مخاوف متزايدة من تسرب وباء "كورونا" إلى اليمن عبر المهاجرين من القرن الأفريقي (تقرير خاص)

[ مهاجرون من القرن الأفريقي تسللوا إلى اليمن عبر السواحل بطرق غير شرعية متجهين نحو السعودية بحثا عن عمل ]

  تعيش أغلب دول العالم هلعا ورعبا، غير مسبوقين، بفعل جائحة فيروس "كورونا"/ (كوفيد-19)، الذي يواصل تفشيه سريعا في مختلف أنحاء العالم، مع تجاوز عدد المصابين به حاجز المليون ونصف شخص، وارتفاع أعداد الوفيات بالفيروس مقتربة من الـ 100 ألف، حتى يومنا..
 
طوال هذه الأزمة الصحية العالمية، بدى اليمن، الدولة الأفقر في الشرق الأوسط، وكأنه يعيش حالة استثنائية، بعيدا عن هذه الجائحة العالمية- على الأقل، حتى يوم أمس الجمعة، الموافق 10 أبريل/ نيسان، حين سجلت أول حالة إصابة مؤكدة رسميا بالفحص المخبري في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت، شرقي اليمن.
 
وكانت تحذيرات أطلقتها سابقا- مع تفشي الفيروس عالميا- عدد من المنظمات والمؤسسات والمراكز الصحية والبحثية الدولية، من أن كارثة إنسانية كبيرة محدقة باليمنيين في حال تفشي الفيروس، بالنظر إلى أن البلد ما زال يعيش حربا داخلية طاحنة دخلت عامها السادس، في ظل أوضاعا اقتصادية مزرية، ونظام صحي متداعي بعد أن شهد أنهيارا شبه كليا في وقت مبكر من الحرب.
 
والأن، مع تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بالفيروس القاتل، بدت تلك التحذيرات تترائى للعيان وكأنها في طريقها للتحقق، الأمر الذي زاد من مخاوف اليمنيين، الذين ظلوا يترقبون بقلق كبير أخبار انتشار الفيروس في العالم على ذلك النحو الدراماتيكي المخيف، واضعين لأنفسهم ما يقدرون عليه من إحترازات وقائية مسبقة، على وقع عدد من السيناريوهات المتوقعة لإمكانية تفشي الفيروس، وتداعياته المهلكة.
 

 

السيناريو الأسهل لتسلل الفيروس
 
 مع أن اليمن أيضا، كان هو الأخر أعلن في وقت مبكر من تفشي هذه الجائحة الفيروسية، إغلاق كافة منافذه الجوية والبرية والبحرية، ضمن إجراءته الإحترازية لمنع تفشي الفيروس، غير أن تدفق الوافدين والعائدين، بل وحتى المهاجرين غير الشرعيين، ظل متواصلا ولم ينقطع، سواء عبر الحدود البرية مع السعودية، وسلطنة عمان- بالنسبة للعائدين اليمنيين بشكل خاص؛ أم عبر السواحل البحرية- بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين.
 
فمنذ مطلع العام الجاري، (أي خلال الثلاثة أشهر الفائتة فقط) بلغ عدد اليمنيين العائدين من السعودية قرابة 11 ألف شخص، بينهم 4,809 شخصا في شهر مارس/ آذار الفائت، فقط. فيما وصل عدد المهاجرين غير الشرعين الذين دخلوا اليمن خلال الفترة نفسها قرابة 28 ألف مهاجر، بينهم 7,223 مهاجرا في مارس فقط. وذلك وفقا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة.

 

بالنسبة للعائدين من السعودية، قد لا يشكلون خطرا مؤكدا، كونهم خضعوا لفحوصات مخبرية تكفلت بها المملكة. أضف إلى ذلك لأنه وقبل أيام قليلة تم الإعلان عن إغلاق الحدود البرية بين البلدين بشكل نهائي.
 
وتبقى المشكلة الكبرى والخطيرة، مع أولئك المهاجرين غير الشرعيين، الذين يتسربون إلى البلاد عبر السواحل اليمنية، في ظل ما يعانيه اليمن بشكل خاص- حتى قبل الحرب الداخلية- من ضعف في القدرات والإمكانيات اللازمة للسيطرة على سواحله البحرية الطويلة، الممتدة على مسافة تقدر بـ2,500 كيلو متر.
 
وحتى مع نشوب الحرب الداخلية، إلا أن تدفق المهاجرين القادمين عبر البحر من دول القرن الأفريقي لم يتوقف، بل ظل على أشده، حيث يستخدم المهاجرون اليمن كـ"ترانزيت" للعبور نحو دول الخليج، وخصوصا المملكة العربية السعودية..
 
وكان "يمن شباب نت"، كشف في تحقيق سابق، نشر في ديسمبر/ كانون أول الماضي، كيف تحول الخط الممتد من "المخا" و"ذو باب"، في الساحل الغربي على البحر الاحمر، الى طريق لتهريب مختلف البضائع والأسلحة، مرورا بعشرات النقاط الأمنية والعسكرية الممتدة على طول الخط، من الساحل الغربي حتى مدينة "التربة"- جنوبي غرب تعز، وصولا إلى وجهتها في عدد من المناطق في المحافظة، وخارجها..!!
 

‏[للمزيد من الإطلاع.. أقرأ: "يمن شباب نت" يفتح ملف "التهريب".. الجبهة المسكوت عنها في "تعز"‏]

 
ولاحقا، في شهر فبراير/ شباط الماضي، نشر "يمن شباب نت" أيضا، تقريرا استقصائيا حول تهريب المهاجرين من القرن الأفريقي عبر السواحل اليمنية، وما يتعرضون له من معاناة ومآسي، ومناطق وصولهم وخطوط النقل التي يمرون عبرها..

 
[للمزيد حول هذا.. أقرأ: تعذيب واستغلال جنسي ومالي.. ‏ساحل "رأس العارة" بلحج.. جحيم المهاجرين من القرن الأفريقي طمعا بنعيم الخليج]

 
ربما كان أمر كهذا في السابق لا يشكل خطرا كبيرا على اليمن؛ لكنه اليوم لم يعد كذلك. فبعد الإعلان عن تسجيل حالات إصابة بفيروس "كورونا" في دول القرن الأفريقي، أصبح اليمنييون يخشون- على نحو كبير- أن يجلب المهاجرون معهم هذا الفيروس الخبيث إلى بلادهم..!!
 
وتزداد تلك المخاوف، مع وجود إشكالية مزدوجة عميقة، تتمثل بالضعف الحاصل في كلا الجانبين: في القدرات الرقابية والضبطية على السواحل؛ وفي القدرات الوقائية الصحية في البلاد. بحيث يمكن لهؤلاء المهاجرون الوصول إلى اليمن بسهولة عبر البحر، ومن ثم التسلل إلى المدن دون خضوعهم لأي فحوصات طبية.
 
 الأمر الذي إذا حدث، فإنه بالتأكيد سيتسبب في تفشي الفيروس في البلاد، التي يعتقد- على نطاق واسع- أنها لن تكون قادرة على مواجهته بسهولة، وقد فشلت أعتى الدول العظمى عن ذلك..!!
 



الهجرة إلى السعودية عبر "تعز"
 
حمدون كتبيدا (32عاماً)، مهاجر أفريقي من منطقة تبغيرا الأثيوبية، قدم إلى اليمن عبر البحر، على متن قارب صغير حُشر فيه مع عشرين مهاجرا آخرا لقاء 200 دولارا دفعها لإيصاله إلى الشواطئ اليمنية.
 
يقول حمدون لـ"يمن شباب نت" إنهم بمجرد وصولهم الساحل اليمني، في منطقة لا يعرف اسمها، كان بإنتظارهم مسلحون يمنيون استقبلوهم هناك وأخذوا من كل واحد منهم 300 ريال سعودي لنقلهم على شاحنات نحو وجهتهم التالية..
 
من يدفعون المبلغ المطلوب، يتم تحميلهم على ظهر سيارات دفع رباعي مكشوفة (شاص)، بمجاميع تصل أعدادهم إلى نحو "30" مهاجراً، يحشرون بعضهم فوق بعض في سيارة واحدة، ومن لا يدفع يواصل بقية رحلته سيراً على الأقدام. حيث يمكنك، بين الحين والأخر، أن تشاهد مجاميع بالعشرات من هؤلاء، بينهم نساء، على جنبات الطريق الرئيسية أو في الهضاب والوهاد، وهم يسيرون لمسافات طويلة دون توقف..
 
نفى حمدون معرفته بفيروس "كورونا". فهذا الأسم- كما يقول- لم يسمع به من قبل، حيث أنقطعت صلته بالعالم منذ بداية خوضه مغامرة الهجرة، قبل أسابيع. وهو على أية حال، لن يبقى في اليمن، كما يؤكد، بل سيواصل رحلته إلى السعودية، بحثا عن عمل ينقذ به أسرته من الجوع، ويحقق آماله الكبيرة هناك.
 
وتفيد المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، أن ضابطا يمنيا اسمه "فادي البركاني"، يعمل في أمن مديرية المخا، هو من يتولى عملية استقبال وتهريب المهاجرين الذين يمرون عبر مديرية "الوازعية" التابعة لمحافظة تعز، قبل أن يتجهوا منها شرقاً نحو"غيل بني عمر"، ومن ثم التوجه شمالاً، مرورا بمنطقتي"العلقمة" و"مفرق الصافية"، التابعتين لمديرية الشمايتين، وصولاً الى منطقة "الخيامي" في مديرية المعافر، ثم يتركون هناك لمواصلة رحلتهم سيراً على الاقدام..
 
ويعمل لدى "البركاني"، طاقم من الوكلاء والمساعدين، يتوزعون على أماكن معينة من الطريق، ويتولون التفاهم مع النقاط العسكرية وتسهيل مرور المهاجرين دون تفتيش أو مسآئلة..!
 

صرخة إستغاثة وتحذير أولي
 
 قبل أيام رفع أهالي عزلة "بني عُمر"- مديرية الشمايتين، جنوبي شرق محافظة تعز- مناشدة عاجلة إلى كل من: محافظ المحافظة "نبيل شمسان"، وقيادة محور المحافظة العسكرية، ومكتب الصحة بالمحافظة، وقائد القوات الخاصة بالمحافظة، ومدير مديرية الشمايتين..
 
وتضمنت المناشدة، مطالبة الأهالي لهم، بضرورة التحرك العاجل لإيقاف عمليات تهريب المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي عبر عزلتهم، التي تعد ممرا رئيسيا لعمليات التهريب المستمرة منذ سنوات، بتواطوء وحماية قيادات عسكرية ونافذين، مع المهربين.
 
وفي اتصال مع "يمن شباب نت"، حذّر (م. ع.)- وهو أحد وجهاء عزلة "بني عمر" الذين وقعوا على رسالة المناشدة المذكورة- من أن هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين "يمثلون خطراً كبيرا في نقل فيروس "كورونا" إلى اليمن، خصوصا وأنهم لايمرون بمنافذ رسمية، ولا يخضعون لأي فحوصات طبية"..
 
وشدد على ضرورة "الوقوف بحزم ضد ظاهرة التهريب هذه، والتي يتخذ ممتهنوها مناطقهم طريقاً لعبور المهاجرين غير الشرعيين.. خصوصا وأن اليمن لم يعد يمثل "ترانزيت"، أو محطة عبور لهم، كما كان في السابق، فالمملكة العربية السعودية أغلقت منافذها البرية، مايعني إنتهاء المطاف بهؤلاء المهاجرين داخل الأراضي اليمنية"..!!
 
وحمّلَ السلطة المحلية بالمحافظة، وقادة الجيش، الذين تخضع طريق التهريب لسيطرتهم العسكرية، ويوفرون الحماية لشبكة المهربين: "كامل المسؤولية عمّا قد يسببه هؤلاء المهاجرون من خطر على حياة أبناء المحافظة، حال نقلهم الوباء إليها".
 
 


توجيهات "صارمة" ولكن..!!
 
ولمعرفة وجهة نظر قادة الجيش، الذين تتبعهم النقاط العسكرية المنتشرة على خط التهريب، والمتهمة بالتواطوء مع مهربي المهاجرين غيرالشرعيين، تواصلنا مع العقيد "أمين الأكحلي"- نائب رئيس اللجنة الأمنية بمديرية الشمايتين، وأحد القادة العسكريين في اللواء35 مدرع..
 
وأوضح الأكحلي لـ"يمن شباب نت"، أنهم أعطوا توجيهاتهم الصارمة لأفراد تلك النقاط "بعدم السماح لأي مهاجرين من العبور"، مشيرا إلى أنه سبق وأن تم ضبط 26 مهاجراً، قادما من القرن الأفريقي، قبل شهرين، وتم اعادتهم من حيث أتوا، وبعد ظهور فيروس "كورونا" تم ضبط ثلاثة مهاجرين آخرين على مداخل مدينة التربة..
 
وعن سؤالنا عن مدى ثقتهم بتقيد أفراد تلك النقاط العسكرية بتوجيهاتهم الصارمة بهذا الخصوص، قال: "نحن نتمنى أن يغلب أولئك الجنود مصلحة اليمن على أي مصالح أخرى".
 
وتلك تظل مجرد أمنية، لكنها لا ترقى إلى مستوى حجم الخطر الذي يمثله هؤلاء المهاجرون على الشعب والوطن، وما قد ينجم عنهم من عواقب كارثية، فيما لو انتقل الفيروس القاتل إلى البلاد عن طريقهم، في ظل وضع أمني هشّ، وواقع صحي واقتصادي متدهور.
 
وفي السياق ذاته، حاولنا التواصل تلفونيا بقائد القوات الخاصة، العقيد جميل عقلان، الذي تتوزع قواته على أغلب تلك النقاط العسكرية المنتشرة في طرق التهريب، لكن وبدلا عنه، رد أحد مساعديه بتصريح مقتضب، نفى فيه أن تكون نقاطهم الأمنية قد ضبطت أي مهاجرين أفارقه، لكنه أكد على أنه في حالة حدوث مثل ذلك، فإنه يتم إرسال المهاجرين المضبوطين الى السجن المركزي في تعز.
 

وقائع ميدانية

 أبلغ شهود عيان محليون، مراسل "يمن شباب نت"، أنهم شاهدوا، نهاية الشهر الماضي (وتحديدا في: 29 مارس/ آذار)، مجموعة من المهاجرين، وهم يمرون عبر منطقة "بني شيبة- الشرق"، التابعة لمديرية الشمايتين. وهي إحدى الطرق التي يمر عبرها المهاجرون وصولا إلى الخط الإسفلتي الرابط بين مدينتي تعز والتربة.
 
والأثنين الماضي، ضبط خمسة مهاجرين أثيوبيين، في أحد شوارع مدينة تعز، بعد أن تمكنوا من عبور كل تلك المسافة، من البحر الأحمر وصولا إلى وسط المدينة، متجاوزين عشرات نقاط التفتيش العسكرية والأمنية دون أن يواجهوا أي اعتراض من أحد..
 
وتفيد المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت" أن هؤلاء المهاجرين الخمسة، الذين تم ضبطهم وسط المدينة، أحيلوا إلى قسم شرطة "الثورة" في حي السلخانة، حيث تم إخضاعهم هناك للفحص الطبي الأولي البسيط عبر جهاز قياس درجة الحراة..
 
وأكدت المصادر أن درجة حرارة بعضهم كانت مرتفعة، الأمر الذي بموجبه تم إدخالهم المحجر الصحي في منطقة الضباب وعزلهم هناك، لمدة أسبوعين للتأكد من إصابتهم بالفيروس من عدمه.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر