في ظل إنتشار "كورونا": توصيف أمني وتدابير وطنية للمواجهة (تحليل خاص)

[ مسافرون قادمون إلى اليمن عبر مطار الريان الدولي في حضرموت ]

في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2019، شاعت الأخبار حول انتشار فيروس وبائي يطلق عليه "كورونا"، المعروف، علميا، باسم "سارس-كوفيد-2"، وذلك بمدينة "ووهان" الصينية؛ حيث بدت أعراض مرضاه في مجموعة أشخاص يعملون في سوق للمأكولات البحرية، من خلال التهاب رئوي مجهول السبب.

واتسع نطاق انتشاره ليشمل عددا من المدن الصينية، ثم تجاوز ذلك حدودها الوطنية، ليصل إلى معظم دول العالم، في قاراته الست، ومن ذلك: إيران، وإيطاليا، ومصر، وأستراليا، والولايات المتحدة؛ متحولا إلى وباء عابر للحدود الوطنية.
 
صنفت منظمة الصحة العالمية هذا المرض بـ "الجائحة"، وهي الآفة المهلكة، التي تنشر وباء مستوطنا؛ بمعنى أن الوباء محدود جغرافيا، بينما الجائحة يتسع انتشارها، حاملا معه هذا الوباء إلى مناطق أوسع خارج الدول.

وهنا يمكن وصف هذا المرض بالتهديد العابر للحدود الوطنية، وهو تهديد غير تقليدي، يندرج في إطار مفهوم "الأمن الناعم"، الذي ينظر إلى الأمن بمفهوم أوسع، يتجاوز تهديد القوة العسكرية، أو "القوة الصلبة" بوصفها أداة الأمن الصلب (الخشن)، التي تعمد إليها الدول لحماية أمنها الوطني.
 

إقرا ايضاً..
تحذيرات من "كارثة" صحية كبيرة متوقعة بـ"كورونا" عبر القادمين إلى مطار عدن


وإن تبني هذا المقال توصيف "التهديد الأمني غير التقليدي" لوباء "كورونا"، يعتمد على تقسيم "المركز الفلندي للدراسات الروسية والأوروبية"، لأنواع التهديدات في مجال الأمن الناعم، بوصفها مخاطر تطال أمن الفرد، والدولة، والمجتمع. ووصفه بـ"التهديد العابر للحدود الوطنية".

علاوة على كونه تهديدا غير تقليدي؛ مرده إلى تخطيه الحدود الوطنية للدول، سواء بانتقاله ماديا، عبر حامل الفيروس، أو بانتقال آثاره إلى الدول، أو مصالحها، أو رعاياها خارج حدودها، ولا تقتصر الأثر على المجال الصحي، بل والمجال الاقتصادي، أو التجاري، أو الاجتماعي، وربما السياسي.
 


"كورونا" بوصفه "تهديدا غير تقليدي عابرا للحدود الوطنية" قد يكون وراءه دولة معادية، ولو لم تُعلِن عن ذلك، وهذا الأمر لا يضعه ضمن التهديد التقليدي، الذي عادة ما تقف وراءه الدول، وقد يكون وراءه جماعة من جماعات الإجرام المنظم؛ دافعها الكسب المادي المباشر أو غير المباشر.

كأن تكون يدا لدولة معادية، أو جماعة إرهابية، مقابل أجر، أو ضمن حرب تُشن على دولة بعينها، دون حساب لتوسع آثاره المدمرة دوليا، وذلك على نحو عمليات تهريب والاتجار في الأسلحة، والمخدرات، وتبييض (غسل) الأموال، والهجمات السيبرانية، التي تقوم بها شبكات إجرامية معقدة التكوين والعلاقة.


بالعودة إلى فيروس كورونا، فإنه بعد حوالي شهرين من انتشاره في عدد من المقاطعات الصينية، لم تُخفِ الحكومة الصينية، الشكوك التي تساورها حول ضلوع الولايات المتحدة في ظهور هذا الفيروس بمدينة ووهان، في سياق الصراع الناعم بين البلدين.

وقد تعززت الشكوك أكثر مع انتقال الفيروس إلى إيران، التي يشوب علاقتها مع الولايات المتحدة توترا شديدا أوشك أن يوقع بينهما عسكريا، عقب استهداف طائرات أمريكية قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وإلى جانبه القيادي في الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، بمطار بغداد، في يناير/ كانون الثاني 2020.
 

كل شيء ممكن، فمآسي الإنسانية التي عرفها العالم منذ استهداف مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بقنبلتين نوويتين في أغسطس/ آب 1945، أثناء الحرب العالمية الثانية، مرورا بالحرب الفيتنامية (1954-1975) التي استخدمت فيها الولايات المتحدة أسلحة كيميائية حولت الغابات إلى مناطق جرداء، كل ذلك يسقط أي ثقة تجاه نفي تورطها في ذلك، غير أن المسألة تسترعي التأني أكثر في إصدار هذا الحكم، إلى أن تكشف الأيام الحقيقة، نفيا أو إثباتا.
 


الملاحظ أن الدول العربية التي تشهد حروبا داخلية، وداخلية- دولية، مثل: اليمن، وسورية، وليبيا، لم تسجل فيها، حتى الآن، أي حالة لمصاب بفيروس كورونا، على الرغم من حالة "الدولة الفاشلة" التي تمر بها، التي تعني: الدولة غير القادرة على احتكار وفرض السلطة على كل ما تملكه، والمحافظة المنتظمة على توفير الحقوق والواجبات.

أي أنها دولة عاجزة عن تحقيق ما لها وما عليها. وهي إلى جانب كونها دولا فاشلة، فإنها تمثل تهديدا غير تقليدي، شأنها شأن فيروس كورونا نفسه وأكثر؛ لأن تهديدها يطال أمن دول أخرى، وأمن الإقليم، فضلا عن تهديدها لذاتها، أرضا وإنسانا.


واقع الحال يقول إن هذه الدول باتت مناطق معزولة، نسبيا، عن العالم؛ بفعل ضراوة الحروب الدائرة فيها منذ بضع سنوات، وما خلفته من تداعيات مختلفة تهدد حياة الفرد المقيم فيها أو القاصد إليها، لكنها لن تكون بمنأى عن تهديد "كورونا"، وانتقال العدوى إليها لا تزال مسألة وقت.

لأنه وإن لم تكن مناطق قصد أو عبور للبشر بين الدول، عبر المنافذ الجوية والبرية والبحرية، فهي مناطق عودة لمواطينها ولموظفي الهيئات الدولية والإقليمية، وقد تنتقل العدوى، في حال كانت تدابير المواجهة ضعيفة.

 

للمزيد إقرا ايضًا..
مصادر: مسافرون يمنيون يغادرون مطار عدن دون خضوعهم للإجراءات الاحترازية


بالنظر إلى وضع اليمن، الذي تتقاسم منافذه البرية والبحرية والجوية مع العالم، الحكومة الشرعية، وثلاث جماعات مسلحة متمردة عليها، هي: جماعة الحوثيين، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والجماعات المسلحة التي تسيطر على قطاع طويل من الساحل الغربي، في تعز والحديدة.

 فإن فرص تسلل العدوى ممكنة، وذلك ما يسترعي تجاوز ضغائن الصراع، والعمل، بمسئولية، وعلى نحو تعاوني، ضمن فريق مشترك لإدارة الأزمة، حتى لا يتحول الفيروس إلى حرب رديفة للحرب التي تطحن البلاد منذ خمس سنوات، ما لم فإن العواقب ستكون وخيمة، في ظل هشاشة بنية القطاع الصحي، والوضع المعيشي البائس، الذي يسود معظم مناطق البلاد.
 

لا تقتصر المواجهة على دور الجهات السابقة، بل يستلزم ذلك تعاونا مجتمعيا، ومؤسسيا؛ لأن مثل هذا التهديد لا يمكن أن تضطلع بمواجهته وحدها، مهما بلغت قوتها. وفي هذا الصدد يبرز دور الأحزاب السياسية، والجامعات، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن دور الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، على أن يعكس ذلك حقيقة التهديد، وعدم التلاعب به، أو توظيفه توظيفا سياسيا لمصلحة أي من أطراف الصراع.

*على الذهب: دكتوراه في تكنولوجيا النقل البحري، ومحلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، وكاتب دراسات في مراكز أبحاث عربية.

 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"©2020 


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر