حصاد نصف شهر من معارك تعز (تقرير خاص + أنفوجرافك + خريطة السيطرة)

[ تشهد تعز مواجهات متواصلة، أكثر ضراوة، بين قوات الجيش الوطني التابع للحكومة، وبين المتمردين الحوثيين/ AFP ]

  نصف شهر على إطلاق قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، عملية عسكرية، وُصفت بـ"الواسعة"، مطلع مارس/آذار 2021، في محاولة لفك الحصار عن المحافظة المطوقة من ميليشيات الحوثي منذ خمس سنوات.
 
 نجحت العملية، حتى الأن، في تحرير عدد من المناطق والمرتفعات الجبلية ذات الأهمية الاستراتيجية، لاسيما في الجبهتين الغربية والجنوبية الغربية. وخسرت مليشيات الحوثي الانقلابية العشرات من عناصرها بين قتيل وجريح وأسير، فيما دُمرت عدد من الأليات العسكرية الحوثية، وغنم الجيش الوطني عدد آخر منها.
 
 
"مأرب" تفتح بابًا لـ"تعز" 
 


تأتي هذه العملية العسكرية للجيش الوطني، بعد أن كانت جبهات تعز قد شهدت خلال العامين الماضيين حالة من الجمود، باستثناء بعض المحاولات التي خاضتها قوات الجيش للتقدم واستعادة مواقع من قبضة الحوثيين أواخر العام 2020، لكن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح المطلوب.
 
وجاءت المعارك الأخيرة في تعز، بالتزامن مع اشتداد المعارك في محافظة مأرب (شرق البلاد)، منذ مطلع فبراير/ شباط، الماضي، إثر هجوم شنته مليشيات الحوثي- وصف بأنه الأعنف منذ بدء الحرب في البلاد- على المحافظة الغنية بالنفط والغاز، من عدة اتجاهات، بهدف إخضاعها وفرض السيطرة عليها.
 
وتسبب فشلها في إحراز أي تقدم في محافظة مأرب، طوال الشهر الأول من الهجوم- نتيجة استبسال الجيش الوطني وقبائل مأرب، وصمودهم "الأسطوري"- في إنهيار معنويات مقاتلي الميليشيات في مختلف جبهات البلاد. الأمر الذي استغله الجيش الوطني بتعز، ليتحول من وضعية الدفاع إلى الهجوم، في إطار عمليته العسكرية الموسعة التي أعلن عنها مطلع الشهر الجاري.
 
 
وفي هذا التقرير، سنحاول تسليط الضوء على المعارك التي شهدتها محافظة تعز خلال الفترة من 2 - 18 مارس/آذار الجاري..
 
 
الريف الغربي
 
 خلال الأسبوع الأول من المعارك، أحرز الجيش الوطني بتعز- بمساعدة المقاومة الشعبية في مناطق المواجهات- تقدما سريعا وخاطفا في عدد من الجبهات، أبرزها وأهمها جبهة الريف الغربي للمحافظة، حيث تساقطت مواقع الميليشيات الانقلابية بشكل متسارع، نتيجة أنهيار معنوياتها، والضعف الذي عانته مؤخرا بعد سحب عدد من عناصرها المقاتلة إلى جبهة محافظة مأرب، لتعزيز هجومها الفاشل هناك.
 
- في الرابع من الشهر، أي بعد يومين من انطلاق العملية العسكرية، تمكن الجيش الوطني في تعز من تحرير كامل عزلة "الأشروح" بمديرية "جبل حبشي"- التي تكمن أهميتها الاستراتيجية بكونها تتوسط جبهتي "مقبنة" و"الكدحة".
 
كان عنصر المباغتة حاسما، ما جعل عناصر مليشيات الحوثي، التي ظلّت محتفظة بسيطرتها على أجزاء من هذه العزلة لنحو ثلاثة أعوام، تجد نفسها عاجزة عن مواجهة قوات الجيش الوطني المندفع بحماسة عالية.
 
بعد السيطرة على "الأشروح"، توسعت المعارك باتجاه عزلة "اليمن"- جنوب مديرية مقبنة. وتكمن الأهمية الأستراتيجية لعزلة "اليمن"، لوقوعها في الحدود الفاصلة بين مديرية مقبنة، وجبهة الكدحة (مديرية المعافر)..
 
في هذه الأثناء، تمكنت قوات الجيش الوطني من تحرير عدد من المواقع أبرزها: "جبل الممطار"، المطل على منطقة "الطوير"، والمشرف على عزلة "اليمن" بالكامل؛ كما تمت السيطرة على جبل "رحنق" الذي يشرف على منطقة "قهبان"..
 
استخدم الجيش عنصر الهجوم المزدوج، في أكثر من محور، ما مكّنه من تحقيق تقدم ميداني متسارع، والسيطرة على مناطق توصف بـ"الحاكمة"، رغم التضاريس الجبلية الصعبة التي يمتاز بها الريف الغربي للمحافظة..


 
- في الـ10 من الشهر، أصبحت قوات الجيش مهيمنة، بشكل كبير، على مساحة تقدر بـ30 كلم مسافة جوية. حيث أعلنت، في هذا اليوم، استكمال تحرير منطقة "الكدحة"، والالتحام بالقوات المشتركة، المتواجدة في مديرية "الوازعية"، وذلك بعد ساعات من إعلان التحام جبهتي الأشروح (مديرية جبل حبشي)، والكدحة التي تعتبر آخر معاقل الحوثيين في مديرية المعافر.
 
تاليا؛ واصلت قوات الجيش الوطني التقدم باتجاه جبل "غباري" الاستراتيجي، والمطل على مساحة كبيرة من مديرية الوازعية، وتمكنت من السيطرة عليه بعد معارك عنيفة.
 
(ملاحظة: أستحدثت جبهة الكدحة مطلع العام 2017، خلال عملية عسكرية أطلقتها قوات الجيش في تعز، بالتنسيق مع التحالف العربي، بهدف التقدم باتجاه منطقة "البرح" في مديرية "مقبنة"، وقطع خط إمداد الحوثيين باتجاه مدينة "المخأ" الساحلية- التي كانت تشهد حينها عملية عسكرية لتحريرها من الحوثيين من قبل القوات المشتركة. غير أن جميع محاولات تحرير الكدحة، السابقة، باءت بالفشل، لتستقر فيها المعارك بين كرٍ وفرّ، حتى تحريرها مؤخرا)
 
 
"مقبنة".. الهدف التالي الأهم
 
ولا تزال المعارك تدور حاليًا، في منطقة" الطوير الأعلى" بعزلة "اليمن" بمديرية مقبنة التي يتقاسم الطرفين (الجيش والحوثيين) السيطرة عليها. وتسعى قوات الجيش لاستكمال السيطرة عليها، في حين يستميت الحوثيون بالدفاع عنها، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية، كونها تقع في حدود مديرتي مقبنة والمعافر.
 
وفي حال تمكنت قوات الجيش من السيطرة على منطقة الطوير الأعلى، يمكن لها التقدم باتجاه جبل "الزهيب" المؤدي إلى سلسلة جبال "العُرف"، المطلة على مصنع البرح والخط الاسفلتي في مركز مديرية مقبنة.
 
وتعتبر "مقبنة" ثالث أكبر مديريات المحافظة من حيث المساحة، وتحدها من الشمال محافظتين، تقعان تحت سيطرة الحوثي، هما: محافظة الحديدة الساحلية (عبر مديريتي حيس و جبل رأس)، ومحافظة إب (عبر مديرية العدين). ومن الشرق تحدها مديرية "شرعب الرونة" (تحت سيطرة الحوثي) في محافظة تعز..
 
 بينما بقية الجهات الأخرى، تحيط بها مديريات، تقع ضمن سيطرة القوات المشتركة (موالية للتحالف والإمارات)، وقوات الجيش الوطني بتعز: فمن الغرب تحدها مديريتي "موزع" و"المخا" (قوات مشتركة)؛ أما من الجنوب فتحدها مديريتي "المعافر" و"موزع"، وجزء من مديرية جبل حبشي (قوات الشرعية).
 


- في 16 مارس الجاري، فتحت قوات الجيش جبهة جديدة في نهاية الحدود الشمالية لمديرية جبل حبشي، حيث شنت هجوما على مواقع تمركز الحوثيين في جبهة "العنيّن" بعزلة بلاد الوافي، وحررت جبال "شرف العنيّن"، وتباب "الجبيرية" و"الصفراء" و"المشبك" و"الاقحاف"، كما سيطرت أيضًا على جبل "الصراهم" الاستراتيجي، المطل على طريق "تعز- البرح" المؤدي إلى مدينة المخأ الساحلية (تابعة لمحافظة تعز)، وإلى محافظة الحديدة أيضا.
 
لكن مليشيات الحوثي دفعت بتعزيزات كبيرة، وتمكنت- خلال نحو 24 ساعة- من استعادة جبل الصراهم، في حين تراجعت قوات الجيش إلى مناطق تقع في إطار جبهة العنين، لترتيب خططها الهجومية القادمة، على ضوء النتائج والمستجدات والتحديات التي واجهتها في هذه الجبهة، وفقا لمسئول عسكري في قيادة الجبهة، تحدث مع "يمن شباب نت"، شريطة السرية.
 
 
الريف الجنوبي
 
 لم تقتصر المعارك على الريف الغربي لمحافظة تعز، حيث فتحت قوات الجيش الوطني جبهات أخرى جنوب المحافظة، كما استأنفت عمليها في الجبهة الشرقية..
 
في جنوب المحافظة، سيطرت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على مناطق واسعة في مديرية "حيفان"، إثر هجوم واسع شنته من ثلاثة محاور، شاركت فيه قوات محور طور الباحة (محافظة لحج).
 
ويعد هذا- وفقا لتصريحات قادة عسكريين- أكبر انتصار حققته قوات الجيش الوطني في هذه المرحلة. حيث تمكنت- خلال يومي (17 و18 مارس)- من تحرير تلال: الخزان، الدبعي، جاشع، الخضر، القواعدة، القببة، المشجح، وعقبة المشقب، في جبهة "الأحكوم" بمديرية حيفان.
 
ووفقًا لبيان عن قيادة محور طور الباحة، تُقدر مساحة تلك المناطق المحررة، بـ 40 كيلو متر، كانت تحت سيطرة مليشيات الحوثي منذ عام 2016 .
 
واسقطت قوات الجيش، خلال هذه المعارك، طائرتين مسيرتين مفخختين للحوثيين، وقتلت عدد من مقاتليهم، بينهم قياديين، وأسرت آخرين.
 



شرق المدينة
 
 عمليًا؛ أفتتحت المعارك الأخيرة في تعز، بهجوم مباغت شنته قوات الجيش في الجبهة الشرقية للمدينة، ضد مليشيات  الحوثي الانقلابية، مطلع الشهر، حققت خلاله تقدمًا محدودا في منطقة كلابة وحي مستشفى الحمد.
 
غير أن المعارك في هذه الجبهة، لم تستمر طويلا، حيث توقفت بعد أيام قليلة، لأسباب لم تذكر، لكنها مهدت وساعدت لمباغتت الحوثيين في الجبهة الغربية، بعد أن ركزوا قواتهم لمواجهة معركة الجبهة الشرقية، التي عادت، مؤخرا، وأستأنفت عملياتها يوم الخميس (18 مارس).
 
وفي الجبهة الجنوبية الشرقية، أيضا، شنت قوات الجيش الوطني هجوما قويا ضد ميليشيات الحوثي في منطقة "الشَقْبْ" بمديرية صبر الموادم، وحققت تقدمات بتحرير عدد من التباب الهامة، وما تزال المواجهات مستمرة على أشدها حتى اللحظة هناك.
 
وبعد مضي أكثر من نصف شهر على انطلاق العملية العسكرية، أكد محور تعز في بيان له الأربعاء الماضي (17 مارس) "استمرار المعارك في مختلف الجبهات بالمحافظة".
 

إحصائيات بخسائر الحوثيين
 
 تشير الاحصائيات، التي حصل عليها "يمن شباب نت" من مصدر عسكري بمحور تعز، إلى مقتل 112 مسلحًا من عناصر مليشيات الحوثي، بينهم تسعة من القيادات الميدانية للجماعة، وما لا يقل عن 158 مصابا، جُرحوا في المواجهات، خلال الفترة (2 – 18/ مارس)، بالإضافة إلى تدمير مدرعة و أربعة أطقم عسكرية وسيارة نوع هيلوكس، وإسقاط ست طائرات مسيّرة.
 
ووفقا للمصدر العسكري، ايضا، غنمت قوات الجيش الوطني، خلال المعارك، منصة صواريخ كاتيوشا، ودبابة، ومدرعتين، ومدفع هاوتزر، وأربعة رشاشات، واثنين معدلات.
 
ولم يفصح المصدر العسكري عن خسائر الجيش الوطني، خلال الفترة نفسها، بشكل صريح، لكنه أشار إلى أنها قليلة جدا، فيما ألمح مصدر عسكري آخر إلى أنها "لا تساوي حتى 10% من خسائر العدو". حسب وصفه. 
 

 

خارطة السيطرة والنفوذ
 
بالنظر إلى خارطة السيطرة والنفوذ في محافظة تعز (التي تبلغ مساحتها 12,605 كم²)، فإن هناك ثلاثة أطراف (جهات) تتقاسم السيطرة على 23 مديرية في المحافظة، هي: قوات الجيش الوطني (الشرعية)؛ قوات الميليشيات الانقلابية الحوثية؛ القوات المشتركة (قوات حراس الجمهورية بقيادة طارق صالح، وألوية العمالقة)..
 
ووفقا لأخر التحديثات، بناء على مستجدات المعارك الأخيرة، يمكن توزيع خارطة السيطرة بين هذه القوات الثلاث، على النحو التالي:
 

- قوات الجيش الوطني

سيطرة كاملة/ تسيطر على ثمان مديريات هي: القاهرة، المظفر، الشمايتين، صبر الموادم، المسراخ، مشرعة وحدنان، المعافر، المواسط.

سيطرة شبه كلية (90 – 95 %)/ مديريتين، هما: صالة، وجبل حبشي.
 

- مليشيات الحوثي

سيطرة كاملة/ تسيطر على خمس مديريات سيطرة كاملة، هي: التعزية، خدير، شرعب الرونة، شرعب السلام، وماوية.

سيطرة شبه كلية (90 – 95 %)/ مديرتين، هما: مقبنة، والصلو.
 

- القوات المشتركة

سيطرة كاملة/ تسيطر على أربع مديريات سيطرة كاملة، هي: ذوباب، المخأ، الوازعية، وموزع (والأخيرة، يوجد فيها كثير من المقاتلين المنتمين للمقاومة الشعبية التابعة للحكومة، لكن السيطرة العسكرية تعتبر من نصيب القوات المشتركة).
 

بقية المديريات

يتم تقاسمها بين الجيش الوطني وميليشيات الحوثي، على النحو التالي:

حيفان: النسبة الأكبر للجيش الوطني.
سامع: الجزء الأكبر مع الميليشيات الحوثية.
 
(أنظر الخريطة المرفقة أدناه)
 

 

فرصة لكسر الحصار
 
منذ بداية المعارك، يؤكد معظم المسئولين في قيادة المحافظة والجيش، أن هذه العمليات العسكرية، تهدف بالأساس إلى محاولة فك الحصار عن المحافظة، المحاصرة منذ أكثر من خمس سنوات..
 
وقال نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي في محور تعز العقيد عبد الباسط البحر، إن "الهدف من العملية العسكرية هو "كسر الحصار الجائر، وفتح المنافذ التي تغلقها مليشيات الحوثي على المدينة منذ بداية الحرب".
 
وأضاف، في تصريح لـ"يمن شباب نت"، أن "التقدمات الكبير التي أحرزها الجيش خلال أيام قليلة، تشير إلى انهيارات في صفوف مليشيات الحوثي، التي بات من الواضح أنها أصبحت في أضعف حالاتها، خصوصًا بعد أن اُستنزفت كثيرا في مقاتليها، وعتادها العسكري الذي يتم تدميره تباعا"- خصوصا من قبل مقاتلات التحالف العربي.
 
وتابع: "من خلال التقدمات (الأخيرة)، تبيّن أن العناصر القتالية للمليشيا ضعيفة للغاية، وأعدادها قليلة، ولم يعد هناك كتائب مدربة- كما كان في السابق. وهذا يعني أنها باتت ضعيفة إلى حد كبير".


 
ولفت نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي في محور تعز، إلى أن "هناك ضعف في التحشيد والتعزيز من قبل الحوثيين، وأنهم باتوا يعتمدون أكثر على الألغام والقناصة والمدفعية الثقيلة".
 
كما لا ينسى- من وجهة نظره- الإشارة إلى أن التقدمات المتسارعة "تدل على ما وصل اليه الجيش الوطني، من إعادة بنائه، واكتساب خبرات جديدة، وإعادة تنظيمه وتجهيزه"، مستدركًا: "خسائرنا اليوم قليلة جدا نتيجة التنظيم العسكري".
 
ومن جهة أخرى، يرى البحر أن "التحام تعز مع المديريات الساحلية، سيفتح معبرا كبيرا للمناطق المحررة، وسيسهل حركة التنقل والمواصلات، وكذلك خطوط الإمدادات".
 
وأشار إلى أن الأهمية الاستراتيجية التي تكتسبها المواقع في الجبهات الغربية "تحمي العمق للساحل، وباب المندب، لذا يتوجب دحر المليشيات الحوثية إلى مسافات متأخرة بحيث يصعب عليها الوصول إلى مديريات الساحل، أو استهدافها".
 
وفي 21 من الشهر، دعت اللجنة الإشرافية العليا لمتابعة أعمال لجان الدعم والإسناد لمعركة تحرير المحافظة، في إجتماعها برئاسة المحافظ نبيل شمسان، دعت ألوية "حراس الجمهورية والقوات المشتركة، والقيادات العسكرية والألوية، المتواجدة في الجهات الغربية والشرقية والجنوبية المحيطة بالمحافظة للمشاركة في معركة تحرير تعز، وفك الحصار، بجانب إخوانهم في الجيش الوطني..".
 
وحتى كتابة هذا التقرير، لم يكن قد صدر رد من قادة الألوية المذكورة، المطلوبة للمشاركة في المعركة.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر