبوا بها، بل وتعلموا صناعتها.
 
في ماليزيا، حيث يتواجد عدد من الطلاب المبتعثين للدراسة، ويمنيين آخرين دفعتهم الحرب إلى الهجرة، توجد متاجر لبيع "الرواني والبقلاوة والمهلبية"، وهذه أطباق تحلية يمنية، وتشتهر أكثر في رمضان. ويؤكد "أمجد الجحافي" أن اليمنيين يُقبلون على شراء تلك الحلويات بكميات كبيرة، وهناك من يطلبها عبر التطبيقات الألكترونية.


 

الشاشة اليمنية.. صورة الوطن

بعيدون عن الوطن، حاضرون في أوجاعه. بهذه العبارة يمكن تلخيص حال كثير من اليمنيين في الغربة، خصوصا أولئك الذين يبحثون عن وطنهم عبر الدراما اليمنية التي تغزوا الفضائيات في رمضان..
 
فخلال شهر رمضان تتسابق القنوات اليمنية في إنتاج المسلسلات والبرامج الرمضانية، التي تعكس واقع البلد، وتحكي تفاصيل يومياته بقوالب مختلفة. وهذه البرامج تحظى بطبيعة الحال بنسب مشاهدة كبيرة من قبل اليمني في بلد المهجر باعتبار أن تلك الشاشات هي همزة الوصل بين الداخل والخارج.
 
ذلك ما يؤكده "يوسف الدعاس"، المغترب في السعودية، حيث يقول إن "يوميات الحرب والمعاناة، والدراما الإجتماعية، والمسلسلات الترفيهية، والبرامج الدينية والتوعوية..، كلها برامج تلقى قبولاً عند اليمنيين في بلد المهجر، لأن اليمني- كالعادة- مرتبط بكل شيء له علاقة بالوطن، حتى وإن أجبرته الظروف على مغادرته".
 
وفيما يتعلق برمضان، ودوره في هذا الجانب، يقول إن "لرمضان حضور في وجدان اليمنيين من خلال المسلسلات التي تُعرض وتعيد اليهم ذاكرتهم للأيام الخوالي.. لذا تجد القنوات اليمنية هي المسيطر الأبرز على اهتمامات اليمنيين في ليالي رمضان".
 
وفي أمريكا أيضا، تتابع الجالية اليمنية الإنتاجات الرمضانية للفضائيات اليمنية "باهتمام بالغ"، بحسب المغترب "الخنشلي"، الذي يؤكد أن "الكثير من المشاهدات، تذهب نحو الدراما والبرامج التي تحاكي الواقع التي تعيشه البلاد".



ومن السودان يؤكد المغترب اليمني محمد عبدالرقيب أن "الوطن بكل عاداته وتقاليده، ينبض في كل قلب يمني يعيش في المهجر السوداني"، مضيفا "ومتابعة الدراما اليمنية والبرامج الرمضانية، هي جزء من ذاكرة وعادة المهاجر اليمني هناك، ولم يتركها تحت أي ظرف".
 
من جهته، يقول أمجد الجحافي، من ماليزيا، إن "كل طقس من طقوس رمضان يشدنا عبر الأثير صوب الوطن، يمدنا بمزيد من الهمّة والعزيمة والإرادة، حتى البرامج الرمضانية المختلفة نعيش مع أجوائها، باعتبارها صورة الوطن المتجذر فينا وملامحه الغائبة عنا".
 
ثم يضيف: "نتابع الشاشة اليمنية، وكلنا أمل أن يُرفع عن بلادنا ماحل بها من محن ومصائب، ويحدونا الحنين إلى إلتئام الشمل بالأهل والأصحاب".
 
بإستثناء إسحاق أحمد، في تركيا، الذي يؤكد ألا شيء مما يعرض على الشاشة اليمنية يشده ويِدعوه للمتابعة، منتقداً ما سمّاه "رداءة المنتج اليمني"، الذي يرى أنه "عادة مايُنتج على استعجال". الأمر الذي جعله يتوقف عن مشاهدة برامج رمضان منذ عدة سنوات. كما يقول.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر