"كورونا".. قاتل مجاني يتجول بحرية ويغتال صمام أمآن الأُسر (تقرير خاص)

[ فيروس كورونا.. قاتل مجاني متجول يغتال صمام امآن الأسر ]

  قرابة ثلاثة أسابيع، وأولاده يتنقلون من مؤسسة طبية إلى أخرى، بحثًا عن أسطوانة أكسجين تنقذ أباهم من شبح "كورونا" الساكن في رئتيه..
 
في نهاية المطاف، توفى الحاج "محمد قائد"، البالغ من العمر 55 عاما، عائل الأسرة الذي كان يناضل لتوفير لقمة العيش لأسرته المكونة من شابين و6 بنات، إحداهن تعيش في كنفه مع أطفالها الأربعة، بعد أن تركها زوجها بسبب ظروفه الصعبة..!!
 
وقبل الخوض في التفاصيل، ننوه هنا، إلى أن مأساة الحاج "محمد"، وأسرته، ليست سوى نموذج، تشبهه عشرات القصص المأساوية المشهودة في محافظة تعز، وغيرها من المحافظات اليمنية الأخرى. حيث يواصل معظم الأباء نضالهم لتوفير سبل العيش لأسرهم، دون التزام إجراءات الوقاية والحماية من الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد-19)..
 
ذلك أن معظم الناس في هذه البلاد المُدَمَّرَة، بفعل أكثر من ست سنوات من الحرب، أصبحوا مخيرين اليوم- بعد تفشي جائحة كورونا- بين نارين، أحلاهما مُرُّ:

- نار الخضوع لمثل تلك القيود الإجرائية، للوقاية من الفيروس القاتل. مع تحمل كل ما سينجم عن ذلك من مخاطر، أبرزها تعريض حياة الأسرة كاملة للمجهول، بسبب تفشي الفقر، وإنعدام سبل العيش..

- نار التمرد، ورفض الإلتزام بتلك الإجراءات، بهدف توفير أحتياجات الأسرة، في ظل ما خلقته الحرب من أنهيار اقتصادي جعل أكثر من 80 % من الشعب بحاجة إلى مساعدات إنسانية للبقاء. 




معاناة الحرب والمرض

مع اندلاع الحرب، اضطر الحاج "محمد"، القاطن شرق مدينة تعز، أن يغادر المحافظة للعمل "مقاولًا" في مديرية "الخوخة" التابعة لمحافظة الحديدة، غربًا، بعد انعدام سبل العيش في محافظة تعز، وعدم وجود عمل مناسب لتوفير لقمة العيش له وأسرته.
 
لم يستمر الحاج محمد طويلا في العمل، حيث أسعف من مديرية "الخوخة" إلى مدينة تعز، بعد مرضه الشديد، الذي لم تستطع مراكز ومستشفيات المديرية معالجته من مرضه، الذي أعتراه فجأة، ولم يكونوا يعرفون حينها ما هو بالضبط؟  
 
في ذلك اليوم، تلقى النجل الأكبر "وليد" إتصالا من صديق والده يبلغه أن حالة أبيه ساءت كثيرًا. أضطر الإبن إلى التحرك والسفر لأخذه وإسعافه إلى تعز.
 
يقول وليد لـ"يمن شباب نت": وحين وصلنا إلى مدينة تعز، أسعفناه إلى مستشفى السلامة التخصصي (خاص)، وهناك تم تشخيصه الأولي باشتباه إصابته بكورونا، وحينها طلب منا الطبيب عمل "مسحة" للتأكد من إصابته وعزله في أحد مراكز العزل.
 
ويقول الطبيب "لطفي المقطري"، الذي شخّص الفيروس، إن نسبة الأكسجين لدى المريض، عند وصوله المستشفى، كانت 70%، ويعاني من ضيق في التنفس وارتفاع في الحرارة، وضعف في حاستي الشم والتذوق.
 
وأضاف الطبيب لـ"يمن شباب نت": "وبعد أن تأكد لنا أنه مصاب بكورونا، قمت بتحويله فورًا، لعدم توفر الإمكانيات لمواجهة الفايروس لدينا في المستشفى". وكان الطبيب يقصد أنه أوصى أسرة المريض بتحويله إلى مركز العزل بالمستشفى الجمهوري بتعز.
 

مخاوف.. وعزل منزلي

لكن؛ نظرا للسمعة السيئة التي يعاني منها مركز العزل، خافت الأسرة على الأب، ورفضت اسعافه إلى المركز، وبدلا من ذلك فضلوا عزله في المنزل..
 
يقول "وليد"، إنه حين تم تحويلهم إلى مركز العزل، تواصلوا بممرض معروف لديهم، يعمل في مركز العزل، والذي عزز لديهم تلك المخاوف: "أخبرنا عن الإهمال الحاصل في مركز العزل بالمستشفى الجمهوري، والمميزات التي يحظى بها المسؤولين الكبار، على حساب بقية الحالات التي تتعرض غالبا للإهمال.. بما في ذلك عدم توفر الأكسجين، وضيق مساحة المركز ومحدودية الأسِّرَة"..
 
وأضاف: "لقد زاد ذلك من قلقنا وخشيتنا من عدم الإهتمام بوالدنا، فقمنا بعزله في المنزل، ووفر لنا أحد فاعلي الخير جهاز توليد أكسجين مؤقتًا، ريثما نقوم بتعبئة اسطوانات الأكسجين الفارغة"..
 
وتحدث "وليد"، عن الصعوبات البالغة التي واجهتهم في توفير الأكسجين "بسبب عدم توفرها بسهولة وصعوبة تعبئتها، وكذلك بسبب سعرها الباهض". كما يقول.

 


تعز تعاني

وكان مدير مكتب الصحة بمحافظة تعز، راجح المليكي، حذر في مؤتمر صحفي، في وقت سابق من شهر أبريل الجاري، من تعرض حياة آلاف المرضى في المحافظة للخطر؛ نتيجة عدم توفر غاز الأكسجين بالكميات المطلوبة.
 
وأكد مدير الصحة، حينها، أن الأجهزة الصحية في المحافظة تعاني من مشكلة كبيرة في توفير غاز الأكسجين للمرضى، مشيرا إلى أن مركز العزل الصحي في المستشفى الجمهوري تستهلك ما يقرب من 200 أسطوانة يوميًا.
 
وبحسب معلومات حصل عليها "يمن شباب نت"، في وقت سابق، من مصارد طبية، توجد في محافظة تعز محطتين لتعبئة أسطوانات الأكسجين؛ الأولى في مستشفى التعاون بقدرة إنتاجية تصل إلى قرابة 300 اسطوانة يوميا؛ والثانية في مستشفى الثورة الحكومي وتنتج قرابة 120 أسطوانة يوميا.
 
ويلجأ الكثير من المواطنين إلى عزل مصابيهم في المنازل، وتوفير الأكسجين لهم عن طريق شرائه بأسعار باهضة، الأمر الذي تسبب في نشوء سوق جديدة للمضاربة على الأكسجين، ما تسبب بدوره في الضغط على محطات تعبئة الأكسجين.
 
وحسب الإحصائية الأخيرة التي سجلتها منظمة التثقيف والإعلام الصحي بتعز، فقد تم اكتشاف 15 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس يوم الخميس (22 أبريل)، ليرتفع العدد الإجمال إلى 869 حالة مؤكدة في المحافظة، مند بداية العام الجاري (2021)، بينها 103 حالة وفاة.
 
وحمًل نائب إدارة الإعلام بمكتب الصحة في تعز، تيسير السامعي، منظمة الصحة العالمية جزء من المسؤلية في هذه الأزمة..
 
 وقال السامعي لـ"يمن شباب نت": تتحمل منظمة الصحة العالمية مسؤولية مباشرة تجاه الكارثة الصحية التي تشهدها مدينة تعز بسبب انتشار وتفشي فيروس كورونا، كون اليمن في حالة حرب، ونظامه الصحي منهار، وتحت البند السابع (من ميثاق الأمم المتحدة)..
 



نهاية مأساوية

 بعد الجهود التي بذلتها أسرته، واهتمام أولاده به؛ بعزله منزليا وتمكنهم من شراء وتوفير الأكسجين اللازم له بصعوبة كبيرة، مع استمرارهم في استشارة الأطباء؛ تماثل الحاج محمد قائد للشفاء، لتعود إليه صحته تدريجيا..
 
إلا أن فرحة الأسرة بنجاة صمام أمآنها لم يستمر طويلا، فقد حدثت الانتكاسة فجأة، فبمجرد أن علم الأب بتعرض أدواته الخاصة بالعمل للسرقة، تدهورت حالته مجددا، ليسعف مرة أخرى إلى مستشفى الثورة، وهناك أخذت منه عينة مسح لكورونا، ليكتشف إصابته بالفروس، ولكن بعد وفاته بيوم..!!
 
رغم كل محاولاتهم، لم يستطع أولاد الحاج محمد إنقاذ أبيهم، الذي بوفاته تكون الأسرة قد فقدت عائلها الرئيس الذي يمدها بالأمان، لتبدأ بذلك معاناتهم الكبرى مع الحياة الجديدة، حيث يتوجب عليهم مواجهتها بعيدا عن تلك الطمأنينة التي كان يوفرها لهم جدار الأسرة الأهم..!!
 
وها قد بدأ ذلك لتوه مباشرة؛ بعد اكتشاف إصابة الأم بعدوى الفيروس، لتعود معاناة إيجاد النقود لتوفير أكسجين الإنعاش مجددا. والله أعلم ما إذا كان الأمر سينتهي عندها، أم سيواصل القاتل المجاني طريقه قدما بدون رادع..؟!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر