التوقعات والآمال في ظل التغيرات.. هل بات الخروج السعودي من اليمن ممكنًا؟ (ترجمة خاصة)

سلط تحليل امريكي الضوء على التغيرات التي حدثت في اليمن خلال العام 2019، من أبرزها الصراع بين الحكومة الشرعية وميلشيات الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات في المحافظات الجنوبية، وضمن سلسلة التوقعات والآمال لما قد يحدث خلال العام الجاري، سرد التحليل عدد من التوقعات.
 
وفي التحليل المطول الذي نشره موقع «Open Democracy» الأمريكي -وترجمة "يمن شباب نت"- استعرض النتائج المترتبة على تصاعد العنف حاليًا في جبهات القتال، وما سبقها من استهداف للقوات الحكومية في مأرب، وأيضًا مستقبل المفاوضات السعودية الحوثية الغير معلنة.
 
وقالت الباحثة البريطانية المتخصصة بشؤون اليمن، هيلين لاكنر -التي اعدت التحليل- "أن الحوثيون يحتاجون إلى الحرب، وقد يكون القتال المتجدد الحالي على الجبهات الشمالية جزئياً، طريقتهم في دعم إيران التي تدعمهم بعد اغتيال سليماني".
 
وأضافت: "وبصرف النظر عن أحدث موجة من اشتعال القتال، فمن المحتمل أن يتم إيجاد نوع من الآليات خلال العام لتقليل الغارات الجوية السعودية على الأراضي الحوثية والقتال البري، خاصة وأن السعوديين باتوا اليوم يشاركون بعمق أكبر في التعامل مع المشاكل الجنوبية".
 
وتابعت: "هذا بالتأكيد لا يروق لحكومة هادي، التي من الواضح أن مسألة إنهاء القتال بصورة رسمية أو غيرها مما يترك الحوثيين على حالهم ليست بالأخبار السارة".
 
وأشارت الباحثة: أصبح إحباط الحكومة علنًيا في الأيام الأخيرة من خلال التصريحات القوية ضد اتفاقية ستوكهولم التي تعتبر خطوة نحو قبول مشاركة الحوثيين في التسوية، وهو ما تصر الحكومة على رفضه، مؤكدة السعي لتحقيق هدفها (غير الواقعي) المتمثل في النصر التام".
 


نص التحليل
 
شهد العام الماضي بعض التغييرات المهمة في الإستراتيجية السعودية في اليمن. فبعد مغادرة دولة الإمارات، تسلم نائب وزير الدفاع الجديد، خالد بن سلمان شقيق ولي العهد، الملف اليمني. وبينما كان يريد أن يفصل بلده عن النزاع، فقد اضطر بدلاً من ذلك لزيادة المشاركة السعودية، وخاصة في الجنوب.
 
وبالتالي ينتقل السؤال الجنوبي إلى خط المواجهة..
 
ونظرًا لأن التحالف أُجبر بموجب اتفاقية ستوكهولم على التخلي عن هجومه على الحديدة وبالتالي تُرك من دون استراتيجية عسكرية لكسب الحرب، فقد بدأ صناع القرار في الإمارات، المحبطين بعد أربع سنوات من الجمود، في سحب قواتهم من ساحل البحر الأحمر وفي يونيو 2019 أعلنوا الانسحاب الكامل.
 
وعلى الرغم من أن أبو ظبي ما يزال لها تواجداً عسكريًا صغيرًا في مواقع استراتيجية في باب المندب وعلى طول الساحل الجنوبي لليمن، إلا أن التدخل العسكري الإماراتي قد انتهى إلى حد كبير، كما حدث بالفعل، مع الكثير من مرتزقة السودان. وهذا يعني فعليًا أن السعودية هي العضو الوحيد ذي الصلة في التحالف مما يتركها، منذ صيف عام 2019، وحدها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحرب في اليمن، بما في ذلك الوضع في الجنوب.
 
شكلت خسارة حكومة هادي للعاصمة عدن تهديدًا كبيرًا لمصداقية الحكومة لأنها حولتها فعليًا إلى حكومة في المنفى.  وكما حدث في مناسبات سابقة، ولكن بشكل أكثر إلحاحاً هذه المرة، تدخلت المملكة العربية السعودية لمحاولة التوفيق بين الخصمين اللذان يمثلان جزءاً رسمياً من التحالف المناهض للحوثيين.
 
الوساطة السعودية، وبعد ثلاثة أشهر من المفاوضات غير المباشرة الصعبة بين المجموعتين، قادت إلى اتفاق الرياض، الذي تم توقيعه في 5 نوفمبر 2019.
 
ما هو واضح للغاية في هذه المرحلة هو أن هذا الاتفاق يتميز بالتفاؤل المفرط في تسلسله وجدوله الزمني، وهو شيء مماثل لما شهدته الاتفاقات السابقة، بما في ذلك اتفاقية ستوكهولم واتفاق (مبادرة مجلس التعاون الخليجي لعام 2011) التي أدت إلى الفترة الانتقالية ثم الحرب. 
 
بالنظر إلى هذه الحالة، ليس مستغرباً أن نتساءل لماذا يتم الاتفاق بشكل منهجي على هذه الجداول الزمنية غير الواقعية؟
 
منذ توقيع الاتفاق، كانت هناك مواجهات في أبين وشبوة مع إنشاء خطوط جديدة لوقف إطلاق النار والجبهات، تاركةً الانتقالي الجنوبي يسيطر على جزء صغير من ساحل أبين، بينما لا تزال قوات الإمارات العربية المتحدة ومؤيديها يسيطرون على كلا محطة للغاز في بلحاف ومعسكر كبير على طول خط الأنابيب في شبوة.


كما يسيطر المجلس الانتقالي بحزم على أكبر على معاقله في محافظتي لحج والضالع، ولكنه هنا أيضًا يتعرض للتحدي من قِبل القوات الجنوبية الأخرى في لحج ومن قبل الحوثيين في الضالع. في عدن نفسها، سلّم الإماراتيون مواقعهم العسكرية للقوات السعودية في عام 2019؛ وكانت محاولاتهم لطرد عناصر الحزام الأمني من مواقع مختلفة في المدينة ناجحة جزئياً فقط.
 
يقدم الجدول الزمني الجديد المتفق عليه في 9 يناير 2020 المزيد من التفاصيل حول إعادة انتشار القوات بدعم سعودي في جميع أنحاء الجنوب.  كما ينص على أنه ينبغي تنفيذه في غضون 20 يومًا؛ وقد تم إحراز تقدم محدود كما أن الهجوم القاتل على قوات الحرس الرئاسي (الذي كان من المقرر نشره في عدن) في مأرب في 19 يناير يهدد جميع جوانب اتفاق الرياض.
 
اتهام أي طرف آخر غير الحوثيين بخصوص منفذ الهجوم سيعرّض اتفاق الرياض علانية للخطر ويضع رعاته في الحكومة السعودية، في موقف صعب للغاية.
 
يعتمد المصير طويل الأجل لاتفاق الرياض بشكل أساسي على استعداد صناع القرار في الإمارات لفرض قبوله على الانتقالي الجنوبي وميليشياته، وإجبارهم على تنفيذ القرارات التي اتخذتها القوات السعودية على أرض الواقع ولجان التنفيذ التي تسيطر عليها السعوديون. حيث أن الأحداث التي شهدها الشهر الأول من السنة لا تشير إلى أن هذا يحدث. لذلك من المحتمل أن يكون عام 2020 عامًا آخر من حالة عدم اليقين بالنسبة للجنوبيين، خاصةً أولئك المتمركزين في الخطوط الأمامية المختلفة وفي عدن. 
 
وبصرف النظر عن الادعاءات التي تشير إلى عكس ذلك والأصوات العاليةٍ حول الاستثمارات في البنية التحتية من الصندوق السعودي لإعادة الإعمار، ولا سيما توفير إمدادات ثابتة من الكهرباء والمياه، فمن غير المرجح أن تتحسن الظروف المعيشية في العام المقبل. ونظرًا لأن السعوديين سيطروا على جميع جوانب الوضع في عدن وخارجها، فإنهم يواجهون مجموعة إضافية من المشكلات، في الوقت الذي يرغبون فيه أيضًا في إيجاد حل للأزمة اليمنية.

 


المفاوضات الحوثية ـ السعودية
 
كان أحد التطورات الرئيسية في عام 2019 هو التغيير الأساسي في الاستراتيجية السعودية. وقد نتج ذلك عن عدد من العوامل وهي التخلي عن هجوم الحديدة، وسلسلة التوغلات الحوثية في المملكة العربية السعودية مما أدى إلى أسر للأفراد والمعدات العسكرية السعودية، وإطلاق الحوثي لعدد من الصواريخ الأكثر قوة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية.
 
والأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن الحوثيين زعموا قيامهم على حد سواء بالهجوم الصاروخي الناجح على خط الأنابيب بين الشرق والغرب في أيار/ مايو، والهجوم بأكثر من 20 صاروخًا على منشآت نفط أرامكو الرئيسية، أكبر أصول اقتصادية في البلاد، على عكس الأدلة التي تشير إلى أن إيران مسؤولة بشكل مباشر عن هذه الهجمات.
 
كانت النتيجة الفورية للضربات على أرامكو هي الكشف عن الضعف الأساسي للتحالف السعودي الأمريكي تحت إدارة ترامب.  حيث كان الرئيس ترامب يدعي وجود صداقة عميقة مع النظام السعودي الجديد، ولا سيما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكان صريحًا بشأن أولوياته الحقيقية.
 
وبعد إلقاء اللوم علانية على عدوه الأول إيران، على الهجوم. قام بعد ذلك بتأخير اتخاذ أي إجراء لدعم المملكة العربية السعودية، موضحًا أنه يجب على المملكة العربية السعودية الاعتناء بنفسها، ليس هناك شك في أن الجانب السعودي مهتم بجدية بإنهاء تدخله العسكري في اليمن.
 
 كل هذه العوامل، وخاصة هجوم أرامكو، مجتمعة أقنعت السلطات السعودية بالمشاركة في مناقشات مباشرة مع الحوثيين في سبتمبر. وقد سهلت هذه الخطوات من خلال "إجراءات بناء الثقة"، لا سيما وقف الهجمات الصاروخية على المملكة العربية السعودية من قبل الحوثيين بالإضافة إلى سلسلة من عمليات تبادل الأسرى، بما في ذلك عودة 13 سعودياً تم القبض عليهم خلال مواجهات مختلفة. من جانبهم، خفض السعوديون غاراتهم الجوية بشكل ملحوظ منذ بدء المحادثات.

  

وفي حين أن المفاوضات بين الجانبين من المرجح أن تتأخر وأن تعاني من عواقب اندلاع الصراع الأمريكي ـ الإيراني في أعقاب اغتيال القائد العسكري الإيراني الكبير قاسم سليماني، فلا شك في أن الجانب السعودي مهتم بجدية في إنهاء تدخله العسكري في اليمن.  مسألة ما إذا كان الحوثيون سيسمحون بالقيام بذلك يبقى أمرًا متروكاً للمستقبل.
 
 في بعض النواحي، يحتاج الحوثيون إلى الحرب، في حين أن السعوديين بالتأكيد لا يريدون ذلك؛ وقد يكون القتال المتجدد الحالي على الجبهات الشمالية جزئياً، طريقتهم في دعم إيران بعد اغتيال سليماني.
 
وبصرف النظر عن أحدث موجة من اشتعال القتال، فمن المحتمل أن يتم إيجاد نوع من الآليات خلال العام لتقليل الغارات الجوية السعودية على الأراضي الحوثية والقتال البري، خاصة وأن السعوديين باتوا اليوم يشاركون بعمق أكبر في التعامل مع المشاكل الجنوبية.
 
هذا بالتأكيد لا يروق لحكومة هادي، التي من الواضح أن مسألة إنهاء القتال بصورة رسمية أو غيرها مما يترك الحوثيين على حالهم ليست بالأخبار السارة.  وقد أصبح إحباطها علنًيا في الأيام الأخيرة من خلال التصريحات القوية ضد اتفاقية ستوكهولم التي تعتبر خطوة نحو قبول مشاركة الحوثيين في التسوية، وهو ما تصر الحكومة على رفضه، مؤكدة السعي لتحقيق هدفها (غير الواقعي) المتمثل في النصر التام.
 

الخسائر والبقاء
 
قد تكون هذه لحظة مناسبة للنظر إلى ضحايا الحرب في عام 2019، لأنها مؤشر فعال لطبيعة القتال.  ومع إجمالي 1181 غارة جوية خلال العام، انخفضت الأرقام بشكل كبير في الأشهر الثلاثة الأخيرة: منها 80 غارة في أكتوبر، 39 في نوفمبر، و18 غارة في ديسمبر.
 
وبصورة منطقية، فإن الرقم الأكبر كان في محافظات صعدة (465) وحجة (311)، أي معاقل الحوثيين المتاخمين للمملكة العربية السعودية ومسرح الكثير من القتال البري. أما المناطق الأخرى التي شهدت أعدادًا كبيرة من الغارات فهي محافظة صنعاء (83) ومركز المدينة (39)، حيث توجد المنشآت العسكرية الحوثية الرئيسية، والخط الأمامي الجديد في الضالع (69) على الحدود السابقة بين الاثنين السابقتين.
 
وفيما يتعلق بالوفيات الإجمالية، فعلى الرغم من أن عام 2019 كان ثاني أكثر الأعوام دموية منذ عام 2015، إلا أن الاهتمام الدقيق بالتفاصيل يشير بوضوح إلى أن هذه تحدث في الغالب جراء العمل الميداني، وأن القتال المتجدد والمتفاقم في الجنوب هو المسؤول عن حصة كبيرة من حالة القتل.
 
وبالطبع، النقطة الأولى التي يجب التأكيد عليها هنا هي أن الأرقام لا تشمل سوى الوفيات المرتبطة بالحرب مباشرة.  يجب أن يتذكر القراء أن الغالبية العظمى من الوفيات غير مسجلة وأنها نتيجة للأمراض المرتبطة بسوء التغذية وتدهور الظروف المعيشية بشكل كبير بسبب الحرب.
 
وفيما يتعلق بالقتلى بسبب الحرب، كان عدد القتلى المدنيين أقل بكثير مما كان عليه في السنوات السابقة، حيث بلغ عدد القتلى 1263 مدنياً من إجمالي 23194 قتيلاً.  الغالبية العظمى من الناس قتلوا في المعارك (13762)، من خلال القصف والمدفعية والهجمات الصاروخية (3762)، في حين أن عددًا كبيرًا آخر بسبب الغارات الجوية (2650) ، والمتفجرات عن بعد والألغام الأرضية (2640). 
 
جغرافيا، وعلى الرغم من اندلاع القتال في الجنوب، جاء أكبر عدد من الوفيات في محافظة الضالع الجنوبية (4025) تليها الجبهات الشمالية الرئيسية على طول الحدود السعودية، الجوف (3951)، حجة (3327) وصعدة (3164).  وتجدر الإشارة إلى أنه، بما في ذلك الغالبية العظمى من القتلى في المعركة، فإن الغالبية العظمى من القتلى كانوا مجرد شبان عاديين يحاولون المساعدة في إبقاء أسرهم على قيد الحياة، وانضموا إلى القوات العسكرية في غياب أعمال بديلة.
 
في الختام، يبدو أن عام 2019 قد شهد انخفاضًا كبيرًا في المشاركة العسكرية المباشرة لكل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومن المحتمل أن تتضاءل المشاركة أكثر في عام 2020. سيستمر القتال البري بين اليمنيين، ومن المرجح أن يستمر خلال العام، وبالتالي مواجهة الصعوبات المستمرة للبقاء ستبقى أولوية معظم الناس.  وطالما أن الاقتصاد غير قادر على التعافي، ستستمر الحاجة إلى المساعدات الإنسانية.


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر