تجدد دوامة الصراعات في سقطرى يشي بفشل السعودية وينبىء بمستقبل أكثر خطورة (تقرير خاص)

[ عودة التصعيد والتوتر في أرخبيل سقطرى مؤخرا يقود إلى البحث عن حل نهائي لإستقرار الجزيرة الأهم في اليمن والمنطقة ]

على مدى الأعوام الخمسة السابقة من الحرب اليمنية، دخلت محافظة "أرخبيل سقطرى"، جنوب شرق اليمن، منعطفات عديدة، وصلت حد المواجهات المسلحة بين قوات الجيش اليمني التابع لحكومة الشرعية، وقوات تابعة لدولة الإمارات، التي ظلت تفرض سيطرتها الإدارية والعسكرية على الأرخبيل ذو الأهمية الحيوية والأستراتيجية..

والعام الماضي، آلت السيطرة على الجزيرة، الواقعة على المحيط الهندي، إلى قوات سعودية، كانت استلمت المحافظة إداريا وعسكريا، كحل وسط، بهدف خفض التوترات المستعرة بين القوات الحكومية وبين القوات الموالية للإمارات..

وبرغم الهدوء النسبي والحذر الذي ساد الأرخبيل بعدها، إلا أنه لم يستمر طويلا. حيث عاودت التوترات تصاعدها تدريجيا، لا سيما منذ مطلع العام الجاري، لتصل حدتها مؤخرا، معظمها على شكل تمردات عسكرية وأمنية، تتهم الإمارات بتغذيتها عبر تقديمها دعما سخيا لقيادات في الجيش والأمن تابعة لما يسمى "المجلس الإنتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتيا..

ووصل الحد إلى محاولة أغتيال محافظ سقطرى "رمزي محروس"، المعارض للتواجد الإماراتي، والرافض لتدخل أبوظبي السافر في شئون الأرخبيل. حيث تعرض منزله لهجوم منظم، في الثامن من أبريل/ نيسان الجاري، اتهمت السلطة المحلية في المحافظة مليشيات الانتقالي بالوقوف وراءه.

أعقبها توجيه المحافظ محروس الشرطة في المحافظة، بالضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه إقلاق السكنية العامة، وتوعد كل المتورطين بنشر الفوضى بالعقاب.
 

اختطافات وتمردات منظمة

كما شهدت جزيرة سقطرى اختطافات قامت بها مليشيات الانتقالي وموالين لهم في المحافظة، كان بينهم شقيق مدير عام شرطة الأرخبيل وأحد الجنود، فضلا عن تعرض موكب شيخ مشايخ أرخبيل سقطرى الشيخ عيسي بن ياقوت المؤيد للشرعية، لهجوم مسلح من قِبل تلك المليشيات.

وقبل أيام أعلنت السلطة المحلية في سقطرى استعادة معسكر القوات الخاصة من مليشيات الانتقالي، الذي خضع لسيطرتهم بعد تمرد قائده في 18 فبراير/شباط الماضي. كما استعادت قوات الجيش مطار سقطرى ومنشآت تابعة للواء الأول مشاه بحري، بعد أن سيطرت عليه كتائب أعلنت تمردها على الشرعية قبل أيام قليلة.

توالي تلك الضربات، أفضت إلى تغييرات قام بها الانتقالي في سقطرى، شملت تعيين رئيسا جديدا لقيادة المجلس في المحافظة، وكذا النائب الأول لرئيس المجلس هناك، في محاولة لإيجاد طريق آخر يوصلها لهدفها.

(أنظر الأنفوجرافك المرفق أدناه، والذي يرصد أبرز الأحداث العسكرية والتخريبية التي شهدتها محافظة سقطرى خلال الشهرين ونصف الأخيرين (فبراير – مارس- أبريل/ 2020)

 

إجراءات لازمة

وبالنظر إلى جهود السلطة في سقطرى لمواجهة تمرد قادة عسكريين محسوبين على الإمارات، يعتقد المحلل العسكري علي الذهب أن ما قام به المحافظ غير كافٍ، لكن ذلك حدود الممكن بالنسبة له كممثل للشرعية هناك، لأسباب كثيرة أبرزها التحالف العربي، والبعد الجغرافي، والوضع الهش الذي تعيشه السلطة.
 

أقرأ أيضا...
[كاتب بريطاني: صراع النفوذ الجيوسياسي على "سقطرى" آخذ في الاشتعال والإمارات تواصل طموحاتها الخبيثة]


وضمن حديثه لـ"يمن شباب نت" حث الذهب السلطة على الحزم والصرامة، بما في ذلك اتخاذ تدابير عاجلة لتعزيز وجودها العسكري، كإرسال مؤمن وأسلحة وأفراد وتعزيز اللواء العسكري  هناك، وتغيير القادة العسكريين الانفصاليين بآخرين وطنيين موالين لها وقادرين على تحمل المصاعب.

وأضاف: "لا يكفي تحميل التحالف تبعات ما يجري، بل يجب على السلطة أن تثبت وجودها، فهي الأساس والمنوطة بالدفاع عن سيادة الجزيرة ويمنيتها، ولن يلومها أحد إذا ما استخدمت القوة لأنها الوحيدة التي تحتكر القوة، وتستخدمها حفاظا على سيادتها واستقلالها وتماسك أراضيها".

وبخصوص تمرد قادة عسكريين من وقت لآخر، يذكر المحلل العسكري أنهم وجدوا أنفسهم فريسة أمام متغول إماراتي لديه الإمكانيات المختلفة، فضلا عن وجود نزعات انفصالية لدى بعض القادة، وعمل الانتقالي باتجاه تعزيز نفوذه في تلك المناطق.

أطماع لا تنهتي

ويربط الإعلامي عبدالكريم الخياطي بين كل المتغيرات، وما يجري في باقي المحافظات الجنوبية وحتى الشمالية..

وأشار، في سياق حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى أن محافظ سقطرى يحاول تعويض الجزيرة ما فاتها طوال عقود من التهميش المتعمد، وسط رغبة دولية في ترسيخ الوضع الاقتصادي والسياسي الذي يجعل الجزيرة خارج سياق الهم العام في اليمن، وحتى لا يبدأ أبناؤها المسالمون بفهم ما حولهم وما يمكن أن تحققه من نجاح واستقطاب اقتصادي.
 


وتحدث الخياطي عن أهمية الجزيرة وموقعها الاستراتيجي، والذي جعلها موضع أطماع معظم القوى الدولية، بينها الولايات المتحدة.

ولفت إلى أن الإمارات حين وضعت نصب عينيها السيطرة على عدن ومنعها من التحول لميناء منافس، احتاجت لإقناع السعودية أن تمنحها تساهلا من الحراك الموالي لها في المهرة وحضرموت، واحتاجت أيضا أن تمنح أمريكا "قطعة اللحم المغرية"– حسب تعبيره- لتشتري بها سكوتها عن ممارساتها في الحصول على مناطق نفوذ في خطوط الملاحة الدولية.

ويعتقد أن"تلك الرشوة هي وعد بترسيخ وضع أمني في سقطرى وترتيبات عسكرية لموالين سيقبلون بعد فترة بأي اتفاق لإنشاء قاعدة في الجزيرة".

وتكمن أهمية هذا الأرخبيل، بكونه يتمتع بموقع استرايتجي، ويشكل نقطة التقاء بين المحيط الهندي وبحر العرب، إضافة إلى أنه مطل على مضيقي هرمز وباب المندب.


 

مقايضة مُحتملة

تمكنت السلطة المحلية في سقطرى من التصدي للضربات المختلفة التي تتعرض لها، لكن ذلك جعل الإمارات تبحث عن طرق أخرى، تمثلت- وفقا للصحفي الخياطي- بسماحها بقدوم قوات سعودية وأخرى موالية للشرعية إلى الجزيرة، وفي الوقت ذاته عملت على تجنيس بعض السكان وتدريب آخرين في أرتيريا ليصبحوا القوة الأبرز عسكريا برغم الرفض المجتمعي لذلك.
 

ما يجري في سقطرى لا ينظر إليه الذهب أيضا بمعزل عن ما يحدث في المهرة وأبين وعدن وشبوة، كونها المحافظات الأكثر سخونة بين الانتقالي والشرعية وبدعم إماراتي وتغاضي سعودي، فضلا عن إهمال الحكومة وتقصيرها تجاه الجزيرة.
 


ويعتقد أن ذلك ناجم عن الضعف الذي تواجهه الحكومة والتحديات التي تواجهها، لأنها في ظرف غير مستقر، ووضع غير ملائم لتتمكن من إرسال قوات عبر السفن أو الزوارق أو الطائرات، إضافة إلى كونها مقطوعة الصلة بما يجري في الجزيرة باستثناء تواصلها مع المحافظ.

وبحسب الذهب، فإن ما يجري بناء على توجهات إماراتية، ويصب في مصلحة وكيلها في الجنوب ممثلا بـ"المجلس الانتقالي"، متوقعا أن يتم إسقاط سقطرى إذا ما تقدمت الحكومة باتجاه أبين أو عدن، لكن ذلك سيكون إعلاميا أكثر مما هو واقع على الأرض. ويعود ذلك إلى كون الجزيرة في منطقة معزولة، ومصيرها لن يكون إلا مع الدولة اليمنية.

سقطرى إلى أين؟

مع استمرار دوران سقطرى في فلك الفوضى، يبدو مستقبلها غامضا، وعليه يقول الإعلامي الخياطي إن ما يحدث حاليا في عدن وما حولها، هو عمل منسق ولن يتوقف إلا بمواجهات ترجح في الغالب كفة الانتقالي، مشيرا إلى تمثيل ذلك المجلس مناطق جغرافية لطالما حكمت الجنوب أيام الاشتراكية، ولم تكن تهتم بالجزيرة، ولم تقم بأي إنجاز يمكِّن سكانها من أن يحظوا بنوع من المشاركة في القرار، ولم ينالوا سوى التهميش.

ووفق لذلك، يرجح أن تكون البلاد، لا سيما في الجنوب، مقبلة على جولة جديدة من الصدامات العسكرية أخطر من سابقاتها، لافتا إلى أنه قد تحدث  تغييرات على الأرض قد تتسبب بمعاناة كبيرة لكافة الجنوبيين.

محاولة احتواء الأزمة في سقطرى تتواصل، ولكن هذه المرة ربما تكون عبر وساطة قبلية كما تشير التسريبات. الأمر الذي يوحي أن تلك الجهود التي كانت تتم أحيانا عبر السعودية، لم تكن ناجعة لإخماد فتيل الأزمة، بل أبقت جذوة الصراع قائمة فكانت النتيجة استمرار مسلسل الفوضى وتصاعده بشكل خطير.


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر