"غلاء للبذور والأسمدة".. المزارعون بمأرب يخوضون حرب أخرى من أجل العيش

[ مزارع في وادي عبيدة بمأرب يمارس عملة في تهيئة الأرض لوضع البذور لزراعة محصول جديد (تصوير: صدام المدني) ]

ألقت الحرب الدائرة منذ ستة أعوام في اليمن بكاهلها على جميع القطاعات الرئيسية التي تعتمد عليها الدولة والمواطنين كمصادر دخل، ومنها القطاع الزراعي الذي شهد تدهور غير مسبوق، حيث يعمل كثير من اليمنيين في الزراعة، والذين يقدرون 53% من الأيادي العاملة، بحسب التقارير الرسمية.


ولأن نصف سكان اليمن يعتمدون على عوائد الإنتاج الزراعي ويعد مصدر رئيسي لدخلهم، إلا أن هذا القطاع بدأ بالتراجع تدريجياً خلال السنوات الماضية، حيث اضطر البعض للهجرة إلى دول الجوار للبحث عن مصدر رزق كفيل بتلبية احتياجاته المعيشية.
 

في محافظة مأرب (شرق اليمن) والتي تتمتع بمناخ وتضاريس جعل من أرضها خصبة وصالحة لزراعة الكثير من أصناف الفواكه والخضروات والحبوب، وأبرزها البرتقال والليمون والبطاطس والطماطم والقمح والسمسم والشعير، وأنواع أخرى من الخضروات، إلا أن كل هذه المميزات لم تشفع لمزارعي المحافظة وتخفف من معاناتهم التي يواجهونها وتشكل عبئا وعائقا أمام الكثير منهم، خصوصاً محدودي الدخل أومن يعتمدون على ما تجنيه محاصيلهم الزراعية من فوائد.
 



 
الحرب وزيادة المعاناة
 
مع اشتداد الحرب حاليا في مأرب، لا يخلو التحرك في المحافظة من المخاطرة، لكن ومع الاقتراب أكثر من المزارعين في المساحات الواسعة الخضراء بوادي عبيدة والتي يغديها سد مأرب بالماء طوال السنة، ترى المزارعون يمارسون حياة طبيعة رغم الصعوبات والمشاق التي يواجهونها.


وتشهد مأرب تصعيداً غير مسبوقاً في المعارك الدائرة على أطرافها الشمالية والغربية والجنوبية، ورغم ذلك يواصل المزارعون العمل في أراضيهم، غير عابئين بالمخاطر التي ستواجههم ومنها مشكلة انقطاع "الطريق العام" التي تسبب المعارك بقطعها بين الفينة والأخرى.
 

بالإضافة إلى استغلال عصابات التهريب وسائل نقل المحاصيل لتهريب العملة الوطنية والحشيش والسلاح، والآثار، مما يسبب بالتشديد من قبل نقاط الأمنية على عملية نقل محاصيل المزارعين حيث يتم التفتيش وقت طويل.

 
وقال مدير إدارة الخدمات الزراعية بمكتب الزراعة بمأرب محمد كابع "إن المشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي بالمحافظة بشكل عام، تتمثل بارتفاع أسعار المدخلات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات وارتفاع أجور الحصاد والحراثة للآلات الزراعية وكذلك أسعار(البذور) ومنها بشكل خاص بذور البطاطس والطماطم والبصل وغيرها".

 
وأضاف "إن الحرب فاقمت المعاناة بشكل كبير خصوصا وأن الأسواق خارج المحافظة مما عرض المزارع لأعباء كثيرة، منها ارتفاع أجور النقل، وتوقف سيارات النقل التي تحمل المحاصيل في النقاط الأمنية والعسكرية وعرقلتها على امتداد الطرقات من المزارع إلى الأسواق مما يسبب بتلف للمحاصيل".
 
 
ارتفاع أسعار البذور وانهيار العُملة
 
تختلف أنواع البذور والشتلات الزراعية، - بحسب حديث المزارعين – حيث يوجد في السوق أنواع مختلفة، ويتعرض المزارعين لعملية الغش من قبل تجار البذور وهو ما ينعكس على قلة الإنتاج في المحصول، ويسبب بمضاعفة المعاناة لدى المزارع الذي يصاب بخيبة أمل نهاية الموسم.
 

عزام بن فهيد (35 عام) - مزارع في مأرب - يقول "إن أبرز المشاكل التي نواجهها منذ بداية الموسم الحالي هي غلاء البذور التي عانى منها الكثير، حيث يتم شراء البذور من صنعاء لأنه لا يوجد وكالات رسمية أو خاصة توفر لنا البذور بأنواعها بمدينة مأرب".
 

وأضاف "نضطر للسفر إلى صنعاء، فتواجهنا مشقات كثيرة بسبب مسافة الطريق الطويلة، لأن الطريق الرسمية مقطوعة والتي (مأرب – نهم – صنعاء) ناهيك عن العرقلة التي تواجهنا أثناء المرور من النقاط الأمنية".
 

وقال فهيد: "أنا أحد المزارعين الذين تعرضوا لعملية غش عند شراء البذور وغيري الكثير، فقد تفاجئنا عند حصاد البطاطس بكمية المحصول القليلة التي وصلت لنصف الكمية عن العام الماضي، بالإضافة إلى الامراض التي تعرضت له الثمرة بعدد من الحشرات مثل (الذبابة البيضاء ودود التربة وسوس درنات البطاطس) وتكبدنا خسائر كبيرة وكان موسمنا بغير فائدة".

 
ويمتلك المزارع "فهيد" مزرعتين كبيرتين في مديرية الوادي، يزرع فيها البطاط والطماطم، ويبذل جهدا كبيرا حتى نهاية الموسم، يتحدث عن الصعوبات التي تواجه بشكل مستمر بسبب الحرب.

 
وقال "ان الوكالات والمؤسسات الخاصة بتوريد البذور المختلفة في صنعاء، لا تبيع إلا بالعملة الأجنبية أو بالطبعة القديمة من العملة الوطنية، حيث يمنع الحوثيون التعامل بالطبعة الجديدة"، ويمنع الحوثيون التعامل بالطبعة الجديدة للعملة الوطنية التي أصدرتها الحكومة المعترف بها دوليا.
 

وتابع فهيد "لذا نلجأ لشراء العملات الأجنبة من مدينة مأرب بأسعار مرتفعة نتيجة لتدهور الريال اليمني (الدولار 920 بمأرب)، بالرغم أن في صنعاء أقل بكثير، وهذا شكل علينا عبئاً كبيرا بالإضافة إلى المشاكل التي تواجهنا".
 
 
الأسمدة والسوق السوداء
 
شكل القرار الوزاري التي أصدرته الجهات الحكومية وقضى منع استيراد الأسمدة (مادة اليوريا) عقبة أخرى أمام المزارعين، ومعاناة جديدة تسببت لهم بمزيد من الخسائر والمعوقات، وجاء قرار منع استيراد الأسمدة نتيجة استخدام مادة اليوريا من قبل الحوثيين في الأغراض العسكرية.
 

عبد الرحيم فرج (42 عام) "مزارع في مأرب"، يرى "ان قرار منع استيراد الأسمدة من قبل الحكومة، لم يراعي معاناتنا، وفتح شهية لتجار السوق السوداء بالمتاجرة به والمضاربة بأسعاره، حيث ارتفعت أسعاره بشكل جنوني والتي تعدت إمكانياتنا المادية".
 

وأضاف "الحكومة لم تقدم لنا حلول او تسهيلات لكيفية الحصول على الأسمدة، لذا نضطر للشراء من السوق السوداء وبالأسعار التي يفرضوها وبالعملة الأجنبية، من أجل الاستفادة من محاصيلنا الزراعية".
 

ويضرب "فرج" مثالا بعملية حسابية إذا كنت تملك مزرعة مساحتها 12 فندان وتريد زراعتها بالبطاطس، فأنت بحاجة لـ 700 كيس من البذور أي بما يعادل 35 طن، وكذلك بحاجة لـ 70 كيس من مادة اليوريا لتغطية هذه المساحة (الكيس يزن 50 كجم)، وبسعر 60,000 ريال يمني لكل كيس (ما يعادل 66دولار أمريكي).
 

ويشكو المزارعين من غياب دور المنظمات المهتمة بالمجال الزراعي، حيث أنها لم تقوم بأي زيارة لمزارعهم أو تقديم أي دعم سواء مادي أو معنوي كالاستشارات الزراعية والنصائح وغيرها.
 

ويريد المزارعون الجهات الرسمية دعم القطاع الزراعي وتفعيل دور الرقابة وفحص جودة البذور المستوردة بما يتناسب مع مقاييس ومعايير الجودة المعمول بها، ويطالبون المنظمات بالقيام بواجبها تجاه مزارعي المحافظة أسوة بمزارعي بقية المحافظات.
 
 
عملية تسويق غير مخططة
 
ويعاني المزارعين أيضاً من مشكلة تسويق المحاصيل الزراعية خاصة الطماطم والبطاطس والبرتقال، لعدم توفر أسواق خارجية لتسويقها، وانكفائها على الاسواق المحلية التي شهدت انحسار وتراجع كبير.
 

ولا يوجد أي تسويق منظم، بحيث يقوم بدراسة الأسواق واحتياجات المواطنين، لتقديم ارشادات للمزارعين للاستفادة منها، في إنتاج وزراعة المحاصيل المختلفة، بالإضافة إلى أن استيراد منتجات خارجية بنفس الاصناف التي ينتجها المزارع اليمني، انعكست ذلك سلبا على المزارع، وكبدته خسائر.
 

وأدى انخفاض الدعم الحكومي وغياب الخدمة الإرشادية الزراعية الحكومية، إلى كثرة العرض وقلة الطلب خاصة محاصيل الطماطم التي ارتفع أسعارها خلال أشهر من العام 2020 بشكل جنوني.
 

حيث بلغ سعر الكيلو جرام 2,500ريال يمني، فشكل هذا الارتفاع إقبال المزارعين لزراعته، ليتفاجؤوا بكثرة العرض وقلة الطلب عليه خلال الأشهر الماضية، حيث يباع الكيلو الجرام الواحد في مدينة مأرب بـ 100ريال يمني، وهو ما كبد المزارعين خسارات هي الأسوأ.
 

ولا توجد أي مؤسسات رسمية أو خاصة تقوم بحفظ المحاصيل لأوقات أخرى في السنة، حيث تعمل على موازنة البيع في السوق المحلية، بحيث يستفيد المواطن من شراء المحاصيل بأسعار مناسبة خلال السنة، وأيضا لا يتعرض المزارعين لخسارات.


- فيديو :




مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر