لحج.. التهريب والجرف العشوائي يفاقمان معاناة الصيادين في "رأس العارة" (تقرير خاص)

[ يعتمد معظم سكان بلدة "رأس العارة" الساحلية بمحافظة لحج، على مهنة اصطياد الأسماك، لكنهم يعانون من مشاكل كثيرة ]

  على بعد 150 كيلو مترا، غرب عدن، تربض بلدة "رأس العارة" الساحلية بمحافظة لحج، كأحد أهم السواحل اليمنية الغنية بالثروة السمكية، مستمدة أهمية استراتيجية كبرى، إضافية، لكونها تعد بمثابة البوابة الشرقية لمضيق "باب المندب"- الممر الدولي الاستراتيجي- في الوقت الذي تربط فيه، برا، بين محافظة عدن ومحافظتي تعز والحديدة، على الترتيب.
 
وبرغم هذا الموقع ومكانته الاستراتيجية، بحرا وبرا، وبما تتميز به من ثراء وتنوع في الثروة السمكية، إلا أن البلدة تحولت في السنوات الأخيرة إلى كابوس أذاق سكانها المرارة؛ خصوصا مع أزدياد ظاهرة الجرف العشوائي للأسماك من قبل بعض الصيادين، الأمر الذي فاقم من سوء حال الأصطياد السمكي في المنطقة التي يعتمد غالبية سكانها في العيش على مهنة اصطياد الأسماك وبيعها.

ونظرا لإشتهار المنطقة بكونها ممر تهريب مشهور للمهاجرين القادمين من دول القرن الأفريقي نحو دول الخليج، فإن مثل هذه المعاناة التي يواجهها الصيادون، من شأنها أن تترك هذه الشريحة فريسة سهلة للعمل مع عصابات التهريب في المنطقة، بحثا عن الرزق السهل، بدلا عن مواصلة مهنة الصيد التي تحولت إلى عبئ كبير لدى الكثير منهم بسبب تلك المشاكل المتفاقمة..!!
 
 


خلفية المشكلة وأسبابها
 
يقدر عدد الصيادين في بلدة "رأس العارة" الساحلية بزهاء (700) صيادا- معظمهم من أبناء البلدة. وبالرغم مما يوفره لهم البحر، بموقعة الاستراتيجي هذا، من مصدر رزق كبير، إلا أنهم يواجهون العديد من المصاعب اليومية، على رأسها وأهمها: الجرف العشوائي، وعدم تنظيم عملية الاصطياد، وإنعدام الأمن والأمان البحري.
 
وبحسب معظم الصيادين، فقد حدّ ذلك من فعالية الأصطياد السمكي، الذي تراجع مؤخرا عما كان عليه سابقا، نتيجة غياب تطبيق القوانين والأنظمة التي تنظم عمل وطريقة الاصطياد في البحر. وأرجع البعض سبب ذلك إلى غياب الدولة في الوقت الراهن، وبالتالي عدم قيام الجهات المختصة بواجباتها في هذا الجانب، فيما أرجع آخرون السبب إلى إنعدام المسئولية الذاتية لدى كثير من الصيادين.
 
في السابق، قبل انقلاب ميليشيات الحوثيين على السلطات الشرعية في اليمن، كانت "جمعية الصيادين السمكية"- التي كانت تعمل وفق ترخيص رسمي، ويديرها مجموعة من وجهاء المنطقة إلى جانب عدد من الصياديين المعروفيين- هي من تشرف على تنظيم آلية العمل السمكي في المنطقة.
 
 غير أن هذه الجمعية، لم تعد قائمة اليوم، بعد أن ضربتها الخلافات الداخلية، وأنهت أي دور لها. ويؤكد عضو الجمعية عوض راشد أن "مقر الجمعية تعرض مؤخرا للتخريب، ونُهبت وسُلبت كافة ممتلكاتها"، نتيجة تلك الخلافات الداخلية.
 
ويضيف راشد، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت": أن قيادات في الجمعية حاولت، خلال تلك الفترة، التواصل مع الجهات المعنية لايقاف هذا العبث، ولكنها لم تلقى أي استجابة، وهو ما شجع على الاستمرار في هذه الفوضى، التي أفضت في نهاية الأمر إلى تكريس هذه العشوائية، وعدم الاستفادة من الانتاج السمكي في الفترة الأخيرة.
 
وشكى بعض الصيادين لـ"يمن شباب نت" من حالة الفلتان الذي خلفه غياب دور الجمعية، بما في ذلك غياب تنظيم عملية بيع المحصول السمكي للصيادين ضمن "حراج" واحد، بعد أن ظهرت العديد من أسواق "الحراجات" في الساحل مؤخرا.
 
وبلغ عدد أسواق "الحراجات" المستحدثة مؤخرا، خمسة "حراجات" حتى الأن، والتي يقوم مالكوها بالترويج والتسويق لمحصول الصيادين يوميا، مقابل أخذ نسبة من كل صياد نظير التسويق الذي كانت تقوم به الجمعية في المرحلة السابقة، بشكل منظم وموحد للجميع!!.
 
وإزاء هذا الإنقسام والفلتان، ثمة جهودا تبذل، في الوقت الحالي، من قبل بعض أعضاء الجمعية السابقين والفاعلين، لإعادة نشاطها مجددا. بحسب مصادر في الجمعية تحدثت لـ"يمن شباب نت".
 
 


مشاكل أخرى أكثر خطورة
 
وأشار عضو الجمعية عوض راشد إلى أن "ما يحصل في ساحل رأس العارة من فوضى، لم يعد يخفى على أحد.. سواء بالتهريب، أم بالجرف العشوائي الهائل الذي تتعرض له الثروة السمكية في البحر".
 
وحيث أشار إلى أن ذلك "أفقد العمل السمكي قيمته"، أضاف: "وزاد من الحال سوءاً، ما تقوم به بعض السفن من دهس لمبايض الاسماك، لغياب القوانين الرادعة لمنع ذلك..".
 
وأكد راشد، أيضا، على أن مثل تلك الأعمال والتصرفات تسببت في حدوث الكثير من المشاكل الكبرى الأخرى، على رأسها، وأخطرها "هجرة أنواع كثيرة من الأسماك النادرة نحو بحار أخرى، كنتيجة لهذا الجرف المتزايد لهذه الثروة، في ظل غياب القوانين المنظمة لعمل الاصطياد في بحر رأس العارة"!!.
 
من جهته، يشكو الصياد علي محمد ناصر، من أن معاناة الصيادين في بلدة رأس العارة الساحلية "لاحدود لها، ولا تتوقف فقط عند الفوضى في الاصطياد، وتغلغل كابوس التهريب للمنطقة.."
 
وأضاف لـ"يمن شباب نت": "بل تتعدى كل ذلك، إلى هموم يتجرعها الصياد وحده، وخاصة عند تكسر معداته المكلفة، في حين أن الدعم الذي يقدم، بين حين وآخر، من بعض المنظمات يُقدم فقط للبعض، ويُهمل غالبية الصيادين اللذين لاتلتفت لهم الدولة، أو المنظمات العاملة في اليمن"..
 
وأوضح أن "الصياد رزقه ليس يوميا، بل يكاد ينعدم في بعض الأيام، ولذا فهو يتعرض لخسائر خلال انقطاع العمل، سواء تلك الناجمة عن انعدام السمك، أم بما يخسره من تكاليف القوارب والمعدات والبترول، التي ارتفعت بشكل جنوني، ويتحملها الصياد وحده..".
 
 ولفت إلى أن معدات وصيانة الآلات الخاصة بالاصطياد "ارتفعت تكاليفها، بفعل تدهور العملة المحلية"، مستدركا: "وعلى سبيل المثال، أرتفع سعر المكينة الخاصة بالقارب، مؤخرا إلى مليون وخمسمائة ريال، بعد أن كانت في حدود المليون، أو المليون ومائتين ريال في السابق".
 


وبحسب زميله الصياد عبد الله البهلولي "تتسبب الرياح الموسمية (الشمالية)، التي تهب في فصل الصيف، وتستمر لعدة أشهر، في تعرض الصيادين، مع قواربهم ومعداتهم، للخطر، وأحيانا إلى تدميرها، أو أجزاء منها، نتيجة قوة الأمواج الشديدة".  
 
وعليه، طالب البهلولي، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، "بسرعة تنفيذ مشروع 'كاسر الامواج'، الذي تأخر تنفيذه كثيرا، رغم كثرة الوعود التي تلقاها الصيادين في بلدة رأس العارة بهذا الخصوص من قبل الجهات المعنية".
 
وأعتبر أن المزيد من التأخير أكثر في تنفيذ هذا المشروع، يعني المزيد من الخسائر الفادحة التي يتعرض لها الصيادين بسبب تلك الرياح الموسمية العاتية، التي ستواصل تحطيم معداتهم السمكية دون رحمة.

وعليه، يحذر كثير من العاملين في مهنة الصيد، من أن مواصلة الجهات المعنية تجاهل مثل هذه المشاكل، وعدم إيلائها أي إهتمام بحلها عاجلا، سيفاقم أكثر من الخسائر التي يتعرض لها أرباب هذه المهنة، الأمر الذي يجعل الكثير منهم لقمة سهلة وسائغة لعصابات تهريب البشر، خصوصا وأن مثل هذه الأعمال- التي أصبحت المنطقة تشتهر بها أكثر- تُدّر الكثير من الأموال السهلة. 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر